فلسطين.. 15 شهيدا جراء قصف الاحتلال منزلين في حي التفاح شرق غزة    هبوط اضطراري لطائرة تقل وزير الدفاع الإيطالي بعد عطل طارئ    مدرب إسكتلندا بعد الخسارة القاسية: لم يمنحنا الألمان أي فرصة    12 سيارة إطفاء تسيطر على حريق مخزن الطوابق بالجيزة| صور    طقس يوم الوقفة.. الأرصاد تطلق الإنذار الأحمر وتدعو الصائمين لتجنب الخروج    يعاني من اضطرابات نفسية.. شاب يقتل والدته في المنيا (تفاصيل)    بسبب جلسة شعرية محبطة.. صلاح عبد الله يروي سر ابتعاده عن كتابة الأغاني للمطربين    أحمد شوبير: فخور بالأهلي.. والزمالك لازم يظبط نفسه    عاجل - مواقيت الصلاة.. موعد أذان المغرب يوم عرفة 2024    ما هي أفضل الأعمال في يوم عرفة؟    أحب الأعمال في يوم عرفة.. يوم التقرب من الله    معهد التغذية يحذر: اللحوم المشوية على الفحم تسبب السرطان    بطولة عصام عمر وطه الدسوقي.. بدء تصوير فيلم «سيكو سيكو»    «مرحلة ما يعلم بيها إلا ربنا».. لطيفة تكشف سبب اختفائها    إبادة «فراشات غزة» بنيران الاحتلال| إسرائيل على قائمة مرتكبي الانتهاكات ضد الأطفال    مقرر المحور الاقتصادي بالحوار الوطني: صفقة رأس الحكمة فرصة لإعادة النظر في السياسات الاقتصادية    أبرزهم «أفشة»| الزمالك يراقب خماسي الأهلي حالٍ رحيلهم عن القلعة الحمراء    مش مكتوبة ليهم.. الداخلية السعودية تعيد أكثر من ربع مليون حاجا    لمنع الإصابة بسرطان الجلد.. طبيب يحذر من التعرض لأشعة الشمس    كاف يعتمد دورات تدريبية في مصر لرخص المدربين    ملف مصراوي.. فوزان للأهلي والزمالك.. ورسالة قوية من منتخب ألمانيا بيورو 2024    محمد علي السيد يكتب: دروب الحج ..سيدي أبوالحسن الشاذلي 93    وزير المالية الأسبق: أؤيد تدخل الدولة لضبط الأسعار وحماية المستهلك من جشع التجار    مقرر المحور الاقتصادي بالحوار الوطني: ميزانية الصحة والتعليم اختيار وليس قلة موارد    مصرع طالبين غرقا في نهر النيل بقرية الديسمي في الصف بالجيزة    469 ساحة جاهزة لصلاة العيد.. "أوقاف المنوفية" تعلن أماكن صلاة عيد الأضحى بمراكز وقرى المحافظة    ربنا يصبّر قلوبهم.. حزن فى المحلة بعد غرق طفل وشقيقه خلال محاولة إنقاذه    موسيالا أفضل لاعب في مباراة ألمانيا ضد اسكتلندا بافتتاح يورو 2024    جيش الاحتلال يستعد للهجوم على لبنان.. وإسرائيل تدرس العواقب    بيسكوف: مقترح بوتين للتسوية غير محدد زمنيا لكن الوضع فى الجبهة يتغير    الصحة العالمية قلقة بشأن الأزمة الصحية المتزايدة في الضفة الغربية    «مفيش ممنوع» يجمع لطيفة مع كاظم الساهر    «إللي حصل فيه مش قليل».. رد ناري من شوبير على رفض أحمد الطيب المصالحة معه    عمرو سعد يشارك في دراما رمضان 2025 بتوقيع محمد سامي    وزير المالية الأسبق: مفهوم التنمية يتجاوز مجرد استغلال الموارد الاقتصادية    «العلاج الطبيعي»: غلق 45 أكاديمية وهمية خلال الفترة الماضية    يورو 2024 - ناجلسمان: من المهم ألا يقتصر التسجيل على لاعب واحد.. ولهذا سعيد ل موسيالا    كرة سلة - سيف سمير يكشف حقيقة عدم مصافحته لمصيلحي    بعد تدخل المحامي السويسري.. فيفا