نائب محافظ الجيزة يزور مطرانية الأقباط الأرثوذكس بطموه للتهنئة بعيد القيامة المجيد    شاهد| قوات الاحتلال تطلق النار على شخصين حاولا الخروج من ركام منزل مدمر في طولكرم    الإصابة تبعد لاعب بايرن ميونخ عن مباراة ريال مدريد في إياب الأبطال    بالصور.. محافظ الشرقية من مطرانية فاقوس: مصر منارة للإخاء والمحبة    محافظة الجيزة : دعم قطاع هضبة الأهرام بمنظومة طلمبات لتحسين ضخ المياه    25 مليون طن، زيادة إنتاج الخضراوات في مصر خلال 2023    خبير اقتصادي: الدولة تستهدف التحول إلى اللامركزية بضخ استثمارات في مختلف المحافظات    الإجازات الرسمية في شهر مايو 2024.. وقائمة العطلات الرسمية لعام 2024    بالصور.. محافظ الوادي الجديد يزور كنيسة السيدة العذراء بالخارجة    إصابة 9 أشخاص خلال مشاجرة بالأسلحة النارية بمدينة إدفو    السعودية تصدر بيان هام بشأن تصاريح موسم الحج للمقيمين    لأول مرة، باليه أوبرا القاهرة يعرض "الجمال النائم"    خاص| زاهي حواس يكشف تفاصيل جديدة عن مشروع تبليط هرم منكاورع    وكيل صحة الشرقية يتفقد طب الأسرة بالروضة في الصالحية الجديدة    استشاري تغذية يقدم نصائح مهمة ل أكل الفسيخ والرنجة في شم النسيم (فيديو)    التعادل السلبي يحسم السوط الأول بين الخليج والطائي بالدوري السعودي    أمريكا والسفاح !    السفير الفلسطيني بتونس: دولتنا عنوان الحق والصمود في العالم    قرار عاجل بشأن المتهم بإنهاء حياة عامل دليفري المطرية |تفاصيل    السجن 10 سنوات ل 3 متهمين بالخطف والسرقة بالإكراه    غرق شاب في قرية سياحية بالساحل الشمالي    5 خطوات لاستخراج شهادة الميلاد إلكترونيا    "حريات الصحفيين" تثمّن تكريم "اليونسكو" للزملاء الفلسطينيين.. وتدين انحياز تصنيف "مراسلون بلا حدود" للكيان الصهيوني    شروط التقديم على شقق الإسكان الاجتماعي 2024.. والأوراق المطلوبة    صالون الأوبرا الثقافي يحتفل بيوم حرية الصحافة بمشاركة النقيب    رمضان عبد المعز يطالب بفرض وثيقة التأمين على الطلاق لحماية الأسرة المصرية    وزير الشباب يفتتح الملعب القانوني بنادي الرياضات البحرية في شرم الشيخ ..صور    رسميا .. مصر تشارك بأكبر بعثة في تاريخها بأولمبياد باريس 2024    بعد القضاء على البلهارسيا وفيروس سي.. مستشار الرئيس للصحة يزف بشرى للمصريين (فيديو)    دعاء تعطيل العنوسة للعزباء.. كلمات للخروج من المحن    إصابة 8 في انقلاب ميكروباص على صحراوي البحيرة    ميرال أشرف: الفوز ببطولة كأس مصر يعبر عن شخصية الأهلي    مفاجأة- علي جمعة: عبارة "لا حياء في الدين" خاطئة.. وهذا هو الصواب    لاعب تونسي سابق: إمام عاشور نقطة قوة الأهلي.. وعلى الترجي استغلال بطء محمد هاني    محمد يوسف ل«المصري اليوم» عن تقصير خالد بيبو: انظروا إلى كلوب    استعدادًا لفصل الصيف.. محافظ أسوان يوجه بالقضاء على ضعف وانقطاع المياه    استقبال 180 شكوى خلال شهر أبريل وحل 154 منها بنسبة 99.76% بالقليوبية    تشييع جنازة الإذاعي أحمد أبو السعود من مسجد السيدة نفيسة| صور    «الصحة» تعلن أماكن تواجد القوافل الطبية بالكنائس خلال احتفالات عيد القيامة بالمحافظات    بعد رحيله عن دورتموند، الوجهة المقبلة ل ماركو رويس    ما حكم أكل الفسيخ وتلوين البيض في يوم شم النسيم؟.. تعرف على رد الإفتاء    خريطة القوافل العلاجية التابعة لحياة كريمة خلال مايو الجارى بالبحر الأحمر    رويترز: قطر قد تغلق مكتب حماس كجزء من مراجعة وساطتها بالحرب    الانتهاء من 45 مشروعًا فى قرى وادى الصعايدة بأسوان ضمن "حياة كريمة"    الخارجية الروسية: تدريبات حلف الناتو تشير إلى استعداده ل "صراع محتمل" مع روسيا    ماريان جرجس تكتب: بين العيد والحدود    إيقاف حركة القطارات بين محطتى الحمام والعُميد بخط القباري مرسى مطروح مؤقتا    القوات المسلحة تهنئ الإخوة المسيحيين بمناسبة عيد القيامة المجيد    توريد 398618 طن قمح للصوامع والشون بالشرقية    المبادرة الوطنية لتطوير الصناعة "ابدأ" .. الليلة مع أسامة كمال في مساء dmc    أوكرانيا: ارتفاع قتلى الجيش الروسي إلى 473 ألفا و400 جندي منذ بدء العملية العسكرية    أبرزها متابعة استعدادات موسم الحج، حصاد وزارة السياحة والآثار خلال أسبوع    مستشار الرئيس للصحة: مصر في الطريق للقضاء على مسببات الإصابة بسرطان الكبد    مي سليم تروج لفيلمها الجديد «بنقدر ظروفك» مع أحمد الفيشاوي    هل بها شبهة ربا؟.. الإفتاء توضح حكم شراء سيارة بالتقسيط من البنك    برج «الحوت» تتضاعف حظوظه.. بشارات ل 5 أبراج فلكية اليوم السبت 4 مايو 2024    المطرب هيثم نبيل يكشف كواليس فيلم عيسى    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنا أفكر إذن أنا كافر
إهدار دم 150 مفكراً عربياً بينهم 60 مصرياً المبدعون حائرون بين: التحقيق الأدبي والتحقيق الجنائي
نشر في أخبار الأدب يوم 09 - 09 - 2012

القضية أكبر من أنأاخطر من ان تتجاذبها الآراء والرؤي، سعيا الي التقنين والتأطير، فإن أسباب الادانة تتوازي مع أسباب البراءة في هذه القضية، ومن ثم تمضغنا الحيرة النابعة من هذه المفارقة.
معنا في هذا الملف ثلة من المفكرين والأدباء والنقاد وأهل الرأي من ذوي الاختصاص يشاركوننا الحوار.. وصولا الي نقط مضيئة، فالدنيا تتغير .. والعالم كله حوار.. والحوار هو لغة العصر.. وجوهر حواراتنا هنا أكثر من علامة استفهام:
من يملك حق اصدار الحكم علي المبدع والإبداع، أدبا وفكرا وفنا: أهو القاضي» الذي تئول إليه الكثير من الأفكار التي يزعمون أن تحتها خطوطا حمراء بين التحقيق الجنائي والتحقيق الأدبي؟.
أم هو «المتلقي» الذي يعتبر المستهلك الأول لكل حركة فكر، وكل فكرة عقل، وهو الذي من أجله يشتد الصراع، فيدعي البعض حمايته وصيانة فكره وذوقه، والبعض الآخر يعطيه الثقة التي يسحبها منه من يزعم انه في حاجة الي من ينير له الطريق وكأنه قاصر؟.
أم هو «الناقد» الذي يفترض انه ضمير المجتمع وقرن استشعاره، وأنه ميزان العدالة في عالم الابداع والكتابة، وأنه هو الذي يسقط كاتبا او يرفعه من خلال التحقيق النقدي الذي يختصر مسافات ضوئية بدون ان تؤدي الي طريق القضاء والمحاكم؟.
