د. فرخندة حسن بدأت مصر مشروعاً قومياً عملاقا مبنيا علي أحدث الأسس العلمية وأكثرها تطوراً وهو التحول إلي المنظومة الرقمية بهدف رفع كفاءة إدارة جميع موارد الدولة وإحكام الرقابة علي الإنفاق العام. يختلف هذا المشروع عن باقي المشروعات القومية الأخري في أنه سوف يحدث نقلة هائلة ليست بالهينة ينتقل فيها المجتمع الي عصر جديد تماما تختلف فيه العلاقة بين الحكومة والمواطنين. تعتمد منظومة التحول الرقمي أساساً علي التكنولوجيا وعلينا أن نعي تماما أن التكنولوجيا في حد ذاتها ليست هي طوق النجاة... بل طوق النجاة الحقيقي يتمثل في القدرة علي استيعابها الكامل وحسن استخدامها والتحوط لآثارها السلبية فلكل تكنولوجيا آثار سلبية بجانب الآثار الايجابية وهو ما يشكل عدة تحديات علينا مواجهتها بكل الشفافية.. فمثلاً كلنا علي علم بأن المورد الرئيسي والأساسي للتحول الرقمي هو توافر المعلومات والبيانات وعلي ذلك فسلامة البنية المعلوماتية وتنمية شبكة المعلومات وصيانتها ومتابعتها من حيث سرعة الانتشار والاستمرارية والاستدامة ورقابتها وتأمينها من أي اختراق أو سوء استخدام، يشكل أحد أهم التحديات وهو جهد مهول ليس بالهين ويحتاج بجانب التشريعات المنظمة له، موارد مالية ليست بالقليلة يجب التأكد من توافرها وتدفقها المستمر حتي لا يحدث مثل ما حدث في تجربة تطوير التعليم. كما يحتاج الأمر إلي المزيد من تنمية القدرات البشرية من خلال برامج دائمة مستمرة وليست برامج موسمية فهذه التكنولوجيا تتطور بوتيرة متسارعة بدرجة غير مسبوقة وعلينا مواكبة هذا التطور المتسارع. ستؤثر هذه التكنولوجيا علي طبيعة الوظائف، فهناك وظائف ستختفي ووظائف جديدة سوف تنشأ ولا يمكن الجزم بأن أعداد الوظائف الجديدة سوف تعوض تلك التي اختفت ولا يمكن أخذ ما يحدث في دول الغرب بأنه بالضرورة سيحدث في مجتمعنا الذي له طبيعته وخصوصيته وهو ما يستدعي دراسةوتحليلا دقيقا للوضع المحلي والاستعداد له. كما أن هناك آثاراً صحية قد تصيب القائمين علي العمل أمام الأجهزة الألكترونية لأوقات طويلة. هذا بجانب الآثار الفنية المتوقع حدوثها مثل انهيار السستم أو المنظومة بالرغم من السبل الموجودة للحماية كما حدث لعدد من المؤسسات التي تمارس عملها بهذه النظم وهو ما يستدعي وضع استراتيجية متكاملة ومنهجية شمولية تأخذ في الاعتبار كل الآثار السلبية علي نفس المستوي والاهتمام والأخذ بالآثار الايجابية والملحوظ لها حتي لا تحدث أو مواجهتها بالحلول المناسبة في حالة حدوثها... وكل هذا يشكل بعدا أخلاقيا هو البعد المساند لباقي ابعاد المشروع تحتم اخذه في الاعتبار. كان غياب هذا البعد الاخلاقي سببا في فشل عدد من المشروعات السابقة والتي كانت مشروعات واعدة والأمثلة كثيرة لا يتسع المقام لسردها. الا يستحق هذا الموضوع حواراً مجتمعيا يضم المتخصصين والمستفيدين؟