افتتاح مؤتمر الواعظات بالأكاديمية الدولية    سبب الاندفاع العالمى نحو الذهب    تقرير: الشرطة الإسرائيلية تداهم مكاتب الجزيرة بالقدس    باحث يكشف أبرز ملفات النقاش على طاولة مباحثات ماكرون والرئيس الصيني    الخارجية الفلسطينية تطالب بتفعيل نظام الحماية الدولية للشعب الفلسطيني    الجيش الروسي يعلن السيطرة على قرية أوشيريتين الأوكرانية بشكل كامل    مباشر – الشوط الأول .. سموحة 0 × 0 الزمالك    شواطئ وحدائق المحافظات جاهزة لاستقبال الزوار في شم النسيم    مجازاة مدير مدرسة عقب تداول امتحانات الصف الرابع بتعليم ببا في بني سويف    كل سنه وانتم طيبين.. عمرو سعد يهنئ متابعيه بمناسبة شم النسيم    انطلاق منتدى تكوين الفكر العربي الأول تحت ظلال الأهرامات    فسيخ ورنجة    تامر عاشور يضع اللمسات الأخيرة على أحدث أغانيه، ويفضل "السينجل" لهذا السبب    بالفيديو.. أمينة الفتوى: الحب الصادق بين الزوجين عطاء بلا مقابل    أمينة الفتوى: لا مانع شرعي فى الاعتراف بالحب بين الولد والبنت    استشاري يوضح إتيكيت أكل الفسيخ والرنجة (فيديو)    «معلومات الوزراء»: مصر تحرز تقدما كبيرا في السياحة العلاجية    «الصناعات الهندسية» تبحث تعميق صناعات الكراكات بمصر    يوسف زيدان يرد على اتهامه بالتقليل من قيمة عميد الأدب العربي    تكثيف أمني لكشف ملابسات العثور على جثة شاب في ظروف غامضة بقنا    توقيع اتفاقية تعاون بين وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وشركة «إكسيد»    انطلاق مباراة ليفربول وتوتنهام.. محمد صلاح يقود الريدز    "صحة المنوفية" تتابع انتظام العمل وانتشار الفرق الطبية لتأمين الكنائس    «حافظا على صحتك».. تحذيرات من شرب الشاي والقهوة بعد تناول الفسيخ والرنجة    الأهلي يبحث عن فوز غائب ضد الهلال في الدوري السعودي    فى لفتة إنسانية.. الداخلية تستجيب لالتماس سيدة مسنة باستخراج بطاقة الرقم القومى الخاصة بها وتسليمها لها بمنزلها    الآن.. طريقة الاستعلام عن معاش تكافل وكرامة لشهر مايو 2024    انتشال أشلاء شهداء من تحت أنقاض منزل دمّره الاحتلال في دير الغصون بطولكرم    وزير الرياضة يتفقد مبنى مجلس مدينة شرم الشيخ الجديد    نفوق 12 رأس ماشية في حريق حظيرة مواشي بأسيوط    الحكومة الإسرائيلية تقرر وقف عمل شبكة قنوات الجزيرة    التخطيط: 6.5 مليار جنيه استثمارات عامة بمحافظة الإسماعيلية خلال العام المالي الجاري    وزارة العمل تنظم ندوة لنشر تقافة الصحة المهنية بين العاملين ب"إسكان المنيا الجديدة"    تقرير: ميناء أكتوبر يسهل حركة الواردات والصادرات بين الموانئ البرية والبحرية في مصر    5 مستشفيات حكومية للشراكة مع القطاع الخاص.. لماذا الجدل؟    