ينصف الإسماعيلي في قضية سعدو    أعراض التهاب مفاصل الركبة وطرق علاجها المختلفة    طريقة عمل لحمة الرأس مثل الجاهزة.. اعرف أسرار المطاعم    «البحوث الإسلامية» يوضح أفضل كلمات دعاء فجر يوم عرفة: احرص عليها    يوم عرفة 2024.. أفضل الأعمال المستحبة وخير الدعاء المستجاب وكيفية اغتنامه    الأرصاد تحذر من طقس اليوم السبت 15 يونيو.. وتوجه نصائح هامة للمواطنين    عيار 21 يعود لسابق عهده في وقفة عرفات.. أسعار الذهب اليوم بالصاغة بعد الارتفاع الكبير    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء في بداية الأسبوع السبت 15 يونيو 2024    حظك اليوم برج الأسد السبت 15-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    عامر حسين: اختيار بيكهام أفضل لاعب بمباراة الزمالك وسيراميكا خطأ    ارتفاع سعر الذهب اليوم بالسعودية وعيار 21 الآن السبت 15 يونيو 2024    «زي النهارده».. وفاة وزير الداخلية الأسبق النبوي إسماعيل 15 يونيو 2009    مصرع طفلة وشقيقتها الرضيعة سقطتا من شرفة منزلهما بالشرقية    محافظ الغربية يواصل متابعة الاستعدادات لعيد الأضحى المبارك    رئيس الطائفة الإنجيلية يشارك فى حفل تخرج الكلية المعمدانية    توجيه عاجل من رئيس جامعة الأزهر لعمداء الكليات بشأن نتائج الفرق النهائية    نقيب الإعلاميين يهنئ السيسي بحلول عيد الأضحى    قد تسبب أمراض القلب، ما هي أضرار المشروبات الغازية على الجسم؟    «التنسيقية».. مصنع السياسة الوطنية    نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد الكبير بالمحلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيرة التراب
جاهدت لقراءة أكثر صفاء، كي ألتقط الألم المخبأ خلف أدغال حلمي سالم التي تفتت الدلالات الجاهزة بقسوة، علي نثارات متناهية الصغر
نشر في أخبار الأدب يوم 03 - 08 - 2012

مربوطاً إلي السّرير الحديدي دفعَه النوبتجي إلي قفصٍ مظلمٍ، النوبتجي الذي صوّبَ العدساتِ علي مؤخرةِ يسارِ الجمجمة، وضغطَ علي الزِّر:
جاءت حدوتة مصرية، والراهب، ويوسف شاهين، وتجار الموالح، وكل هذا الجاز، ومدرسة عبد المنعم رياض، وسجن العبدلي، وصنع الطائرات الورقية، ونشأ وترعرع، والقنابلُ المضيئة، وسُرّةُ سيدة النبع، ونزيفُ زاهية، وعبس وتوّلي، ومسلسلُ الأيام، وقوارب الزناتي للصيّد في السحر، ونسوة يرتجلن عدودة حول ناعورةٍ، وجثة سامي المليجي في الرَّياح المنوفي، ومعتقلُ القلعة، وساهمُ الطرف كأحلام المساء، وإضاءة 77، وبقراتٌ طائراتٌ علي أطراف الكازوارينا، ورعبُ المترجمات من المسحراتي، وكتاب النبي، ودفنُ عبد الغني سالم.
لا أعرف لماذا التقطت، بعد ساعات من موت حلمي سالم، "مدائح جلطة المخ"، بالذات. إنها عادتي، كلما مات كاتب أحبه، أن أستدعي علي الفور كتاباً له وأبدأ قراءته بصوت عالٍ، لنفسي وله، كأنني أقرأه علي روحه. وبالنسبة لي، كان حلمي سالم أكثر من شاعر أحبه، كان مناخاً، يتجاوز شعره نفسه، وسماته الشخصية.. حلمي سالم وجه تحتفظ له ذاكرة أعوامي الخمسة والثلاثين بأكثر من عشرين عاماً من الصداقة، منذ صافحته لأول مرة في صيف عام 1991.
