بايدن يؤكد للرئيس السيسى تقديره لجهود مصر للتوصل لوقف إطلاق النار فى غزة    الأهلى يهزم الزمالك 27 - 21 ويحسم لقب محترفى اليد    عيار 21 بالمصنعية بعد الانخفاض.. أسعار الذهب اليوم الجمعة 24 مايو 2024 للبيع والشراء    مصر تُرحِب بقرار "العدل الدولية" فرض تدابير مؤقتة إضافية على إسرائيل    الصين تحذر: رئيسة تايوان تدفع باتجاه الحرب    تزامنا مع كلمة ل نصر الله.. حزب الله يستهدف موقعا إسرائيليا بصاروخين ثقيلين    "بولتيكو": إجراءات روسيا ضد إستونيا تدق جرس الإنذار في دول البلطيق    «العمل» تكشف تفاصيل توفير وظائف زراعية للمصريين باليونان وقبرص دون وسطاء    الأهلي يبدأ مرانه الختامي لمواجهة الترجي في نهائي دوري أبطال إفريقيا غدا    «تجاوز وعدم أدب».. بيان ناري لرابطة النقاد الرياضيين ردًا على تصريحات محمد الشناوي ضد الصحافة المصرية    الدبلومات الفنية 2024.. "تعليم القاهرة": تجهيز أعمال الكنترول وتعقيم اللجان    المخرج أشرف فايق: توقعت فوز الفيلم المصري "رفعت عيني للسما" بذهبية مهرجان كان    تحديث بيانات منتسبي جامعة الإسكندرية (صور)    لمدة 4 ساعات.. قطع المياه عن هضبة الأهرام بالجيزة اليوم    الأمم المتحدة تحذر من انتشار اليأس والجوع بشكل كبير فى غزة    الترقب لعيد الأضحى المبارك: البحث عن الأيام المتبقية    سكرتير عام البحر الأحمر يتفقد حلقة السمك بالميناء ومجمع خدمات الدهار    بعد جائزة «كان».. طارق الشناوي يوجه رسالة لأسرة فيلم «رفعت عيني للسما»    بعد تلقيه الكيماوي.. محمد عبده يوجه رسالة لجمهوره    أعضاء القافلة الدعوية بالفيوم يؤكدون: أعمال الحج مبنية على حسن الاتباع والتسليم لله    «الرعاية الصحية» تشارك بمحاضرات علمية بالتعاون مع دول عربية ودول حوض البحر المتوسط (تفاصيل)    قوافل جامعة المنوفية تفحص 1153 مريضا بقريتي شرانيس ومنيل جويدة    «العدل الدولية» تحذر: الأوضاع الميدانية تدهورت في قطاع غزة    فيلم "شقو" يواصل الحفاظ على تصدره المركز الثاني في شباك التذاكر    بعد ظهورها بالشال الفلسطيني.. من هي بيلا حديد المتصدرة التريند؟    متي يحل علينا وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024؟    مبابي يختتم مسيرته مع باريس سان جيرمان في نهائي كأس فرنسا    المفتي يرد على مزاعم عدم وجود شواهد أثرية تؤكد وجود الرسل    أبرزها قانون المنشآت الصحية.. تعرف على ما ناقشه «النواب» خلال أسبوع    عائشة بن أحمد تكشف سبب هروبها من الزواج    أوقاف القليوبية تنظم قافلة دعوية كبرى وأخرى للواعظات بالخانكة    محافظ أسيوط يتابع مستجدات ملف التصالح في مخالفات البناء    التنمية الصناعية تبحث مطالب مستثمري العاشر من رمضان    الأزهر للفتوى يوضح أسماء الكعبة المُشرَّفة وأصل التسمية    التعليم العالي: جهود مكثفة لتقديم تدريبات عملية لطلاب الجامعات بالمراكز البحثية    الأهلى يكشف حقيقة حضور إنفانتينو نهائى أفريقيا أمام الترجى بالقاهرة    مدير جمعية الإغاثة الطبية بغزة: لا توجد مستشفيات تعمل فى شمال القطاع    اكتشاف فيروس إنفلونزا الطيور H5N1 في الأبقار.. تحذيرات وتحديات    وزير الري: إفريقيا قدمت رؤية مشتركة لتحقيق مستقبل آمن للمياه    أول جمعة بعد الإعدادية.. الحياة تدب في شواطئ عروس البحر المتوسط- صور    بالأسماء.. إصابة 10 عمال في حريق مطعم بالشرقية    الإفتاء: الترجي والحلف بالنبي وآل البيت والكعبة جائز شرعًا في هذه الحالة    "العد التنازلي".. تاريخ عيد الاضحي 2024 في السعودية وموعد يوم عرفة 1445    وزارة الداخلية تواصل فعاليات مبادرة "كلنا واحد.. معك في كل مكان" وتوجه قافلة إنسانية وطبية بجنوب سيناء    الشرطة الإسبانية تعلن جنسيات ضحايا حادث انهيار مبنى في مايوركا    تعشق البطيخ؟- احذر تناوله في هذا الوقت    الإسكان تتابع جهود قطاع المرافق لتعظيم الاستفادة من الحماة المنتجة من محطات معالجة الصرف الصحي    11 مليون جنيه.. الأمن يضبط مرتكبي جرائم الاتجار بالنقد الأجنبي    أبرزها التشكيك في الأديان.. «الأزهر العالمي للفلك» و«الثقافي القبطي» يناقشان مجموعة من القضايا    الأكاديمية العسكرية المصرية تنظم زيارة لطلبة الكلية البحرية لمستشفى أهل مصر لعلاج الحروق    مران صباحي ل«سلة الأهلي» قبل مواجهة الفتح المغربي في بطولة ال«BAL»    الإسكان: تشغيل 50 كم من مشروع ازدواج طريق «سيوة / مطروح» بطول 300 كم    رئيس الأركان يتفقد أحد الأنشطة التدريبية بالقوات البحرية    "التروسيكل وقع في المخر".. 9 مصابين إثر حادث بالصف    "تائه وكأنه ناشئ".. إبراهيم سعيد ينتقد أداء عبدالله السعيد في لقاء فيوتشر    النشرة المرورية.. سيولة فى حركة السيارات على محاور القاهرة والجيزة    حظك اليوم برج العقرب 24_5_2024 مهنيا وعاطفيا..تصل لمناصب عليا    مدرب الزمالك السابق.. يكشف نقاط القوة والضعف لدى الأهلي والترجي التونسي قبل نهائي دوري أبطال إفريقيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شريف يونس بعد كتابه عن "الناصرية".. يرصد:
يوليو.. شروق وغروب
نشر في أخبار الأدب يوم 24 - 07 - 2012


عبدالناصر يكرم الخريجين ومبارك يحمل الدروع
عشر سنوات كاملة قضاها الدكتور شريف يونس في العمل علي رسالته للدكتوراة حول " الناصرية" حصل بها علي درجة الدكتوراة، وصدرت مؤخرا في كتاب عن دار الشروق يحمل عنوان " نداء الشعب: تاريخ نقدي للإيديولوجيا الناصرية". الكتاب حسب تعبيره محاولة ل" التفكير في التاريخ المصري الحديث بشكل مختلف بعيدا عن ثنائيات الكراهية والحب، أو من هم الأخيار والأشرار".
لم يتبني صاحب " الزحف المقدس" الدفاع أو الهجوم بقدر الفهم، أو التفكير بشكل مختلف بعيدا عن مدرسة الرافعي الذي يتناول تاريخ مصر من منظور الهوية وحده ، ومنظومة الرافعي التي يسميها يونس " مدرسة الحزب الوطني في التاريخ" منظومة سلطوية ، تنطلق من رؤية تبسيطية لا تري المجتمع في تعقيداته وإنما تختصر المجتمع في وطنين وخونة. الرؤية الجديدة للتاريخ تحاول النظر إلي الظاهرة التاريخية بشكل علمي لا علي أساس سياسي أو إيديولوجي، ويبتعد عن الأحكام القيمية التي سيطرت علي المجال السياسي. الوطنية معقدة جدا حسب يونس، متعددة التوجهات ، وإذا أردنا أن نفكر في مستقبل ديمقراطي لابد أن نري الظاهرة في تعقيداتها وتنوعها ...
المسافة بين سيد قطب الذي اختاره شريف يونس موضوعا للماجستير، وبين الناصرية كموضوع للدكتوراة ليست "نقلة كبيرة" حسب تعبيره، إذ أن قطب جاء من وسط المثقفيين المصريين العلمانيين، وهو تلميذ للعقاد الذي عاش ومات لبيراليا، واكتشف نجيب محفوظ وعندما صدرت روايته "زقاق المدق" كتب قطب: "اليوم تم تأسيس الرواية العربية الحديثة"، قطب أيضا كتب مقالات عن شواطئ العراة، وكان مهتما بالإصلاح الاجتماعي. كان السؤال المهم بالنسبة لشريف وقتها: كيف انتقل قطب من المعسكر التنويري ليصبح المُنظّر الأول لجماعات العنف الإسلامي؟..
قادته الدراسة إلي اكتشاف أن قطب لم ينتقل من النقيض إلي النقيض، بل كان هناك عامل مشترك بين المعسكرين، وخاصة أن كتاباته " الرومانسية " بها دفقة تبرر هذا الانتقال. وضع شريف عددا من الأسئلة حول فكرة الهوية.. هي فكرة تكرس لفكرة السلطوية أيا كان الطرف الذي تنتمي إليه، وهي فكرة أيضا تفسر الانتقال بين المعسكرين النقيضين. عندما بدأ يونس في طرح أسئلة الهوية لم يحدد فترة تاريخية، ثم قرر العمل علي الفترة التي ظهر فيها قطب، وهي الفترة التي صعدت فيها أيضا الإيديولوجيا الناصرية أي أنه بدلا من الاشتغال علي إيديولوجيا "فرد" قرر العمل علي إيديولوجيا "جماعة المثقفين المصريين". وهو ما قاده إلي " الناصرية"..
