أعتقد أن نزار قباني لم يعشق في حياته إلا زوجته »بلقيس»، كانت حبه الأول والأخير، رغم أن قصائده توحي بأنه كان يصاحب عشر سيدات بالنهار وعشرين بالليل، وأن عشيقاته يقفن طوابير انتظاراً للدور. وأعتقد أن نزار كان يري في »بلقيس» كل نساء الأرض، فكتب فيها مائة قصيدة توحي بأنه يعرف مائة امرأة، وكل واحدة تختلف عن الأخري في الملامح والتفاصيل، ولكن يبدو أنهن جميعاً كن بلقيس، التي رآها بعيون من يجب أن يري. نزار كتب في رثاء »بلقيس» بعد استشهادها في تفجير السفارة العراقية في بيروت عام 1982، قصيدة »قتلوك يا بلقيس»، هي أعظم رثاء علي وجه التاريخ، وحشد فيها سحباً من الأحزان، أمطرت خلوداً ووفاءً يندر أن يوجد مثله: يا زوجتي وحبيبتي وصديقتي وضياء عيني قد كنت عصفوري الجميل فكيف هربت مني؟ بعدها ترك نزار بيروت، فلم يتحمل أن يعيش في أرض لا تحتضن خطوات بلقيس، ولا قمر لا ينير بابتسامتها، ولا حياة لا تنبض بقلبها ولا أشجار لا تنبت ورودها، وعاش متنقلاً بين باريس وجنيف حتي استقر به المقام في لندن ومات بها سنة 1998. قصة حب نزار لبلقيس تطرح سؤالاً مهماً: أيهما أهم: الحب أم العشرة ؟ العشرة كانت الأهم، وإذا هبت عليها نسائم الحب، تخلق عالماً سحرياً من الجمال بين الزوجين، تجعلهما يتحملان المصاعب والأوجاع، ويتقاسمان الأفراح والأحزان، ويصبحان جسدين في روح واحدة. بمرور الوقت تتلاشي الخلافات، وتتقارب الصفات، فيتشابه الزوجان الحبيبان في الشكل والملامح وطريقة الكلام والمشي والأكل والشرب، ويصبح الانصهار سياجاً يحمي البيت والأسرة من أي عواصف وأعاصير، وتصير الزوجة الملاذ الآمن في الأوجاع، ويتحول الزوج إلي حصن حنون ضد الخوف، ويحتوي الغضب والانفعالات. نزار الذي قالوا عنه إنه »عربيد النساء»، كان عاشقاً راكعاً في محراب »بلقيس»، وفي صلاته الأخيرة عليها، لم يتذكر إلا الجمال والخلود والكبرياء.. فهل يخادع من كتب يقول: هل تعرفون حبيبتي بلقيس فهي أهم ما كتبوه في كتب الغرام كانت مزيجاً رائعاً بين القطيفة والرخام كان البنفسج بين عينيها ينام ولا ينام وهل يكذب من كتب بدموع من نار: مذبوحون حتي العظم والأولاد لا يدرون ما يجري ولا أدري أنا.. ماذا أقول ؟ هل تقرعين الباب بعد دقائق وهل تأتين مشرقة كأزهار الحقول ؟ لا أعتقد أن من يكتب بدمه وعقله وروحه وقلبه، يمكن أن يعشق امرأة أخري غير بلقيس، حبه الأول والأخير، التي جسدت كل نساء الأرض، وجمعت في عينيها أجمل العيون، وفي شفتيها أعذب الألحان، وفي سحرها شدو الأنهار »ليت كل نساء العالم يصبحن بلقيس». بلقيس أيتها الجميلة.. الشعر بعدك مستحيل، والأنوثة مستحيلة.