حريق حارة اليهود ليس الأول ولن يكون الأخير تظل الأسواق العشوائية بمثابة حزام ناسف يطوق المناطق الحيوية لما تسبب فيه من فوضي عارمة وكوارث، فحريق حارة اليهود بالأمس القريب لن يكون الأخير، ففي كل مرة تتم السيطرة علي الحرائق في تلك الأسواق، لكنها تظل تحت تهديد النيران، التي يمكن أن تشتعل في أي وقت، بسبب غياب إجراءات التأمين، وانعدام وسائل إخماد الحرائق، ناهيك عن احتوائها علي مواد قابلة للاشتعال كأنابيب البوتاجاز، والمظلات التي يفترشونها، بالإضافة إلي أكوام القمامة والأكياس البلاستيكية، والمنتجات المصنوعة من البلاستيك فهي ببساطة بؤر جاهزة للانفجار والكوارث.. ويترتب علي ظاهرة الباعة الجائلين والأسواق العشوائية أيضاً زيادة معدلات جرائم العنف والمشاجرات التي تتم بين هؤلاء الباعة وغيرهم من الباعة أو أصحاب المحال التجارية أو المواطنين، بالإضافة لتعطيل حركة المرور..(الأخبار) ترصد مشاهد الفوضي داخل عدد من الاسواق الشعبية بالقاهرة الكبري.. المحلات تفتقد وسائل الأمان.. وسرقة التيار الكهربائي »عيني عينك» المواطنون: التجار حولوا العقارات إلي محال ومخازن والأحياء تتفرج! المشهد الفوضوي سيناريو تعتاده جميع الأحياء بالقاهرة، حيث تقف أجهزة محافظة القاهرة حائرة ما بين الباعة الذين يحتلون شوارع الموسكي وحارة اليهود بالطول والعرض وبين اصحاب المولات التجارية الذين نصبوا انفسهم حكاما لجمهورية العتبة وبدأوا يصنعون ما يحلو لهم من تحويل العقارات ومداخلها إلي محلات ومخازن ومولات تجارية قابلة للاشتعال في اي لحظة.. لتظهر سطوة المال وتختفي اجهزة الاحياء وتكتفي بالتقارير اليومية »المضروبة» التي تعرض علي اجهزة المحافظة.. وقد حذرت »الاخبار» في عدة تحقيقات سابقة من فساد الاحياء والفوضي المتمثلة في غياب الرقابة في كل الاحياء.. كل هذه المخالفات وغيرها تحت مرأي وسمع الاحياء والسؤال: أين محافظ القاهرة من كل هذه المخالفات الجسيمة ؟ وهل اكتفي محافظ القاهرة بالجلوس في مكتبة المكيف!.. علي ما يبدو ان مسلسل الفوضي لن ينتهي بعد!. إنذار مبكر من داخل حارة اليهود لا تزال الآثار المدمرة تلقي بظلالها علي المشهد.. لم نبتعد كثيرا لنجد أن الباعة الجائلين يفترشون الأرصفة والشوارع الضيقة، منطقة الموسكي تعج بالأسواق الشعبية، حارات وأزقة ضيقة بالكاد تكفي لمرور عدد قليل من المارة مما يسبب تكدسا وزحاما شديدا، الأصوات المرتفعة الناتجة من الباعة تضفي حالة من الضوضاء الذي لا يحتمل، ناهيك عن انتشار المواد سريعة الاشتعال مثل العطور والمواد البلاستيكية، والألعاب النارية التي يتم بيعها خلسة. ويقول عبد الحميد محمود، صاحب محل، أن المكان يعاني من وجود الباعة غير المنظم وأن وجودهم هذا كان من ضمن أسباب الحرائق التي تضرب المنطقة كما أن عربات الإطفاء عانت في الوصول للحريق الأخير بسبب تكدس الباعة الجائلين لأن البعض منهم يستخدم الكتل الأسمنتية في تثبيت عرباتهم، لافتا إلي أنه إذا رفض أحد وجودهم تعرض للمعاملة السيئة والتطاول. لم يختلف الأمر في منطقة العتبة حيث الفوضي العارمة، والزحام الشديد، وتعطل حركة المرور ومصالح المواطنين، بالإضافة إلي المشادات المتواصلة بين الباعة وبعضهم.. هنا تتمثل كلمة العشوائية لتتحول هذه المنطقة إلي مركز لفوضي الباعة الجائلين والبضائع القابلة للاشتعال. »قرب واتفرج» يرددها بنشاط لجذب الزبائن، علي محمد، صاحب فرشة لبيع الملابس، الذي يقول أن الحرائق لا يتسبب بها الباعة وإنما هي نتيجة لظروف عديدة خارجة عن الإرادة، فقد تكون خطأ غير مقصود وتحدث داخل المحال الكبيرة أيضاً أو المنشآت الضخمة، وليس شرطاً أن يتسبب بها الباعة في الأسواق.. ويتابع أنه لا يمانع في الانتقال إلي سوق جديد منظم تقيمه الدولة ولكن يكون في مكان قريب من الأماكن الحيوية حتي يسهل علي »الزبون» الوصول إلينا. ولكن ما يحدث هو اختيار أماكن بعيدة غير مأهولة مما ينعكس بالسلب علي أرزاق الجميع. النزهة علي الحافة شقق الدور الأرضي تحولت إلي محلات والجراجات اصبحت مخازن للاقمشة والمواد