هل مصادرة العمل الأدبي أو الفني هي الحل لنبذ مبدعه؟ وهل تدخل القضاء يمكنه محاصرة العمل واعدام افكاره؟ اذن لماذا يزداد اشتهار وتوزيع كل عمل عقب مصادرته؟ ولماذا يشتهر صاحبه، حتي لو كان مغمورا، اذا ما تدخل التحقيق الجنائي؟
البعض يطالب برفع الوصاية علي المبدعين، والبعض يري ان استغلال الحرية شيء مرفوض، فهناك فرق بين الحرية والفوضي، والبعض الاخر يري انه ليس من حق اية سلطة ان تحاكم المبدع علي تعامله مع الحرية، وان المتلقي هو الذي يحكم ، فالإبداع له قاض واحد ووحيد هو الناقد، وهناك من يري انه لايجوز لمبدع ان يتصدي للأمور الدينية بهواه ونزعاته، لكن ضمير الكاتب هو أهم حكم وأصدق حكم
إلي متي يستمر الصراع الدامي بين مشاعل الاستنارة والقوي الظلامية؟
د. جابر عصفور:
لولا أصوات العقلاء من المؤمنين بوسطية الإسلام لدخلنا في ظلمات
وحيد حامد:
الاغتيال ليس قتلاً فقط وإرهاب الكاتب وتكفيره يهدف إلي تعجيزه
ضد العقل .. لماذا؟
في منظور الكاتب وحيد حامد صاحب الأعمال الفنية المثيرة للجدل الإيجابي، أن هذه القضية ليست قضية جديدة، بل هي قديمة في المجتمع المصري، وتعرض لها عشرات المفكرين والكتاب والمبدعين عامة علي رأسهم عميد الأدب العربي د.طه حسين والعقاد وعلي عبدالرازق وغيرهم وبنفس النمط أيضا، هي قضايا كانت بحجم الاستنارة، لابد ان نتفق علي أن مصر طول عمرها مستدفة من القوي الظلامية بحكم موقعها الجغرافي، وبحكم قربها من الحضارة الأوروبية، وكانت دائما هي الموصل القوي للفكر الجديد والمستنير الذي يمثل خطرا علي شعوب تتكلم نفس اللغة التي تتكلمها وتدين بنفس الدين، مصر لم تتخل عن دينها في يوم من الأيام، لكنها لم تعرف التشدد ولا التعصب ولا الجهل بالدين، بل كانت تمارس دورها الإنساني والديني والحضاري بشكل رائع، ولم تهمل دينها ولا حضارتها ولا دورها والمقارنة تأتي من أن شعوبا كثيرة حولنا لا يرضيها ذلك ولا تريده
ويضرب مثلا بأن هناك دولا عربية حتي عهد قريب لم تعرف الحياة النيابية ولا البرلمانية، وان إنشاءها فهو صوري بينما مصر تعد من أولي الدول التي طبقت الديمقراطية تطبيقا جديا وحقيقيا وانظر إلي التاريخ وتذكر الأساتذة الكبار الذين وضعوا دستور 1923 واسماء العمالقة الذين كانوا يوجهون الرأي العام سواء في السياسة أو في الأدب أو في الفكر وفي كل مجالات الحياة هناك الكثيرون الذين لا يريدون لمصر ان تكون قوية، وهذه حقيقة، الكارهون للنور يريدون ان يعيش الكل في ظلام مثلهم، وصنيعهم في ذلك مثل صنيع الناس في المسرحية الفرنسية «لوكريس» حين مر جيش الغزاة علي احدي القري ليغتصبوا كل نساء القرية وبعد حين جاءت فتاة من الحقل فسألها أهل هذه القرية ان كانت اغتصبت أم لا، ولما عرفوا انها لم تغتصب قام النسوة باغتصابها حتي يتساوي الجميع في الاغتصاب
ويضيف وحيد حامد: إذا كنت مستنيرا وعلي قدر من العلم والدعوة الشريفة للاستنارة والتقدم، وأنا لا أريد ذلك، لابد ان اعيدك إلي الوراء وهذا ما حدث لمصر انها تحارب بأشكال مختلفة، إياك ان تعتقد ان المنع والمصادرة وارهاب المفكرين والعلماء والفنانين، ليس من صنع هذه القوي الظلامية هناك أياد خفية تعمل علي ارباك وارتباك المجتمع المصري بالمشاكل لتعطيل نموه في جميع الميادين حتي تظل القوي الواعية مرتبكة مشغولة بآكل العيش وأمور الحياة اليومية
لماذا نحن ضد العقل .. هكذا يتساءل وحيد حامد، ليجيب لأنه أخطر قوة خلقها الله تعالي العقل الإنساني، الاعجاز الرباني العقل الذي يفكر ويخترع، الله هو صاحب هذا العقل الذي وصل بالعالم وسيصل إلي مراحل عظيمة من التقدم والرقي، هذا العقل هناك من يعمل علي تخريبه، من أجل ذلك يخافون من الثقافة والكتابة والفكر ومن بيت الشعر والكتاب العلمي، لذلك لو نظرت في مقررات وزارة التربية والتعليم ستجد انه جري تسطيحها حتي يبقي العقل المصري صامدا في مكانه لا يتحرك إلا في أضيق الحدود وسار النظام التعليمي بالشباب في الطريق الخاطئ فأقام سورا جديدا بينهم وبين الابداع والخيال وأخضعه للحفظ وكأنه جهاز تسجيل، إنما الابداع لا وجود له وهو ليس مقصورا علي الآداب والفنون بل في كل مجالات الحياة ان القرآن الكريم يقول «علم الإنسان مالم يعلم» ورسولنا الكريم قال «اطلبوا العلم ولو في الصين» لكن قوي الظلام لا تريد ذلك وهذه مخالفة صريحة للنص الديني والشريعة الاسلامية.. لماذا؟ لأن من يريد الجهل في مصر لن نستطيع أن يحكم إلا إذا كانت شعوبا جاهلة ومطحونة وحدة إيدها دايما، إنما الإنسان إذا تحرك عقله نجح، والثورة قامت عندنا لأن العقول تحركت، صحيح العقول تحركت ثم للأسف نامت مرة أخري ولكن حدث شئ، جري عملية خرق متعمدة للثورة المصرية عن طريق أكثر من عنصر.
ويري وحيد حامد أن الاغتيال ليس قتلا فقط، إرهاب الكاتب و التكفير يهدف إلي تعجيزه عن أداء عمله، ما قيمة الإنسان إذا كان عاجزا عن التعبير عن رأيه، وأنا والحمد لله عندما أري مظاهرة أمام مجلس الشعب أقول أنا أول من عمل مظاهرة امام هذا المجلس في فيلم «النوم في العسل» وصرخة آه التي كانت تتردد، عندما أقول من واجه الارهاب في عز عنفوانه أقول أنا صاحب «العائلة» من واجه الفساد أنا صاحب «الغول» من واجه ظلم الشرطة في« البرئ» و«ملف في الآداب»، و«الارهاب والكباب» و«طيور الظلام» و«معالي الوزير» و« الراقصة والسياسي» و«عمارة يعقوبيان» أقول الحمد لله بقدر استطاعتي استطعت ان أعبر عن هموم الناس ورفعت عليّ قضايا كثيرة جدا في كثير من هذه الاعمال مثل طيور الظلام، وقضية في النوم في العسل، ومسلسل الجماعة، وبصراحة شديدة جدا لم أهتم بهذه القضايا بسبب ان ثقتي في القضاء المصري حتي لو جار علي في بعض الأحيان لا تهتز هذه الثقة لاني أعلم ان هناك قاضيا آخر قد يستطيع ان يصحح الحكم وهناك من يقول ان بعض القضاة ظلاميون ولكن ان اقول قد يكون هذا صحيحا ولكن عدد المستنيرين في القضاء أكثر وإلا كنا قد تعرضنا لحرج شامل. دم د.نوال السعداوي .. حلال!
عندما سألت الكاتبة د. نوال السعداوي عن رد فعلها إزاء مسألة اهدار دمها، قالت «أنا لا أعبأ بذلك» وهي التي عانت من جبهات الردة، ودعاوي الحسبة التي حاولت التفريق بينها وبين زوجها د. شريف حتاتة، لكنها كانت تنتصر في كل مرة، خصوصاً وان المحكمة لم تفرقها عن زوجها ، بل هي التي كسبت الدعوي التي نادت بسحب الجنسية المصرية منها «وأضّحت إنتصاراتها توازي الاختلاف معها» كما يجمع النقاد.
وعدم اهتمامها بهذه النوعية من الهجوم عليها مارسته عيانا حين رفضت أكثر من مرة عبر الشاشة أن تري أو تسمع هذه الأقوال حتي علي شريط مسجل مثلما حدث مع الشيخ يوسف البدري الذي اتهمها بالردة، وحين أصرت المذيعة وفاء الكيلاني علي عرض الشريط أدارت وجهها عن الشاشات المنصوبة داخل الاستديو، معللة ذلك بأن هؤلاء الذين «يريدون الشهرة علي إسمي لا يستحقون الرد» وإن كانت تري أن «شيوخ الدين المتنورين لهم دور مهم في عملية التنوير الديني وإزالة الغشاوة عن عيون الناس التي تسبب بها التخلف والخطاب الفكري والسياسي والديني المشوه لجمهرة كبيرة منهم إن لهم دورا كبيرا في هذا، ولغيرهم أيضا، كلهم مسئولون عن إزالة الغشاوة عن العيون».
