الكتاب: مكتوب على جدران التوك توك مصر هي توك توك.. هذا ما كنت أفكر فيه منذ سنة تقريبا،وأنا أري تزايد أعداد تلك المركبات الصغيرة وانتقالها من الشوارع الجانبية الضيقة إلي الشوارع الرئيسية تدريجيا.. عاكسة حالة عامة من القيادة العشوائية والتحدي لكل الأعراف والقوانين. لما أمعنت التفكير في التوك توك نفسه كحالة منفصلة،وجدت عالما ثريا بالتفاصيل ..فكرت ..لو حدث وكتب أحد هؤلاء السائقين صغار السن رواية،لتوارت "الخبز الحافي" لمحمد شكري خجلا! كل هذه التفاصيل جديرة بالرصد.. بدءا من السائق صغير السن.. إلي شكل التوك توك والأكسسوارات التي تزينه.. والأهم الأغاني التي يجأر بها.. "أسمع تحية للصرصار.. نازل مضروب بالشبشب.. طالع مضروب بالجزمة " هذه الكلمات ليست نكتة .. الأغنية - ما هو مفترض أن تكون أغنية - تقول هكذا فعلا .. وأنا قضيت وقتا ليس بالقليل أحاول تحليل نفسية سائق - غالبا لم يتجاوز الثامنة عشرة - يسمع مثل هذا الكلام.. هل نجح النظام السابق - المفترض أنه سابق - في ترسيخ الشعور بالدونية لدي الناس والشباب خاصة؟؟ حتي تحدث حالة توحد مع الصرصار الذي يجري علي أكل عيشه فيطارد ليلا ونهارا في الدخول والخروج! للأسف،لم أجد سائق توك توك روائيا حتي الآن ..ولكني وجدت كتابا أرضي شيئا من فضولي ..الكتاب هو "مكتوب علي جدران التوك توك" للكاتب كمال سالم عوض صادر عن دار أخبار اليوم "كتاب اليوم" والذي وصفه كاتبه بأنه: بحث اجتماعي ساخر..وهو وإن كان غير أكاديمي إلا أنه نجح في توثيق الظاهرة بشكل تلقائي بسيط وجذاب. بدأ الكتاب بمقارنة بسيطة بين محتواه ومحتوي كتاب "هتاف الصامتين" للدكتور سيد عويس الصادر بداية السبعينات والذي رصد فيه العبارات المكتوبة علي مختلف أنواع السيارات في مصر من أجرة وملاكي وحتي عربات الأكل وبيع الحلوي. يقول الكاتب: لقد كتب سيد عويس دراسة علمية خالصة مسلحة بكل ترسانة الدراسات العلمية من موضوع محدد للدراسة وخطة عمل وأسلوب صحيح لتسجيل البيانات والفحص والتحليل السليم للنتائج .... بينما كتبت أنا بطريقة عشوائية تسير بالفطرة ...لقد كانت كتابتي أشبه بالتوك توك بسيطة وعفوية وخالية من القيود البحثية والأكاديمية وتتسلح بكثير من العشوائية التي اكتسبها التوك توك ملك العشوائيات" في فصل بعنوان "عندما ظهر التوك توك" يصف الكاتب بداية دخول هذه الوسيلة للانتقال داخل قريته الصغيرة مع بدايات عام 2005 والتعجب الشديد الذي قوبل به في البداية يقول: أثار ظهور التوك توك زخات العجب في صدور وأعين الناس في قريتي،كما أسال كرابيج السخرية التي يفلح فيها الفلاحون حول هذه المركبة العجيبة،مخلوق متحرك،ليس سيارة وليس موتوسيكلا،إنه يشبه حيوان الجعران الذي كانوا يضعون تماثيله الصغيرة أيام زمان في أعناق صغارهم لدفع الحسد... كان السؤال الذي طرحه الجميع فوق المصاطب وعلي نواصي الحارات وفي محلات البلاي استيشن والبلياردو،هو أين سيعمل التوك توك في قرية يستطيع كل أحد من قاطنيها أن يقطعها من الشرق للغرب في خمس دقائق..... لكن المشروع لم يفشل بل نجح بشدة .. أصبح التوك توك فجأة هو وسيلة المواصلات المعتمدة رسميا في قريتي. من تريد الذهاب للسوق تأخذ توك توك ومن يرغب في تقديم واجب العزاء في الناحية الأخري من القرية فليصطحب التوك توك برغم أنه يسمع في بيته صوت المقرئ القادم عبر مكبر الصوت." وبعد أن ضمن التوك توك مكانه في الطرقات،بدأت مرحلة جديدة من التحدي والسير عكس الاتجاه وكسر كل القوانين والأعراف.. يقول الكتاب في فصل بعنوان "احنا الحكومة": "غابت الحكومة عن الشارع فقويت قبضة أهل التوك توك وتغيرت سلوكياتهم بما يتلاءم مع اختفاء السلطة المسيطرة،وامتدت أعراض القوة التي اعترت القوم إلي تسجيلاتهم الكتابية فوق جلد التوك توك .. أعلنوها صريحة قوية وفي غاية الوضوح " احنا الحكومة" " ما بخافش وانت عارف " .. ثم تنقلنا العبارات لنجد أنفسنا وسط عبارات مفزعة ومرعبة،عبارات تحمل تهديدات تقترب من التشوه النفسي،عبارات غارقة في العدوانية والنقمة نحو المجتمع،هذا أحدهم يقول " إن عشت هاذلكم وان مت الله يسهل لكم " هكذا بكل بساطة ..... أية تربية وأية بيئة تنجب لنا مثل هذا القبح؟ لقد ارتعش قلبي عندما قرأتها وشعرت بألم داهم،لماذا يابني؟ نحن لسنا أعداءك ...هل هذا يجعلنا نتمني له الموت؟ إنه ليس حلا،ثم إن هذا الفتي ليس بمفرده،بل هناك علي الدرب رفقاء،كتب أحدهم " لن أطلب الرحمة من أحد ولكن سيأتي يوما كتبها هكذا لن أرحم فيه أحد" إنها نقمة شباب لم يتوفر له غير الإهمال والاستغناء،شباب لا يشعرون بقيمتهم لدي الدولة،بل يشعرون شعورا طاغيا بأن الدولة تعمل ضدهم بحماس لا يكل ولا يمل " ويخصص الكاتب فصلا لرصد الحب في حياة سائقي التوك توك ويسميه: عميد كلية الحب،وردية فوق التوك توك ستجلب له ثلاثين أو أربعين جنيها يستطيع أن يأكل منها ويدخن ويشتري قميصا بلا أكمام ويشحن المحمول ويحب. حتي إذا انقطعت هذه النقود وتوقف عن العمل سيجد من ينفق عليه من الأسرة. لم تعد الأسر تتعامل بجدية صادقة مع العاطلين... ماذا سيكلف الحب شاب التوك توك؟ بعض النظرات الوالهة لمن تخيرها قلبه وكارت شحن لتليفونه المحمول والحصول علي رقمها ثم الأخذ في إرسال الرسائل والرنات. أما مكان اللقاء فالتوك توك يوفر ذلك بمنتهي السهولة" ثم يقسم العبارات المكتوبة علي التوك توك والتي تتناول الحب إلي خمسة أقسام : -مدح الحب: مرسي العشاق - عميد كلية الحب قسم الرومانسية - عاشق أنا وقلبي عنيد -ذم الحب: مين باع مين - خلعت دبلتي وبعت دنيتي - كلهم خاينين -الحال مع الحبيب : حبيبي الأولاني - كان نفسي أكون ليك - كان مستحيل أنساك دلوقتي حب ومات -الوقاحة في الحب : إنت خطيبها وأنا حبيبها ممكن بوسة وهي معاك لسه حبيبتي -فلاسفة الحب: تري أيهما أشد إيلاما لحظة الفراق ذاتها أم لحظة الحنين بعد الفراق مش كل حب بينتهي إذا رأيت في عيون امرأة نورا فاعلم ان في قلبها نارا. ولا ينسي الكاتب أن يرصد التدهور السريع الذي حدث في شكل وحالة التوك توك خلال سنوات قليلة،بعدما كان محل تقدير وتدليل صاحبه من أكسسوارات وشرائط ملونة وأضواء نيون،فإذا به يسرع إلي مراحل العجز والشيخوخة المبكرة ويقل اهتمام الشباب بتنظيفه وتجميله. ويصف المؤلف ذلك فيقول "اختفت البهجة من وجوه الشباب السائقين وجف الحماس وغاب الأمل،وصارت المقل عكرة والسحن متهدلة. بوجه عام جفت الوجوه وغاضت بحيرة الطموح. ظاهرة تحتاج لدراسة منفصلة لفحصها وإدراك أسبابها. أوجه دعوة صريحة وواضحة ليتقدم أحد ليحمل أعباءها،لا أستطيع فعل ذلك،إذا كان هناك من يستطيع الكتابة عن شباب مغدورين في أحلامهم وغدهم فليفعل...دائما جراح البسطاء تتكاثر كأنها قنبلة انشطارية تزيد حدتها مع تقدمها". ومع الفصل الأخير يقدم 750 عبارة جمعها أثناء رحلة رصده لعالم التوك توك،منها: -الصاحب الناقص بناقص-اللي يصعب عليك يفقرك-أنا مظبطها أوعي تخبطها-بحبها وعرفة نفسها-بقت فندق وكلهم سياح-تركب هسليك تنزل هولع فيك-خارج عن القانون-إذا كنت خايف حط احمر شفايف-روتانا توك توك مش هتقدر تمشي علي رجليك-سينما الحياة فاتحة البيبان-صاحبك مصلحتك-عايز تعيش وتشوف وشك يكون مكشوف-عشم مات المعاملة دلوقت خد وهات-كن واقعيا واطلب المستحيل-لو صاحبك خانك اعتبره دخانك-ماتجريش ورايا أختك راكبة معايا-مطلوب مدام للعمل-مش هيصعب علينا حد علشان ماصعبناش علي حد-ملقتش اصحاب في مصر بعت أجيب من الصين-عبقري في زمن طري.