القابلة للاشتعال كل ذلك يحدث في غفلة من اجهزة الحي، حتي وسائل الامان اختفت في مشهد ينذر بكارثة محققة في النزهة الجديدة.. مخازن تحت الارض ولا يوجد بها اي وسيلة من وسائل الحماية المدنية، وهذا ما أكده محمد علي، مدرس، قائلا ان شارع محمد إبراهيم تحول إلي مخازن للاقمشة وحتي شقق الدور الارضي تم تحويلها إلي محلات واضاف ان هذا الوضع ينذر بكارثة وسط اختفاء وسائل الحماية المدنية. وفي شارع المدينةالمنورة انتشرت محلات الاقمشة وبيع المنتجات البترولية في الشوارع الضيقة بشكل يظهر اقبح صور العشوائية والفوضي، سكان المنطقة اكدوا ان كل المحال التي تم افتتاحها مخالفة وتفتقد كل وسائل الامان، كما أكد عدد كبير من المواطنين الذين يعيشون بالقرب من تلك الأسواق، أنهم يعيشون مأساة نتيجة صعوبة وصول سيارات الإطفاء والإسعاف لها في حال حدوث حرائق، وطالبوا الجهات المسئولة بالتحرك لمواجهة الفوضي الناتجة عن تلك الأسواق، وإنشاء أسواق بديلة للباعة الجائلين بعيدا عن المناطق السكنية. كارثة محققة انتقلنا إلي سوق الفجالة بحي الازبكية فقد تحول إلي »مولد وصاحبه غايب» ، البضائع احتلت الارصفة، والممرات حالت دون وجود وسائل حماية مدنية وفي غيبة من اجهزة الحي.. وما يصيبك بالدهشة وجود سوق دون ترخيص احتله الباعة الجائلون ورغم صدور تقرير من الحماية المدنية يحذر من وجود هذا السوق ويطالب بازالته لانه يمثل خطرا علي حياة المواطنين الا ان اجهزة الحي اصدرت خطابا إلي المحافظة يفيد بانه تم اخلاء هذا السوق بالكامل من الباعة وهذا الكلام »حبر علي الورق» فالسوق قائم والكارثة محققة.. ويقول أشرف السعيد، بائع، ان اجهزة الحماية المدنية طالبت باخلاء السوق وهذا لم يحدث فالسوق قائم ولا حياة لمن تنادي اما عن سوق التوفيقية فهو قنبلة موقوتة قابلة للاشتعال في اي لحظة لما يحتويه من مواد سريعة الاشتعال.. وعبر المواطنون عن استيائهم من انتشار فوضي الأسواق العشوائية، فيؤكد محمد سعيد، محاسب، أن اصحاب المولات حولوا العقارات إلي محال تجارية ومخازن تحوي بضائع قابلة للاشتعال تمثل خطورة علي حياة السكان، دون رد فعل قوي من الاحياء التي تكتفي بالفرجة، بالإضافة لسرقة التيار الكهربي من الاعمدة »عيني عينك» مستغلين ضعف الرقابة والحملات. لجان للمراجعة حادث حريق حارة اليهود الأخير ينذر بوقوع الكثير من الكوارث خاصة مع دخول فصل الصيف، ويقول اللواء إبراهيم عبد الهادي نائب محافظ القاهرة للمنطقة الغربية إن النيران التهمت عقارا كاملا مكونا من 3 طوابق وأرضي في حي الموسكي، وجميعها تضم محلات ومخازن تحوي مواد لتجارة البلاستيك والمفروشات والأقمشة والعطور كلها قابلة للاشتعال.. ويؤكد أنه تم تشكل لجان من الحي والحماية المدنية لمراجعة مدي التزام المحلات بشروط الحماية المدنية ومن يخالف يغلق محله فورا. مخالفة للقانون من جانبه يؤكد د. حمدي عرفه أستاذ الإدارة المحلية، أنه من الخطورة الكبري إهمال تراخيص المحلات في مناطق وسط البلد وخاصة منطقة الموسكي والعتبة وحارة اليهود الذي حول الأغلبية العظمي من الشقق السكنية إلي محال ومخازن دون مراعاة إجراءات الأمن والسلامة العامة.. ويتابع أن حريق حارة اليهود الأخير خير دليل علي خطورة الأسواق الشعبية، التي يمكن أن تتحول إلي قنابل تودي بحياة الأبرياء، فضلا علي انتشار الباعة الجائلين لتلك المناطق والتي تعد مخالفة للقانون حيث ان 96% منهم لا يحملون تراخيص ويحتلون الارصفة والطرقات بدون وجه حق، ويشير إلي أن الحل يكمن في تطبيق قانون الباعة الجائلين من جانب وسرعة اصدار قانون تراخيص المحلات الجديد من قبل مجلس النواب.. ويضيف عرفه أن إجمالي عدد الأسواق العشوائية يتخطي 3425 سوقاً عشوائياً تم إهمالها عبر العقود الماضية تحتضن 5 ملايين بائع جائل ولا بد ان يقوم مجلس إدارة صندوق العشوائيات بالتعاون مع المحافظين بوضع عدد من البرامج والمشروعات لتنفيذ خطة تطوير الأسواق العشوائية بشكل أوسع وأسرع، منها تطوير الموقع وجمع المخلفات وتحسين المنتجات وإنشاء نقابة للباعة بالأسواق.