ولكنّ كثيرين يعتبرون أن سؤال الهوية طرح بعد هزيمة 67..الجميع بدأ في البحث عن حل فردي للأزمة، بعضهم وجد الحل في الإسلام السياسي.. أي أن الهزيمة كانت نقطة فاصلة؟ يجيب: "هي نقطة تحوّل، ولكنها ليست النقطة الفاصلة لأن الإيديولوجيا الناصرية منذ البداية هي "إيديولوجيا هوية"، بعد الهزيمة حدث أن كثيرين دخلوا في أزمة، وأرادوا عمل تعديلات أو إضافات للناصرية، من بينهم تيار التراثيين الجدد الذي اعتبر أن المشكلة هي نقص الاستقلال الحضاري، وحاولوا دمج الإسلام والقومية العربية، أو الإسلام والناصرية، وهذا يختلف عن تيار الاسلام السياسي الخالص، ولذا ينبغي أن نُفرّق بين الإسلام السياسي، والمجموعة الهوياتية مثل طارق البشري الذي يختلف منطقه الدفاعي عن الإسلام السياسي ولكن من منطلق آخر يختلف عن منطلق حسن البنا العقيدي. هو تيار يتحدث عن العودة إلي الأصول لتعزيزها لا تحقيرها، وبالتالي الإسلام، هنا، بوصفه الدين المحلي لهذه المجموعة من البشر، واستعادة الروح يكون بالعودة إلي هذه الأصول. وهذا الكلام هو لسيد قطب في الأربعينيات قبل انتقاله إلي معسكر الإسلام السياسي، وهي دليل علي أن صعود "إيديولوجيات الهوية" لم يكن فقط بعد الهزيمة ولكن منذ ثلاثينيات القرن العشرين، ولكن إيديولوجيا الهوية لم تكن حاكمة سوي في الفترة الناصرية. يوضح يونس فكرته: الفترة الناصرية استطاعت أن تمنع الهويات المتنافسة الأخري عن طريق قمعها، وحبسها، وعندما دخلت في أزمة حاول مفكروها البحث عن حل للخروج من هذه الأزمة، ولم يكن الأمر متعلقا فقط بتيار التراثيين الجدد، ولكن أيضا بالحلقات الماركسية التي ظهرت في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات، كثير منهم خرج من تيارات الشباب الناصري، وشعروا أن هناك أزمة تجاه النظام القائم، وبالتالي بدؤوا في اعتناق أفكار ماركسية أكثر تشددا..".
أسأله: إذن أن تري أن فترة عبد الناصر كانت فترة صراع هويات؟
يجيب: من أحد نواحيها تمكن الإجابة بنعم، بتنويعات مختلفة داخل النظام نفسه كانت هناك تيارات إسلامية، وعروبية، ومصرية، طالما تؤيد النظام صراحة ولا تنقلب عليه. ولكن الناصرية لم يكن لديها إيديولوجيا متماسكة سوي إيديولوجيا الوصاية علي الشعب من أجل تقدمه، أو حكم الشعب بالقوة من أجل نقله إلي مرحلة "البني آدمين"، وداخل هذا الإطار الواسع كانت هناك تنويعات كثيرة، ولذا لو حللنا وثائق أو خطب عبد الناصر نجد أنها تحمل أكثر من تفسير، هو تكلم كثيرا عن العروبة مثلا، ولكن في نفس الوقت سيحمل الكلام معني آخر إذ أن العروبة مصلحة قومية لمصر، وتحدث عن الإسلام ولكن الإسلام التقدمي الروحي.. كانت لديه خلطة ليست حاسمة ولا واضحة، وتسمح بحركة أطراف أخري".
- ولكن كيف بدأت تتشكل الإيديولوجيا الناصرية.. والمراحل التي مرت بها؟
- الإيديولوجيا لا تُبني بشكل عمدي، وهذا هو الفرق بينها وبين الحملة الدعائية محدودة الهدف، الإيديولوجيا هي كيف يبرر ما يقوم به، ما الأهداف وراء ما يقول. والإيديولوجيا الناصرية تكونت بشكل طبيعي من وضع الضباط الأحرار أنفسهم، هم مجموعة من الضباط الوطنيين بلا هوية سياسية واضحة، لم يكونوا علي رضا بالوضع القائم، وكانوا متأثرين إلي حد ما ببعض الإيديولوجيات السلطوية سواء مصر الفتاة أو جماعة الإخوان، ولكنهم كونوا تنظيماً مستقلاً تماما عن كل القوي السياسية الموجودة في الجيش (سواء الشيوعيين أو الإخوان)، وتحولوا إلي تنظيم سلطوي هويته الوحيدة أنه يحب الشعب، ولكن ليس حبا علي طريقة الإخوان أو الشيوعيين، حب بطريقة غامضة، وأعتقد كان هذا منطق بنائهم كتنيظم ضباط أحرار أي متحررون من أي التزام تجاه أي شيء بخلاف الشيء الغامض" الشعب". وعندما وصلوا إلي السلطة كانوا بلا ظهير سياسي يساندهم، ونجح مشروعهم ولم تكن لديهم طريقة للاستمرار سوي في التمسك بما بدؤوا به، لذا كان لديهم ميل لتصفية الحياة السياسية، وفض المجتمع نفسه من أي التزام سياسي، أن يلتف المجتمع حول قيادته ليبدأ "الزحف المقدس" لنحقق أهدافنا، وهذه هي الوطنية من وجهة نظرهم.. من يخرج عنها يكون خائنا، وكانوا مقتنعين أن الديكتاتورية ضرورة لبناء المجتمع ولكنها مؤقتة إلي حين أن يتغير المجتمع في يوم من الأيام.
- هل الأداء السياسي لمجموعة الضابط كان يؤكد أن السلطوية مؤقتة؟
- بالتأكد، حتي أكثرهم سلطوية سلاح الطيران عبد اللطيف البغدادي كان يري أن السلطوية يمكن أن تستمر 10 سنوات فقط.
- سلاح الطيران هو الأكثر سلطوية دائما.
- لأنهم ينظروا من فوق، لا يرون البني آدمين أساسا، الضباط كان لديهم تصور أن الديكتاتورية ضرورية لإصلاح فساد المجتمع، وأن الخلاف حول المدة التي يحتاجونها.. وللأسف استمرت الديكتاتورية 60 عاما.
- ألم يكن هناك أي رغبة في الإصلاح؟
- كانت هناك بالتأكيد، وكانت هناك محاولات لإشراك الناس في الحكم، عبد الناصر نفسه قال: "ما ينفعش بلد يحكمها 10 أفراد" ولذا أسس هيئة التحرير، ثم الاتحاد القومي، ثم الاتحاد الاشتراكي لقوي الشعب العاملة، ولكن في 1964 أدرك أنه بني نظام "بايظ" وتكلم عن ذلك صراحة.. ولكن كل محاولات الإصلاح كانت في إطار سلطوي.
- ماذا تعني بكلمة " بايظ"؟!
- بمعني أنه نظام يفتقد الإحساس للمسئولية، نظام احتكر القرار السياسي، وبني الدولة بشكل أمني، ولذا مهما بنيت من منظمات جماهيرية ونقابات، وأقمت انتخابات، لكن في النهاية الناس تتحرك في إطار هذا النظام الأمني، ينفذون التعليمات التي ينتظرونها من السلطة، وينتظرون الحصول علي مكاسب. وعبد الناصر تحدث في إحدي خطبه عن الإحساس بالمسئولية وقال لأعضاء المجلس النيابي: "مطالب مطالب..حاجبلكم منين؟". عبد الناصر كان مقيداً، كان يبدو كأنه زعيم قادر علي كل شيء ولكنه لم يكن كذلك، تحولت البلد في عهده إلي عصابات، وكانت مهمته هي مراعاة التوازنات بين هذه العصابات المختلفة، سواء عصابة الجيش بقيادة عبد الحكيم عامر، أو مجلس الأمة..وفي النهاية كان أسير نظامه.
- ولكن أنت تري أن لديه رغبة حقيية في الإصلاح؟
- في تصوري كان مدركا لعمق أزمة النظام أكثر من غيره، بحكم أنه في قلبه، وبحكم أيضا أن دوافعه وطنية، ليس وحده، بل والمجموعة المحيطة به، ومعروف أن هذه المجموعة يدها نظيفة.
- أنت تعيد الاعتبار إذن للناصرية؟
يجيب: أنا مهتم أن أنقل النقاش لمستوي آخر، بعيد عن فكرة الثنائيات، أو أسئلة: هل كان عبد الناصر "حرامي"؟ لو ثبت أنه ليس "حرامي" يكون إذن شخصا عظيما. بالتأكيد عبد الناصر لم يكن يكن لصا، ولكنه ديكتاتور، صحيح أنه واجهة الاستعمار ولكنه قتل روح المبادرة في البلد، عبد الناصر هو كل هذا. أنا لا أناقش هل كان عبد الناصر " حلو" ولا "وحش"؟ وإنما أريد أن أفهم منطق النظام الداخلي، وكيف تتطور؟ وتناقضاته. أنا أري عبد الناصر شخصية تراجيدية مثل أوديب الذي قتل أباه وتزوج أمه بدون أن يعرف، وبدأ يتحمل نتائج ذلك طول حياته، فقط يحاول أن يغير مصيره أو يحسّنه ولكن لا توجد إمكانية.. عبد الناصر صنع حدثا، له تداعيات تخرج عن السيطرة.
