حين كتبت قبل أسبوعين في هذا المكان عن مقال السفير عبد الرؤوف الريدي حول معركة استعادة تمثال نفرتيتي من المتحف الألماني ببرلين الذي علق فيه علي بيان وزير الآثار أمام مجلس النواب وحذر من التفريط في حق مصر طلبت رأي الأثري الكبير زاهي حواس في السجال الدائر بين السفير والوزير وفي بضعة أسئلة طرحتها لعل ضمائرنا تجد الراحة لو عثرنا علي إجاباتها وقد كان شاهد عيان وشريكاً حياً علي جهود مصر في استعادة التمثال. لم أتوقع أن تأتي شهادة الأستاذ زاهي حواس بهذه السرعة في مقاله الذي نشر قبل بضعة أيام في المصري اليوم. وإن كنت موقنة بأن تلك الشهادة لو أتت فستكون بهذه الدقة والشمول المعروفين عنه خاصة أن مقاله اشتمل علي إجابات وافية لمعظم الأسئلة التي طرحتها. لكن ما لم أكن أتوقعه أن تأتي شهادة حواس واندفاعه لبيان الحقيقة علي حساب الصحفيين الذين حملهم في أول سطور مقاله مسئولية الاستعجال في نشر الأخبار الصحفية وظُلم وزير الآثار الحالي د.خالد العناني بقوله إنهم »أعلنوا علي لسانه» أن التمثال خرج بطريقة قانونية وبالتالي لا يحق لنا المطالبة بعودة التمثال، وكأن الصحفيين حرفوا كلام الوزير. لكنه بذكائه المعهود استخدم أسلوب التبعيض الذي يجنبه مخاصمة فئة الصحفيين كافة، ثم في معرض دفاعه - الذي ينكره بلا داع - عن وزير الآثار الحالي ألمح بأسلوب الغمز واللمز والتعميم بقوله: إننا في هذه الأيام متخصصون في الشائعات المغرضة التي تنال ممن يعملون بجد وحب وأعرب عن اعتقاده بوجود طابور خامس يقف لهذا البلد بالمرصاد! وفي نهاية مقاله ومرة أخري في معرض دفاعه عن وزير الآثار اتخذ دوراً غير المطلوب منه فقام نيابة عنه بتكذيب التصريح المنسوب للوزير فكتب يؤكد أن العناني لم يقل إن التمثال خرج بطريقة قانونية، وفي السطر التالي مباشرة كتب أن هناك خطأ في فهم ما قيل علي لسانه في البرلمان! هنا أود بكل الحب والتقدير أن أرصد بضع ملاحظات: أولا أنه لا عيب إطلاقا ولا ضرر في أن يدافع حواس بكل خبرته ومكانته الأثرية عن وزير الآثار إذا ما رأي أنه يستحق هذا الدفاع، لاسيما حين يتعلق الموضوع بكنز أثري مهم ومعركة استراتيجية من المهم تبيان الحقيقة حولها. ومن ثم فلم يكن ثمة داع لإنكار الدفاع عنه. ثانياً: كان الأجدر بوزير الآثار أن يخرج بنفسه لتكذيب التصريح المنسوب له ويعلن بالفم المليان أنه لم يقل هذا الكلام وأن يعيد نص ما قاله تماما أمام البرلمان وقد سمعه كثيرون من أعضاء اللجنة التي استمعت إليه وربما يكون مسجلاً. ثالثاً: ثمة تناقض فيما كتبه حواس حين ذكر أن هناك خطأ في فهم كلام الوزير؛ فهل قال الوزير كلاما ملتبساً أدي إلي هذا الخطأ في تفسير كلامه أم أنه لم يقل أصلاً هذا الكلام مثلما أكد حواس في مقاله؟ أخيراً أوضح حواس أن الموضوع العاجل الذي تمت مناقشته في اللجنة التي يرأسها د. العناني في 2016 كان هو كيفية استرداد تمثال نفرتيتي وأن أعضاء اللجنة اتفقوا علي أن هذا الطلب هو شرعي لمصر، وهو حديث يجلي الموقف الرسمي للدولة المصرية الذي طالب السفير الريدي بجلائه في مقاله المشار إليه سالفاً. غير أن توضيح الخطوات التي اتخذتها لجنة استرداد الآثار أو الدولة المصرية منذ 2016 وحتي الآن مازال ينقصنا، إذ لا يكفي تأكيد اللجنة علي مشروعية الطلب المصري، فالرأي العام المصري يحتاج أن يتابع مجريات هذه المعركة مادامت الرصاصة الأولي قد انطلقت، ليس هذا فقط، بل إن من واجب هذا الرأي العام وقادته من أجهزة إعلامية وثقافية الاحتشاد خلف الأجهزة الرسمية ومعاونتها لاستعادة كنوزنا المنهوبة وأن يتحول إلي ظهير صلب موقن بعدالة القضية ويعمل من أجل الفوز بها.