د. عادل وديع فلسطين داخل حجرة العناية المركزة، ترقد سيدة ستينية العمر علي سرير بين يدي الله بعد أن دخلت في غيبوبة.. محاطة بخراطيم وأسلاك الأجهزة الطبية وأمبوب في قصبتها الهوائية يوصلها بجهاز التنفس الصناعي الذي يعينها علي الحياة، ومن ذراعيها يتدلي أنبوب تحصل من خلاله علي الدواء والمحاليل الطبية غير أنبوب الرايل في معدتها ليمدها بالغذاء، وكل هنيهة تسمع أجراس الإنذار المخيفة التي تبثه لهبوط الضغط أو هبوط أكسوجين الدم أو اضطراب دقات القلب.. مشهد يدمي القلوب ويرفع الأيدي بالدعاء ويذرف الدموع مع ارتفاع الصلوات إلي الله كي يأخذ بيد هذه الانسانة التي تمثل ضعف الانسانية وتقترب من النهاية. قصة هذه السيدة مأساة.. تمثل الجهل واللا مبالاة بمصائر الإنسان المصري والاستهتار بحياته.. كما تعتبر خطأ طبيا فادحا لم يحاول الطبيب التعامل معه والتدخل السريع لإنقاذ المريضة. بدأت القصة باكتشاف عنامة بالرئة اليسري للمريضة (س.و.ف) وأوصي بأخذ عينة من هذه العتامة عن طريق إبرة توجه بين الضلوع في اتجاهها بمعاونة صورة مكبرة للاشعة المقطعية تحدد مكان سير الإبرة.. خمس دقائق مرت علي دخول الطبيب إلي غرفة الأشعة وخروجه مسرعاً دون أن ينطق بأي كلمة.. لكن أصواتا من داخل الغرفة خرجت لتطلب من أهل المريضة سرعة التوجه بها إلي أي مستشفي بسرعة. أخذت المسكينة تعاني من ضيق التنفس المتزايد وتم نقلها إلي أقرب مستشفي بمصر الجديدة بمنطقة الكوربة.. علي باب الطوارئ توقف القلب... تم عمل المستحيل لإرجاع نبض القلب.. تكسرت الضلوع ووجهت الصدمات الكهربائية وحقن الإدرنالين وخلافه.. استجابت (سهير) وهذا اسمها وعادت للحياة لكن علي جهاز التنفس الاصطناعي. داخل غرفة العناية المركزة أظهرت الفحوصات أن الإبرة أصابت الرئة التي انفجرت وأدت لانثقاب هوائي في غشاء البللورات المحيط بالرئة من ناحية الحيزوم.. تم تركيب أنبوب صدري لإخراج الهواء من الرئة اليسري. استمرت المريضة علي جهاز التنفس أسبوعين.. كان لابد من اجراء شق حنجري وتوصيله بجهاز التنفس.. وأثناء محاولات الاستغناء عن الجهاز انفجرت الرئة الثانية.. وتم تركيب امبوب في الرئة اليمني وتسرب الهواء تحت الجلد حتي أن ثديها الأيمن انتفخ حتي اصبح بحجم (البطيخة)... وفي محاول لتغذيتها تسربت ملعقة من الزبادي إلي الحنجرة واستقرت في قاع الرئة اليمني لتصيبها بالتهاب رئوي شديد يرقي لدرجة الخراج. أصبحت المسكينة تقاسي من الأنبوب الصدري من الناحيتين، وخرطوم جهاز التنفس في الحنجرة، وأنبوب رايل للتغذية وقسطرة بولية و(سنترال لاين) في رقبتها.. غير أنابيب المحاليل في ذراعيها والأسلاك الموصلة للجهاز.. كما حدث أخيراً إصابتها بجلطة في الذراع اليسري استمرت علي هذا الحال 34 يوماً حتي فارقت الحياة. هذا الطبيب لم يحاول انقاذ المريضة رغم أنه في مستشفي كبير للتأمين الصحي.. عمل عملته وجري.. كمن يصيب شخصاً عابراً بسيارته ويلوذ بالهرب ولا يحمله لأقرب مستشفي. وفي محاولة لنقل المريضة لأحد مستشفيات التأمين الصحي، ورغم زيارتها في العناية المركزة وكتابة تقرير يفيد بأنها علي جهاز تنفس اصطناعي والحالة غير مستقرة، لم يتم نقلها بدعوي عدم وجود أسرة عناية في المستشفيات التابعة لها.. وجاء الرد »عدي كل يوم والتاني حتي نجد لها سريراً». طبعاً وصلت فاتورة العلاج إلي حوالي مائة وثمانين ألف جنيه.. هذه صرخة للمسئولين من وزيرة الصحة إلي غيرها من المسئولين وايضاً صرخة للمرضي بألا يتوانوا عن أخذ حقهم والابلاغ عن أي تصرف طبي غير لائق أو خطأ جسيم.