- ما الحدث ؟
- استيلاء مجموعة من الضباط علي السلطة بدون ظهير سياسي، لو كان لديهم ظهير سياسي، كان سيحكم، وسيكون هناك مجال سياسي مفتوح، ولكن أعتقد أن انتصارهم يعني أن البلد كان مؤهلاً لذلك.
يوضح شريف: البلد كان بها تيار سلطوي قبل أن يستولي الضباط علي السلطة، مصر الفتاة، والإخوان، والسرايا، حتي الملك وقتها كان لديه الكثير من صلاحيات الوزراء.. الضباط وجدوا مؤسسة السرايا قوية واستولوا عليها، أفكارهم كلها بُنيت علي مؤسسة السرايا لا علي تنظيم الإخوان أو مصر الفتاة..أو الوفد.
أسأله: ولكن ألم يساعد التنوع الفكري داخل حركة الضباط علي ألا تصل الثورة أو الانقلاب إلي حائط صد، خالد محيي الدين الشيوعي، البعض الآخر إخواني؟
يجيب: خالد محيي الدين كان إخوانيا قبل أن ينتقل إلي "حدتو"، ولكن رغم أن كثيرا من الضباط كانوا إخوانا إلا أن صدامهم الرئيسي كان مع الإخوان، لأن طبيعة الاختيار التنظيمي هو الذي حكم حركة الضباط، ولذلك مثلا تجد أن التنظيم السري الذي أنشأه عبد الناصر باسم "طليعة الاشتراكيين" كان هو زعيمه الأوحد، وهذا التنظيم يراقب كل مؤسسات الدولة بما فيها الاتحاد الاشتراكي، وكانت ترفع لعبد الناصر كل التقارير، أصحاب الميول الدينية يكتبون تقارير عن اليساريين، والعكس.. أي أن نظام عبد الناصر لم يكن سبيكة إيديولوجية واحدة، الشيء الوحيد تقريبا المتفق عليه هو رفض السياسة.
- استغل إذن هذا التضارب ؟
- بالتأكيد، ولم يكن يستطيع أن يفعل شيئا سوي ذلك، وفي النهاية قفز علي المجتمع من أعلي، وفيما بعد وصف عبد الناصر نظامه بأنه مجرد إقطاعيات.. وكل مهمته هي إدارة هذه الإقطاعيات، ورغم تغلغل النظام في كل مفاصل الدولة إلا أن عبد الناصر لم يكن يعرف ماذا يفعل لدرجة اأه شتم الشعب في خطاب في بورسعيد وقال: "انتو بتستنطعوا عليّ استنطاع كامل.. حارجعلكم أسعار 61 منين؟".
- لماذا لم تنته الدكتاتورية أو الطبيعة السلطوية للنظام كما قدروا بعد عشر سنوات.. لماذا استمرت كل هذه السنوات؟
- مهما خلق النظام تنظيمات شعبية حولها، هو يخلقها بمنطقه هو، وهذا ما أوصلها إلي الفشل، بمعني أن الإقطاعيات خرجت عن سيطرته، وهذا كان واضحا في 67، محمد فوزي يتحدث في مذكراته عن تهلهل الجيش من الداخل، كان هناك إهمال للتدريبات، بنزين التدريب لم يكن يستعمل.. كان هناك ترهل عام، نتيجة انعدام المسئولية، لأن الجميع حتي من هم في السلطة في انتظار تعليمات الزعيم، وهذا ما استمر في منطق الدولة الأمنية، التي تتدخل في كل شيء.
-2-
هل انتهت سلطة يوليو مع وصول السادات إلي الحكم؟ لتبدأ دولة اخري يراها البعض دولة الانفتاح ..وهي الدولة التي استمرت حتي الآن وثار عليها المصريون؟ لا يعتقد شريف يونس في ذلك : "انقلاب السادات، لم يكن سوي انقلاب قصر صغير، ولكن طبيعة الدولة والنظام لم تتغير، مثلا البرلمان الذي أيّد إجراءات السادات، انتُخب أيام عبد الناصر. ولكن لا يعني ذلك أن نقلة السادات ليس لها معني، بل بالعكس هي دليل علي الشرخ الذي أصاب النظام، منذ 1964 مع الميثاق. نقلة السادات تكشف عن المشكلة الجوهرية في نظام يوليو أنه متعدد القوي، متعدد التيارات من داخله، وكان ذلك واضحا أثناء مناقشة الميثاق، الجناح الإسلامي في النظام اعترض علي كثير مما جاء في الميثاق، وطلب عبد الناصر أن يكتبوا ملاحظاتهم في ما سمي ب" تقرير الميثاق" فأصبح لدينا وثيقتان تم إقرارهما رغم أن بهما قدرا لا بأس به من التناقض، وكلاهما صادر عن المؤتمر الوطني للقوي الشعبية الذي تم استبعاد كل أعضاء النظام منه، أي أن من كتب الميثاق هم أبناء النظام، ومن كتب تقرير الميثاق هم أبناء النظام أيضا، حتي التعديلات التي أجراها السادات علي دستور 71 كلها مسودات من التقرير الوطني للجنة الميثاق، أي أن هناك معركة بين أجنحة السلطة، انتصر فيها الجناح اليميني بينما فشل الجناح اليساري الأكثر بيروقراطية والأكثر ميلا نحو الدكتاتورية..
يوضح شريف فكرته بالتفصيل: ما قام به السادات كانت بذوره موجودة لدي عبد الناصر، قرار إنشاء المنطقة الحرة في بورسعيد أصدره عبد الناصر 1966 ولم يُنفذ بسبب الحرب، حتي موضوع السلام مع إسرائيل.. كان هناك مفاوضات سرية غير مباشرة في الأمم المتحدة الأولي في 1956، والثانية في عهد كينيدي للتوصل إلي تسوية للقضية الفلسطينية ، ولكن عبد الناصر كان مدركا لأن الحرب لن تحل المشكلة. حتي التعددية التي أقامها السادات كانت تعددية محكومة، لم تتغير طبيعة النظام مع السادات.
- أسأله: وما الذي تبقي من دولة يوليو في زمن مبارك؟
يجيب: علي الأقل ال15 الأخيرة في حكم مبارك هي تعبير عن نظام يوليو في حالة تفسخ ، كان هناك فقدان للسيطرة الإيديولوجية تماما، ولذا نشأت أزمة تسويغ النظام، مبارك تعامل برعونة مع القضية، ولم تكن لديه إمكانيات للحديث عن إيديولوجيا، واعتبر أن فقدان المجال الإيديولوجي ليس مهما فانسحب منه، واكتفي بالحديث عن التنمية ومشروع توشكي، ولكن لم يكن هناك كلام عن طبيعة عمل الدولة. حتي عندما جاءت المجموعة التي حاولت تنفيذ عملية التحول نحو الرأسمالية الحرة وبيع ما تبقي من القطاع العام ، بدأ وقتها فقدان أي سيطرة علي الحزب الوطني نفسه، وظهر واضحا في الانتخابات البرلمانية.. في كل مرة كانت نسبة المنشقين عن الحزب الوطني تزيد عن أخري، وهذا يعني أن الحزب يخسر مرشحه الرئيسي ويكسب شخصاً آخر علي مبادئ الحزب، وهو شخص ليس من المعارضة، حتي يمكن التزوير ضده، وتقييد حركته، إنما هم جزء من الدولة ولهم تشابكاتهم، ولذلك رفض أحمد عز مثلا الإعلان عن أسماء مرشحي الحزب إلا قبل إغلاق باب الترشح، ومن وجد نفسه خارج القوائم هدد بدعم الإخوان.. نجد هنا التفسخ والانهيار في حالتهما القصوي، وعندما تقرأ مذكرات عبد اللطيف المناوي ستجد أنه لا يوجد أحد قلبه علي الوطن، بل الجميع يعمل من أجل مصالحه الشخصية بداية من الضابط الصغير الذي يقتل مواطنا آخر سب شقيقه. النظام تمت خصخصته، ومبارك أصبح مجرد واجهة فاقدة للسيطرة، ومحاولة ابنه وأحمد عز وحبيب العادلي للسيطرة نجحت ولكنهم أصبحوا عصابة داخل الدولة .
- لنتخيل أن ثورة يناير لم تحدث, هل كان نظام يوليو سينتهي مع جمال مبارك وتوريث السلطة؟
- لكي يحدث ذلك إما أن تنهار الدولة، أو تتحول إلي دولة فاشية، وأظن أن خطه التفريغ الأمني، وإرهاب المجتمع التي حدثت بعد الثورة وأثناءها كانت معده لتمرير التوريث، وهي تلخص نظام يوليو الذي قام أساسا علي إرهاب الدولة منذ 1952، ووصل لنهايته.. ولو تم مشروع التوريث أعتقد أن الدولة كانت ستنهار.
- إذن ثورة يناير أعطت نظام يوليو قبلة حياة جديدة؟
يجيب: لا أظن، منطق ثورة يناير كان هو النقيض ليوليو، يوليو كان مبدؤها الأساسي هو إغلاق المجال السياسي، ثورة يناير فتحت المجال السياسي، كما أن ثورة يناير لم تقم لتحقق المبدأ السادس لثورة يوليو،الذي لم يتحقق، وهو الديمقراطية، لأن ديمقراطية يوليو لم تكن تعني سوي "ديمقراطية الزحف المقدس"، المجال السياسي المفتوح الذي أحدثته ثورة يناير إنجاز لن يمس،
كما أن انفجار التنوع الذي أحدثته ثورة يناير غير قابل للاختزال في "زحف" من أي نوع، بل إن التعدد هنا هو قيمة في حد ذاته، ولكن لأن ثورة يناير نفسها خرجت من حالة فقر سياسي، وليس لديها جهازها الذي يستولي علي السلطة فأعتقد أن ثورة يناير ستنتهي إلي تسوية فيما بينها وبين نظام يوليو الذي لم تُوجه إليه الضربة القاضية. ولكن التنوع له اليد العليا، وليس للدولة الأمنية كما كان من قبل. لاحظ أن الناصرية هي نظام يتميز بأن أجهزة الأمن تمد أصابعها في كل شيء، وتُسيطر علي المجال العام، وعلي كل أجهزة الدولة، هي دولة الوصاية البوليسية، تؤمّن الناس لكي تمشي في الزحف المقدس بحيث لا يشذ أحد أو يدخل أحد من الخارج.. في ثورة يناير لم يعد هذا الكلام مفيدا، الكلام عن الفكر المؤمراتي ووجود أجانب في التحرير.. لم يعد مجديا الآن.
