صباحك أوروبي.. جاهزية ثنائي إنجلترا.. صفقات ريال مدريد.. ومفاجآت سباليتي    أسعار اللحوم اليوم السبت 15 يونيو 2024 في أسواق الأقصر    ذبح 40 عجلا وتوزيعها على الأسر الأكثر احتياجا فى سوهاج غدا    ميناء شرق بورسعيد يستقبل ثالث سفينة تعمل بوقود الميثانول الأخضر    وزير المالية: توجيه 320 مليار جنيه للدعم والأجور واستيعاب آثار التضخم    التخطيط : 8.6 مليار جنيه لتنفيذ 439 مشروعا تنمويا بمحافظة البحيرة بخطة عام 23/2024    الركن الأعظم.. جبل عرفات يتلوّن بالأبيض (فيديو)    سويسرا تستضيف اليوم مؤتمرا دوليا للسلام في أوكرانيا    سعر جرام الذهب عيار 21 اليوم.. تراجع رغم زيادة الإقبال على الشراء    القنوات المفتوحة لمواجهة إسبانيا وكرواتيا في يورو 2024    موعد مباراة إيطاليا وألبانيا والقنوات الناقلة في كأس الأمم الأوروبية    بمناسبة عيد ميلاده| رسالة خاصة من ليفربول ل محمد صلاح    الأرصاد تزف بشرة سارة للمواطنين بشأن طقس عيد الأضحى (فيديو)    العثور على جثة أحد الطالبين الغارقين في نهر النيل بالصف    هل رمي الجمرات في الحج رجم للشيطان؟.. «الأزهر» يوضح    فيلم ولاد رزق 3 يحقق إيراد ضخم في 72 ساعة فقط.. بطولة أحمد عز (تفاصيل)    تزامنا مع عيد الأضحى.. ما التوقيت الشرعي والطريقة السليمة لذبح الأضحية؟    ب«6 آلاف ساحة وفريق من الواعظات».. «الأوقاف» تكشف استعداداتها لصلاة عيد الأضحى    الصحة: إطلاق 33 قافلة طبية مجانية بمختلف محافظات الجمهورية خلال 4 أيام    هيئة الرعاية الصحية تعلن انعقاد غرفة الطوارئ لتأمين احتفالات عيد الأضحى    5 أطباق بروتين للنباتيين في عيد الأضحى.. «وصفات سهلة ومغذية»    الدفاع السعودية تستضيف ذوى الشهداء والمصابين من القوات المسلحة بالمملكة واليمن لأداء الحج    الصحة العالمية تحذر من تفاقم الأزمة الصحية في الضفة الغربية المحتلة    أفضل العبادات في يوم عرفة.. اغتنم الفرصة    اختلاف بين العلماء حول حكم رمي الجمرات ليلا.. و«الإفتاء» تحسم الجدل    ب«193 مسجدًا و9 ساحات».. الأوقاف تستعد لصلاة عيد الأضحى بالبحر الأحمر    الصحة العالمية تحذر من تفاقم الوضع الصحي في الضفة الغربية    5000 وجبة للوافدين.. «الأزهر» ينظم أكبر مائدة إفطار فى يوم عرفة    «تقاسم العصمة» بين الزوجين.. مقترح برلماني يثير الجدل    «غسلتها بإيدي».. لطيفة تتحدث للمرة الأولى عن وفاة والدتها (فيديو)    نصائح للحجاج في يوم عرفة.. لتجنب مخاطر الطقس الحار    مصطفى بكري: وزير التموين هيمشي بغض النظر عن أي حديث يتقال    الجيش الإسرائيلي يستعد لهجوم واسع النطاق على لبنان    ضرب وشتائم وإصابات بين محمود العسيلي ومؤدي المهرجانات مسلم، والسبب صادم (فيديو)    «معلق فاشل».. شوبير يرد على هجوم أحمد الطيب    القيادة المركزية الأمريكية تعلن تدمير قاربين ومسيرة تابعة للحوثيين في البحر الأحمر    وزير النقل السعودي: 46 ألف موظف مهمتهم خدمة حجاج بيت الله الحرام    ب التوقيت المحلي.. موعد صلاة عيد الأضحى المبارك 2024 في جميع مدن ومحافظات مصر    هبوط اضطراري لطائرة تقل وزير الدفاع الإيطالي بعد عطل طارئ    بسبب جلسة شعرية محبطة.. صلاح عبد الله يروي سر ابتعاده عن كتابة الأغاني للمطربين    بطولة عصام عمر وطه الدسوقي.. بدء تصوير فيلم «سيكو سيكو»    «مرحلة ما يعلم بيها إلا ربنا».. لطيفة تكشف سبب اختفائها    إبادة «فراشات غزة» بنيران الاحتلال| إسرائيل على قائمة مرتكبي الانتهاكات ضد الأطفال    مقرر المحور الاقتصادي بالحوار الوطني: ميزانية الصحة والتعليم اختيار وليس قلة موارد    محمد علي السيد يكتب: دروب الحج ..