وتقول: « أحاول لكي تفكر الناس بعقلها ولا تخاف ولا تتاجر بالدين وتبقي عندها حرية فكر وحرية عقيدة، وتعيش بحرية حتي لا تبقي مثل القطيع ليتفرد كل إنسان بعقله وتفكيره، لننهض ببلادنا لان بلادنا مستعمرة بفضل عملية التجهيل المطبقة علينا ، ومن ثم فهي تتساءل دائما« لماذا نحن في آخر الامم»
ومع أنها من دعاة التحرر لكنها تحتاط بقولها« هذا يتوقف أي تحرر؟ هناك نساء متحررات فاسدات، أنا ضد الفساد الأخلاقي، ومع المسؤولية ومع الحرية المسئولة لأن الحرية والمسئولية وجهان لشيء واحد، وهدفي مجتمع عادل وحر، و الذي يؤرقني أن الظلم يزداد في العالم...أنا لا أخاف من قول رأيي , والناس تخاف أن تقول رأيها , الكثير منهم يقول نحن معك ولكن لا نستطيع أن نعلن هذا بسبب الخوف، الإبداع هو الأسئلة المفتوحة ويقوم الإبداع علي أمرين : العقل النقدي وحرية التفكير اللا نهائية التي ليس لها سقف تقف عنده».
وبغض النظر عن الأسماء، تري أن المثقف أو الرائد ينبئ ويكون ضد القوانين الظالمة، والناس يجب أن تحاربه لأنهم تعودوا علي الأشياء القديمة، ومصر لا تتوقف عن إنجاب الرواد، و أنا منهم، ولكن الفرق أنني لست في السلطة و لا أتزلف لها ، لذلك فإن هذه الفئة المبدعة تعاني من التعتيم و الحظر، و هذه للأسف الشديد سنة ابتدعتها ثورة يوليو1952 لذا نلحظ ، أن (نجوم) العهود المختلفة بعد الثورة يختلفون من عهد لآخر لا وفق العطاء الفكري و الثقافي للأمة بل برضا السلطة عنهم، وهذا التعتيم و الحظر لمصلحة النظام الذي يحكم ، أيا كان هذا النظام ، و لهذا يضطهد المفكرون و يعذبون و يهددون بالاغتيال وينفون ، و أغلب المفكرين و المفكرات تعرض لهذا و بالتالي هم موجودون و يقاومون.
و تظل العلاقة بين المثقف والسلطة علاقة تنافر في رؤية د.نوال السعداوي لأنه «في ظل حكم ديكتاتوري يحارب الشعب لا بد أن تعارض و تنتمي إلي الشعب و الناس و تقف في صفهم ضد الاستبداد ، و هذا ينطبق علي كل العالم ، أنا ألقي محاضرات و أدرس في جامعات أمريكية و بريطانية ، و أقولها عن تجربة ليست هناك ديمقراطية لا في أمريكا و لا في بريطانيا ، هم يتفوقون علينا برلمانيا ، و من الخطأ الاعتقاد أن الديمقراطية انتخابات و برلمان ، الديمقراطية الحقيقية هي أن يتاح لكل فئات الشعب بمختلف شرائحه و توجهاته، القدرة علي التنظيم السياسي و المشاركة في الحكم«
إطفاء المشاعل .. هيهات
علي امتداد العقود الماضية, كان ولا يزال مدافعا عن حرية الفكر والإبداع والبحث العلمي. ولذلك دافع عن حرية الفكر والمفكرين، ولا يزال, وسيظل مدافعا عن حرية الفكر والإبداع والبحث العلمي, ولن يكف إلي أن يأتي يوم تتحقق فيه الحرية بكل معانيها وجوانبها السياسية
شهادة نجيب محفوظ
لايمكن ان تظهر الابداعات الفكرية والأدبية في ظل ما نراه الآن من مصادرات وأن التجاوزات الفكرية كان يقابلها ردود مفحمة من العلماء والمفكرين مما كان يقتضي احد أمرين: اما ان يعدل صاحب التجاوزات عنها او ان ينصرف الناس عنه من خلال الكتب التي ترد علي تجاوزاته .فالمصادرة أو المحاكمة عن غير قصد تذهب المفكرين والمبدعين مما يقلل من اصداراتهم مما ينعكس ذلك علي الثقافة والفكر، ومن هنا لن تظهر افكار جديدة حيث سيفضل الكاتب او المفكر ان يؤثر السلامة.. وتصبح الحرية محجمة مع ان الله أعطانا الفكر لكي نفكر دائما وأعطانا مطلق الحرية التي يريدون تقييدها نجيب محفوظ
الأزهر والمثقفون والعقل
جاء في نص وثيقة الأزهر حول مستقبل مصر تأكيدات محددة ومحكمة حول الأبعاد الثقافية كأساسيات : مثل البعد الحضاري لإحياء مختلف العلوم الطبيعية والآداب والفنون بتنوعاتها الخصبة، والبعد العملي في قيادة حركة المجتمع وتشكيل قادة الرأي في الحياة المصرية، والبعدُ الجامع للعلم والريادة والنهضة والثقافة في الوطن العربي والعالم الإسلامي وقد حرصت الوثيقة علي استلهام روح تراث أعلام الفكر والنهضة والتقدم والإصلاح في الأزهر الشريف، كما استلهمت في الوقت نفسه إنجازات كبار المثقفين المصريين ممن شاركوا في التطور المعرفي والإنساني، وأسهموا في تشكيل العقل المصري والعربي الحديث في نهضته المتجددة، من رجال الفلسفة والقانون، والأدب والفنون، وغيرها من المعارف التي صاغت الفكر والوجدان والوعي العام.
الشيخ الحويني ل د. نوال السعداوي:
أنت امرأة كافرة
دمها حلال..!
والاجتماعية والفكرية والإبداعية في كل مكان, ويحلم بأن يتحقق هذا الحلم في حياته, وألا ينجح أعداء الحرية في التضييق عليها, مهما كان شعارهم وأيا كانت مواقعهم.. ذلكم هو المفكر والناقد الدكتور جابر عصفور، الذي حين جلست إليه محاورا كان يتحدث وفي الغرفة أصداء أصوات طه حسين وابن الراوندي والإمام محمد عبده وعلي عبد الرازق ومحمد خلف الله وسيد القمني ونصر أبو زيد وفرج فودة ونجيب محفوظ وغيرهم من أهل الاستنارة الذي حاول البعض اطفاء مشاعلهم التنويرية، ولكن هيهات، إذ يقول: المصادرة شيء غريب نراه في مجتمعنا الآن، ولو اننا نظرنا الي تاريخ الفكر الاسلامي لوجدنا ان عالم الاسلام كان اقل العوالم تعقبا للفكر والكتابة علي حين انه كان في العصور الوسطي رقابة من قبل الكنيسة تحظر الكثير من الكتب وتصدر قائمة سنوية من الكتب المحظورة وتحرق الكتب بل تحرق مؤلفي الكتب في بعض الأحيان. في حين اننا نجد ان عالم الاسلام كان يخلو من هذه الظواهر فكانت دائما محاربة الفكر بالفكر نفسه وبالحوار بل اننا نجد انه في العصر العباسي مؤلفا مثل (ابن الراوندي) الملحد يكتب كتابا يهاجم فيه الاسلام ويهاجم فيه كل المقدسات الاسلامية ومع ذلك فان كتابه لم يصادر ولم يحرق ومؤلفه لم يحل الي المحاكمة وانما الذي حدث هو ان مفكرا اخر وهو (أبو الحسين الخياط) قام بالرد علي ابن الرواندي وانما وصل الينا كتاب ابي الحسين الخياط ومنه عرف ابن الرواندي وعرفت آراءه لأن أبا الحسين الخياط كان يثبتها بنفسه في كتابه ثم يقوم بمناقشتها والرد عليها.
كان هذا هو دائما عالم الاسلام ولأنه كان عالما يدعو الي الحوار، فمنذ ان ظهر الاسلام كانت حياة النبي محمد (في مكة الطور الأول من الدعوة علي مدي 13 عاما) عبارة عن حوار مع الكفار وكان هذا الحوار يستند الي الحجة ويستند الي التأثير بكل مقوماته ولم يلجأ النبي الي العنف ربما يقول قائل ان المسلمين كانوا مستضعفين في ذلك الوقت فليكن، وحينما هاجر الرسول الي المدينة وبدأت كلمة الاسلام تنشر وبدأ المسلمون يكونون قوة وجماعة وكانت لديهم قوة في ذلك الوقت استمر الحوار الهاديء للرسول مع الكفار والذي كان يتعرض فيه لكثير من تهجم اليهود وغيرهم من اهل الكتاب والوثنيين ولكنه لم يلجأ الي العنف ابدا، ونحن نعرف ان كثيرا من الشعراء هجوا الرسول ولكن ماذا كان موقف الرسول منهم؟ كان موقفه أنه اتخذ لنفسه شعراء مثل حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبدالله بن رواحة كانوا يردون علي مثل هؤلاء الشعراء اسلموا بعد ذلك ومنهم كعب بن زهير فماذا كان موقف الرسول؟ هل انتقم منهم؟ علي العكس من ذلك حدث فنحن نعرف ان كعب بن زهير حينما اعتذر للرسول اهدي اليه (البردة المشهورة).