- هل تري أننا نشهد الآن غروب يوليو؟
- لنا عشرات السنين نشهد غروب نظام يوليو، تحديدا منذ 1964 وقت اكتمال الميثاق، الموجود هو بقايا. نقلته ثورة يناير إلي وضع دفاع بدلا من أن يتسيد المشهد، الآن قوي التنوع هي التي تتسيد وعلي النظام أن يتحرك في هذه الحدود.
- متي سندفن الجثة يوليو إذن؟
- الجثة ستُدفن بالتدريج، لأن أساس السلطوية في المجتمع المصري عميق، وكما قلت موجود من قبل يوليو بكثير.
أخيرا.. ما الذي يتبقي في دولة يناير من دولة يوليو؟
يجيب بعد تفكير: أظن أن ما سيتبقي هو فكرة الجمهورية، فكرة الشعب ولكن بدلا من أن يكون شعبا عبارة عن شبح مستقبلي يمتلك الضباط وصاية عليه حتي يأتي الشعب الذي يستحق أن يحكموه.. سيكون شعبا جديدا يؤمن بالتنوع، لا الشعب الذي يسير في طريق الزحف المقدس، ليس من الوارد علي الإطلاق البحث عن ديكتاتور جديد.
ال15 الأخيرة في حكم مبارك هي تعبير عن نظام يوليو في حالة تفسخ ، كان هناك فقدان للسيطرة الإيديولوجية تماما، ولذا نشأت أزمة تسويغ النظام، مبارك تعامل برعونة مع القضية، ولم تكن لديه إمكانيات للحديث عن إيديولوجيا
المسافة بين سيد قطب الذي اختاره شريف يونس موضوعا للماجستير، وبين الناصرية كموضوع للدكتوراة ليست "نقلة كبيرة" حسب تعبيره، إذ أن قطب جاء من وسط المثقفيين المصريين العلمانيين، وهو تلميذ للعقاد الذي عاش ومات لبيراليا، واكتشف نجيب محفوظ وعندما صدرت روايته "زقاق المدق" كتب قطب: "اليوم تم تأسيس الرواية العربية الحديثة"، قطب أيضا كتب مقالات عن شواطئ العراة، وكان مهتما بالإصلاح الاجتماعي. كان السؤال المهم بالنسبة لشريف وقتها: كيف انتقل قطب من المعسكر التنويري ليصبح المُنظّر الأول لجماعات العنف الإسلامي؟..
قادته الدراسة إلي اكتشاف أن قطب لم ينتقل من النقيض إلي النقيض، بل كان هناك عامل مشترك بين المعسكرين، وخاصة أن كتاباته " الرومانسية " بها دفقة تبرر هذا الانتقال. وضع شريف عددا من الأسئلة حول فكرة الهوية.. هي فكرة تكرس لفكرة السلطوية أيا كان الطرف الذي تنتمي إليه، وهي فكرة أيضا تفسر الانتقال بين المعسكرين النقيضين. عندما بدأ يونس في طرح أسئلة الهوية لم يحدد فترة تاريخية، ثم قرر العمل علي الفترة التي ظهر فيها قطب، وهي الفترة التي صعدت فيها أيضا الإيديولوجيا الناصرية أي أنه بدلا من الاشتغال علي إيديولوجيا "فرد" قرر العمل علي إيديولوجيا "جماعة المثقفين المصريين". وهو ما قاده إلي " الناصرية"..
ولكنّ كثيرين يعتبرون أن سؤال الهوية طرح بعد هزيمة 67..الجميع بدأ في البحث عن حل فردي للأزمة، بعضهم وجد الحل في الإسلام السياسي.. أي أن الهزيمة كانت نقطة فاصلة؟ يجيب: "هي نقطة تحوّل، ولكنها ليست النقطة الفاصلة لأن الإيديولوجيا الناصرية منذ البداية هي "إيديولوجيا هوية"، بعد الهزيمة حدث أن كثيرين دخلوا في أزمة، وأرادوا عمل تعديلات أو إضافات للناصرية، من بينهم تيار التراثيين الجدد الذي اعتبر أن المشكلة هي نقص الاستقلال الحضاري، وحاولوا دمج الإسلام والقومية العربية، أو الإسلام والناصرية، وهذا يختلف عن تيار الاسلام السياسي الخالص، ولذا ينبغي أن نُفرّق بين الإسلام السياسي، والمجموعة الهوياتية مثل طارق البشري الذي يختلف منطقه الدفاعي عن الإسلام السياسي ولكن من منطلق آخر يختلف عن منطلق حسن البنا العقيدي. هو تيار يتحدث عن العودة إلي الأصول لتعزيزها لا تحقيرها، وبالتالي الإسلام، هنا، بوصفه الدين المحلي لهذه المجموعة من البشر، واستعادة الروح يكون بالعودة إلي هذه الأصول. وهذا الكلام هو لسيد قطب في الأربعينيات قبل انتقاله إلي معسكر الإسلام السياسي، وهي دليل علي أن صعود "إيديولوجيات الهوية" لم يكن فقط بعد الهزيمة ولكن منذ ثلاثينيات القرن العشرين، ولكن إيديولوجيا الهوية لم تكن حاكمة سوي في الفترة الناصرية. يوضح يونس فكرته: الفترة الناصرية استطاعت أن تمنع الهويات المتنافسة الأخري عن طريق قمعها، وحبسها، وعندما دخلت في أزمة حاول مفكروها البحث عن حل للخروج من هذه الأزمة، ولم يكن الأمر متعلقا فقط بتيار التراثيين الجدد، ولكن أيضا بالحلقات الماركسية التي ظهرت في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات، كثير منهم خرج من تيارات الشباب الناصري، وشعروا أن هناك أزمة تجاه النظام القائم، وبالتالي بدؤوا في اعتناق أفكار ماركسية أكثر تشددا..".
أسأله: إذن أن تري أن فترة عبد الناصر كانت فترة صراع هويات؟
يجيب: من أحد نواحيها تمكن الإجابة بنعم، بتنويعات مختلفة داخل النظام نفسه كانت هناك تيارات إسلامية، وعروبية، ومصرية، طالما تؤيد النظام صراحة ولا تنقلب عليه. ولكن الناصرية لم يكن لديها إيديولوجيا متماسكة سوي إيديولوجيا الوصاية علي الشعب من أجل تقدمه، أو حكم الشعب بالقوة من أجل نقله إلي مرحلة "البني آدمين"، وداخل هذا الإطار الواسع كانت هناك تنويعات كثيرة، ولذا لو حللنا وثائق أو خطب عبد الناصر نجد أنها تحمل أكثر من تفسير، هو تكلم كثيرا عن العروبة مثلا، ولكن في نفس الوقت سيحمل الكلام معني آخر إذ أن العروبة مصلحة قومية لمصر، وتحدث عن الإسلام ولكن الإسلام التقدمي الروحي.. كانت لديه خلطة ليست حاسمة ولا واضحة، وتسمح بحركة أطراف أخري".
- ولكن كيف بدأت تتشكل الإيديولوجيا الناصرية.. والمراحل التي مرت بها؟
- الإيديولوجيا لا تُبني بشكل عمدي، وهذا هو الفرق بينها وبين الحملة الدعائية محدودة الهدف، الإيديولوجيا هي كيف يبرر ما يقوم به، ما الأهداف وراء ما يقول. والإيديولوجيا الناصرية تكونت بشكل طبيعي من وضع الضباط الأحرار أنفسهم، هم مجموعة من الضباط الوطنيين بلا هوية سياسية واضحة، لم يكونوا علي رضا بالوضع القائم، وكانوا متأثرين إلي حد ما ببعض الإيديولوجيات السلطوية سواء مصر الفتاة أو جماعة الإخوان، ولكنهم كونوا تنظيماً مستقلاً تماما عن كل القوي السياسية الموجودة في الجيش (سواء الشيوعيين أو الإخوان)، وتحولوا إلي تنظيم سلطوي هويته الوحيدة أنه يحب الشعب، ولكن ليس حبا علي طريقة الإخوان أو الشيوعيين، حب بطريقة غامضة، وأعتقد كان هذا منطق بنائهم كتنيظم ضباط أحرار أي متحررون من أي التزام تجاه أي شيء بخلاف الشيء الغامض" الشعب". وعندما وصلوا إلي السلطة كانوا بلا ظهير سياسي يساندهم، ونجح مشروعهم ولم تكن لديهم طريقة للاستمرار سوي في التمسك بما بدؤوا به، لذا كان لديهم ميل لتصفية الحياة السياسية، وفض المجتمع نفسه من أي التزام سياسي، أن يلتف المجتمع حول قيادته ليبدأ "الزحف المقدس" لنحقق أهدافنا، وهذه هي الوطنية من وجهة نظرهم.. من يخرج عنها يكون خائنا، وكانوا مقتنعين أن الديكتاتورية ضرورة لبناء المجتمع ولكنها مؤقتة إلي حين أن يتغير المجتمع في يوم من الأيام.
