الجاني اشتري قطعة أرض بنصف مليون وبني منزلا فخما بدلًا من شقته المتواضعة القاتل أصيب بالاكتئاب بعد موت ابنته.. والضحية طلب نقله من المكتب قبل الجريمة ! »شقة متواضعة وسيرة حسنة وأبناء متفوقون، ثلاثة مشاهد مضيئة في قصة موظف بسيط انتهت رحلته مع الحياة بطلقتي رصاص وتهمة اختلاس ثلاثة ملايين جنيه وجريمة قتل، في مكتب بريد قليوب بدأت رحلة »أخبار اليوم» لمعرفة حقيقة قتل رئيس خزنة لصراف ثم انتحاره بعدها، وفي منزلي القاتل المنتحر والقتيل انتهت الرحلة بعلامة استفهام كبيرة حول لغز واحدة من أبشع جرائم القتل!" بدأت القصة مطلع الأسبوع الماضي عندما توجهت لجنة تفتيش من مكتب البريد الرئيسي ببنها إلي مكتب البريد بقليوب لاجراء جرد اعتيادي اكتشفت معه وجود عجز 3 ملايين جنيه بخزينة المكتب، أنهت اللجنة عملها وبعدها شهد مكتب البريد تفاصيل الجريمة كاملة، مدير الخزنة "محمد. ح " أطلق النار علي زميله الصراف " مؤمن. ع" وأرداه قتيلًا، وبعدها انتحر بنفس المسدس ! يحكي سمير رمزي رئيس قسم التفتيش بالبريد خلال تحقيقات النيابة تفاصيل ماحدث قبل وقوع الجريمة : تلقيت تكليفًا من مدير مكتب بريد القليوبية بسرعة إجراء تحقيق مع مسئولي خزنة بريد قليوب في ضوء تقرير أحد المديرين بالمنطقة يوم 14 أكتوبر الجاري، الذي أكد أنه يوجد زيادة في المخزون النقدي بخزينة المكتب محل الواقعة اضافة إلي تقدم الصراف بطلب لنقله إلي بنها بالقرب من محل سكنه. توجهت يوم 21 إلي مقر مكتب بريد قليوب وبصحبتي أحد المفتشين وأثناء التفتيش لاحظت ان احد الأجولة عبارة عن فئة 20 جنيها من الداخل ومن الاعلي طبقة من فئة المائة جنيه فقط.. وعلي الفور قام رئيس التفتيش بتفريغ الجوال فتبين انه عبارة عن ورقة فئة ال100 جنيه علي السطح وفئة ال20 من اسفل، وهو ما دفعه لمراجعة حسابات الخزينة ليكتشف عجزا قرابة الثلاثة ملايين جنيه فقام بإبلاغ مدير منطقة بريد القليوبية بالوضع، فطلب منه الأخير التحفظ علي حجرة الخزينة، وعدم خروج أو دخول أي فرد بها لحين حضوره.. هنا بدأت لحظات الرعب كما يرويها رئيس قسم التفتيش: عندما أخبرنا الجميع بضرورة البقاء في مقر المكتب لحين حضور المدير العام صرخ مؤمن في وجه رئيس الخزينة قائلا: "ليه كدا يا محمد.. حرام عليك" وجلس علي مكتبه ليفكر في تلك المصيبة التي حلت علي رءوسهم ولكن القاتل لم يترك الفرصة لأحد لبحث الواقعة ليقوم بإشهار سلاح ناري كان بحوزته وقام بإطلاق النيران علي مؤمن ليلفظ أنفاسه الأخيرة علي مكتبه بديوان المركز الرئيسي لبريد قليوب. في منزل القتيل مؤمن التقطت »أخبار اليوم» تفاصيل جديدة من خيوط القصة، الحزم يخيم علي الجميع، والدموع حلت بديلًا للكلمات، هنا تحدث معنا عمرو إبن عم الضحية: فور قيام رئيس الخزنة بقتل مؤمن صرخ أحد المفتشين في وجه القاتل وحاول إسعاف الضحية إلا أن منفذ الجريمة قام بتهديده بإطلاق النيران عليه ايضًا في حالة تدخله وهو الأمر الذي دفع المفتشين إلي الهرب من محل الواقعة وتدافعهم تجاه الباب للهرب. أحد المفتشين أغلق الباب من الخارج حتي لا يتمكن القاتل من الهرب ولكن بعد لحظات سمع الجميع دوي اطلاق نار في الداخل مجددًا ليكتشفوا أن رئيس الخزنة انتحر ! بكلمات يملؤها الحزن والنحيب يروي "ناصر" شقيق مؤمن ماحدث قائلا : كانت حياة مؤمن بسيطة للغاية مثله مثل أي موظف يسعي إلي لقمة العيش الحلال، كان يتعامل يوميا مع ملايين الجنيهات ولكن يده لم تمتد للحرام يوما ما، كان راضيا بقسمته ونصيبه ورزقه وهو ما كان واضحا علي حياته، حتي أنه كان يقوم باعمال الصيانة في منزله ليوفر أجر العمال، فضلاً عن سمعته الطيبة بين أهالي قرية دملو بمركز بنها وخارجها الذين يشهدون له بحسن الخلق وعلاقاته الطيبة بهم وهو ما ظهر من خلال جنازته التي حضره الآلاف من الأهالي ليودعوا شهيد الغدر إلي مثواه الأخير.. يضيف شقيق الضحية : رحل مؤمن وترك خلفه أربعة أطفال في عمر الزهور وزوجته التي ترملت رغم صغر سنها إلا أن القدر شاء أن يكون بجوار ربه ونحتسبه عند الله من الشهداء،. الوضع لم يختلف كثيرًا بالقرب من منزل القاتل، حالة من الهدوء التام والحزن تسيطر علي أهالي شارع ابراهيم باشا بمركز قليوب المحطة بعد سماع الخبر. يحكي أحد الجيران لمرتكب الواقعة أن رئيس الخزينة " محمد " كان يسكن بشقة ايجار قديم بالدور الثاني بأجر 40 جنيها شهريا وتزوج فيها منذ 30 عاماً، لا يخفي الرجل أن محمد كان يتمتع بأخلاق رفيعة يشهد له بها جيرانه ولكن الحادثة حطمت كل هذا. أكثر ما لفت الانتباه في الشارع الذي يقع به منزل محمد كان المنزل نفسه، علامات الثراء والفخامة تبدو علي العقار مقارنة بالمنازل الأخري المتواضعة، ونحن علي مقربة من المنزل قابلنا سيدة تدعي "م. ع "، عرفنا أنها جارة القاتل، التقطت دهشتنا من ثراء الموظف فقالت : . منذ 3 سنوات جاء محمد وقام بشراء قطعة الارض التي تقع امام منزلي بمبلغ تجاوز نصف مليون جنيها، وبدأ في بنائه منذ سنتين وخلال العام الماضي قام بتجهيزه علي مستوي عال وانتقل القاتل واسرته إلي المكونة من ولدين وبنت وزوجته للإقامة به.. رحل القاتل والقتيل ولا أحد يعرف من المذنب الحقيقي في قصة اختلاس الملايين الثلاثة، وتبقي الكلمة الأخيرة لدي النيابة ولجنة التفتيش.