وكانت حياة الاسلام منذ البداية هي حياة التحرر حيث كان الاسلام تحريرا للفكر بمعني الكلمة ولذلك فحينما نري الظواهر الحالية مثل مصادرة الكتب ومحاولة تحريم البعض الاّخر وقد رأينا مثل ذلك منذ سنوت حينما أرادوا ان يحرموا علي سبيل المثال كتاب (الفتوحات الملكية) لابن عربي او حينما ارادوا ان يحرموا عملا مثل (الف ليلة وليلة) أو عملا أدبيا معاصرا مثل اولاد حارتنا كل هذا شيء غريب جدا علي الاسلام. فالاسلام يتميز علي غيره من الثقافات ونحن نتحدث عن الاسلام كثقافة بأنه لم يحارب الفكر الا بالفكر والقاعدة في الاسلام تقول: «ادع الي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن» وحينما ارسل الله موسي وهارون الي فرعون قال لهما «فقولا له قولا لينا» وهذا فيما يتعلق بمجادلة الكفر واني أظن انه ليس هناك من بلغ حدا في الكفر مبلغ فرعون.
التخلف الفكري
وانا اقول بصراحة إن ظاهرة المصادرة تعد من ظواهر التخلف الفكري، فحينما نجد قصاصا او كاتبا قد حرف في كتابه شيئا ما فان ابتعاد القراء عن هذا الكاتب هو اعدام بالنسبة له علي العكس من ان نصادر الكتاب او نحكم علي مؤلفه بالسجن، ولنفرض ان كاتبا ما، أخطأ فان هذا الخطأ لايرد عليه بالسجن او المصادرة فكل هذا ليس الا مظهرا من مظاهر التخلف نرجو ان نبرأ منه ولو اننا نظرنا الي ثلاثين سنة الماضية لوجدنا ان الفكر علي ايام الامام محمد عبده ومناقشته ل(ارنست رينا) الذي هاجم الاسلام كانت مناقشة موضوعية وهذا المناقشة هي التي يمكن ان تفيد ويمكن ان تستمر ولو ان محمد عبده في ذلك الوقت قد تشنج وأمر بمحاكمة هذا الكاتب لازداد هذا من التشويه للاسلام وللمسلمين في كل أنحاء العالم.
والأدب لايمكن ان يزدهر الا في ظل الحرية فمن الممكن ان نقول ان الأديب الكبير يستطيع ان يسخر من كل اجهزة الرقابة ويكتب مايريد (بأسلوب الرمزية) علي سبيل المثال ولكن هذا لايتاح الا لكاتب كبير جدا، لقامة عالية جدا في الأدب وبالنسبة للمستوي العام للأدب فانه في ظل المصادرة والمراقبة لابد ان يتدهور ولابد ان ينحل اما الجو الذي يمكن ان يزدهر فيه الادب عامة فهو جو الحرية والديمقراطية الحقيقية سواء كان ادبا تهذيبيا او ادبا ابداعيا أو لكل انواع الأدب ولكل انواع الفكر. لذلك فان فكرنا العربي الاسلامي ازدهر من اجل هذه الحرية.
انا اقول انه خصوصا اذا كنت متمكنا واثقا من نفسك فانه لا بأس ان تخوض أية معركة حوارية مهما كانت، وعلي الرغم من ان دور المفكر حتي الآن في العالم العربي لا يزال مقصورا الا ان كل هذه المسائل مرتبط كلها ببعض وهذا
مرتبط بقضية الحرية فطالما انه ليس هناك ديمقراطية وحرية حقيقية فان المثقف لن يكون له الا دورها، وكلما ازداد قدر الأمة من الحرية والديمقراطية ازداد قدر الأديب من القيمة وكلما استطاع ان يبدي رأيه في تسيير امور بلده وان يشارك مشاركة فعلية.
المفكر الكافر!!
أثناء محاكمة قاتل المفكر د.فرج فودة سألوه:
- لماذا اغتلت فرج فودة ؟
- القاتل : لأنه كافر.
- ومن أي من كتبه عرفت أنه كافر ؟
- القاتل : أنا لم أقرأ كتبه.
- كيف ؟
- القاتل :أنا لا أقرأ ولا أكتب (!)
د.سيد القمني يرد علي من يتهمونه بالكفر
«لا أعرف لماذا يهاجمونني والذين لا يعلمون أنه في إطار بحثي وعملي الأكاديمي قدمت مجموعة أعمال مهمة حركت الواقع المصري الراكد, وقمت بمحاولات إصلاحية من الداخل وعملت علي نزع أنياب من يستغل الإسلام سياسيا ومن جعله مصدر رزق علي حساب البسطاء والطيبين من أهل مصر, كما أنه في اقتراع حر لمفكري مصر تم منحي جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية وذلك ما اعتبره التيار الراديكالي المتشدد تبني الدولة لهذا الاتجاه الفكري العلماني رسميا مما أثار حفيظة التيار المذكور وطالب الدولة بسحب الجائزة مع إعلان ارتدادي وتكفيري, وهو ما يعني في بلادنا أنني قد اصبحت مهدور الدم, ويمكن لأي مواطن قتلي ويكافئه الله بدخول الجنة».
القضاء في 3 مارس 1927
»محاكمة طه حسين«
لم يستطع مجلس النواب الوصول الي قرار رغم عنف الهجوم يخرج منه النواب متجهين الي» النيابة العمومية «ويقدم عبدالمجيد البنان عضو مجلس النواب بلاغا الي النيابة العمومية ضد طه حسين ويطالب بتقديمه للمحاكمة لانه اصدر كتابا اسماه في الشعر الجاهلي تعدي فيه علي القرآن والدين
لم يكن امام النيابة إلا ان تتحرك فالمسألة ليست مجرد بلاغ من شخص عادي ولكنها كمية من البلاغات والتلغرافات من رجال لهم وزنهم الديني والسياسي ايضا
في 7 نوفمبر 1926»اكتظت الردهة الموصلة لديوان النيابة بكثير من علماء الازهر وطلابه وبعض اناس من الريف جاءوا خصيصا ليستطلعوا ما يدور في التحقيق النيابي مع الدكتور طه حسين وكتابه» في الشعر الجاهلي «وسط مناخ عام يطالب «برأس طه حسين» وقد انحصر التحقيق في اربع نقط اساسية: مسألة وجود سيدنا ابراهيم واسماعيل وهجرته، مسألة القراءات السبع للقرآن، اسناد نسب محمد صلي الله عليه وسلم الي أشراف قريش، وجود الاسلام في البلاد العربية. خرج »محمد نور« رئيس نيابة مصر بتقرير النيابة يسجل اولا:» ان له فضلا لا ينكر في سلوكه طريقا جديدا للبحث حذا فيه حذو العلماء من الغربيين ويسجل ايضا ان حرية الفكر تؤدي الي نتائج عظيمة وتثري الحياة بكل معانيها« ثم يتطرق الي نقط الاتهام الاربع ويبدأ بالاول:» من حيث ان العبارات التي يقول المبلغون ان فيها طعنا علي الدين الاسلامي انما جاءت في كتابه في سياق كلام علي موضوعات كلها متعلقة بالغرض الذي ألف من اجله ولاجل الفصل في هذه الشكوي لايجوز انتزاع تلك العبارات من موضوعها والنظر اليها منفصلة، وانما الواجب توصلا الي تقديرها صحيحا بحثها حيث هي في موضوعها من الكتاب ومناقشتها في السياق الذي وردت فيه وبذلك يمكن الوقوف علي قصد المؤلف، اما الاتهام الثاني فيري المحقق »ان ماذكره المؤلف في هذه المسألة هو بحث علمي لا تعارض بينه وبين الدين ولا اعتراض عليه« ونفس الموقف بالنسبة للاتهام الثالث يبقي بعد ذلك الاتهام الرابع »التعدي علي الدين« وقد كان اهم اركان القضية لانه حتي يعاقب المؤلف لابد ان يقوم الدليل علي توافر القصد الجنائي
ويعقب رئيس النيابة علي هذا الرأي »ان توزيع الاختصاص الذي اجراه الدكتور يجعل العلم من اختصاص القوة العاقلة والدين من اختصاص القوة الشاعرة فلسنا ندركه والذي نفهمه ان العقل هو الاساس في العلم والدين معا واذا ما وجدنا العلم والدين يتنازعان فسبب ذلك انه ليس لدينا القدر الكافي من كل منهما لكننا نقرر ذلك بناء علي ما نعرفه في نفسنا، اما الدكتور فقد تكون لديه القدرة علي ذلك« و«نحن في موضوع البحث عن حقيقة نية المؤلف فسواه لدينا ان صحت نظرية تجريد شخصيتين عالمة ومتدينة او لم تصح فإننا علي الفرضين نري انه كتب ما كتب عن اعتقاد تام «ولما قرأنا ما كتبه بامعان وجدناه منساقا في كتابه بعامل قوي متسلط علي نفسه وهو وان كان قد اخطأ فيما كتب إلا ان الخطأ المصحوب باعتقاد الصواب شيء وتعمد الخطأ المصحوب بنية التعدي شيء آخر.