- هل الأداء السياسي لمجموعة الضابط كان يؤكد أن السلطوية مؤقتة؟
- بالتأكد، حتي أكثرهم سلطوية سلاح الطيران عبد اللطيف البغدادي كان يري أن السلطوية يمكن أن تستمر 10 سنوات فقط.
- سلاح الطيران هو الأكثر سلطوية دائما.
- لأنهم ينظروا من فوق، لا يرون البني آدمين أساسا، الضباط كان لديهم تصور أن الديكتاتورية ضرورية لإصلاح فساد المجتمع، وأن الخلاف حول المدة التي يحتاجونها.. وللأسف استمرت الديكتاتورية 60 عاما.
- ألم يكن هناك أي رغبة في الإصلاح؟
- كانت هناك بالتأكيد، وكانت هناك محاولات لإشراك الناس في الحكم، عبد الناصر نفسه قال: "ما ينفعش بلد يحكمها 10 أفراد" ولذا أسس هيئة التحرير، ثم الاتحاد القومي، ثم الاتحاد الاشتراكي لقوي الشعب العاملة، ولكن في 1964 أدرك أنه بني نظام "بايظ" وتكلم عن ذلك صراحة.. ولكن كل محاولات الإصلاح كانت في إطار سلطوي.
- ماذا تعني بكلمة " بايظ"؟!
- بمعني أنه نظام يفتقد الإحساس للمسئولية، نظام احتكر القرار السياسي، وبني الدولة بشكل أمني، ولذا مهما بنيت من منظمات جماهيرية ونقابات، وأقمت انتخابات، لكن في النهاية الناس تتحرك في إطار هذا النظام الأمني، ينفذون التعليمات التي ينتظرونها من السلطة، وينتظرون الحصول علي مكاسب. وعبد الناصر تحدث في إحدي خطبه عن الإحساس بالمسئولية وقال لأعضاء المجلس النيابي: "مطالب مطالب..حاجبلكم منين؟". عبد الناصر كان مقيداً، كان يبدو كأنه زعيم قادر علي كل شيء ولكنه لم يكن كذلك، تحولت البلد في عهده إلي عصابات، وكانت مهمته هي مراعاة التوازنات بين هذه العصابات المختلفة، سواء عصابة الجيش بقيادة عبد الحكيم عامر، أو مجلس الأمة..وفي النهاية كان أسير نظامه.
- ولكن أنت تري أن لديه رغبة حقيية في الإصلاح؟
- في تصوري كان مدركا لعمق أزمة النظام أكثر من غيره، بحكم أنه في قلبه، وبحكم أيضا أن دوافعه وطنية، ليس وحده، بل والمجموعة المحيطة به، ومعروف أن هذه المجموعة يدها نظيفة.
- أنت تعيد الاعتبار إذن للناصرية؟
يجيب: أنا مهتم أن أنقل النقاش لمستوي آخر، بعيد عن فكرة الثنائيات، أو أسئلة: هل كان عبد الناصر "حرامي"؟ لو ثبت أنه ليس "حرامي" يكون إذن شخصا عظيما. بالتأكيد عبد الناصر لم يكن يكن لصا، ولكنه ديكتاتور، صحيح أنه واجهة الاستعمار ولكنه قتل روح المبادرة في البلد، عبد الناصر هو كل هذا. أنا لا أناقش هل كان عبد الناصر " حلو" ولا "وحش"؟ وإنما أريد أن أفهم منطق النظام الداخلي، وكيف تتطور؟ وتناقضاته. أنا أري عبد الناصر شخصية تراجيدية مثل أوديب الذي قتل أباه وتزوج أمه بدون أن يعرف، وبدأ يتحمل نتائج ذلك طول حياته، فقط يحاول أن يغير مصيره أو يحسّنه ولكن لا توجد إمكانية.. عبد الناصر صنع حدثا، له تداعيات تخرج عن السيطرة.
- ما الحدث ؟
- استيلاء مجموعة من الضباط علي السلطة بدون ظهير سياسي، لو كان لديهم ظهير سياسي، كان سيحكم، وسيكون هناك مجال سياسي مفتوح، ولكن أعتقد أن انتصارهم يعني أن البلد كان مؤهلاً لذلك.
يوضح شريف: البلد كان بها تيار سلطوي قبل أن يستولي الضباط علي السلطة، مصر الفتاة، والإخوان، والسرايا، حتي الملك وقتها كان لديه الكثير من صلاحيات الوزراء.. الضباط وجدوا مؤسسة السرايا قوية واستولوا عليها، أفكارهم كلها بُنيت علي مؤسسة السرايا لا علي تنظيم الإخوان أو مصر الفتاة..أو الوفد.
أسأله: ولكن ألم يساعد التنوع الفكري داخل حركة الضباط علي ألا تصل الثورة أو الانقلاب إلي حائط صد، خالد محيي الدين الشيوعي، البعض الآخر إخواني؟
يجيب: خالد محيي الدين كان إخوانيا قبل أن ينتقل إلي "حدتو"، ولكن رغم أن كثيرا من الضباط كانوا إخوانا إلا أن صدامهم الرئيسي كان مع الإخوان، لأن طبيعة الاختيار التنظيمي هو الذي حكم حركة الضباط، ولذلك مثلا تجد أن التنظيم السري الذي أنشأه عبد الناصر باسم "طليعة الاشتراكيين" كان هو زعيمه الأوحد، وهذا التنظيم يراقب كل مؤسسات الدولة بما فيها الاتحاد الاشتراكي، وكانت ترفع لعبد الناصر كل التقارير، أصحاب الميول الدينية يكتبون تقارير عن اليساريين، والعكس.. أي أن نظام عبد الناصر لم يكن سبيكة إيديولوجية واحدة، الشيء الوحيد تقريبا المتفق عليه هو رفض السياسة.
- استغل إذن هذا التضارب ؟
- بالتأكيد، ولم يكن يستطيع أن يفعل شيئا سوي ذلك، وفي النهاية قفز علي المجتمع من أعلي، وفيما بعد وصف عبد الناصر نظامه بأنه مجرد إقطاعيات.. وكل مهمته هي إدارة هذه الإقطاعيات، ورغم تغلغل النظام في كل مفاصل الدولة إلا أن عبد الناصر لم يكن يعرف ماذا يفعل لدرجة اأه شتم الشعب في خطاب في بورسعيد وقال: "انتو بتستنطعوا عليّ استنطاع كامل.. حارجعلكم أسعار 61 منين؟".
- لماذا لم تنته الدكتاتورية أو الطبيعة السلطوية للنظام كما قدروا بعد عشر سنوات.. لماذا استمرت كل هذه السنوات؟
- مهما خلق النظام تنظيمات شعبية حولها، هو يخلقها بمنطقه هو، وهذا ما أوصلها إلي الفشل، بمعني أن الإقطاعيات خرجت عن سيطرته، وهذا كان واضحا في 67، محمد فوزي يتحدث في مذكراته عن تهلهل الجيش من الداخل، كان هناك إهمال للتدريبات، بنزين التدريب لم يكن يستعمل.. كان هناك ترهل عام، نتيجة انعدام المسئولية، لأن الجميع حتي من هم في السلطة في انتظار تعليمات الزعيم، وهذا ما استمر في منطق الدولة الأمنية، التي تتدخل في كل شيء.
-2-
هل انتهت سلطة يوليو مع وصول السادات إلي الحكم؟ لتبدأ دولة اخري يراها البعض دولة الانفتاح ..وهي الدولة التي استمرت حتي الآن وثار عليها المصريون؟ لا يعتقد شريف يونس في ذلك : "انقلاب السادات، لم يكن سوي انقلاب قصر صغير، ولكن طبيعة الدولة والنظام لم تتغير، مثلا البرلمان الذي أيّد إجراءات السادات، انتُخب أيام عبد الناصر. ولكن لا يعني ذلك أن نقلة السادات ليس لها معني، بل بالعكس هي دليل علي الشرخ الذي أصاب النظام، منذ 1964 مع الميثاق. نقلة السادات تكشف عن المشكلة الجوهرية في نظام يوليو أنه متعدد القوي، متعدد التيارات من داخله، وكان ذلك واضحا أثناء مناقشة الميثاق، الجناح الإسلامي في النظام اعترض علي كثير مما جاء في الميثاق، وطلب عبد الناصر أن يكتبوا ملاحظاتهم في ما سمي ب" تقرير الميثاق" فأصبح لدينا وثيقتان تم إقرارهما رغم أن بهما قدرا لا بأس به من التناقض، وكلاهما صادر عن المؤتمر الوطني للقوي الشعبية الذي تم استبعاد كل أعضاء النظام منه، أي أن من كتب الميثاق هم أبناء النظام، ومن كتب تقرير الميثاق هم أبناء النظام أيضا، حتي التعديلات التي أجراها السادات علي دستور 71 كلها مسودات من التقرير الوطني للجنة الميثاق، أي أن هناك معركة بين أجنحة السلطة، انتصر فيها الجناح اليميني بينما فشل الجناح اليساري الأكثر بيروقراطية والأكثر ميلا نحو الدكتاتورية..
يوضح شريف فكرته بالتفصيل: ما قام به السادات كانت بذوره موجودة لدي عبد الناصر، قرار إنشاء المنطقة الحرة في بورسعيد أصدره عبد الناصر 1966 ولم يُنفذ بسبب الحرب، حتي موضوع السلام مع إسرائيل.. كان هناك مفاوضات سرية غير مباشرة في الأمم المتحدة الأولي في 1956، والثانية في عهد كينيدي للتوصل إلي تسوية للقضية الفلسطينية ، ولكن عبد الناصر كان مدركا لأن الحرب لن تحل المشكلة. حتي التعددية التي أقامها السادات كانت تعددية محكومة، لم تتغير طبيعة النظام مع السادات.
