«التخطيط»: 4.3 مليار جنيه لتنفيذ 323 مشروعًا تنمويًا بكفر الشيخ خلال 2023-2024    بدء تصعيد حجاج الجمعيات الأهلية لصعيد عرفات غداً    نجوم الفن يحتفلون مع سلمى أبو ضيف بعقد قرانها.. صور    مدير تعليم دمياط يستعرض رؤية المديرية خلال الفترة المقبلة    قبول دفعة جديدة من المجندين بالقوات المسلحة مرحلة أكتوبر 2024    قرار جمهوري بتعيين الدكتورة حنان الجويلي عميدًا ل«صيدلة الإسكندرية»    سعر جرام الذهب فى مصر اليوم الخميس 13يونيو 2024    محافظ الفيوم: استعدينا بكل طاقتنا لفترة أقصى الاحتياجات المائية للزراعات    ميناء دمياط يعلن تداول 63 طن بضائع متنوعة    محافظ دمياط تعتمد خرائط الأحوزة العمرانية للانتهاء من إجراءات التصالح    ميلونى ترحب بالمشاركين بقمة مجموعة السبع.. وحرب أوكرانيا على رأس الطاولة    وزير خارجية العراق: موقفنا ثابت تجاه وقف إطلاق نار دائم فى غزة    الكويت: نقل ضحايا حريق المنقف بطائرات عسكرية إلى بلدهم الهند وصرف تعويضات    ميسي: لن أشارك في أولمبياد باريس لهذه الأسباب    رسميًا.. إعلان موعد إجراء قرعة تصفيات كأس الأمم الأفريقية 2025    شباب ورياضة بني سويف تطلق ماراثون الدراجات الهوائية    جنوب الوادي تتقدم 200 مركزًا دوليًا في مجال الطاقة النظيفة    مصرع سائق ميكروباص في حادث تصادم بطريق الضبعة اتجاه القاهرة    ضبط (354) قضية مخدرات ,(134) قطعة سلاح وتنفيذ (84355) حكم قضائى متنوع    إغلاق عقار سكني تم تحويله لمدرسة بدون ترخيص    تزامنًا مع حلول العيد.. ضبط 171 مخالفة تموينية متنوعة في المنيا    ضبط القائمين على تسريب امتحانات الثانوية العامة بجهينة سوهاج    مصرع مواطن صدمته سيارة أثناء عبوره لطريق الواحات    مفتي الجمهورية يُهنئ الرئيس والشعب المصري بمناسبة عيد الأضحى    في أول ليالي عرضه.. «ولاد رزق 3» يزيح «السرب» من صدارة الإيرادات    خريطة من كتاب وصف مصر.. توثيق معالم القاهرة وتحديد موقع المتحف القومي للحضارة    نقيب الأشراف مهنئًا بالعيد: مناسبة لاستلهام معاني الوحدة والمحبة    تزيد من اتساخه.. 3 أخطاء احذريها عند تنظيف المطبخ    محافظ بني سويف يتلقى التهاني بعيد الأضحى من قيادات وممثلي الطوائف والمذاهب الكنسية    تسيير 3 خطوط طيران مباشرة إلى دول إفريقية.. "الهجرة" تكشف التفاصيل    بالأسماء.. غيابات مؤثرة تضرب الأهلي قبل موقعة فاركو بدوري نايل    الشرقية تتزين لاستقبال عيد الأضحي المبارك    المفتى يجيب.. ما يجب على المضحي إذا ضاعت أو ماتت أضحيته قبل يوم العيد    اعتماد المخطط التفصيلي للمجاورة رقم «G&H» بمدينة العبور الجديدة    وزارة الصحة تستقبل سفير السودان لبحث تعزيز سبل التعاون بالقطاع الصحى بين البلدين    توقيع الكشف الطبي على 142 مريضا من الأسر الأولى بالرعاية في المنيا    عقوبات أمريكية لأكثر من 300 فرد وكيان يساعدون روسيا على حرب أوكرانيا    أمريكا والاتحاد الأوروبي تشددان على أهمية التعاون الثنائي في مواجهة التحديات الحالية    دار الإفتاء توضح حكم صيام يوم عرفة    يوم عرفة.. إليك أهم العبادات وأفضل الأدعية    النشرة المرورية.. كثافات متوسطة للسيارات بمحاور القاهرة والجيزة    اليوم.. موعد عرض فيلم "الصف الأخير" ل شريف محسن على نتفليكس    الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر بشأن التمويل الإنساني للمدنيين في أوكرانيا    "عودة الدوري وقمة في السلة".. جدول مباريات اليوم الخميس والقنوات الناقلة    هاني سري الدين: تنسيقية شباب الأحزاب عمل مؤسسي جامع وتتميز بالتنوع    «معلومات الوزراء»: 73% من مستخدمي الخدمات الحكومية الإلكترونية راضون عنها    بالتعاون مع المتحدة.. «قصور الثقافة»: تذكرة أفلام عيد الأضحى ب40 جنيهاً    حريق هائل في مصفاة نفط ببلدة الكوير جنوب غرب أربيل بالعراق | فيديو    وزيرة التخطيط تلتقي وزير العمل لبحث آليات