»وحيث انه مما تقدم يتضح ان غرض المؤلف لم يكن الطعن والتعدي علي الدين وحتي بعض العبارات الماسة بالدين التي اوردها في بعض البحث انما قد اوردها علي سبيل البحث العلمي مع اعتقاده ان بحثه يقتضيها، وحيث ذلك لم يتوافر القصد الجنائي ، لذلك حفظت القضية«
صاحب الفضيلة(!) عبدالله بدر للفنانة إلهام شاهين:
»كم ممثلاً احتضنك وقبّلك
و(.....) باسم الفن«؟!
قطوف متوهجة
و..يطول الحوار مع د.جابر عصفور، الذي استقطرت منه هذه الرؤية، لكني لم استطع التخلص من أصداء كلمات مكثفة، يعز علي القلم الا أن يقتطفها من قبيل:
- «علمتنا ثورة25 يناير فوق ما تعلمناه من أجيال ثورة 1919.أن نزداد حذرا من الملتحي الذي يريد أن يغتال الحرية باسم الدين, والدين منه براء, ومن العسكري الذي يريد أن يغتال الحرية باسم النظام والأمن والأمان, فلا نظام ولا أمن ولا أمان ولا حتي مستقبل لشعب يحرمه أحد من حريته التي هي منحتنا من الذي خلقنا أحرارا منذ أن ولدتنا أمهاتنا, قبل أن نعرف الاستبداد, أو تشويه الدين بتأويل نصوصه لصالح هذا الفصيل السياسي أو ذاك, وقبل أن يبتلينا الله بإسلام النفط, فتهب علينا رياح السموم, تروجها أموال النفط في الوطن الذي احتضن الشافعي ودفعه بسماحة أحواله وأوضاعه إلي تعديل مذهبه, والبدء في صياغة كتابه العظيم الأم في حضن هذا الوطن الذي حباه الله بإسلام سمح, لا يزال ممثلا في أزهره, ناطقا باسم شريعة معتدلة عادلة, متدفقة بالتجدد كماء النيل«.
- لولا أصوات العقلاء من المؤمنين بوسطية الإسلام وتحضر مراميه لدخلنا في ظلمات ما بعدها ظلمات. ولولا تقاليد القضاء التي أرساها ليبراليون عظماء من أمثال عبد العزيز فهمي ومحمد نور والخازندار الشهيد, لفقدنا حصن الأمان وحراس العدالة الذين هم مرجعها حين تشتبه الأمور الدنيوية.
- أثق بالقضاء المصري ثقتي بمدنية الدولة المصرية بحكم دساتيرها وقوانينها التي لا رجعة فيها. وأفخر بتاريخ القضاء المصري وعدد غير قليل من أحكامه التي أصبحت بعض مكونات الوعي المصري الحديث بتاريخه الديموقراطي العريق، وإيماني بالقضاء المصري ومتابعتي لأحكامه في مجالات حرية التفكير والإبداع والبحث العلمي هي نفسها التي تجعلني أقف متحمسا في صف هذا القضاء إذا ناله ما يسيء إليه من السلطة التشريعية التي ما جاءت إلا به.
إن ثقتي بالقضاء المصري الشامخ بقدر ما جعلتني أستنكر الحكم الابتدائي بحبس عادل إمام الفنان العظيم هي نفسها التي جعلتني أشعر بالفرح وأتأكد من أني علي حق في هذه الثقة التي تحولت إلي فخر عارم عندما قرأت النص الكامل للحكم في القضية رقم 629 لسنة 2012 جنح جزئي العجوزة في الدعوي التي تقدم بها عسران منصور محمد ضد عادل إمام, ومحمد نادر جلال, ولينين الرملي, وشريف عرفة, ووحيد حامد, ومحمد فاضل. والحكم في نصه الكامل وثيقة رائعة من وثائق القضاء المصري العظيم. وهو وثيقة تجعل المواطن المصري يفخر بالقاضي الذي كتب حيثيات مدققة مفصلة لحكمه, وأعلن ما انتهي إليه في حكمه بالبراءة. وهذا القاضي الذي لا أتردد في إعلان فخري به بوصفي مواطنا مصريا هو الأستاذ أحمد سميح الريحاني رئيس المحكمة. لقد قرأت حيثيات الحكم كلمة كلمة, وفقرة فقرة. وذهلت من ثقافة هذا القاضي, ومن جمعه بين المعقول والمنقول, والعربي والأجنبي من المصادر, وذلك بما وصل بين علوم الشريعة المستنيرة والميثاق العالمي لحقوق الإنسان. وأشهد كناقد أدبي أنني أعجبت بإحالته إلي بعض الأعمال الأدبية العالمية, مثل رواية الكاتب الإفريقي شينوا أتشيبي الأشياء تتداعي».
تدمير الثقافة المصرية
للناقد الفني سمير فريد أطروحته المكثفة والملخصة لكثير من الأوجاع والأوضاع المختلة في الأرضية الثقافية، يجملها بقوله:كما نطالب بعدم محاكمة المدنيين امام المحاكم العسكرية وانما امام قاضيهم الطبيعي، أي المحاكم المدنية، يجب أن نطالب أيضا بعدم محاكمة الكتاب والشعراء والفنانين عن أعمالهم الأدبية والفنية إلا أمام قاضيهم الطبيعي، وهم نقاد الفنون والاداب، وكما يختلف القضاء العسكري عن القضاء المدني، يختلف القضاء النقدي عن القضاء القانوني، فالناقد ليس قاضيا يحكم علي العمل الادبي او العمل الفني، وانما هو مجرد متلق محترف يتوجه بعمله الي المتلقي العادي ليساعده علي تلقي العمل «إذا» كان يحتاج الي المساعدة، والقاضي الحقيقي للفنان أو الكاتب هو الزمن الذي يبقي علي هذا العمل حيا في الوجدان أو ميتا في الارشيفات. وأقصد بهذا - وانا ناقد محترف للافلام السينمائية - ان الاعمال الفنية اكبر من اي تحاكم علي اي نحو، فما بالك عندما يحكم عليها شخص ما من الجمهور، ويرفع دعوي قضائية ويحكم فيها بالحبس، كما حدث مع الفنان عادل امام، والادهي في هذه القضية ان رافع الدعوي يقيس الفن بمعايير يري أنها دينية من وجهة نظره، بينما لايقاس أي عمل فني إلا بالمعايير الخاصة للفن الذي يمارسه الفنان، وفي هذا اساءة الي الدين والفن معا، كما أنه إساءة الي القضاء الذي يحاكم أي مواطن يخالف القانون والمؤكد أنه لايوجد قانون خالفه عادل امام وكل ما هناك ان رافع الدعوي من الجمهور الذي لاتعجبه بعض افلام الممثل.
وقضية عادل امام نتيجة من نتائج استغلال الاسلام السياسي للدعوة الي الحرية بعد ثورة يناير، ورغم انه لم يشارك فيها الا بعد نجاحها وكان شريكا للنظام الذي قامت الثورة ضده، وكذلك استغلاله تدين اغلبية الشعب المصري، ورغم انه مجرد تيار سياسي يسعي الي السلطة مثل غيره من القيادات ولكن بقناع ديني.
وهذا التيار يظلم الاسلام لانه دين من دون كنيسة، بل ومن دون رجال دين، وانما علماء في الدين والفرق كبير ولايعرف الاسلام «الدولة الدينية» وكذلك الدين اليهودي والدين المسيحي فالاديان للافراد وليست للدول، ويظلم الاسلام السياسي مصر كما ظلمت الكنيسة اوربا في العصور الوسطي بسعيه لاقامة دولة دينية كما حدث في ايران بعد ثورتها ضد الشاه، والتي شاركت فيه كل التيارات السياسية قبل ان ينفرد بها التيار الديني وحده.