- أسأله: وما الذي تبقي من دولة يوليو في زمن مبارك؟
يجيب: علي الأقل ال15 الأخيرة في حكم مبارك هي تعبير عن نظام يوليو في حالة تفسخ ، كان هناك فقدان للسيطرة الإيديولوجية تماما، ولذا نشأت أزمة تسويغ النظام، مبارك تعامل برعونة مع القضية، ولم تكن لديه إمكانيات للحديث عن إيديولوجيا، واعتبر أن فقدان المجال الإيديولوجي ليس مهما فانسحب منه، واكتفي بالحديث عن التنمية ومشروع توشكي، ولكن لم يكن هناك كلام عن طبيعة عمل الدولة. حتي عندما جاءت المجموعة التي حاولت تنفيذ عملية التحول نحو الرأسمالية الحرة وبيع ما تبقي من القطاع العام ، بدأ وقتها فقدان أي سيطرة علي الحزب الوطني نفسه، وظهر واضحا في الانتخابات البرلمانية.. في كل مرة كانت نسبة المنشقين عن الحزب الوطني تزيد عن أخري، وهذا يعني أن الحزب يخسر مرشحه الرئيسي ويكسب شخصاً آخر علي مبادئ الحزب، وهو شخص ليس من المعارضة، حتي يمكن التزوير ضده، وتقييد حركته، إنما هم جزء من الدولة ولهم تشابكاتهم، ولذلك رفض أحمد عز مثلا الإعلان عن أسماء مرشحي الحزب إلا قبل إغلاق باب الترشح، ومن وجد نفسه خارج القوائم هدد بدعم الإخوان.. نجد هنا التفسخ والانهيار في حالتهما القصوي، وعندما تقرأ مذكرات عبد اللطيف المناوي ستجد أنه لا يوجد أحد قلبه علي الوطن، بل الجميع يعمل من أجل مصالحه الشخصية بداية من الضابط الصغير الذي يقتل مواطنا آخر سب شقيقه. النظام تمت خصخصته، ومبارك أصبح مجرد واجهة فاقدة للسيطرة، ومحاولة ابنه وأحمد عز وحبيب العادلي للسيطرة نجحت ولكنهم أصبحوا عصابة داخل الدولة .
- لنتخيل أن ثورة يناير لم تحدث, هل كان نظام يوليو سينتهي مع جمال مبارك وتوريث السلطة؟
- لكي يحدث ذلك إما أن تنهار الدولة، أو تتحول إلي دولة فاشية، وأظن أن خطه التفريغ الأمني، وإرهاب المجتمع التي حدثت بعد الثورة وأثناءها كانت معده لتمرير التوريث، وهي تلخص نظام يوليو الذي قام أساسا علي إرهاب الدولة منذ 1952، ووصل لنهايته.. ولو تم مشروع التوريث أعتقد أن الدولة كانت ستنهار.
- إذن ثورة يناير أعطت نظام يوليو قبلة حياة جديدة؟
يجيب: لا أظن، منطق ثورة يناير كان هو النقيض ليوليو، يوليو كان مبدؤها الأساسي هو إغلاق المجال السياسي، ثورة يناير فتحت المجال السياسي، كما أن ثورة يناير لم تقم لتحقق المبدأ السادس لثورة يوليو،الذي لم يتحقق، وهو الديمقراطية، لأن ديمقراطية يوليو لم تكن تعني سوي "ديمقراطية الزحف المقدس"، المجال السياسي المفتوح الذي أحدثته ثورة يناير إنجاز لن يمس،
كما أن انفجار التنوع الذي أحدثته ثورة يناير غير قابل للاختزال في "زحف" من أي نوع، بل إن التعدد هنا هو قيمة في حد ذاته، ولكن لأن ثورة يناير نفسها خرجت من حالة فقر سياسي، وليس لديها جهازها الذي يستولي علي السلطة فأعتقد أن ثورة يناير ستنتهي إلي تسوية فيما بينها وبين نظام يوليو الذي لم تُوجه إليه الضربة القاضية. ولكن التنوع له اليد العليا، وليس للدولة الأمنية كما كان من قبل. لاحظ أن الناصرية هي نظام يتميز بأن أجهزة الأمن تمد أصابعها في كل شيء، وتُسيطر علي المجال العام، وعلي كل أجهزة الدولة، هي دولة الوصاية البوليسية، تؤمّن الناس لكي تمشي في الزحف المقدس بحيث لا يشذ أحد أو يدخل أحد من الخارج.. في ثورة يناير لم يعد هذا الكلام مفيدا، الكلام عن الفكر المؤمراتي ووجود أجانب في التحرير.. لم يعد مجديا الآن.
- هل تري أننا نشهد الآن غروب يوليو؟
- لنا عشرات السنين نشهد غروب نظام يوليو، تحديدا منذ 1964 وقت اكتمال الميثاق، الموجود هو بقايا. نقلته ثورة يناير إلي وضع دفاع بدلا من أن يتسيد المشهد، الآن قوي التنوع هي التي تتسيد وعلي النظام أن يتحرك في هذه الحدود.
- متي سندفن الجثة يوليو إذن؟
- الجثة ستُدفن بالتدريج، لأن أساس السلطوية في المجتمع المصري عميق، وكما قلت موجود من قبل يوليو بكثير.
أخيرا.. ما الذي يتبقي في دولة يناير من دولة يوليو؟
يجيب بعد تفكير: أظن أن ما سيتبقي هو فكرة الجمهورية، فكرة الشعب ولكن بدلا من أن يكون شعبا عبارة عن شبح مستقبلي يمتلك الضباط وصاية عليه حتي يأتي الشعب الذي يستحق أن يحكموه.. سيكون شعبا جديدا يؤمن بالتنوع، لا الشعب الذي يسير في طريق الزحف المقدس، ليس من الوارد علي الإطلاق البحث عن ديكتاتور جديد.
عبد الناصر لم يكن يكن لصا، ولكنه ديكتاتور، صحيح أنه واجهة الاستعمار ولكنه قتل روح المبادرة في البلد، عبد الناصر هو كل هذا. أنا لا أناقش هل كان عبد الناصر " حلو" ولا "وحش"؟ وإنما أريد أن أفهم منطق النظام الداخلي، وكيف تطور؟المسافة بين سيد قطب الذي اختاره شريف يونس موضوعا للماجستير، وبين الناصرية كموضوع للدكتوراة ليست "نقلة كبيرة" حسب تعبيره، إذ أن قطب جاء من وسط المثقفيين المصريين العلمانيين، وهو تلميذ للعقاد الذي عاش ومات لبيراليا، واكتشف نجيب محفوظ وعندما صدرت روايته "زقاق المدق" كتب قطب: "اليوم تم تأسيس الرواية العربية الحديثة"، قطب أيضا كتب مقالات عن شواطئ العراة، وكان مهتما بالإصلاح الاجتماعي. كان السؤال المهم بالنسبة لشريف وقتها: كيف انتقل قطب من المعسكر التنويري ليصبح المُنظّر الأول لجماعات العنف الإسلامي؟..
قادته الدراسة إلي اكتشاف أن قطب لم ينتقل من النقيض إلي النقيض، بل كان هناك عامل مشترك بين المعسكرين، وخاصة أن كتاباته " الرومانسية " بها دفقة تبرر هذا الانتقال. وضع شريف عددا من الأسئلة حول فكرة الهوية.. هي فكرة تكرس لفكرة السلطوية أيا كان الطرف الذي تنتمي إليه، وهي فكرة أيضا تفسر الانتقال بين المعسكرين النقيضين. عندما بدأ يونس في طرح أسئلة الهوية لم يحدد فترة تاريخية، ثم قرر العمل علي الفترة التي ظهر فيها قطب، وهي الفترة التي صعدت فيها أيضا الإيديولوجيا الناصرية أي أنه بدلا من الاشتغال علي إيديولوجيا "فرد" قرر العمل علي إيديولوجيا "جماعة المثقفين المصريين". وهو ما قاده إلي " الناصرية"..
ولكنّ كثيرين يعتبرون أن سؤال الهوية طرح بعد هزيمة 67..الجميع بدأ في البحث عن حل فردي للأزمة، بعضهم وجد الحل في الإسلام السياسي.. أي أن الهزيمة كانت نقطة فاصلة؟ يجيب: "هي نقطة تحوّل، ولكنها ليست النقطة الفاصلة لأن الإيديولوجيا الناصرية منذ البداية هي "إيديولوجيا هوية"، بعد الهزيمة حدث أن كثيرين دخلوا في أزمة، وأرادوا عمل تعديلات أو إضافات للناصرية، من بينهم تيار التراثيين الجدد الذي اعتبر أن المشكلة هي نقص الاستقلال الحضاري، وحاولوا دمج الإسلام والقومية العربية، أو الإسلام والناصرية، وهذا يختلف عن تيار الاسلام السياسي الخالص، ولذا ينبغي أن نُفرّق بين الإسلام السياسي، والمجموعة الهوياتية مثل طارق البشري الذي يختلف منطقه الدفاعي عن الإسلام السياسي ولكن من منطلق آخر يختلف عن منطلق حسن البنا العقيدي. هو تيار يتحدث عن العودة إلي الأصول لتعزيزها لا تحقيرها، وبالتالي الإسلام، هنا، بوصفه الدين المحلي لهذه المجموعة من البشر، واستعادة الروح يكون بالعودة إلي هذه الأصول. وهذا الكلام هو لسيد قطب في الأربعينيات قبل انتقاله إلي معسكر الإسلام السياسي، وهي دليل علي أن صعود "إيديولوجيات الهوية" لم يكن فقط بعد الهزيمة ولكن منذ ثلاثينيات القرن العشرين، ولكن إيديولوجيا الهوية لم تكن حاكمة سوي في الفترة الناصرية. يوضح يونس فكرته: الفترة الناصرية استطاعت أن تمنع الهويات المتنافسة الأخري عن طريق قمعها، وحبسها، وعندما دخلت في أزمة حاول مفكروها البحث عن حل للخروج من هذه الأزمة، ولم يكن الأمر متعلقا فقط بتيار التراثيين الجدد، ولكن أيضا بالحلقات الماركسية التي ظهرت في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات، كثير منهم خرج من تيارات الشباب الناصري، وشعروا أن هناك أزمة تجاه النظام القائم، وبالتالي بدؤوا في اعتناق أفكار ماركسية أكثر تشددا..".
