كتبتُ عن البوكر العربية عدة مرات، كانت الأولى مع مولدها، والأخيرة عند تعديل شروطها. فاصل زمنى عمره سنوات بين المرتين، كان كافيا لإثبات أن مخاوف البدايات لها ما يبررها، فقد تحفظ البعض عند انطلاق الجائزة، على جعل الترشيح حكرا على الناشرين، وجاءت التعديلات بعد أعوام لتزيد سطوتهم، وفى كل الأحوال ظل الروائى العربى مُهمشا، ينحصر دوره فى التوقيع بالموافقة على ترشيح الناشر له، وهو توقيع مضمون، لأن «غواية» الجائزة تجعل الرفض شبه مستحيل. وعلى قدر القيمة المالية الكبيرة، تثور معارك أكبر عند إعلان الفائز كل دورة، وبهذا يُعتبر غبار «البوكر» طقسا مزمنا، فعادة ما يسبق الإعلان عن الفائز، ويتصاعد غالبا عقب حفلها السنوى، وتحتدم الاتهامات التى تُشكك فى حيدتها ومصداقيتها، وتمتد لانتقاد ذائقة لجنة التحكيم، لدرجة نعتها بأنها مُتخلفة فى إحدى الدورات. جاء العام الحالى ليشهد عاصفة جديدة من الجدل، والمختلف هذه المرة هو سيناريو الأحداث، الذى وصل لذروته الدرامية عبر تسريب عبده وازن للنتيجة، قبل إعلانها بساعات، مما فتح عليه نيران المقربين من الجائزة، وكأن المشكلة الوحيدة فى النشر، وليست فيما سبقه من تفاصيل أشعلت الاجتماع الأخير للجنة التحكيم. لم تكن هذه الأحداث الساخنة نقطة انطلاق المعركة الأخيرة، فقد بدأت إرهاصاتها مع طلب لجنة التحكيم ترشيح رواية هدى بركات «بريد الليل». لم يتقدم ناشرها بها للمسابقة، لأن الكاتبة الكبيرة تبنت موقفا سلبيا منها، بعد استبعاد روايتها «ملكوت هذه الأرض» من القائمة القصيرة فى دورة سابقة. بالتأكيد تستحق هدى بركات الفوز بجوائز كبرى، لكن ما يشغلنى هو الأسباب التى دعت اللجنة لترشيح رواية من خارج الأعمال المتقدمة، خاصة بعد أن أكدت تقارير صحفية أن اللجوء لذلك يحدث فى حالة اكتشاف نقص أو ضعف فى قائمة المتقدمين، وبالبحث فى الشروط المنشورة على موقع الجائزة، لم أجد سوى عبارة فضفاضة: « إذا ما رأت ذلك ضروريا»، دون تحديد واضح لحالات الضرورة التى تستدعى قيام اللجنة بذلك، ولأن النص مبهم يصبح التفسير المنطقى له هو ضعف الأعمال المقدمة، خاصة أن جوائز عربية أخرى تنص على ذلك صراحة. نحن إذن أمام أحد احتمالين: الأول أن اللجنة لم تجد فى الأعمال المتقدمة ما يستحق، وهو أمر يسىء إلى أسماء المبدعين الذين تضمنتهم القائمتان الطويلة والقصيرة، والثانى أن الهدف كان ترضية هدى بركات، مما يعنى أن الأمر كان محسوما منذ البداية، وهو ما يهدد مصداقية أعمال لجان التحكيم، وفى الوقت نفسه يصيب المبدعين بالإحباط، لأن قواعد المنافسة العادلة لم تعد قائمة. أيا كانت مبررات الترشيح فإنها توجه رسائل سلبية، حول جائزة أثارت جدلا واسعا منذ لحظة ميلادها، وكانت المخاوف وقتها وجيهة، لكن المتفائلين تمسكوا بأمنيات تراجعت تدريجيا. وبعد الأزمة الأخيرة خرج مجلس أمناء الجائزة، ليعلن إصابته بخيبة أمل كبيرة نتيجة التسريب، لكنى أتمنى أن يقف الأمناء وقفة جادة، بعد تجاوز صدمتهم، ويبدأوا وضع آليات تضمن للجائزة الكبيرة نزاهتها وشفافيتها، لعلاج خيبة المثقفين، التى نتجت عما هو أكبر من أى تسريب!.