انهم يريدون العودة بمصر الي مرحلة انحطاط الدولة العثمانية، وليس حتي الي مرحلة ازدهارها، ويسعون الي تدمير الثقافة المصرية واستبدالها بثقافة مجتمعات اخري لا علاقة لها بالمجتمع المصري وتاريخه الطويل الذي استوعب كل الحضارات القديمة والحديثة وكل الاديان السماوية اليهودية والمسيحية والاسلام، وخدمها وخدم الاسلام بوجه خاص من خلال الازهر الجامع والجامعة منذ اكثر من الف سنة.
اتحاد الكتاب مع حرية الفكر والتعبير وضد الوصاية والتكفير
لاتحاد كتاب مصر موقف عن تضامنه الكامل مع حرية الفكر والتعبير محذرا من إسكات صوت العقل وإخراس صوت الضمير الحر، وإرهاب النابغين والنابهين من أبناء الوطن، إذ يعلن تضامنه الكامل مع حرية الفكر والتعبير، ويعتبرهما الطريق الوحيد الممكن للارتقاء بالوعي والضمير الإنساني والوطني، فضلا عن كونهما يمثلان حقا أصيلا من حقوق الإنسان، فإنه يستنكر بقوة تلك الهجمة التي تشن باسم الدين والدين منها براء، فلم يعرف الإسلام سوي المجادلة بالحسني ولم يقر سوي المسئولية الفردية عن الاعتقاد والإيمان . ولم يدع لأحد الحق في التفتيش عما في صدور الناس، إن النتيجة التي يحذر منها بشدة اتحاد كتاب مصر، هي إسكات صوت العقل وإخراس صوت الضمير الحر، وإرهاب النابغين والنابهين من أبناء الوطن، بما يمكن أن يؤدي في النهاية إلي وأد كل ملكات الإبداع والابتكار والنقد، وهي التي تمثل قاطرة التقدم والتجاوز لكل ميراث التخلف والجهل الذي مكن الأعداء منا .
إن اتحاد كتاب مصر لا يدافع عن أشخاص أو مذاهب، وهو لا يتبني أي اتجاه فكري محدد، غير أنه يعتبر نفسه في خندق واحد مع كل صاحب رأي وفكر، أيا كان اتجاهه، طالما كان ينطلق من أسس إنسانية ووطنية، ولا يحجر علي حق الآخرين في مخالفته أو يمنع أن يكون لهم اجتهادات فكرية متنوعة ومشارب ثقافية متعددة . ويعتبر أن إرهاب المثقفين من المفكرين والمبدعين، سواء أكان علي نحو مادي، أو باللجوء إلي القضاء، إنما يدل علي خواء قريحة وفراغ جعبة هؤلاء المتمسحين بالدين . ويعتبر أن التعبير عن الاختلاف، وهو حق للجميع، يمكن أن يتم عن طريق مقارعة الحجة بالحجة والرأي بالرأي والكلمة بالكلمة، وهكذا تستنير الأمة ويعظم وعيها وتزدهر ثقافتها وتتبوأ مكانها اللائق بين الأمم الحية المنتجة للفكر والعلم والمسهمة في تقدم الإنسانية .
القضاء في 26 أبريل 2012
»محاكمة 6 مبدعين«
في يوم الخميس 26 أبريل2012 أصدرت محكمة العجوزة الجزئية برئاسة أحمد سميح الريحاني رئيس المحكمة حكمها بعدم قبول دعوي ازدراء الأديان المرفوعة ضد الفنان عادل امام وخمسة من المبدعين هم وحيد حامد ولينين الرملي وشريف عرفة ونادر جلال، ومحمد فاضل، وفي حيثيات الحكم التي جاءت في 27 صفحة، فندت المحكمة الخميس 26 أبريل جميع ما نسب إليهم ، مشددة علي أن »حرية الرأي والتعبير من أهم مقومات النظم الديمقراطية وإن الانتقاص منها انتقاص من الحكم الديمقراطي السليم«. وأضافت أن »توجيه الانتقادات لأي تيار فكري غير مجرّم وأن بعض المتشددين يصرون علي تنصيب أنفسهم أوصياء وحراساً ومدافعين عن العقيدة ضد الأخطار«.وتساءلت المحكمة: »علي فرض أن تلك الأعمال الفنية تتناقض مع فهمهم للعقيدة فهل معني ذلك أن يختزل الدين في فهمهم وتأويلهم؟ لماذا صوروا ما جاء في الأعمال الفنية علي أنه خطر علي العقيدة وهو في الحقيقة خطر علي فهمهم وتأويلاتهم؟ لأن الدين والعقيدة في نفوس المصريين كشعب متدين أقوي من أن يهددها عمل فني؛ لكن ضعف موقفهم المستمد من الظلام والجهل هو الذي صور لهم ذلك«. وردت المحكمة علي ادعاء المحامي مقيم الدعوي بأن الأعمال الفنية التي أقام دعواه ضدها انطوت علي ازدراء الدين الإسلامي وتحقير المسلمين عموما والجماعات الإسلامية والإخوان المسلمين علي وجه الخصوص فإنه يجب التفرقة بين الدين والفكر الديني من جهة وبين ما هو مقدس وما هو غير مقدس. وفندت المحكمة ادعاءات المدعي بأن العمل الفني يتضمن ازدراء للدين الإسلامي وقالت: إن استخدام لحن أنشودة أسماء الله الحسني في مسرحية »الزعيم« فإنه من المعلوم أن اللحن الموسيقي وبصفته عملا فنيا من وضع البشر فهو أمر ليس من الدين في شيء. وحول تقليد الفنان عادل إمام للشيخ الشعراوي في فيلم »الواد محروس بتاع الوزير« وقوله إنه اندرج علي استهزاء بمظهر أكدت المحكمة أنه من الخطأ الفادح إضفاء صفة القداسة الدينية علي رجال الدين أو علي فكرهم.وعن قول الفنان عادل إمام: كيف أرشي الله؟ في فيلم«مرجان أحمد مرجان« فإن المحكمة لا تري في ذلك تطاولا علي الذات الإلهية في شيء حيث إنه سؤال استنكاري لعدم إمكانية حدوث ذلك ولا يوجد ما يمنع من إظهار شخصية لا تؤمن بالله في عمل فني لأن المجتمع به مؤمنون وغير مؤمنين. وبشأن قول وحيد حامد في فيلم »الإرهابي« احنا طلعنا الفضاء ولسه فيه ناس بتقول ندخل الحمام بالرجل الشمال ولا اليمين.. اعتبرت المحكمة أن ذلك لا يعد استهزاء بفعل الرسول صلي الله عليه وسلم لأنه لم يثبت أن ذلك جاء في أحاديث السنة المؤكدة وإنما هو اجتهاد علماء.وعن الادعاء بأن الأعمال الفنية بها تحقير للمسلمين عموما والجماعات والإخوان خصوصاً حيث تهكم الممثل علي الزي والهيئة التي يرتديها رجال الدين الذي ظهر به الملتحون والمنقبات في فيلم »مرجان أحمد مرجان« وكذلك في فيلم »الإرهابي« أكدت المحكمة أن هذا من أمور السياسة ولا حصانة لها من النقد خاصة أن الإخوان والجماعات أصبحت طرفا في المنظومة السياسية للبلاد وأنشأت أحزابا سياسية اشتركت بالفعل في الصراع السياسي، والنقد هنا للجماعات الإسلامية وليس إلي النقاب أو اللحية وهو من منطلق الانتقاد الاجتماعي ومعالجة القضية الحيوية التي تتناولها أعمال فنية كثيرة.
وقالت المحكمة إن الأعمال الفنية من خيال المبدع ولا عقاب علي خيال.كما استشهدت المحكمة في حيثيات رفضها للدعوي بأقوال وأفكار علماء الإسلام، كالإمام محمد عبده ومنهج ابن رشد وجمال الدين الأفغاني والإمام أبو حامد الغزالي، كما استشهدت ببعض الأعمال الفنية التي عالجت قضية الهوية مثل قنديل أم هاشم ليحيي حقي وعصفور من الشرق لتوفيق الحكيم وموسم الهجرة إلي الشمال للطيب صالح.
ونحن لانقول إن الثقافة المصرية افضل من غيرها ، فلكل بلد ثقافته الوطنية التي يجب علي كل من يؤمن بالحرية ان يحترمها، ولكن نقول إن لنا ثقافتنا الخاصة مثل أي بلد اخر، وعلينا ان نحافظ عليها حتي نتمكن من صنع حاضر أفضل ومستقبل أفضل.