موعد استطلاع هلال ذي القعدة و إجازة عيد الأضحى 2024    كنائس الإسكندرية تستقبل المهنئين بعيد القيامة المجيد    "خطة النواب": مصر استعادت ثقة مؤسسات التقييم الأجنبية بعد التحركات الأخيرة لدعم الاقتصاد    وزير الرياضة يشكل لجنة للتفتيش المالي والإداري على نادي الطيران    لاعب فاركو يجري جراحة الرباط الصليبي    «شباب المصريين بالخارج» مهنئًا الأقباط: سنظل نسيجًا واحدًا صامدًا في وجه أعداء الوطن    حفل رامى صبرى ومسلم ضمن احتفالات شم النسيم وأعياد الربيع غدا    بالتزامن مع ذكرى وفاته.. محطات في حياة الطبلاوي    جناح مصر بمعرض أبو ظبي يناقش مصير الصحافة في ظل تحديات العالم الرقمي    استشهاد ثلاثة مدنيين وإصابة آخرين في غارة إسرائيلية على بلدة ميس الجبل جنوب لبنان    الصحة الفلسطينية: الاحتلال ارتكب 3 مج.ازر في غزة راح ضحيتها 29 شهيدا    الإفتاء: كثرة الحلف في البيع والشراء منهي عنها شرعًا    البابا تواضروس: فيلم السرب يسجل صفحة مهمة في تاريخ مصر    بين القبيلة والدولة الوطنية    طوارئ بمستشفيات بنها الجامعية في عيد القيامة وشم النسيم    في إجازة شم النسيم.. مصرع شاب غرقا أثناء استحمامه في ترعة بالغربية    تكريم المتميزين من فريق التمريض بصحة قنا    اليوم.. انطلاق مؤتمر الواعظات بأكاديمية الأوقاف    مختار مختار يطالب بإراحة نجوم الأهلي قبل مواجهة الترجي    مختار مختار: عودة متولي تمثل إضافة قوية للأهلي    هل يجوز السفر إلى الحج دون محرم.. الإفتاء تجيب    محافظ القليوبية يشهد قداس عيد القيامة المجيد بكنيسة السيدة العذراء ببنها    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عباس بيضون :الشعر بيتي.. والكتابة خارجه تنزُهاً
نشر في أخبار الأدب يوم 26 - 05 - 2018

كائن شعري حلّق في سماء الشعر، كلما أراد أن يرسم وجه القصيدة أخذه السؤال من الرسم بعيدًا ما هو الشعر. خلق لكتاباته ملامح تشبهه كثيرًا، نكاد لا نُفرِّق بينه و بين قصيدته، ليس بالعظيم عليه إذا ما أسميناه »الشاعر التوأم لقصيدته»‬، نفخ فيها من روحه حتي جعلِّها آية للقارئين، جمع موضوعاته من دقائق أيامه وحياته. تكاد تكون قصائده سيرة ذاتية. شاعر طالما مدّ أنفه في كل شيء، في الرواية، والصحافة، والنقد، بل والترجمة أيضًا. ولد في لبنان عام 1945 لعائلة مولعة بالأدب والثقافة، تربي بين الكتب والمكتبات صغيرًا، كبر وعيًا فتعاطي أوقاته الموجعة وأحس بآلامها، أصدر أولي مجموعاته الشعرية عام 1983 بعنوان »‬الوقت بجرعات كبيرة»، تلتها مجموعات جعلت من قصيدته انعطافة واضحة عن قصيدة النثر العربية.
عباس بيضون شاعر وروائي وصحافي لبناني من أبرز شعراء الثمانينات العرب وأهمهم، تُرجم بعض أعماله إلي: الإنجليزية والإسبانية والفرنسية والألمانية والإيطالية.
حاز كتابه »‬الموت يأخذ مقاساتنا» علي جائزة المتوسط عن فئة الشعر، وحاز كتابه »‬خريف البراءة» علي جائزة الشيخ زايد للكتاب عن فئة الرواية.
كان لنا معه هذا الحوار:
• محلك الجغرافي لبنان، أين يكمن محلك الأدبي - الإبداعي - في الشعر أم في الرواية؟
جغرافياً، أعيش في بيروت، المدينة التي لا أحبها وحدي، وأظن أن كتاب العرب والمثقفين يحبونها أيضاً، أما شغفي الأدبي أنا الذي أكتب في أكثر من مجال روايةً وشعرًا ومقالة نقديةً، شغفي الأساسي هو الشعر، أنا شاعرٌ أساسًا، وشاعر أولًا وحين أذهب إلي الرواية أو حين أكتب مقالةً فأنا عندئذٍ أتنزه خارج بيتي الأساسي.