أسأله: إذن أن تري أن فترة عبد الناصر كانت فترة صراع هويات؟
يجيب: من أحد نواحيها تمكن الإجابة بنعم، بتنويعات مختلفة داخل النظام نفسه كانت هناك تيارات إسلامية، وعروبية، ومصرية، طالما تؤيد النظام صراحة ولا تنقلب عليه. ولكن الناصرية لم يكن لديها إيديولوجيا متماسكة سوي إيديولوجيا الوصاية علي الشعب من أجل تقدمه، أو حكم الشعب بالقوة من أجل نقله إلي مرحلة "البني آدمين"، وداخل هذا الإطار الواسع كانت هناك تنويعات كثيرة، ولذا لو حللنا وثائق أو خطب عبد الناصر نجد أنها تحمل أكثر من تفسير، هو تكلم كثيرا عن العروبة مثلا، ولكن في نفس الوقت سيحمل الكلام معني آخر إذ أن العروبة مصلحة قومية لمصر، وتحدث عن الإسلام ولكن الإسلام التقدمي الروحي.. كانت لديه خلطة ليست حاسمة ولا واضحة، وتسمح بحركة أطراف أخري".
- ولكن كيف بدأت تتشكل الإيديولوجيا الناصرية.. والمراحل التي مرت بها؟
- الإيديولوجيا لا تُبني بشكل عمدي، وهذا هو الفرق بينها وبين الحملة الدعائية محدودة الهدف، الإيديولوجيا هي كيف يبرر ما يقوم به، ما الأهداف وراء ما يقول. والإيديولوجيا الناصرية تكونت بشكل طبيعي من وضع الضباط الأحرار أنفسهم، هم مجموعة من الضباط الوطنيين بلا هوية سياسية واضحة، لم يكونوا علي رضا بالوضع القائم، وكانوا متأثرين إلي حد ما ببعض الإيديولوجيات السلطوية سواء مصر الفتاة أو جماعة الإخوان، ولكنهم كونوا تنظيماً مستقلاً تماما عن كل القوي السياسية الموجودة في الجيش (سواء الشيوعيين أو الإخوان)، وتحولوا إلي تنظيم سلطوي هويته الوحيدة أنه يحب الشعب، ولكن ليس حبا علي طريقة الإخوان أو الشيوعيين، حب بطريقة غامضة، وأعتقد كان هذا منطق بنائهم كتنيظم ضباط أحرار أي متحررون من أي التزام تجاه أي شيء بخلاف الشيء الغامض" الشعب". وعندما وصلوا إلي السلطة كانوا بلا ظهير سياسي يساندهم، ونجح مشروعهم ولم تكن لديهم طريقة للاستمرار سوي في التمسك بما بدؤوا به، لذا كان لديهم ميل لتصفية الحياة السياسية، وفض المجتمع نفسه من أي التزام سياسي، أن يلتف المجتمع حول قيادته ليبدأ "الزحف المقدس" لنحقق أهدافنا، وهذه هي الوطنية من وجهة نظرهم.. من يخرج عنها يكون خائنا، وكانوا مقتنعين أن الديكتاتورية ضرورة لبناء المجتمع ولكنها مؤقتة إلي حين أن يتغير المجتمع في يوم من الأيام.
- هل الأداء السياسي لمجموعة الضابط كان يؤكد أن السلطوية مؤقتة؟
- بالتأكد، حتي أكثرهم سلطوية سلاح الطيران عبد اللطيف البغدادي كان يري أن السلطوية يمكن أن تستمر 10 سنوات فقط.
- سلاح الطيران هو الأكثر سلطوية دائما.
- لأنهم ينظروا من فوق، لا يرون البني آدمين أساسا، الضباط كان لديهم تصور أن الديكتاتورية ضرورية لإصلاح فساد المجتمع، وأن الخلاف حول المدة التي يحتاجونها.. وللأسف استمرت الديكتاتورية 60 عاما.
- ألم يكن هناك أي رغبة في الإصلاح؟
- كانت هناك بالتأكيد، وكانت هناك محاولات لإشراك الناس في الحكم، عبد الناصر نفسه قال: "ما ينفعش بلد يحكمها 10 أفراد" ولذا أسس هيئة التحرير، ثم الاتحاد القومي، ثم الاتحاد الاشتراكي لقوي الشعب العاملة، ولكن في 1964 أدرك أنه بني نظام "بايظ" وتكلم عن ذلك صراحة.. ولكن كل محاولات الإصلاح كانت في إطار سلطوي.
- ماذا تعني بكلمة " بايظ"؟!
- بمعني أنه نظام يفتقد الإحساس للمسئولية، نظام احتكر القرار السياسي، وبني الدولة بشكل أمني، ولذا مهما بنيت من منظمات جماهيرية ونقابات، وأقمت انتخابات، لكن في النهاية الناس تتحرك في إطار هذا النظام الأمني، ينفذون التعليمات التي ينتظرونها من السلطة، وينتظرون الحصول علي مكاسب. وعبد الناصر تحدث في إحدي خطبه عن الإحساس بالمسئولية وقال لأعضاء المجلس النيابي: "مطالب مطالب..حاجبلكم منين؟". عبد الناصر كان مقيداً، كان يبدو كأنه زعيم قادر علي كل شيء ولكنه لم يكن كذلك، تحولت البلد في عهده إلي عصابات، وكانت مهمته هي مراعاة التوازنات بين هذه العصابات المختلفة، سواء عصابة الجيش بقيادة عبد الحكيم عامر، أو مجلس الأمة..وفي النهاية كان أسير نظامه.
- ولكن أنت تري أن لديه رغبة حقيية في الإصلاح؟
- في تصوري كان مدركا لعمق أزمة النظام أكثر من غيره، بحكم أنه في قلبه، وبحكم أيضا أن دوافعه وطنية، ليس وحده، بل والمجموعة المحيطة به، ومعروف أن هذه المجموعة يدها نظيفة.
- أنت تعيد الاعتبار إذن للناصرية؟
يجيب: أنا مهتم أن أنقل النقاش لمستوي آخر، بعيد عن فكرة الثنائيات، أو أسئلة: هل كان عبد الناصر "حرامي"؟ لو ثبت أنه ليس "حرامي" يكون إذن شخصا عظيما. بالتأكيد عبد الناصر لم يكن يكن لصا، ولكنه ديكتاتور، صحيح أنه واجهة الاستعمار ولكنه قتل روح المبادرة في البلد، عبد الناصر هو كل هذا. أنا لا أناقش هل كان عبد الناصر " حلو" ولا "وحش"؟ وإنما أريد أن أفهم منطق النظام الداخلي، وكيف تتطور؟ وتناقضاته. أنا أري عبد الناصر شخصية تراجيدية مثل أوديب الذي قتل أباه وتزوج أمه بدون أن يعرف، وبدأ يتحمل نتائج ذلك طول حياته، فقط يحاول أن يغير مصيره أو يحسّنه ولكن لا توجد إمكانية.. عبد الناصر صنع حدثا، له تداعيات تخرج عن السيطرة.
- ما الحدث ؟
- استيلاء مجموعة من الضباط علي السلطة بدون ظهير سياسي، لو كان لديهم ظهير سياسي، كان سيحكم، وسيكون هناك مجال سياسي مفتوح، ولكن أعتقد أن انتصارهم يعني أن البلد كان مؤهلاً لذلك.
يوضح شريف: البلد كان بها تيار سلطوي قبل أن يستولي الضباط علي السلطة، مصر الفتاة، والإخوان، والسرايا، حتي الملك وقتها كان لديه الكثير من صلاحيات الوزراء.. الضباط وجدوا مؤسسة السرايا قوية واستولوا عليها، أفكارهم كلها بُنيت علي مؤسسة السرايا لا علي تنظيم الإخوان أو مصر الفتاة..أو الوفد.
أسأله: ولكن ألم يساعد التنوع الفكري داخل حركة الضباط علي ألا تصل الثورة أو الانقلاب إلي حائط صد، خالد محيي الدين الشيوعي، البعض الآخر إخواني؟
يجيب: خالد محيي الدين كان إخوانيا قبل أن ينتقل إلي "حدتو"، ولكن رغم أن كثيرا من الضباط كانوا إخوانا إلا أن صدامهم الرئيسي كان مع الإخوان، لأن طبيعة الاختيار التنظيمي هو الذي حكم حركة الضباط، ولذلك مثلا تجد أن التنظيم السري الذي أنشأه عبد الناصر باسم "طليعة الاشتراكيين" كان هو زعيمه الأوحد، وهذا التنظيم يراقب كل مؤسسات الدولة بما فيها الاتحاد الاشتراكي، وكانت ترفع لعبد الناصر كل التقارير، أصحاب الميول الدينية يكتبون تقارير عن اليساريين، والعكس.. أي أن نظام عبد الناصر لم يكن سبيكة إيديولوجية واحدة، الشيء الوحيد تقريبا المتفق عليه هو رفض السياسة.