محاكمة الإبداع وبراءته
أما رؤية د.حسين حمودة فتتمثل في هذا الطرح المحدد ذي النسق الصافي في احتوائه للقضية بدلالتها وبما تومئ إليه من إشارات دالة نسبية ومطلقة إذ يقول«يتجدّد العالم، دائما، بفعل الإبداع، ويتجمّد العالم، أحيانا ولفترة قصيرة، بفعل مصادرة الإبداع، الحديث بهذه الصيغة المطلقة المعممة، التي تشبه القانون، وتكاد تشارف حدود الحقيقة الدامغة، ليس شيئا مستحبا بالطبع. ولكن كثرة الشواهد، في التاريخ الممتد وفي الثقافات المتعددة، تشجع علي مثل هذا الإطلاق والتعميم.لا يقتصر فعل الإبداع علي الآداب والفنون المتنوعة، وإنما يمكن أن يمتد ليشمل كل اكتشاف وكل فعل جديد، غير مسبوق، يتخطي حدود الممارسة المعتادة.ولا يتوقف معني المصادرة عند رفض هذا العمل الإبداعي أو ذاك، ولا عند محاكمة هذا المبدع أو ذاك، أو حتي عند محاولة اغتياله أو اغتياله الفعلي، وإنما يشمل هذا المعني كل موقف متحفظ رافض لكل رأي خلاق يزحزح أو يقلقل التصورات أو الممارسات المتكررة، الراسخة المستتبة.
حتي علي مستوي أقل من الإطلاق أو التعميم، إذا قصرنا حديثنا علي الأدب وحده، سوف نندهش لكثرة الأمثلة علي مصادرات الأعمال الأدبية أو محاكمة أصحابها، وملاحقتهم، واغتيال بعضهم أو محاولة اغتيالهم. حدث هذا في التاريخ القديم والحديث، وحدث عندنا كما حدث في بلدان غربية تزعم أنها تحترم حرية التعبير. وتكفي الإشارة إلي طابور طويل من أسماء الأدباء الذين لاحقتهم خلال القرن الماضي، وحده، المحاكم أو السجون، في البلدان الغربية نفسها التي تدعي أنها ترفع رايات الحرية: ديفيد هربرت لورانس في بريطانيا، جيمس جويس في أيرلندا، هنري ميللر ثم تجربة المكارثية في الولايات المتحدة، جونتر جراس في ألمانيا (وقد كتب يورج ديتركوجل كتابا كاملا عن «أدباء أمام المحاكم» في ألمانيا وحدها!).. إلخ، أما الإشارات إلي بعض تجاربنا، في العصر الحديث فحسب، فأكثر من أن تحصي، وفي هذا السياق هناك حشد من الأسماء تمتد من طه حسين إلي نجيب محفوظ إلي حيدر حيدر.
وحين تسأل د. حسين حمودة: ماذا تعني المصادرة، أو الملاحقة، أو الاغتيال الفعلي أو المعنويِ، أو محاولة القيام به في دائرة الإبداع والمبدعين:؟ يقول لك تعني طبعا، فيما تعني، نوعا من رفض مجرد التلويح ب«الخروج» علي مسلّمات أو تصورات قائمة، مع أن أغلب الأعمال المصادرة، التي تتم ملاحقة أصحابها،
د.صلاح فضل:
كل هذه الأصوات المنكرة تبتلعها
الحياة المصرية !
د. حسين حمودة:
العالم يتجدّد بفعل الإبداع.. ويتجمّد
بفعل المصادرة
لا تمثل بمنطق الإبداع خروجا علي هذه المسلمات والتصورات.تدافع جماعة ما، بتعصب وأحيانا بضيق أفق، عن هذه المسلّمات والتصورات، ويدافع عنها أحيانا فرد ما. لكنها غالبا مسلمات وتصورات تكتسب قوتها وسطوتها من فهم مغلوط يجعلها تلوح وكأنها تمتلك مصداقا يرفعها إلي مصاف الحق الذي لا يعلي عليه،
في غير حالة، لا يكون الاتفاق علي محاكمة هذا العمل الإبداعي أو ذاك اتفاقا مجتمعيا
واسعا، وإنما ينحصر في دائرة جماعة محدودة تزعم أنها تنطق باسم الجميع، أو تتحدث بلسان جماعي عن الفضيلة أو الدين أو الأخلاق أو الأعراف التي تخص الجميع، وفي غير حالة أيضا، فيما يتعلق باغتيال بعض المبدعين أو محاولة اغتيالهم، يتحول معني «المحاكمة» إلي صيغة بدائية، أقرب إلي صيغة «الثأر» حيث تنتفي الأدوار المتعددة التي تمثلها أطراف: الدفاع، والمرافعة، والاتهام، والتفنيد، والشهود، والحكم، ويتم اختصار هذه الأدوار
في دور وحيد، وفي فعل واحد يقوم به فرد يجعل من نفسه، بعبارة ديورانت، قاضيا وشرطيا وجلادا معا، في آن واحد. وفي بعض الأحيان يشارف هذا الفعل حدود العمي المطبق.. ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ مثال صارخ علي هذا المعني؛ فمن حاول القيام بقتل هذا المبدع العظيم، أي من وضع نفسه موضع قاضيه وشرطيّه وجلاده، لم يقرأ عبارة واحدة من أي عمل من أعماله!
تعددت وتوالت محاكمات الإبداع بمنطق مغاير لمنطقه، وبمعايير مختلفة عن معاييره. لكن هذه المحاكمات جميعا، هنا وهناك، والآن ومن قبل، في كل المجتمعات وفي كل الثقافات، انتهت كلها إلي حقيقة لم ترض ولا ترضي أحدا من الذين كمنوا ويكمنون وراء هذه المحاكمات. فقد انتهت المحاكمات جميعا وبقي الإبداع، وقد صودرت بعض الأعمال ولكنها بعد مصادرتها انتشرت انتشارا أكبر. من رابع المستحيلات، وأنا لم أفهم علي وجه الدقة الثلاثة الأولي، أن تكتمل حلقات أي محاولة لمصادرة الإبداع أو محاولة اغتياله (وإن نجحت اغتيالات عدد من المبدعين معنويا أو فعليا).وكأننا، بعبارة ختامية تشبه في إطلاقها وتعميمها عبارات البداية، يمكن أن ننتهي إلي قانون أخير: تتم محاكمة بعض الإبداع، وتتم ملاحقة بعض المبدعين، أو حتي يتم اغتيالهم، ومع ذلك فالإبداع الحقيقي خلق دائما ليبقي بريئا دائما!.
إنها ردة جديدة
يتوجس الكاتب الساخر لينين الرملي خيفة من أن تكون الدعاوي القضائية المرفوعة ضد بعض الكتاب والفنانين ردة أو عودة لسياسة تكفير المبدعين كما حدث خلال فترات سابقة من تاريخنا، وبالتالي نصبح مصنفين باعتبارنا كفرة ونستحق القتل كما حدث من قبل مع كاتب مثل «فرج فودة» هذه التهم نوع من الإرهاب الفكري ، ومحاولة لوأد حرية الفكر والإبداع ومحاولة من البعض للتزلف للتيار الإسلامي الذي يجلس علي سدة الحكم حاليا
فكر.. فأعدموه بالسم
التقييم كان دينيا فقط
كثيرة وعنيفة هي محاكمات الفكر والمفكرين ومصادرة الأعمال الأدبية والفنية، بل والتراثية، مع أنها كانت ميسورة التداول تاريخيا ، وعندما تم ، وقد جري تقييمها علي أساس ديني بحت فكان الرفض والمنع مثل »ألف ليلة وليلة«، و»الفتوحات المكية« للصوفي ابن عربي، ومن البحوث والدراسات المعاصرة كتاب »مقدمة في فقه اللغة العربية« للدكتور لويس عوض و»المسلمون والأقباط في إطار الحركة الوطنية« للمستشار طارق البشري و»نقد الخطاب الديني« لنصر حامد أبو زيد و»الله والإنسان« لمصطفي محمود، وديوان »آية جيم« للشاعر حسن طلب، وكتاب »الوصايا في عشق النساء« للشاعر أحمد الشهاوي، كما جرت محاكمة الفنان مارسيل خليفة لغنائه قصيدة »أنا يوسف يا أبي« للشاعر محمود درويش. وكانت التهمة »تحقير الشعائر الدينية«استمرت المحاكمة عامين انتهت ببراءة الفنان وهناك من ذهب للقضاء للحصول علي حكم بمصادرة فيلم »المهاجر« ليوسف شاهين، وحظر عرضه داخل مصر و خارجها بزعم أن قصته هي قصة النبي يوسف.
في مصر.
وأكثر ما يجعل لينين الرملي في حالة دهشة ممزوجة بمرارة أن محاسبة المبدعين تتم بأثر رجعي، إذ يقول ان الاعمال التي يحكم عليها عادل إمام من تأليفي أو تأليف زميلي وحيد حامد وغيرنا تم عرضها قبل 35 عاما، وكلها اتخذت القنوات الشرعية والمشروعة لإنتاجها من الجهات الرسمية الرقابية والقانونية والدينية وكل الأجهزة المنوط بها أن تسأل«وما حصلشي أن اعترضت علي حرف واحد».
