كان الولد الأحمق مكروها في البيت هادئا بلا دور.. بلا فائدة صامتا كأبكم.. مرتبكا كمخطئ له أسئلة ساذجة.. تافهة.. بلهاء في لحظات الحنان الطارئ بتلعثم وينادي أمه (ما.. ما.. ماما ) تخرج رفيعة حادة.. كنداء جدي علي أمه البعيدة.. كان نداؤه منفرا. أخوه الفالح يحضر البرسيم والحب من الغيطان القريبة يقفز الحيطان كقرد يمر سريعا كطيف.. الولد الفالح مفيد جدا محبوب جدا. أخوه الصالح يصلي كثيرا، له جلباب نظيف وعباءة واسعة ولحية صغيرة منمقة ومسبحة طويلة، يجلب للبيت البركة، حوله ملائكته يتبعونه أينما راح. أخوه الناصح ذلك القريب جدا من أمه، له وجه وسيم، وعين عسلية تجذب كل بنات الحي، كي يتقربن إلي أمه، ويقدمن لها خدمات صغيرة وينادينها (ياخالة) في رقة وعذوبة. أما أخوه الشاطر فيذهب للسوق بخمس بيضات، ويعود بعشرة جنيهات، تاجر يبيع ويشتري ويبيع ماهر كحاو.. مقنع ككاهن. كثيرا مايجوع الولد الأحمق فينتظر طويلا كي تمتد المائدة حينما يأتي الآخرون حين يجوع جدا يذهب إلي المطبخ باحثا عن طعام فلا يجده، يجد النمل يبحث في الزبالة يقول للنمل. (هل أنت جائع مثلي؟) ويأتي بحبيبات السكر ينثر قليلا منها علي الأرض، يري النمل يتجمع حولها يحملها يتابع الصف الطويل وهو يسير حاملا السكر.. بفرحة طاغية.. فينسي جوعه الشديد يقول: النمل يحب السكر.. أنا أعطيه السكر. هل يحبني النمل؟. اكتشفوا فعلته تأكدوا أنه أحمق جدا ازدادوا كرها له وأبعدوه في غرفة بعيدة مظلمة. بعد أن ذاق النمل السكر. ماعاد يبحث في الزبالة كانوا ينتظرون الولد الذي ينثره لهم.. حين تأخر راحوا يبحثون بأنفسهم عن مخازن السكر وصلوا إليها عادت صفوفهم تحمل الحبيبات. لم تفلح بركة الولد الصالح ولا أدعيته ولا أحجبته ولا بخوره الطيب الرائحة ولا رائحة العفن في طرد النمل ولم تتمكن بنات الحي الرقيقات من القضاء عليه كن يقتلن منه الكثير.. فيعود أكثر. قال الولد الفالح (أنا مشغول بمراوغة أصحاب الغيطان.. عيونهم تترقبني.. لو غفل عقلي عن التفكير لحظة لأمسكوا بي وقتلوني.. لاتشغلوني بنملكم). قال الولد الشاطر لنفسه حين تبور التجارة ولا أجد حمقي أبيع لهم بالسعر المضاعف ولا مضطرين أشتري منهم بالقليل لا أبتئس أبكي كالأطفال.. ألطم خدودي.. أصيح (يا أسيادي.. بيضي تكسر.. وخلفي أم مريضة وأخوة صغار.. بثمن البيض كنت سأشتري لهم الطعام ولها الدواء.. ساعدوني ياعباد الله) فيتجمع حولي الطيبون وأعود بالنقود، أنا ابن السوق وصاحب الحيلة، يأتي هذا الأحمق بنمله اللعين فيسرقني، هو الذي علمهم أكل السكر يجب أن يجعلهم يكرهونه. جاءوا بالولد الأحمق فرح لما وجد التمل، كثيرا، لكنه تذكر وصيتهم له فقال للنمل (لا تأكلوا السكر.. السكر ليس حلوا) ما أن أتم عبارته حتي ارتعش جسده وبكي، فهو يعرف أنه يكذب علي النمل سقطت دموعه حارة غزيرة كانت الدمعة تسقط علي النملة فتتبلور ككرة زجاج بداخلها النملة حين فرغت دموعه كان لديه آلاف البللورات، كبيض شفاف جمعها وأخذها معه إلي حجرته البعيدة المظلمة، رأوها في الليل مضيئة كاللآليء أخذوها منه، عمل بها الصالح مسبحة جديدة، عمل منها الناصح قلائد أهداها للبنات تتطوح علي صدورهن وتلمع، صنع منها الفالح كشافا ساعده علي التسلل ليلا إلي الحقول صنع منها الشاطر مصابيح شديدة الإضاءه باعها في السوق، راجت تجارته ملأت مصابيحه البيوت. لما مات الولد الأحمق حزنا علي النمل خرج النمل من بيضه البلوري كان كبيرا جدا.. بأجنحة طويلة وأنياب حادة وأرجل عديدة، بمخالب قوية التقوا في السماء ودعوا روحه الصاعدة، صنعوا غيمة سوداء قاتمة وفي هدوء ونهم هبطوا علي المدينة.