سيدي أبوالحسن الشاذلي 93    «العلاج الطبيعي»: غلق 45 أكاديمية وهمية خلال الفترة الماضية    وزير المالية الأسبق: كل مواطن يستفيد من خدمات الدولة لابد أن يدفع ضريبة    كرة سلة - سيف سمير يكشف حقيقة عدم مصافحته لمصيلحي    بعد تدخل المحامي السويسري.. فيفا ينصف الإسماعيلي في قضية سعدو    السيطرة على حريق بمستودع أسطوانات بوتاجاز غربي الأقصر    موسيالا أفضل لاعب في مباراة ألمانيا ضد اسكتلندا بافتتاح يورو 2024    «زي النهارده».. وفاة وزير الداخلية الأسبق النبوي إسماعيل 15 يونيو 2009    حظك اليوم برج الأسد السبت 15-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    ألمانيا تسحق إسكتلندا بخماسية في افتتاح يورو 2024    دي لا فوينتي: الأمر يبدو أن من لا يفوز فهو فاشل.. وهذا هدفنا في يورو 2024    توجيه عاجل من رئيس جامعة الأزهر لعمداء الكليات بشأن نتائج الفرق النهائية    نقيب الإعلاميين يهنئ السيسي بحلول عيد الأضحى    «التنسيقية».. مصنع السياسة الوطنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وردة حمراء في عروة الجاكيت
نشر في أخبار الأدب يوم 03 - 08 - 2012

حين احتدم صراع الجديد مع القديم في الشعر المصري أواخر التسعينيات الماضية، كانت لحلمي رحمه الله، مقولة شهيرة، تبدو بسيطة في مبناها، لكنها دالة قوية في معناها، وهي "الشعرُ عَديدٌ".. أي لا احتكار في الشعر، ولا حقيقة مطلقة تكمن وراءه
تعرفت إلي الشاعر العزيز الراحل حلمي سالم في منتصف الثمانينيات. كانت تيارات اليسار قد فازت في انتخابات اتحاد الطلاب جامعة القاهرة ببعض الكليات. أتذكر علي وجه الدقة كان من بين هذه الكليات "دار العلوم" التي كنت أدرس فيها آنذاك، وكلية الإعلام وكلية الآداب وكلية الحقوق. وهو ما سمح لنا في جماعات النشاط والأُسر بأن نستضيف شعراء السبعينيات، وكنا علي علاقة جيدة بهم جميعًا.. هم أنفسهم آنذاك كانوا علي علاقة جيدة بأنفسهم. فاستضافت دار العلوم ندوة لشعراء السبعينيات بفضل أريحية الدكتور الشاعر شعبان صلاح مقرر جماعة الشعر بالكلية آنذاك، علي الرغم من استنكار بعض الأكاديميين تلك الاستضافة. وكان من بين من استضفناهم، إلي جانب شعراء الكلية، الشاعران حلمي سالم ورفعت سلام، فيما استضافت كلية الآداب الشاعر محمد فريد أبو سعده ومعه الصديق الراحل الشاعر محمد الحسيني، حيث رفضت "دار العلوم" حكاية شعر العامية تلك.. ولسان حالهم يقول "احمدوا ربنا أننا ارتضينا بشعراء السبعينيات".. واستضافت كلية الحقوق الشاعر حسن طلب.. واستضافت كلية الإعلام يوسف شاهين ومحسنة توفيق متعها الله بالصحة والعافية، وأسبوعًا كاملاً لأفلام "جو" رحمه الله..
في تلك الآونة تعرفت إلي الشاعر حلمي سالم، وهو ممن تسهل صداقتهم لبساطته وخفة ظله، ولما فيه من صفات تجسد ما تقوله عن شخص أنه "حلو المعَشْر"، ليس فيه ذرة من تكلُّف. فهو مثلاًلم يكن معنيًا بفكرة المعلِّم القدوة التي كانت تحدو علاقتنا بالشاعر حسن طلب، واستفدنا منها كثيرًا.. وليس معنيًا برومانسية المُلهَم، ذات السمت الكنَسي المحبَّب عند عبد المنعم رمضان، ولا فيه صرامة رفعت سلام، ومساره الكاتدرائي في الشعر وفي دقائق الحياة.. علي العكس من ذلك، كان حلمي أكثر ميلاً للمغامرة منه إلي التقليد، وإلي الفوضي منه إلي الرتابة ودقة التظيم؛ لذلك تراه يتحرك مثل قصيدة متهيئة للكتابة.. لأنه ببساطة عاش عاشقًا للحياة ومحبًّا للناس، وما أكثر ما ذَكَر من أسماء الناس في شعره.