• عصافيرٌ برأسي لا تتوقف عن الزقزقة من كتابك (الموت يأخذ مقاساتنا) هل كان الموت يأخذ مقاسات تلك العصافير الآملة والمتأملة أيضًا؟ وهل وضعت مقاسًا للموت؟
أولًا أشكرك لأنك تستعيد عبارة من كتاب لي نسيتها أنا ولم تعد في ذاكرتي. أما عنوان »‬الموت يأخذ مقاساتنا» فالعنوان ليس لي؛ إنه من قصيدة »‬ومن» أو عناوين توماس ترانسترومر الشاعر السويدي الحائز علي جائزة نوبل لسنة 2011، هذا الشاعر سبق لي أن التقيته حينما زار بيروت، وأجريت حديثًا صحفيًا معه، كما سبق لي أن تعرفت عليه شاعرًا بفضل صديقة سويدية، هذا الشاعر أصيب بجلطة ولم يكن يحسن حتي الكلام، هذا الشاعر أدهشني لأنه كان خارج كل تصوراتي عن الشعر كان شاعرًا خاصًا جدًا. بحسب نص ترانسترومر الموت يأخذ مقاساتنا يعني أن الموت هو الذي يحدد كل شيء آخر الأمر، وهو الحكم الأخير، هذا البيت لترانسترومر أدهشني وأنا لي معه خاصة في هذه اللحظة التي أعلنت أن صديقًا لي معه صداقة يومية توفي، هذا الصديق هو الشاعر عصام العبدالله. قلت: (وداعًا أيتها الصداقات؛ الحياة تبدأ بعدنا).
• أيبدأ بعدك الشعر أيضًا أم أنه توقف عند عباس بيضون وجيله الأدبي؟
لا أظن أن الشعر يتوقف عند أحد؛ لأن الإنسان الذي اخترع الشعر اخترع أيضًا الحياة والموت والوجود، وأكاد أخشي أن يكون كل ذاك وهميًا وأن تكون الحياة نفسها كذبة.
• الشيخوخة، التقدم في العمر، موضوعًا جديدًا في ديوانك الاخير (ميتافيزيقيا الثعلب) أهو استسلام لها أم أن الشعر يتجدد من مرحلة لأخري ونهر الشعر لا ينضب؟
أنا في بداية السبعينيات وصلت إلي هذا السن ولا أكاد أصدق أني وصلت، لا أكاد أصدق أن الموت شيء حقيقي وأن الإنسان الذي بنا حياته علي خلودٍ وهمي يُفاجأ أخيرًا به ويكون كل شيء عند ذلك بلا معني.
أظن أن الشعر فن شبابي وفن مراهق؛ لأن الإنسان يكون مراهقًا في المراهقة، والشاعر قد يبقي مراهقًا، المراهقة هي جنون الخيال وهي جنون الذاكرة. أما عن الشيخوخة، أي كان الأمر حيث أتكلم عن الشيخوخة لأن شعري أقرب إلي أن يكون سيرة ذاتية خاصة، فمن قصيدة سور مثلًا إلي مجموعتي الأخيرة هناك مذكرات ويوميات حتي حين لا يبدو ذلك واضحًا أنا أجمع شعري من دقائق حياتي، ورغم أن هذا الشعر لا يبدو كذلك لأنه يُخفيه ولأن اللغة تبقي دائمًا ستارًا أو برقعًا، أنا أستمد شعري من ما أصادفه بحياتي.
• عندما يكون الشاعر مترجماً أيكون أمينًا علي ما أؤتمن؟ أيطاوعه مزاجه الشعري أم أن فضوله الشعري يجعله يتدخل في الأعمال المطروحة للترجمة ويحرف ويبدل ما يشاء وفق ما يراه مناسبًا لمزاجه وللنص الأدبي؟
الشعر يجب أن يبقي شعرًا في اللغة الثانية، ترجمة الشعر هي نوع من إعادة تأليفه بايقاعات وبلاغة جديدتين.
• رأي صرحت به: الشعر والرواية عمل داخلي، أي عمل دور الإرادة فيه قليل وخاصة في الشعر معدوم. كيف هذا والاثنان يصدران من اللاوعي؟ هل هو تحيز للشعر؟
الشعر يحتاج إلي ما يتعدي الإرادة والوعي كانوا يقولون إن الشعر وحي والشعر في الحقيقة يتخطي الشاعر ويتجاوزه كأن شخصًا آخر كتبه أو كأن اللغة تكتب نفسها، قال هيدكر أو هيدغر: (إن اللغة هي التي تتكلم عبر الشاعر) وأنا مع هذا الكلام، فالشاعر أقل بكثير من قصيدته؛ وذلك أن اللغة بكل تراثها وبكل محمولها تتحدث عبره. الشعر بالنسبة لي هو درجة من احتمال الحقيقة أو أقل، إنه ما تحت الحقيقة، والكلام الشعري هو في كل الأحوال ما تحت الكلام. الشعر هو درجة من الإيماء بلا كلام يختفي وراءه، أي أنه إشارة إلي افتراضٍ غير مرئي.