يستنكر الرملي :كيف المجرم المدان في قضية قتل يسقط عنه الحكم بالتقادم بعد مرور 20 سنة أو 25 سنة.. فما بالك بالفنان الذي لم يرتكب جرما سوي الإبداع.. هل يمكن أن محاسبته بعد كل هذه السنين؟ مشيرا إلي أن كل الأعمال التي استشهد بها المحامي خرجت إلي النور بعد الحصول علي جميع التصاريح الرقابية اللازمة وشاهدها الملايين في مصر والعالم العربي، ولم يشكك أحد في نوايا الكتاب أو الممثلين.. فلماذا الآن نعيش هذه الردة؟ فالأعمال المرفوعة ضدها قضية ازدراء الإسلام، مضي علي بعضها أكثر من عشر سنوات مثل فيلم « الإرهابي» ومضي علي بعضها الآخر أكثر من ثلاثين سنة مثل مسرحية «شاهد ماشفش حاجة» وتذاع الآن علي جميع الفضائيات.
يدعو لينين الرملي إلي «حماية الإبداع من كل القوي الظلامية التي تستهدف القفز علي الضمائر والنية لتحاكم أصحابها بتهمة الإساءة الي الإسلام، لأن القضية التي ينبغي أن نتوقف أمامها هي: هل هذا الفن هادف أم لا؟».
يستذكر ويذكر: د. فرج فودة رفعوا ضده قضية وقتلوه، نجيب محفوظ كسروا عنقه وحاولوا قتله عن طريق شباب صغار السن، حاولوا اغتيال مكرم محمد أحمد، وهناك قوائم تضم ستين اسما عثروا عليها في ملفات وزارة الداخلية أصابت المفكرين بالذعر والرعب، إن كل ديكتاتور يخاف من الرأي الآخر أيا كان، والسائد الآن: قضايا ارهاب ترفع ، يعقبها اغتيالات «موش هزار» فالمتهم عندهم كافر، وهم المحميون؟ أين وزارة الثقافة، وأين اتحاد الكتاب من كل هذا ؟
ويتعجب لينين الرملي من طالبي الشهرة من المحامين الذين يرفعون مثل هذه الدعاوي، ما هي الصفة التي يمثلونها، هل هم أوصياء علي الدين ويتحدثون باسم السماء؟ إذن فماهو موقع فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر والمفتي العام للديار المصرية ووزير الأوقاف؟ لو رفع أحد هؤلاء القضية لكان الأمر مقبولا باعتبارهم يمثلون اعلي الهيئات الإسلامية ولكن من أنت أيها المحامي؟ هل تبحث عن الشهرة؟ أم تريد نفاق الإخوان والسلفيين؟.
إنه يقول:«المفترض في رفع قضية ما إن تكون هناك مصلحة لصاحب الدعوي، وأن تكون الدعوي حقيقية، فمثلا هو يقول إنني سخرت من الجلباب واللحية باعتبارهما من أهم رموز الشخصية الإسلامية، كيف علم صاحب الدعوي بذلك، واللحية والجلباب لم يقتصرا علي الشخصية الإسلامية فقط قديما، بل كانا من أهم سمات الشخصية المسيحية واليهودية أيضا».
ويحذر الرملي من الصمت علي مثل هذه الدعاوي التي تستهدف حرية الإبداع والفكر بمحاولة البعض إعادة المجتمع المصري إلي القرون الوسطي، وقال إن فيلم مثل «الإرهابي» يبدو من اسمه.. فبطله شخص إرهابي يلجأ إلي العنف لتحقيق أهدافه، وهي حقيقة عاشها المجتمع المصري خلال فترة من تاريخه ولا يمكن إنكار تلك الحقيقية.. وليس معني ذلك أن كل الملتحين أو الذين يرتدون الجلباب إرهابيون، رافضا ربط الإسلام باللحية والجلباب، فهما لا يخصان المسلمين وحدهم، فكلنا يعلم جيدا أن اليهود والمسيحيين وكذلك الهندوس وغيرهم يطلقون لحاهم ويرتدون الجلباب، فليس معني تقديم شخصية سلبية بلحية وجلباب أنها تخص المسلمين وحدهم.
«حصاوي : لا يخاف»
أهداني الكاتب الساخر لينين الرملي هذا النص باعتباره كفيلا بالإجابة علي كل علامة،استفهامية كانت أم استنكارية، في سياق ملفنا هذا، والنص ينضوي تحت عنوان«حصاوي : لا يخاف»
«حصاوي : علي المقهي مع جاره»
الجار:قريت خبر عادل أمام اللي اتحكم عليه بتلات شهور حبس؟
حصاوي :آه .
الجار::بس محكمة تانية حكمت له بالبراءة هو وخمسة مؤلفاتيه علي مخرجاتيه.
حصاوي :آه.
الجار:لكن أنا شايفك مش مبسوط مع أنك بتحب عادل إمام.
حصاوي :عشان خايف عليه.
الجار:خايف عليه من إيه بقي ما دام طلع براءة؟.
حصاوي :وهو اللي رفعوا عليه القضية مش كانوا عارفين كده من الأول؟
الجار: يعرفوا منين ؟
حصاوي :ما هما محامين يعني عارفين القانون.
الجار:تقصد كان عايزين يشهروا نفسهم وخلاص.
حصاوي :ويمكن عايزين يخدموا ناس تانية
الجار:مش فاهم.
حصاوي :هو مش كان فيه عندنا كاتب اسمه فرج فودة؟
الجار:أظن. جايز . لكن ماله؟
حصاوي :أصل أتهموه برضه بتهمة زي ازدراء الإسلام.
الجار:واتحكم عليه ؟
حصاوي :أتحكم عليه بس مش من محكمة.من ناس حاكموه بمقالات في الجرايد وبعدين
سابوا غيرهم يقتلوه.
الجار:يا خبر. أنا ما قريتش حاجة زي كده.
حصاوي :ما هو دا حصل من سنين. بس الصحفيين والكتاب اللي كتبوا علي قضية عادل أمام ما جابوش السيرة دي.
الجار: ليه ؟ برضه مش فاهم.
حصاوي :يظهر خافوا.
الجار:خافوا من اللي رافعين القضية؟
حصاوي :لأ من اللي وراهم.
لينين الرملي:
لا.. لإعادة المجتمع إلي القرون الوسطي واسألوا هذا »الحصاوي«
سمير فريد:
إنهم يريدون تدمير الثقافة المصرية واستبدالها بثقافة مجتمعات أخري
»مصر هي بلد الفنون، ولن نسمح بأي شخص متطرف دينيا أن يصادر علي الفن الذي يقدم، ومصر تميزت وسط الدول العربية بفنها الهادف، فهي بلد نجيب الريحاني وأم كلثوم وإحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ ويوسف إدريس«.
صلاح السعدني
»أدافع عن حق الناس في الرأي والتعبير، فخالق هذا الكون أعطي لمن خلقهم حق الكفر به، فكيف لنا أن نحجر علي آراء وفكر ومعتقدات الآخرين«.
منتصر الزيات
»إننا بهذا الشكل لا نسير علي خطا الدول المتقدمة، بل نعود إلي الخلف، خاصة أن الفن هو أساس الحضارة المصرية، وجميع الدول المتقدمة تقدس الفنون وتحترم العاملين بها«
حسين فهمي
وظيفة الفن تختلف عن كل الاسهامات الانسانية الاخري والايجابية منها او التي تري الفن مجرد تسلية وتسرية الفن صناعة ثقيلة وصياغة دقيقة لتفاصيل الحياة والدراما هي الحياة ومن ثم اتعجب من هؤلاء الذين لا يزالون يتساءلون: الفن حلال ام حرام يطرحون اسئلة عن الفن بين الحلال والحرام انها اسئلة بلهاء.. تثير القهر في النفس انها قضية حسمت منذ عقود وعقود فلماذا تقفز الان الي الساحة هذا شيء مؤسف.. و غير معقول!
محمود ياسين
»إحنا عايشين في مصر ومش هنسيبها، وسنحميها بكل قوتنا، نحن نسعي وراء حرية الرأي والإبداع دون المساس بالأديان«.
شريف عرفة
»الأسواق الحرة تسمح لنا أن نقبل الأسعار المفروضة علينا، وحرية التعبير تسمح لنا أن نصغي لأولئك الذين يتحدثون باسمنا، والانتخابات الحرة تسمح لنا أن نختار المرق الذي نُؤكل به!!«.
إدواردو جاليانو


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.