د. مختار جمعة كشف وزير الأوقاف المفكر الإسلامي الدكتور مختار جمعة عن لجان أمر بتشكيلها لتقديم الرعاية والاهتمام بالأسر الأولي بالرعاية في المناطق المختلفة، وكذلك متابعة المساجد حتي الانتهاء من صلاة عيد الفطر المبارك. كما شرح فضيلته.. خلال حوار أجرته معه »آخر ساعة» أبعاد المبادرة التي أطلقها في رمضان للتكافل، وأجاب عن تساؤلات تتردد علي ألسنة الصائمين.. وغيرها من التفاصيل في سياق السطور التالية: أطلقتم مبادرة للتكافل في شهر رمضان المبارك.. ما هو مغزاها ورسالتها وأهدافها؟ - من أهم خصائص شهر رمضان، أنه شهر الجود والكرم والسخاء، وقد كان المصطفي »صلي الله عليه وسلم» أجود الناس، وكان أجود مايكون في رمضان، فهو شهر البركات، ودعوتنا تحويل التكافل في الشهر الكريم إلي سلوك، بحيث لايكون بيننا جائع ولا محتاج ولا مكروب، فلا شهر أكرم من إطعام الطعام وتفريج الكروب منه، ومن أراد الخير فليعجل بإدخال الفرحة والسرور علي الناس أجمعين، وإزالة الهم عن المهمومين، ياباغي الخير أقبل، ياباغي الشر أقصر. نسأل الله أن يعيننا علي الوفاء بحقه، وحق هذا الشهر الكريم، وأن يوفقنا لأن نجعل منه بتراحمنا وتكافلنا نموذجا للسلوك الإنساني القويم. ماهي أهم واجبات المسلم طوال هذا الشهر الكريم؟ شهررمضان المبارك فرصة كبيرة للنقاء والصفاء الروحي وإصلاح أحوالنا مع الله، فهو كما قلت شهر الجود والكرم، فإن استطعنا ألا يكون بيننا في هذا الشهر جائع أو مسكين أو محتاج فلنفعل، حيث يقول نبينا »صلي الله عليه وسلم»: »ما أمَنَ بِي مَنْ باتَ شَبْعانَ وَجارُهُ جائِعٌ إِلَي جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ». لابد من وضع خريطة لمنهاج المسلم في رمضان تتمثل في التوازن بين العبادة والعمل والإنتاج، والحرص علي صلة الأرحام، ونقاء الصدور، وتقوم علي التكافل الاجتماعي، وحسن مراقبة الله عز وجل. ورمضان فرصة كبيرة للصفاء والنقاء الروحي وإصلاح حالنا مع الله، فهو شهر عبادة وعمل، وديننا دين الصلاح والإصلاح لا تشدد فيه ولا غلو! أؤكد مرة أخري: شهر رمضان فرصة سانحة للرجاء والقبول والرجوع إلي الله، قال نبينا »صلي الله عليه وسلم»:» مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، ومَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، ومَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».. مامن ليلة من لياليه إلا لله »عز وجل» فيها عتقاء من النار، ومامن إنسان يعرض نفسه بصدق علي الله »عز وجل» آملا في رحمته إلا أكرمه الله تعالي.. كيف نكون من أهل الصيام والقرآن معا؟ أنزل فيه القرآن، قال تعالي : »شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًي لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَي وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَي سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَي مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ». وقال النبي »صلي الله عليه وسلم»: »الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» يقول: الصيام أي رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل، فشفعني فيه، قال فيشفعان»، أهل القرآن هم أهل الله وخاصته، وعطاء القرآن لاينفد إلي يوم القيامة، فعلينا به حفظاً وتلاوة وتعلماً وتعليماً ومدارسة وفقهاً! وحتي