• كتبت مقالاً في »‬السفير» عن الأدب الإيجابي والسلبي، كيف للأدب أن يكون سلبيًا إذا ما أسميناه أدبًا؟ وما هو الأدب الإيجابي؟
في نظري وخاصة الأدب الحديث قائم علي السلبية، أي أنه لا يؤكد بل ينفي ويشكك ويتساءل، الأدب بهذا المعني سؤال وهذا السؤال أقرب إلي السلب أو الإلغاء، هذا هو الأدب الحديث فبدءاً من عند كافكا تعثر علي الأدب كنفي للعالم. وأظن ان الرواية تُسجل تهافت العالم، التهافت من كل النواحي، الأخلاقي، الفكري، والاجتماعي. فالحديث - أدب ما بعد البرجوازية - هو أدب متشائم وأدب ارتيابي، هو بالتالي أدب سلبي.
أما الأدب الإيجابي: هو غالبًا أدب ضعيف وفقير وهو أدب الديكتاتورية العقائدية، هو أدب الوعظ والإرشاد الأخلاقيين، هو أدب تعبوي وحزبي وليس من المصادفة أن تكون الدعوة للشيوعية والنازية هي الأدب الإيجابي الذي يقوم بتربية المجتمع علي السنن والعقائد التي تحملها الدولة.
• ما رأيك إذا ما كان النص الشعري يحمل الفكرة الفلسفية، ولماذا؟
الشعر نوع من الفكر لا يمكننا أن نفصل الشعر عن الفكر وأنْ يكن بأدواته الخاصة، الفكر في الشعر غير الفكر في الفلسفة، الفكر هو ما يمكننا أن نسميه ما تحت الفكر، هو تململ الفكر الذي لا ينتهي إلي حَسن ولكنه يبقي معلقًا، في الشعر فسلفة هي للشعر وحده، أي أن فلسفة الشعر هي للشعر وحده وهذه الفلسفة هي بصيغ الشعر وأدواته، هناك شعر في الختام فكر، لكن هذا الفكر يخص الشعر، إنها طريقته أو طرائقه في التفكير أي أن الفكرة لا تُقال بتسلسلها المنطقي وإنما في لمحها وفي تجليها الإيمائي أو في الإيماء، ولا شك أن ليس هناك من شعرٍ كبير ليس بالدرجة نفسها فكرًا كبيرًا.
• كيف يعرف الشاعر عباس بيضون الشعر والقصيدة الجيدة، بعدما انتقد التعريفات الكلاسيكية للشعر؟
لا أجد مواصفات جاهزة للقصيدة الجيدة، لكن القصيدة الجيدة هي كما يتراءي لي هي التي تستطيع أن تجمع بين غناءٍ رفيع وفكرٍ لماح هي القصيدة التي تبتكر فكرها وغناءها.
• ماذا بعد قصيدة النثر؟ هل تظن الشعر يتجدد؟
قصيدة النثر بحد ذاتها تفتح الشعر علي مجالاتٍ شاسعة، فهي تتجدد من خلال نفسها، قصيدة النثر عمل تجريبي ويظل تجريبيًا وهو مغامرة مستمرة ويظل مغامرة إذ لا حدود للنثر ولا قوالب نهائية له ولا قواعد كاملة، قصيدة النثر هي باستمرار في حال من التجدد والتجريب.
• ما أوجه الاختلاف والتشابه بين كتابة الرواية والشعر لدي عباس بيضون؟ متي يشعر أن ما يكتب شعرًا وليست رواية أو العكس؟
الفرق بين الشعر والرواية لدي عباس بيضون هو الفرق بين الشعر والرواية عند أي كاتب آخر، فالرواية تتطلب مزيجًا من كتابة آلية وحيويّة، الرواية في جانب منها تقنية فما يمكن قوله في الرواية هو فوق كونه واسعًا جدً؛ يملك في جانب منه ميزة إحصائية، ما تقول في الرواية هو كل شيء، تقول الأشياء وما وراءها وما ينتج عنها. الشعر ليس كذلك؛ فأنت لا تقول فيه كل شيء إنما تقول رؤوس الأشياء وإيماءاتها وما تقوله تقوله بدرجة من التركيز والحسم بحيث يبدو وكأنه احتمال حقيقة، أنت تقول الكلام الأخير ولا تذكر ما وراءه ولا ما أمامه، أنت لا تقول الأسباب ولا النتائج، الشعر هو الخلاصة، والخلاصة الناضجة القابلة لتكون حكمًا.
