في مثل هذه الايام، ومنذ 108 عاماً، واعد جيمس جويس نورا بارنسل، زوجته فيما بعد، للمشي سويا للمرة الأولي. حدث هذا في 16 يوليو 1904 وهو نفس التاريخ الذي اختاره جويس لتدور فيه احداث رواية عوليس بمدينة دوبلن. وهو نفس اليوم الذي يحتفل به محبوه في دبلن من كل عام بداية من عام 1954. الجوانب الغامضة في حياة جويس الخاصة أنعشت السرد الخاص به. فأسطورته الخاصة كادت أن تندمج مع أساطير الآخرين فأضافت بعداً وثقلاً للأيام والأماكن التي بدت دوما مألوفة. عملت نورا في فندق فين، والطريق بينه وبين ميدان ميريون، حيث خططا للقاؤهما لأول مرة، يمر بمنزل صامويل بيكيت، الذي ربما كان في ذلك الوقت يكتب روايته ميرفي. في هذا العام، 1904، خطط جويس، الذي بدأ في كتابة "أهل دبلن"، ونورا لزيارة المنزل الذي سكن به سير ويليام وايلد حيث ترعرع الكاتب أوسكار وايلد، وهو نفس المنزل الذي كان الكاتب الايرلندي برام ستوكر صاحب رواية "دراكولا" ضيفا دائم عليه. والجدير بالذكر أن زوجة الأخير كانت صديقة أوسكار وايلد السابقة، وقد تنافسا علي حبها لفترة طويلة من الزمن. وبذلك يكون الطريق الي مدينة دوبلن، مسرح كتابه "أهل دبلن"، مقدساً بالنسبة لك اذا كنت تعرف هذه الأسماء وتقدرها، أما اذا كنت في عجلة كما تتصرف شخصيات عوليس أحيانا او كما يفعل الناس في هذه الايام فسيكون هذا الطريق اعتيادياً، مثل أي شارع عادي في أية مدينة أخري. بقيت المدينة التي كتب عنها جويس كما هي لمدة طويلة ربما في حالة جمود أكثر مما ذهب خيال جويس يوما. يحكي الكاتب الأيرلندي كولم توبين عن انتقاله لهذه المدينة التي أصبحت بشكل ما مرتعاً لعشاق جيمس جويس. يقول انه انتقل هناك في بداية السبعينيات، إنها نفس المدينة التي كتب عنها جويس في بداية القرن ويحكي عن الشخصيات القاطنة بها: "سكن الغرفة المقابلة لي رجل يذهب إلي عمله ويعود منه بشكل يومي منتظم، صادف أن رأيته مرات قليلة في الشارع وقد بدا لي رجلاً مألوفاً يرتدي بدلة كاملة. يبدو انه يعمل في مكتب، في الحقيقة كان رجلاً عادياً جدا ولكنه لم يكن طبيعياً.. كما لو أن كهرباء حياته قد انقطعت ويعيش علي ضوء الشموع. انه لم يجتز أبدا باب حجرتي ليذهب الي الحمام في الفناء الخلفي للمبني. لا أعرف أين يقضي حاجته وقد استشعرت من خطواته البطيئة أثناء الليل حيث يسود الهدوء أنه يقضي لياليه وحيدا يحتسي الشراب في مكان ما في هذه المدينة." فكرة الشخصيات الرثة المنعزلة ذات الحياة الغامضة، الشخصيات الوحيدة التي قتلي حياتهم بالمشروبات الكحولية والمساجين وراء مكاتبهم والقاطنين في منازل مملة او حجرات ذات حوائط باردة، رجال متعلمون ولكن بلا مستقبل. تلك الشخصيات تصنع طريقها في قلب القصص القصيرة لكتاب Dubliners: Two Gallants The Boarding Houses A Little Cloud Counterparts A Painful Case and Grace. بينما يرسم جويس هذه الشخصيات ويقدم لها قليلاً من الراحة ولحظات قصيرة من الاحتمالية، لم يكن مهتما ببعض الجوانب الغامضة التي يعرف سرها عن هذه النوعية من الرجال واقدارهم في هذا العالم، وإنما اهتم بالشخصية نفسها التي أطلق عليها الاسم ورسم حياتها الخاصة والسرية. الاستغراق في الأفكار العميقة والعزلة الواعية