الآن، بينما أفشل في كتابة مرثية، لأنها لن تليق به، ولأن الموت أكبر من المجازات، ولأن موته عبارة يستحيل العثور فيها علي جمال، أجدني أختار هذا الديوان، ربما لأنه ديوانه الفاصل، المكرس كلية لانفجار أولي محنه الكبيرة مع المرض، وتجربته البكر في رؤية الموت وجهاً لوجه بسبب غدر الجسد به، وليس الحروب أو حتي الأصدقاء للأسف لم أقرأ ديوانه الأخير المخطوط الذي عرفت أنه أغلق قوس تجربة المرض (والحياة معاً هذه المرة) لكنه في المرة الأولي نجا، كان ذلك قبل سبع سنوات من توجهه إلي مقبرته ( كتب مدائح جلطة المخ في العام 2005) .
لكنني، في القراءة الجديدة التي جاءت علي خلفية موته الطازج، رأيت سيرته المنثورة بمهارة علي وجه القصائد، تعود فتلتم، تتضح بعد أن قرأتها في المرة الأولي غائمة، مستحية خلف وهج اللعب، الذي أدمنه حلمي سالم، وكأنه ينكر علي الشعر حياة متماسكة، أو يستكثره علي سيرة رآها، ربما، عابرة.
في هذا الديوان كان حلمي سالم يصل بكل ولع يسمه إلي أقصاه، هو من أكبر دواوينه حجماً وغزارة بالقصائد، وهو أكثرها تسامحاً في مؤاخاة قصيدة النثر بالتفعيلة بل وبالشعر العمودي، وهو أشدها انفتاحاً علي فضاء السيرة الشخصية منذ الميلاد وحتي سرير المرض، وهو أيضاً أكثرها متحاً من التناصات، من كل حدب وصوب( يحوي تناصات مع شعر عربي قديم، وشعر حسن طلب ومحمود الشاذلي وأحمد شوقي وأحمد عبد المعطي حجازي وعبد المنعم رمضان والسيّاب وشعري وآخرين). لم أتخيل أن يلجأ سالم في ديوان مرضه لبعض ممن كرس قطيعته معهم جمالياً، كالتقليدي أحمد شوقي أو صاحب الحساسية المختلفة تماماً مع رؤيته للشعر أحمد عبدالمعطي حجازي.
جاهدت لقراءة أكثر صفاء، كي ألتقط الألم المخبأ خلف أدغال حلمي سالم التي تفتت الدلالات الجاهزة بقسوة، علي نثارات متناهية الصغر، تجعل الخبرة الشعرية في صدارة المشهد، وما نسميه الخبرة المباشرة محض فسيفساء منثورة الشتات.
الآن، تنصع الرؤيا للعالم النائم بين القصائد، تلم ما قبلها وتؤسس لما سيأتي.. ويتجلي ألم حلمي سالم صافياً.
أيضاً، في "مدائح جلطة المخ"، ينتهي سالم من حيث بدأ، بالقصيدة نفسها التي اسمها "مبتدأ"، مبتدأ في الحياة ومبتدأ في الموت، في أول الديوان وآخره، في رعونة اللحم والدم وفي نعومة التراب.
"إنها الرقيقةُ التي مبدؤها الإيماءُ،
تطوف بالعمر
من أجل أن يجدّدَ العمرُ
اسمَه الحركي.
إنها الناعمةُ التي مُتكؤها الشعيراتُ،
حيث تسري تذكرةُ داود،
من أجل أن تستيقظَ الفواكه
لكي يدركَ العشّاقُ
أن الدَّم خوّانٌ،
وأن الرحابةَ
خدعةُ العافينَ عن الناس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.