انتفض الهامش علي المتن.. وثارت القري علي المدن والمراكز.. واعطت نساء الاحياء الفقيرة اصواتهن لمن يخافه مرشحو الطبقات الوسطي.. وصوت الاقباط احتجاجا علي تجاهل مخاوفهم ومعاناتهم من قبل مؤسسات الحكم الجديدة؛ انتقموا جميعا منا نحن أهل الاحياء ذات الشوارع المرصوفة، المؤثرين علي مراكز صنع القرار الجديدة بالتصويت لصالح أكثر مرشح نرفضه. ثارت المناطق والفئات التي همشتها الجمهورية الأولي وقمعتها وافقرتها علي بناة الجمهورية الثانية لانهم استمروا في تهميشهم بل وتجاهلوا قلقهم من تراجع الامن وارتفاعات الاسعار. لقد انغمس المتن السياسي الجديد فور تكونه في صراعات نخبوية وانكر احلام المناطق المهمشة في تحول سحري لحياتهم بعد الثورة، فراجت فيها بضاعة الخوف، وما ابخسها بضاعة، الخوف من الاسلاميين لدي الأقباط، والخوف من انهيار الامن والنظام العام لدي الأكثر فقراً.لا تصدقوا ان ال 5 ملايين الذين صوتوا لشفيق هم أنصاره، بل هم أعداؤنا، بعضهم شارك في حرق الاقسام خلال الثورة ولكنه كان يأمل بإعادة بنائها علي اسس جديدة وليس تركها أطلالاً، بعضهم وقف في اللجان الشعبية لكنه لا يرغب في أن يقضي بقية عمره حارساً لمنزله ومواشيه.لاعجب أن يأتي الفريق المتاجر بالخوف والقلق متصدراً لأصوات بعض محافظات الدلتا الأكثر فقراً والأقل اندماجاً في المجال السياسي، نفس المحافظات التي صوتت للأخوان والسلفيين في انتخابات البرلمان فتناسوا معاناتهم فور الجلوس علي المقاعد واندمجوا في صراع للهيمنة علي المتن السياسي لم ينتج نصراً ولا يبشر بتغيير قد ينعكس علي حياة ناخبيهم. إن الصدمة التي اثارتها نتائج أول انتخابات رئاسية في مصر بعد الثورة للكثيرين وبخاصة شباب الميدان الذي اندمجوا في حملات رئاسية يجب أن يتم تخطيها بالتحليل والفهم وليس الحزن والبكاء خاصة ان مرشحي القوي المستبعدة من مؤسسات اتخاذ القرار في النظام السابق حصلوا معا علي نحو 65٪ من الاصوات. إن الصعيد الذي تمرد علي المركز مرارا -آخرها تحت عباءة الجماعة الاسلامية في التسعينيات- عاد ليقول لنا انه غاضب، عاد ليزمجر قبل أن ينتفض، فلم يكن للخطوة الرمزية بوضع "منياوي" علي رأس مجلس الشعب أي أثر واقعي عليه، هذا الصعيد المثقل بالفقر والطائفية يحتاج من المركز لأكثر بكثير من الخطوات الرمزية، وأيا كان الرئيس القادم فعليه ان يأخذ زمجرته في عين الاعتبار فهو مثل خزان كبير للمواد المشتعلة لا يمكن تجاهل ارتفاع درجة حرارته. أما قري الدلتا، الموعودة بالغرق بحسب مخاوف علماء التغير المناخي، فقد واصلت انتقامها المستمر من المتن، بالتصويت الاحتجاجي ضد احلامه وأمانيه، هذه القري التي اعطت اصواتها للاخوان في 2005 نكاية في الحزب الوطني وقتها عادت لتصوت لهم وللسلفيين نكاية فينا، نحن أهل الميدان والنخبة المتحكمة في الاعلام، ثم انتقمت من الاخوان بعد ان اندمجوا في هذا النخبة وتجاهلوهم، هذا الانتقام المتواصل لن يتوقف إلا بإيقاف اسبابه، باعادة النظر في السياسات التي همشت هذه القري وافقرتها ووجهت اغلب الموازنة لاصحاب الاصوات العالية في المدن الكبري. لقد قام ماوتسي تونج خلال الثورة الثقافية بالصين في ستينيات القرن العشرين بنفي الآلاف من المتعلمين والمثقفين من المدن إلي الريف للعمل والحياة وسط الفلاحين، وأظن اننا بحاجة لخطوة جماعية "تطوعية" هذه المرة للنزوح للريف وفهم مخاوف القري وفلاحيها والتفاعل معها حتي توقف انتقامها المستمر منا.