كان الشاعر علي الجارم من المؤمنين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ولم يكن هذا العهد سوي تلك (الثلاثية المقدسة) التي آمن بها الجارم وعاش من أجلها وتتمثل في حبه وإخلاصه للإسلام والعروبة واللغة العربية والمتأمل لحياته (1881-1949) يجد مصداقاً لذلك فهولم يتفرنج ولم تفتنه المدنية الغربية رغم دراسته في إنجلترا لمدة أربع سنوات وعندما أتأمل صورته بطربوشه الأنيق وشاربه الوقور ونظراته الثاقبة أشعر أن ملامحه الشخصية تؤكد صدقه فيما عاهد الله عليه؛ كان الجارم شاعراً وخطيبا ولغويا وأديبا له روايات تاريخية عديدة واللافت للنظر أنه من الأشراف حيث ينتهي نسبه إلي سيدنا الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب.. نعود إلي ثلاثيته المقدسة ونبدأ بالإسلام حيث نراه يهيم شوقا ويذوب عشقا حين يناجي الرسول قائلاً: (تحية ناءٍ من شذي المسك أطيبُ/ ومن رشفات الشهد أشهي وأعذبُ) ثم نترنح معه طربا وهويتكلم عن العروبة بمناسبة إنشاء جامعة الدول العربية سنة 1944 (سنا الشرقِ من أي الفراديس تنبعُ/ ومن أي آقاقِ النبوة تلمعُ).. ثم نسمعه يعبر عن مدي اعتزازه باللغة العربية من خلال قصيدته عن دار العلوم التي تخرج فيها وعشقها حيث قال سنة 1927 بمناسبة 50 عاما علي إنشائها: (يا خليليَّ خلياني وما بي/ أوأعيدا إليَّ عهد الشبابِ/ إيه دار العلوم كنت بمصرٍ/ في ظلام الدجي ضياء الشهابِ)؛ ولا يفوتني ما قاله عباس العقاد الذي أوجز فأعجز في وصف صديقه الجارم بأنه (زينة المجالس)، حيث اجتمعت فيه رغم وقاره وهيبته كل أوصاف الظرفاء من أدباء العصرين العباسي والأندلسي، رحم الله علي بك الجارم.