اعتادت قدماي علي مجلة "أدب ونقد" في عبد الخالق ثروت وكريم الدولة.. كنا نلتقي لديه أصدقاء، ونتعرف إلي أصدقاء، من الشعراء والمبدعين والمبدعات.. كانت جلسات عفوية لكنها مثمرة في العقل، ومهذِّبة للنفس.. قال لي يومًا: عايزين قصيدة للمجلة. وكنت أكتب قصائد تفعيلية مصابة بالزكام أو الرشح، علي حد تعبير عبد المنعم رمضان، فيها من الهم السياسي ما هو أكثر طغيانًا علي جماليات الشعر.. كنت آنذاك في سبيلي إلي اكتشاف صوت شعري يخص أحبال حنجرتي الموصولة بالقلب، ولم أكن وقتها قد نشرت سوي عدة قصائد، وكلها في مجلات خارج مصر، أذكر منها مجلة "لوتس" وكان يترأس تحريرها الشاعر العزيز أحمد دحبور.. ومجلة "شئون أدبية" التي تصدر من دولة الإمارات. فكان من نتيجة طلبه هذا صدورُ عدد "أدب ونقد" الذي ينيره بيده فنانُ الخط العربي الراحل حامد العويضي، وعلي غلافه "نون والقلم وما يسطرون"، وفيه ملف لعدد من الشعراء والشواعر، الجدد. وهكذا كان نشر أول قصيدة لي في مصر بفضل الشاعر حلمي سالم.. ومن رقة طبعه وكرم أخلاقه، أنني حين ذكرت له ذلك الفضل مرة بمحبة، بين جمع من الأصدقاء، رد بسخريته التي لم تكن جارحة أبدًا في يوم من الأيام، سخرية الخجل من الشكر، وقال:" أهي دي بقي أسوأ حاجة أنا عملتها وضحك.."، فضحكنا.
حلمي كان يتحرك كقصيدة فعلاً، فيه من الرقة والهيام الروحي والخفة الشيء الكثير، إنسان مهيأ للغرام دومًا وللتورط في المحبة، يمكنك أن تقابله خارجًا من "جروبي" وسط البلد، وثمة وردة في مكان ما، في يده ربما، وقد وقف أمامك بعد السلام، يأخذ منها أنفاسًا عذبة وأنتما تتحدثان حديثًا لا يود أن يكون عابرًا.. أو تجدها في عروة الجاكيت، أو طالة من جيب سترته الأعلي منتبهة الأوراق، تنسدل إلي جوارها كوفية مميزة الألوان.. ثمة لمسات أو خطوط نارية ما، أو خضراء ما، كانت هناك دومًا في ملابس حلمي سالم.. لا تقابله مقطب الجبين قط، بالرغم من عذاباته الاجتماعية التي لازمته زمنًا، والصحية في السنوات الأخيرة. وقد عاش معنا أيامًا ونحن عزّابًا في شقة العمرانية خلف مسرح سيد درويش، قربتني منه أكثر، وكانت من أجمل ما قضيتُ من أيام.. أعجبتني فيها عاداته البيتية، وقفشاته وميله للانبساط، ومخزون ثقافته الذي يعرض منه المفيد ببساطة واسترسال محبب إلي النفس، مثل ذلك الاسترسال وتلك البساطة الحيوية في طريقته لإلقاء الشعر.. تعجبني طريقة إلقاء حلمي للشعر.
لم يرتبط اسم حلمي سالم أبدًا، بنزاع أو معركة شخصية. وقليلُ ما ارتبط باسمه من معارك كان تجسيدًا لموقف مبدئي، أو دفاعًا عن فكرة، أو مناصرة لآخرين في مبدأ هو يتوافق معه فكريًا.. وحين احتدم صراع الجديد مع القديم في الشعر المصري أواخر التسعينيات الماضية، كانت لحلمي رحمه الله، مقولة شهيرة، تبدو بسيطة في مبناها، لكنها دالة قوية في معناها، وهي "الشعرُ عَديدٌ".. أي لا احتكار في الشعر، ولا حقيقة مطلقة تكمن وراءه، فهو متعدد المصدر ومتنوع الشكل.. ولا يصح نفي طريقة لأخري، ولا استظهار طرف علي آخر تحت أية مبررات.
لم أكن أتوقع موتك بهذه السرعة حقًا يا حلمي. وأي حق في توقعي هذا، والموت هو الحق الوحيد؟!.. ولا أريد أن أبدأ سلسلة التنبيهات إلي أهمية صدور أعماله الكاملة، وضرورة الاهتمام بمنجزه وباسمه الاهتمام اللائق، فهذه تنبيهات أصبحت معيبة في حق القائمين علي شأن الثقافة في أوروبا وفي دول عربية عديدة الآن، لكنها لا تزال ضرورية هنا.. خاصة أنني في اليومين الأخيرين حين أحصيت ما ينقصني من كتبه ودواوينه في قائمة وذهبت لأشتريه، اكتشفت أن عناوين كثيرة منها غير متوافرة بالفعل... رحمك الله يا أستاذ. يا شاعر. يا إنسان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.