أمضي عمرَه واحدا من حوائط الغرفة التي لا نافذة لها ولا تطلُّ علي ناصيتين حاكيا للحوائط الثلاثة ، عن الشوارع عن المارة .. وشكل أصواتهم عن زينة الأعياد وأيَّام الميلاد ، ومآتم الموتي السيَّاراتِ الأليمة واللافتات الكبيرة الملوّنة أشجار المانجو التي تملأ الشارعَ بالعشاق عادةً وبالحصي و الأطفال أيضا .. عن المخمورين الذين يستبقون أرواحَهم بمحاذاة الرصيف وينصرفون دونها آخر كل ليلة. الحائط العجوز تحسس ظهرَه الذي في الغرفة وأسف له كثيرا ..! كان يودُّ لو أنه كسطحهِ الخارجيِّ معرَّضٌ للشمسِ مطلٌّ علي شارع . صباح هذا النهار السيدة التي استأجرت المنزلَ مؤخَّرًا أحضرت عاملا ضخما وله قالت : في قلب هذا الحائط في قلبه تماما ..! إحداث ثقبٍ بهذا الحجم كان أمرا مريرا صدِّقني كان ذ حتَّي - أكثرَ إيلامًا من كلِّ السنوات التي مضت من الظلام والضوضاء والوسخ و الانتظار من الخوف الذي يملؤنا علي رأس كل سنة جديدة إذاما تساءَلنا : من يكونُ الساكنَ الجديد ؟ أكثرَ إيلاما من الأطفال ، واللصوص ، والكراتين الفارغة والثقوب الصغيرة ، والوحشة .. الوحشةُ التي تحدثها العناكب بأعشاشها وعلي أصواتها تتَّسعُ التجاعيد .. وامضةً كنصلٍ .. لو أنني لم أكن حائطا بهذا المنزل لم يكن لأحد أن يجتريء عليَّ هكذا .. و بمنتهي الوقاحة .. ! يا أخي أنا حتَّي لو كنت حائطا في زنزانةٍ كان سيكون أُرحم .. !! كنت سأصبحُ مصفَّحًا وأكثرَ مهابة ً.. أستدفيء بحكايات المساجين ويمتليء وجهي بخطوط يهدهدون بها أرواحهم المتهالكة .. أحدهم كان سيقص علي زميله : .. هكذا كانت صافيةً نظرة ابنتي يا صديق هكذا حضنتني آخرَ مرَّةٍ وانظر أيضا .. هل تريد أن تضحك ؟ هكذا كان كبيرا نهدُ الجارةِ التي نهرتها ضد الصيف الماضي سامحيني يا سميَّةُ يا ابنتي لم أنتقم لكِ كما أخبرتكِ حينما ذهبت للستِّ انشغلتُ .. - وهي تتنهد منفعلة ًوتحكي كيف أفزعَ كلبُكِ دجاجاتها - انشغلتُ بنهدها هذا الذي يقطف البيوت والقري والغيطان طازجةً لو أنَّكَ تدري كيف راح العامل الضخمُ ينقر في قلبي ويسَّاقط فُتَاتُهُ حصيً ورملاً وأنصافَ قوالبَ وشطائرَ أسمنت .. ! لم أمتلك في قلبي هذا فيما مضي إلا غصصا وخرائبَ لم أمتلك ذكري دافئةً أو أغنية مسلية لم أحفظ فيه صورةً لساكنٍ مُسَالِمٍ أو وردةً في دورقٍ لكن تحطُّمَه هكذا أفجعني يا صديق هل تحطَّمَ لك قلبٌ من ذي قبل ؟! القَصْدُ انحنت السيدة بمقشّتها علي بقايايَ وانزعَجَتْ كثيرًا لنثاراتي التي تطايرت علي خدود رفاقِ العمل الثلاثة ممتزجةً بدموعهم ودعواتهم لي بالنجاة .. والشفاء العاجل . أزعجها إذن الدم واللحم اللذان صارا غبارا ويحتاجان جمعةً كاملة - لإزالة آثارهما من علي الآثاث والنجف والورد الجاف .. لكم أنا مهينٌ يا صديقي مهينٌ جدا ..! كفَّ العامل أخيرا عن التكسير ... بعدما صار لي :جرحٌ مستطيلٌ وجسدٌ مُنْتَهَكٌ .. وبلا قلبٍ .. ومشكورا .. أعدَّ لي ضمادةً خشبيةً ونافذة ذ قيل - ملونةً ..... ..... علي قلبي الجديد استقرت مزهرية وزقزق عصفورٌ ورفَّتْ نحلَة .. انحنت طفلة بخدِّها لتكتب الواجب ريثما تنهي أمُّهَا الطهوَ .. وعلي قلبي الجديد عَلِقت طفلةُ من ياقة ثوبها بمسمار ناتيءٍ قبيل سقوطٍ محقّقٍ وعلي قلبي الجديد كبرتْ فتاةٌ .. وانتظرت حبيبا سيعودُ آخر كل ليلةٍ مرسلًا لها قبلةً في الهواء ووردةً في السَبَتْ .