• قلت ذات مرة: العراق حاضر في ذاكرتي، واللهجة العراقية مألوفة لدي. ما السبب من حضور العراق في ذاكرتك؟
هناك أكثر من سبب ومن بين هذه الأسباب هو أنني سليل جدة عراقية ولي عدد من الأصدقاء العراقيين وككل العرب تربيت جزئيًا علي الأدب العراقي، فالعراق حاضر في حياتي وعلاقاتي.
• إذا ما كانت الصحافة فنًا مثلما أوضحت في حوار تلفزيوني، هل يعني أن الفنون الأدبية لا تحتاج لوحي - كالشعر والرواية -؟ كيف للفن الموحي بفكرته أن يختار موضوعًا للكتابة عنه كما في الصحافة؟
حين تكون الصحافة فنًا فهي فنٌ له تقنياته وقواعده النابعة منه ليست الصحافة فنًا كالشعر مثلًا؛ فالشعر بالتأكيد فن يختلف في مبانيه وتقنياته عن الصحافة، حين أقول الصحافة فن أقول ما يعرفه الجميع من أن الصحافة تُصور طرائقها وآلياتها التي تسع لها، لا يعني أنها فن كالشعر لنصلها بالوحي، الوحي هو إلي حد كبير خاصًا بالشعر، فالنثر بالتأكيد شطحات من الوحي لكنها تأتي ممزوجة بقدر من الكتابة الآلية، في الرواية قد نعثر علي شعر رفيع لكن هذا ليس كل الرواية، إنه لمحات منها وفي بقية الرواية هناك هذه الكتابة الآلية التي مع ذلك هي فن قائم في الرواية ولا نجده في الشعر؛ فالشعر يحوي القليل جدًا من هذه الكتابة الآلية.
• الصحفي الناجح من لم يكن شاعرًا؛ أو روائيًا لئلا يُغرق النص بالخيال، وما تحتاجه الكتابة الأدبية من أدوات، ما رأيك؟ هل أثرت الصحافة علي نتاجك الأدبي وهل تدخلت فيه؟ هل مد الشعر أنفه في عملك الصحفي، مثلما تقول أنا الذي يمد أنفه في كل شيء؟
الصحافة بالنسبة لي كانت تجربة خلّاقة، الصحافة علمتني أن أكتب في بالي من يقرأ، والصحافة علمتني أن أكتب ما يمكن أن نعتبره جوًا كاملًا تتلاحق فيه المعلومات والتفاصيل والأفكار والأشياء والأمكنة، أظن أن الصحافة جعلتني أكتب الرواية، وبالتأكيد الصحافة مدرسة في النثر وكتابة النثر، لذا لا استغرب أن يتحول الصُحافي إلي روائي أو أن يتحول الروائي إلي صحفي، ثمة كثيرون من الروائيين المعروفين مارسوا الصحافة أو انتقلوا إليها، يمكننا أن نسمي ميلفل وماركيس وكويت شدلوا، ولم أجد علي الإطلاق تعارضًا بين الشعر وبين الصحافة، إنما أكتب النثر كما أتصور النثر وأكتب الشعر كما أتصور الشعر ولا أخلط بين الأمرين فحين أكتب رواية لا أعود شاعرًا إلا فيما يخص روح الرواية لا إنشاءها ولا لغتها. لم تكن الصحافة بالنسبة لي عبءً علي الشعر، بالعكس ساعدت الصحافة علي أن يكون الشعر غير منمقٍ وغير مكتوبٍ بلغةٍ تهويليةٍ، ساعدت الصحافة علي الربط بين المحكية والمكتوبة فاللغة المكتوبة هنا لا تنفصل عن المحكية إلا بقوالبها لا بمفرداتها وتعابيرها.
قلت: الكتابة ليست اختياراً إرادياً وإنْ لم تكن شعرًا، و الأحداث السورية أعانتني علي ما بدأته من رواية خريف البراءة، أما يعني هذا أنك اخترت مواضيع أو أحداثا مكملة؟
بالتأكيد، كان الموضوع الذي يخص الإرهاب التكفيري كان مقصودًا في الرواية ولم يأت بالصدفة واستفدت من الأحداث السورية كوثيقة؛ فالرواية لا تخلو أحيانًا من هذا الجانب الوثائقي، وثمة روايات تعتمد كثيرًا علي الوثيقة وعلي المعلومات، بل هناك روايات تقوم في الأساس علي بحث واسع أو كبير في التاريخ أو في العلوم، الروايات في حقيقة الأمر عمل ثقافي.
