مع تلاميذه من الأطفال استهل الفنان عبد العزيز الجندي ذكرياته مع مدرس الرسم قائلا : معلمتي الأولي في الفن هي والدتي السيدة الفنانة ليلي القلش حفظها الله.. وذلك من خلال توفيرها الخامات لي منذ نعومة أظفاري.. ولفت نظري للحياة من حولي بأشكالها وألوانها.. وتشجيعها لي علي الرسم وبث الثقة في نفسي بإحساسي بأن ما أفعله قيم علي طول الخط.. ومنذ سن ثلاث سنوات وهي تعمل علي إخراج رسوماتي وتعلقها لي.. وتحتفظ لي بها عبر سنوات العمر.. وهو ما لعب دورا كبيرا في تنشئتي فنيا وجماليا وحسيا.. وفي الطفولة المبكرة لعبت مدرسات الحضانة بإنجلترا، حيث كنا مع والدي أثناء -دراسته لزمالة الطب- دورا في تنمية ذلك التشجيع الكبير والانبهار الشديد بأعمالي.. ثم في الحضانة بمصر.. أذكر الأستاذة فاتن بمدرسة القديس يوسف بمصر الجديدة.. وذلك فور وصولنا من إنجلترا.. أذكر بشكل أكبر الأستاذة مني بمدرسة القومية.. والتي أعطتني وزملائي الموهوبين دفعة كبيرة بتشجيعنا.. فأذكر أنني كنت أرسم بحجرة الرسم بالمدرسة لوحات كبيرة بالألوان الزيتية.. كما أذكر علي الأخص لوحة لعازفين من الحيوانات في صورة فرقة موسيقية، ظلت معلقة علي الحائط، نراها عند صعودنا ونزولنا.. وكان هذا يكسبني الثقة الكبيرة ويشجعني علي الاستمرار والمزيد من الإنتاج. ويستطرد الجندي قائلا : في المرحلة الإعدادية بمدرسة الأورمان.. كانت الأستاذة إيمان.. التي كانت تشجعنا علي الرسم وتأخذني والموهوبين من زملائي لحجرة الرسم.. وهناك التقينا بالمتدربات من الفرقة الثالثة بكلية التربية الفنية (التدريب العملي ) وأذكر أنهن أتحن لنا الفرصة علي الرسم بالألوان المائية، وكان لي رسم لصياد يرمي شبكته ولا أنسي تعليق المعلمة وكان اسمها الأستاذة نيرة علي إحساس الشبكة بالخطوط الدقيقة بالفرشاة.. وقد علمتنا أيضا طرقا في الطباعة علي القماش.. مثل طريقة العقد والربط.. وتعلمنا أيضا الحفر علي النحاس والحرق علي الخشب والمكرميات. يضيف الجندي: كان لحصولي علي 19 درجة من 20 في المرحلة الإعدادية دور كبير في نيل مجموع مرتفع في الشهادة الإعدادية مما تسبب في دخولي فصل المتفوقين "بالأورمان الثانوية" والتي استأنفت فيها نشاط التربية الفنية مع الأستاذ نصر ثابت وقمت برسم عدة لوحات زيتية في وقت الفسحة.. وكان يعاملنا بكل رقة وذوق.. فتعلمنا منه بأسلوب حضاري.. واشتركنا بمعارض جميلة بالمدرسة.. لكن حكاية د. عبد العزيز الجندي لم تتوقف عند ذلك الحد فهو يعمل أستاذا بكلية الفنون الجميلة وقد أسس جماعة اللقطة الواحدة التي بدأت فكرتها مع نهاية عام 2001، وكانت امتداداً لجولات "أسرة الفرسان " الفنية كل جمعة، وقد تحولت جماعة اللقطة إلي مدرسة فنية تجمع محبي الفن من طلاب وخريجي الكليات الفنية وغيرهم.. ولا يقتصر الأمر علي الفنانين فحسب بل هناك دائما فرصة للتعلم من خلال سنة أولي لقطة.. حيث يدرس الفنانون المنضمون حديثا للقطة - دورة مدتها ثلاثة أشهر قبل أن يمروا باختبار يسمح لهم بالانضمام لجماعة اللقطة الواحدة، إضافة لذلك للدكتور عبد العزيز الجندي تجربة مع تدريس الأطفال يرويها قائلا: تجربتي مع تدريس الرسم للأطفال كانت من خلال دورة تنمية المواهب بكليتي الفنون الجميلة كل صيف بداية من صيف 1992 ولفترة طويلة.. وقد تعلمت منهم أكثر مما علمتهم.. وكنت معهم صادقا محتويا.. لأن الطفل لا يصلح معه أن تخدعه لأن لديه جهاز استقبال عاليا.. ويشعر بمن حوله الصادق من المخادع.. وتعلمت أن أقسمهم تحت عشر أو تسع سنوات وفوق عشر أو تسع سنوات.. لأن لكل مرحلة زمنية طرق تعليم.. يقول د. عبد العزيز: الطفل تحت 10 سنوات يميزه الانطلاق والجرأة والشجاعة والخيال الجامح.. فلابد من تنمية تلك السمات التي نفتقدها في كبار فنانينا ولابد من عدم إعطائه أي قواعد تحد من تلك السمات الجميلة.. لا منظور ولا تشريح ولا نسب.. والتركيز علي الموضوعات التي تطلق لخياله العنان مثل الشخصيات الخرافية والكواكب الخرافية والأقنعة المجنونة.. إلخ.. والتشجيع علي الأداء الشجاع دون خوف من خلال عدم استخدام القلم الرصاص والرسم بالألوان مباشرة.. وإدخال مع الفلوماستر العريض ألوان باستيل زيتي وألوان مائية وبلاستيك واستخدام الكولاج.. والذي يبهره ويفتح نفسه.. وقد وجدنا في هؤلاء الأطفال، بيكاسو وماتيس وشاجال وميرو والجزار وندا وكنعان وسيف وانلي ! أما الطفل الأكبر سنا فيمكننا بداية إعطاؤه القواعد ومواضيع أكاديمية مبسطة لرسم الخضراوات والفواكه.. ورسم النباتات.. والبورتريه، مع نبذة عن النسب والمنظور والظل والنور. بالإضافة للحديث عن التصميم والابتكار من خلال تكوينات من الحروف والزخارف النباتية وما شابه.. وتصميم لعبة أطفال وتصميم كأس رياضية أو ميدالية أو كارت بشكل جديد ومبتكر.. ويضيف الجندي: ربما كانت أجمل الأشياء الناجحة كانت في تجربة عمل جماعي مشترك للوحة كبيرة علي أبلاكاش باستخدام ألوان بلاستيك علمتهم التحرر والانطلاق والجرأة فأخرجوا الإبداع الكامن بداخلهم دون خوف وتعودوا علي حل المشاكل التي تقابلهم وقتيا دون تخبط.. وعلمهم العمل الجماعي قيمة إنكار الذات والتعاون والتكامل لإخراج عمل يحمل اسمنا جميعا.. وكان لنا تجربة في مجموعة اللقطة الواحدة من خلال كتاكيت اللقطة وهم الأطفال من ذوي القرابة والبنوة لفناني اللقطة.. وقد أشرفت الفنانة سارة عوف (كتكوت) علي هذه المجموعة.. والجميل- مع ممارستهم الفن كما سبق- هو اندماجهم مع مجموعة فنانين كبار ومعايشتهم ونشأتهم في نسيج إبداعي لبيئة فنية علي مستوي محترف.