- استغل إذن هذا التضارب ؟
- بالتأكيد، ولم يكن يستطيع أن يفعل شيئا سوي ذلك، وفي النهاية قفز علي المجتمع من أعلي، وفيما بعد وصف عبد الناصر نظامه بأنه مجرد إقطاعيات.. وكل مهمته هي إدارة هذه الإقطاعيات، ورغم تغلغل النظام في كل مفاصل الدولة إلا أن عبد الناصر لم يكن يعرف ماذا يفعل لدرجة اأه شتم الشعب في خطاب في بورسعيد وقال: "انتو بتستنطعوا عليّ استنطاع كامل.. حارجعلكم أسعار 61 منين؟".
- لماذا لم تنته الدكتاتورية أو الطبيعة السلطوية للنظام كما قدروا بعد عشر سنوات.. لماذا استمرت كل هذه السنوات؟
- مهما خلق النظام تنظيمات شعبية حولها، هو يخلقها بمنطقه هو، وهذا ما أوصلها إلي الفشل، بمعني أن الإقطاعيات خرجت عن سيطرته، وهذا كان واضحا في 67، محمد فوزي يتحدث في مذكراته عن تهلهل الجيش من الداخل، كان هناك إهمال للتدريبات، بنزين التدريب لم يكن يستعمل.. كان هناك ترهل عام، نتيجة انعدام المسئولية، لأن الجميع حتي من هم في السلطة في انتظار تعليمات الزعيم، وهذا ما استمر في منطق الدولة الأمنية، التي تتدخل في كل شيء.
-2-
هل انتهت سلطة يوليو مع وصول السادات إلي الحكم؟ لتبدأ دولة اخري يراها البعض دولة الانفتاح ..وهي الدولة التي استمرت حتي الآن وثار عليها المصريون؟ لا يعتقد شريف يونس في ذلك : "انقلاب السادات، لم يكن سوي انقلاب قصر صغير، ولكن طبيعة الدولة والنظام لم تتغير، مثلا البرلمان الذي أيّد إجراءات السادات، انتُخب أيام عبد الناصر. ولكن لا يعني ذلك أن نقلة السادات ليس لها معني، بل بالعكس هي دليل علي الشرخ الذي أصاب النظام، منذ 1964 مع الميثاق. نقلة السادات تكشف عن المشكلة الجوهرية في نظام يوليو أنه متعدد القوي، متعدد التيارات من داخله، وكان ذلك واضحا أثناء مناقشة الميثاق، الجناح الإسلامي في النظام اعترض علي كثير مما جاء في الميثاق، وطلب عبد الناصر أن يكتبوا ملاحظاتهم في ما سمي ب" تقرير الميثاق" فأصبح لدينا وثيقتان تم إقرارهما رغم أن بهما قدرا لا بأس به من التناقض، وكلاهما صادر عن المؤتمر الوطني للقوي الشعبية الذي تم استبعاد كل أعضاء النظام منه، أي أن من كتب الميثاق هم أبناء النظام، ومن كتب تقرير الميثاق هم أبناء النظام أيضا، حتي التعديلات التي أجراها السادات علي دستور 71 كلها مسودات من التقرير الوطني للجنة الميثاق، أي أن هناك معركة بين أجنحة السلطة، انتصر فيها الجناح اليميني بينما فشل الجناح اليساري الأكثر بيروقراطية والأكثر ميلا نحو الدكتاتورية..
يوضح شريف فكرته بالتفصيل: ما قام به السادات كانت بذوره موجودة لدي عبد الناصر، قرار إنشاء المنطقة الحرة في بورسعيد أصدره عبد الناصر 1966 ولم يُنفذ بسبب الحرب، حتي موضوع السلام مع إسرائيل.. كان هناك مفاوضات سرية غير مباشرة في الأمم المتحدة الأولي في 1956، والثانية في عهد كينيدي للتوصل إلي تسوية للقضية الفلسطينية ، ولكن عبد الناصر كان مدركا لأن الحرب لن تحل المشكلة. حتي التعددية التي أقامها السادات كانت تعددية محكومة، لم تتغير طبيعة النظام مع السادات.
- أسأله: وما الذي تبقي من دولة يوليو في زمن مبارك؟
يجيب: علي الأقل ال15 الأخيرة في حكم مبارك هي تعبير عن نظام يوليو في حالة تفسخ ، كان هناك فقدان للسيطرة الإيديولوجية تماما، ولذا نشأت أزمة تسويغ النظام، مبارك تعامل برعونة مع القضية، ولم تكن لديه إمكانيات للحديث عن إيديولوجيا، واعتبر أن فقدان المجال الإيديولوجي ليس مهما فانسحب منه، واكتفي بالحديث عن التنمية ومشروع توشكي، ولكن لم يكن هناك كلام عن طبيعة عمل الدولة. حتي عندما جاءت المجموعة التي حاولت تنفيذ عملية التحول نحو الرأسمالية الحرة وبيع ما تبقي من القطاع العام ، بدأ وقتها فقدان أي سيطرة علي الحزب الوطني نفسه، وظهر واضحا في الانتخابات البرلمانية.. في كل مرة كانت نسبة المنشقين عن الحزب الوطني تزيد عن أخري، وهذا يعني أن الحزب يخسر مرشحه الرئيسي ويكسب شخصاً آخر علي مبادئ الحزب، وهو شخص ليس من المعارضة، حتي يمكن التزوير ضده، وتقييد حركته، إنما هم جزء من الدولة ولهم تشابكاتهم، ولذلك رفض أحمد عز مثلا الإعلان عن أسماء مرشحي الحزب إلا قبل إغلاق باب الترشح، ومن وجد نفسه خارج القوائم هدد بدعم الإخوان.. نجد هنا التفسخ والانهيار في حالتهما القصوي، وعندما تقرأ مذكرات عبد اللطيف المناوي ستجد أنه لا يوجد أحد قلبه علي الوطن، بل الجميع يعمل من أجل مصالحه الشخصية بداية من الضابط الصغير الذي يقتل مواطنا آخر سب شقيقه. النظام تمت خصخصته، ومبارك أصبح مجرد واجهة فاقدة للسيطرة، ومحاولة ابنه وأحمد عز وحبيب العادلي للسيطرة نجحت ولكنهم أصبحوا عصابة داخل الدولة .
- لنتخيل أن ثورة يناير لم تحدث, هل كان نظام يوليو سينتهي مع جمال مبارك وتوريث السلطة؟
- لكي يحدث ذلك إما أن تنهار الدولة، أو تتحول إلي دولة فاشية، وأظن أن خطه التفريغ الأمني، وإرهاب المجتمع التي حدثت بعد الثورة وأثناءها كانت معده لتمرير التوريث، وهي تلخص نظام يوليو الذي قام أساسا علي إرهاب الدولة منذ 1952، ووصل لنهايته.. ولو تم مشروع التوريث أعتقد أن الدولة كانت ستنهار.
- إذن ثورة يناير أعطت نظام يوليو قبلة حياة جديدة؟
يجيب: لا أظن، منطق ثورة يناير كان هو النقيض ليوليو، يوليو كان مبدؤها الأساسي هو إغلاق المجال السياسي، ثورة يناير فتحت المجال السياسي، كما أن ثورة يناير لم تقم لتحقق المبدأ السادس لثورة يوليو،الذي لم يتحقق، وهو الديمقراطية، لأن ديمقراطية يوليو لم تكن تعني سوي "ديمقراطية الزحف المقدس"، المجال السياسي المفتوح الذي أحدثته ثورة يناير إنجاز لن يمس،
كما أن انفجار التنوع الذي أحدثته ثورة يناير غير قابل للاختزال في "زحف" من أي نوع، بل إن التعدد هنا هو قيمة في حد ذاته، ولكن لأن ثورة يناير نفسها خرجت من حالة فقر سياسي، وليس لديها جهازها الذي يستولي علي السلطة فأعتقد أن ثورة يناير ستنتهي إلي تسوية فيما بينها وبين نظام يوليو الذي لم تُوجه إليه الضربة القاضية. ولكن التنوع له اليد العليا، وليس للدولة الأمنية كما كان من قبل. لاحظ أن الناصرية هي نظام يتميز بأن أجهزة الأمن تمد أصابعها في كل شيء، وتُسيطر علي المجال العام، وعلي كل أجهزة الدولة، هي دولة الوصاية البوليسية، تؤمّن الناس لكي تمشي في الزحف المقدس بحيث لا يشذ أحد أو يدخل أحد من الخارج.. في ثورة يناير لم يعد هذا الكلام مفيدا، الكلام عن الفكر المؤمراتي ووجود أجانب في التحرير.. لم يعد مجديا الآن.
- هل تري أننا نشهد الآن غروب يوليو؟
- لنا عشرات السنين نشهد غروب نظام يوليو، تحديدا منذ 1964 وقت اكتمال الميثاق، الموجود هو بقايا. نقلته ثورة يناير إلي وضع دفاع بدلا من أن يتسيد المشهد، الآن قوي التنوع هي التي تتسيد وعلي النظام أن يتحرك في هذه الحدود.
- متي سندفن الجثة يوليو إذن؟
- الجثة ستُدفن بالتدريج، لأن أساس السلطوية في المجتمع المصري عميق، وكما قلت موجود من قبل يوليو بكثير.
أخيرا.. ما الذي يتبقي في دولة يناير من دولة يوليو؟
يجيب بعد تفكير: أظن أن ما سيتبقي هو فكرة الجمهورية، فكرة الشعب ولكن بدلا من أن يكون شعبا عبارة عن شبح مستقبلي يمتلك الضباط وصاية عليه حتي يأتي الشعب الذي يستحق أن يحكموه.. سيكون شعبا جديدا يؤمن بالتنوع، لا الشعب الذي يسير في طريق الزحف المقدس، ليس من الوارد علي الإطلاق البحث عن ديكتاتور جديد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.