• شخصية غسان - خريف البراءة - جزء مني أو الأقرب لي؛ لأنه لا يحكي! ما الذي تريد أن تقوله بعد أن أصدرت العديد من الروايات والمجاميع الشعرية؟ هل لازال هناك شيء لم تحكه حتي الان؟
شخصية غسان، شخصية إنسان يكتب أفكاره ويكتب كلامه ويتردد قبل أن يحكم علي الأشياء وقبل أن يفتي فيها، هذا ما أظنه يقرب غسان مني، من شخصيتي الفعليّة، وأقول أنه لا يحكي؛ أعني أنه ليس ثرثارًا وأعني أنه يزن كلامه طويلًا قبل أن يقول، أعني أنه يريد للكلام معايير ومصادر لا تجعل منه سيالًا وسهلًا.
بعد كل ما كتبته لا أعرف مقدار ما أفصحت عنه ومقدار ما يزال خصبًا في نفسي، لا شك أني قلتُ كثيرًا لكنني لم أقل كل شيء وعسيرًا علي الإنسان أن يقول كل شيء؛ فثمة دائمًا ما يغيب عنا وما نغفل عن قوله وما يستعصي علينا قوله، لا تنسي أن جانبًا من الكتابة هو تقنية وجانب آخر هو كما تقول وحي أو إبداع ولا نعرف ما الذي يمكننا قوله في هذه الحدود.
• سؤال من شقين: خريف البراءة، فخ قدمه بيضون، لم تكن رواية إنما شعر، هذا رأي طُرحَ كثيرًا علي أثر نيلك جائزة الشيخ زايد، إذا ما صح هذا الرأي، أما يعني ضياع الشعر وانغماسه بأجناس أدبية أخري؟ بعد هذه الجائزة عن روايتك خريف البراءة، لازلت الشاعر الذي كتب الرواية؟
اولاً، لا أظن أن خريف البراءة شعر أكثر منها رواية فأنا في كتابتي للرواية أتجنب تمامًا أن يبدو الشعر في مظاهرها أو أسلوبها أو لغتها، لكن هناك شعرًا في الرواية كما أن هناك شعرًا في السينما، أي أن هناك شعرًا يخرج من بُنية الرواية ومن حدودها، هناك شعر موجود في روح الكلام في وجهته، هذا الشعر موجود في الروايات بقدر وجوده في الأفلام والمسرحيات، وإذا وجد هذا النوع من الشعر في خريف البراءة فأنا لا أعترض لكن خريف البراءة رواية فقط في المعني الأسلوبي والتقني للكلام.
ثانياً: إن الرواية هي فن المرحلة وأن الشعر يتأخر عن الرواية ويتأخر عن فنون أخري هذا بالطبع أزمة، الشعر في أزمة لا ننكر ذلك، الشعر حاليًا يكاد يكون بدون قراء والشعراء يتحولون إلي نكرات في العالم الأدبي هذا صحيح لكن الشعر مع ذلك يبقي شعرًا ولا يضيع في بقية الأغراض الأدبية. نعم، أنا فعلاً لا أزال الشاعر الذي يكتب رواية.
• يري بعض الأدباء أن السوشيال ميديا، الفيس بوك وما شابه، إساءة وجهة للأدب وأنتجت أدباء بلا أدب ومعرفة، ماذا تراها أنت؟
أظن أن السوشيال ميديا تخدم الأدب في الوقت الذي تبتذله، فهناك في السوشيال ميديا جانب اجتماعي وهي مبنية علي ما في الاجتماعات من آداب ولياقة يختلفان عن النقد، لا تستطيع السوشيال ميديا أن تحل محل الأدب والكتابة، ففيها تختلف الأمور إلي درجة يضيع فيها الحكم والرأي والتقدير، يمكن أن تنتج السوشيال ميديا أدباءها وشعراءها لكنها لا تستطيع أن تحكم عليهم أو لهم، وبالتأكيد في السوشيال ميديا نقرأ أشياء بديعة لكن أصحابها ينشرونها أيضًا في كتب وتجعل منهم ملحوظين في كتبهم كما هم ملحوظون في الفيس بوك، السوشيال ميديا توسع مجال العرض الأدبي لكنها لا تخلق أدباء؛ فالأديب في الفيس بوك هو الأديب في الكتاب أيضًا.
• أيستطيع عباس بيضون »‬الشيخ» أن يصف - شعرًا - عباس بيضون »‬الشاب» ولو عاد به الزمن للوراء كيف يصفه الآن؟
ليس في استطاعتي أن أصف شعري، أترك هذا للقراء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.