للأفراد، والتي تجعلهم في حالة اختفاء دائم، نجح جويس في ان يقدمهم بطريقة درامية مسرحية. لم يسمح جويس في كتابه ذلك ان تختلط قصص البالغين بحكايات الأطفال البريئة، فالقصص الأولية للاطفال والشباب تقدم الخوف من الأخطاء بالتأكيد اكثر من قصص البالغين. وبالطبع فان الراوي في قصص الاطفال يبدو انه يعرف كل الجوانب الغامضة اكثر من اي شخصية اخري في الكتاب. ففي قصته An Encounter كان الراوي صبياً بالمدرسة تعامل مع اضطراب النشاط الجنسي للرجل الذي يقابله بسهولة ويسر. (تلك القصة كما ذكر ستانسلوس جويس، والد جيمس، تقوم علي وقائع حقيقية حدثت معه وهو صغير). وفي Araby يحكي عن حب استحواذي من قبل شاب صغير تجاه فتاة مليء بالمشاعر الجنسية. إنها درامتيكية وملموسة أكثر من أي قصة أخري في الكتاب. في خطاب أرسله إلي ناشره في عام 1907 تكلم جويس عن الطموح والتواضع الذي كان يداهمه وهو يكتب قصصه "كان قصدي أن أكتب فصلاً واحداً عن التاريخ الروحي لمدينتي وقد اخترت دبلن لأنها تبدو مركزاً للركود والعجز. ولقد حاولت أن أقدمها علي أنها مدينة العوام الذين هم دائما علي الحياد تحت أربع من جوانبها: الطفولة، البلوغ، النضج والحياة العامة. وقد رتبت القصص وفقا لهذا المنظور." بدأ جويس كتابة قصصه في دبلن عام 1904 وكان يبلغ من العمر 22 عاما وانتهي منهم بقصة The Dead في عام 1907 في مدينة تريستي. وبعد عدة محاولات وصعوبات وحظ سيئ مع الناشرين، نشرت Dubliners في يونيه 1914. ادعاء جويس بانه سيكتب فصل واحد عن مدينته هو أمر مبالغ فيه، حتي القصص نفسها تتفادي أن تكون مجرد وصف سهل. فالقصص تحتوي علي قرية مليئة بالحالمين وراغبي التغيير رغم وجودهم بقفص. ففي Two Gallants وEveline هناك دائما شخصيات غريبة ومتيقظة للهروب من قفص العائلة او العمل. في After the Race هناك هيستريا حمقاء في محاولة الشخصية دويل بان تظل علي صلة باصدقائها المثقفين الاجانب. في العديد من القصص نجد الشخصيات في حالة ترقب ويقظة واضطراب. تبدو رغباتهم وقد فرضت عليهم وتجعلهم يتصرفوا بوحشية في مطارادتهم واندفاعهم وايماءاتهم الغير مطمئنة. لم يقم جويس بالحكم عليهم ولكن كان هناك دائما انذار دائم لنقاط ضعفهم وفشلهم كما انه كان شغوفا بان يصنع منهم قضاه سواء كان الامل الذي يدفعهم جدي او عبثي. يحكي جويس عن دوبلن علي مدار عشر سنوات بعد رحيل تشارلز ستيوارت بارتل، السياسي الايرلندي رئيس الحزب الايرلندي البرلماني ويعد من أكثر شخصيات القرن التاسع عشر تأثيرا، في كتابات جويس تظهر شخصية بارنل بنقاء لا تشوبه شائبة أو استهزاء. لقد قدم بارنل ليس فقط أملاً سياسياً ولكن نوعا ما من الأمل الروحي المبهم والاكثر. وبذلك تكون قصة Ivy Day in the Committee تعري الطبقة الفارغة للمجمتع بعد موت قائديه بشكل درامي، فيبدأ المواطنون بالتفوه بالاكليشيهات والبحث عن الشراب والصحبة المثيرة للغثيان. الإحساس بالتفاهة وعدم الاهمية في كل سطر وفقرة وفي كل اقتراح لشخصية ما يبدو جليا ان المجد زال وان الضوء قد انطفئ وترك الشخصيات تتلمس طريقها في فراغ غريب. يتغلف هذا الفراغ بغلاف حزين شفيف حزناً علي فقدان القائد، ولكنها أيضا تعج برؤي غريبة للقومية الايرلندية، كأنه