نكون من أهل القرآن والصيام لابد أن نعلم أن نبينا »صلي الله عليه وسلم» حثنا علي مزيد من الكرم والسخاء في هذا الشهر، فعن ابن عباس قال: »كان رسول الله »صلي الله عليه وسلم» أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل ليلة في رمضان فيدارسه القرآن، فالرسول »صلي الله عليه وسلم» كان أجود بالخير من الريح المرسلة». ثواب تفطير الصائم الفقير.. أم لايشترط المقدرة بالنسبة للمدعو؟! رسول الله »صلي الله عليه وسلم» يقول: »من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لاينقص من أجر الصائم شيئاً» النبي »صلي الله عليه وسلم» قال» من فطر صائماً، سواء كان فقيراً أو غنياً، ولابد من استعادة عادتنا الجميلة باجتماع الأهل والأصدقاء، علي مائدة رمضان، لكنني أشدد هنا علي العناية بالفقراء، فلنعجل بالخير والجود، لأن النبي »صلي الله عليه وسلم» يقول: »مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَان وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَي جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ». عدد من الصائمين يجعلون الصيام علي حساب العمل والإنتاج، ومنهم من يسرف في ميزانيته عن باقي الشهور.. ماذا تقول لهم؟ رمضان شهر عبادة وعمل وليس للنوم والكسل، كما حذر القرآن الكريم من الإسراف لقوله تعالي: »وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ»، كما قال سبحانه: »وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وكان الشيطان لربه كفورا».. ومن أقصي درجات التبذير أن يكون أخ لك في الإنسانية بحاجة إلي الطعام، وأنت تصنع ما تأكل، ثم تلقي بالفائض في سلة المهملات! الإسراف المنهي عنه الذي تناولته بالنسبة للطعام والشراب هو إضاعة للمال من جهة، وللنعمة من جهة أخري، فليس من حق من يملك المال أن يؤدي إلي ارتفاع ثمن السلع بالإسراف في استهلاكها فضلا عن إتلافها! علي أن كثرة الطعام عند الإفطار تؤدي إلي الفتور في العبادة أو التكاسل عنها، أو عدم القدرة عليها، وحسبنا حديث النبي »صلي الله عليه وسلم»: »مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ». كيف نجعل من رمضان شهرا للتسامح بين الناس؟ رمضان هو شهر التسامح، فمن كان بينه وبين أحد من الناس قطيعة أو شحناء فليعجل بإنهائها، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام، أما الفجور في الخصومة واللدد فيها فمن علامات النفاق والمنافقين! فإذا خاصم المنافق فجر، أما المؤمن فسهل، قريب، كريم، هين، لين، يألف ويؤلف، ومن كان كذلك حرم الله جسده علي النار، ولاسيما في شهر العتق من النار، نسأل الله أن نكون في هذا الشهر الكريم من عتقائه من النار. ماهي شروط قبول الدعاء عند الله عز وجل، وهل كل الذي يدعو ويرفع كفيه إلي السماء يستجيب له رب العباد؟ الدعاء باب مهم من أبواب العبادة في الإسلام، وهو يعبر عن فضل كبير ورحمة واسعة من الله تعالي لعباده، يقول النبي »صلي الله عليه وسلم»: » إِنَّ رَبَّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا ».. فشهر رمضان شهر إجابة الدعاء، حيث إن أهم آية في الدعاء قد توسطت آيات الصيام، وكأنها إشارة إلي قبول دعوة الصائمين، حيث يقول النبي »صلي الله عليه وسلم»: »ثلاثة لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ الإِمَامُ الْعَادِلُ وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا فَوْقَ الْغَمَامِ وَتُفَتَّحُ لَهَا أَبْوَابُ السماء»… لكن يشترط لقبول الدعاء أن يكون صادقاً مع نفسه، وصادقا مع ربه، فإن الله »عز وجل» لا يرده خائباً، ولابد أن يسأل العبد نفسه: هل صمت حقاً، وهل صمت عن الحرام، وعن الكذب، وعن الغيبة والنميمة وهل صمت عن تطفيف الكيل والميزان، وهل صمت عن أذي الناس؟ فإن كان ذلك حال الإنسان فهو صائم حقاً، ومن ضوابط إجابة الدعاء أيضا طيب المطعم، والصدق والإخلاص لله رب العالمين. إذن العبرة بالعبادات بمقدار الإخلاص والصدق مع الله، وبالتالي تقويم السلوك؟ العبادة لها مفهوم موسع حري أن نطبقه، وإذا لم تترجم إلي سلوك عملي تأتي يوم القيامة شاهدة علي صاحبها، وللأسف الشديد بعض الناس قد ينظر إلي العبادة من حيث الأداء الشكلي دون استشعار روحي وقلبي لشعائر العبادات، مع أن الإسلام أكد علي ضرورة الاهتمام بالمخبر كما يهتم الإنسان بالمظهر سواء بسواء، وأن العبرة بالعبادات بالكيف، وبمقدار الإخلاص والصدق في أدائها، وشهر رمضان هو شهر التكامل ومكارم الأخلاق، وهو فرصة سانحة لأن نكون صادقين مع الله، والتقرب إليه سبحانه وتعالي.. هل أمرتم بتشكيل لجان لمتابعة أحوال المساجد طوال شهر رمضان المبارك، لمدي التزام الأئمة والخطباء بخطة الوزارة؟ قبل حلول شهر رمضان المبارك أمرت بتشكيل لجنتين الأولي للإعداد لرمضان، والأخري للمتابعة، وتعمل علي مدار اليوم، وتكون في حالة انعقاد دائم للإعداد لكل مايتصل بشئون الشهر الكريم، وتشكيل لجنة أخري تأخذ تكليفاتها مني مباشرة، بتقديم تقرير يومي طوال الشهر الفضيل، وحتي الانتهاء من صلاة عيد الفطر المبارك بإذن الله، مع تحويل المساجد طوال الشهر الكريم إلي واحة دعوية وسطية سمحة، تنطق بسماحة الإسلام ويسره دون إفراط أو تفريط، مع تفعيل دور لجان البر علي مستوي الجمهورية في شهر الخير، شهر الجود والكرم والاهتمام بالأُسر الأولي بالرعاية في المناطق الأولي بالرعاية! مامدي التعاون المشترك بين الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف حول قضايا الدين والمجتمع خلال شهر رمضان المبارك؟ لقد تم ذلك فعلا منذ الأيام الأولي للأسبوع الأول من شهر رمضان المبارك، ففي إطار نشر الفكر الوسطي المستنير والتبصير بقضايا الدين والمجتمع، وطرح المزيد من الثقافة الإسلامية والتنويرية التي تسهم في بناء الإنسان والوعي المجتمعي، وفي إطار التنسيق والتعاون والعمل المشترك بين الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف انطلقت فعاليات الفكر الإسلامي الذي ينظمه المجلس الأعلي للشئون الإسلامية بساحة مسجد مولانا الإمام الحسين »رضي الله عنه»، ويحضره جمع غفير من الجمهور رجالا ونساء، شبابا وشيوخا، حرصا منهم علي تعلم أمور دينهم، والتبصير بشأن دنياهم. ولماذا هذا الملتقي مقصور علي الحسين فقط.. أين باقي المساجد الكبري لتخدم أكبر عدد من المسلمين؟ لقد سبق أن تم توقيع »بروتوكول» تعاون بين مجمع البحوث ووزارة الأوقاف لإقامة 12 ألف ملتقي فكري في شهر رمضان المبارك بهدف بيان يسر وسماحة الإسلام، ونشر مكارم الأخلاق، والقيم الإنسانية، وترسيخ أسس التعايش السلمي بين الناس جميعا، وذلك في ألف مسجد من المساجد الكبري، بواقع ثلاث لقاءات أسبوعية يحاضر في كل لقاء إمام من أئمة الأوقاف، وواعظ من وعاظ الأزهر، أو أستاذ من أساتذة الجامعة.