تطبيق الحد الأدنى للأجور    "الله أكبر كبيرا.. صدق وعده ونصر عبده".. أشهر صيغ تكبيرات عيد الأضحى    فطيرة اللحمة الاقتصادية اللذيذة بخطوات سهلة وسريعة    عبد الوهاب: أخفيت حسني عبد ربه في الساحل الشمالي ومشهد «الكفن» أنهى الصفقة    الخارجية الروسية: كل ما يفعله الناتو اليوم هو تحضير لصدام مع روسيا    حظك اليوم برج الأسد الخميس 13-6-2024 مهنيا وعاطفيا    لأول مرة.. هشام عاشور يكشف سبب انفصاله عن نيللي كريم: «هتفضل حبيبتي»    نشرة ال«توك شو» من «المصري اليوم»:«هنجيبه في دقيقتين».. «التعليم» تحذر من هذا الفعل أثناء امتحانات الثانوية العامة.. ماذا أقول ليلة يوم عرفة؟.. أفضل الدعاء    مدرب بروكسيي: اتحاد الكرة تجاهل طلباتنا لأننا لسنا الأهلي أو الزمالك    هاني سعيد: المنافسة قوية في الدوري.. وبيراميدز لم يحسم اللقب بعد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المفكر الفلسطيني فيصل دراج:
مصر في حاجة إلي مجموعة ثورات
نشر في أخبار الأدب يوم 17 - 04 - 2012

وراء كل جملة لفيصل دراج غضب ما، لا ترضيه الأوضاع العربية الحالية، وفي مقدمتها الوضع الذي آلت إليه القضية الفلسطينية، لكن ذلك الغضب يبدو مدروساً، يبدو أشبه بفلسفة وطريقة حياة، فكما يري ف "التشاؤم هو القوة المحرضة الأساسية في الإنسان"، وفي المقابل فإن "التفاؤل لا معني له لأنه تعطيل للإرادة الإنسانية، التفاؤل معناه النهاية"، غضب محفز علي الفعل إذاً بعد معرفته أنه لا سبيل إلي تغيير العالم كما كان يرغب في البداية من خلال العمل السياسي لأن التنظيمات السياسية نفسها في حاجة إلي تغييرها أولاً، ومن هنا يمكن فهم تأكيده علي عدم انتمائه إلي السلطة الفلسطينية بأي شكل من الأشكال، وتشديده علي أن الفلسطيني ليس في حاجة إلي هذا الانتماء ليكون "فلسطينياً". هذه الرؤية دفعته للجوء إلي النقد ليجد فيه وسيلته لتمرير أفكاره عن السلطوية والاستبداد وغير ذلك، هو إذاً مفكر متخف في ثياب ناقد، عين علي الواقع وعين أخري علي الرواية، وربما لذلك هو أحد النقاد القلائل في العالم العربي الذي يمكنه اكتشاف جوهر النصوص.
التقيت فيصل دراج في دبي في مناسبة فوزه بجائزة العويس (الدراسات الأدبية والنقد) ودار حوار طويل حول الرواية والنقد والثورات العربية ومواقف المثقفين منها، وما يتحتم عليهم القيام به الآن، لكن قبل ذلك بدأنا من فيصل دراج نفسه وتحوله المقبل من النقد إلي كتابة الرواية ومن ثم التصوف!
قلت في أحد حواراتك أن انزياحك إلي النقد الروائي تعبير عن هزيمة في التجربة السياسية، وقلت أيضاً أنه "عندما أهزم أكثر سأترك النقد الأدبي وأكتب رواية"...
- نعم. قبل أن أتجه إلي التصوف...
يعني هل تري أن النقد الأدبي وكتابة الرواية أقل درجة من الفعل السياسي، وأنا أعرف أن عملك في البداية بدأ سياسياً؟
- عملي لم يبدأ سياسياً وإنما كانت لديّ أحلام سياسية، وبالتالي وبسبب هذه الأحلام كنت أكتب كثيراً ما يسمي مقالات نظرية، يعني أكتب عن الدين والصراع الطبقي والاغتراب والتحرر الإنساني، لكن أي نوع من الثقافة أو الكتابة النظرية تحتاج إلي إطار ديموقراطي، إطار علاقة مع الشعب، وجدت أن هذا النوع من الكتابات مغترب ليس فقط عن الناس المضطهدين ولكن أيضاً عن الأحزاب السياسية المتخشبة، وبالتالي بقدر ما حاولت أن أقدم شيئاً لكني وجدت أنني أصبح مغترباً أكثر فأكثر، الذين كانوا قائمين علي المراجع السياسية التي تعاملت معها يختلفون علي مستوي الخطاب السياسي المباشر عما هو موجود، ولكن علي مستوي الممارسة هو شيء ما من السلطوية في كل مكان، ولأني بطبعي ضد ما هو سلطوي فقد تركت الكتابة النظرية واتجهت إلي النقد الأدبي لأنه يحتمل كثيراً من الأقنعة والمراوغة والتنقيب، ، وبالتالي كان مركز النقد الأدبي عملياً مكانا لإذابة مجموعة من الكتابات، واقع الأمر أن النقد الأدبي كما أراه هو جملة معارف أولاً، الفلسفة وعلم النفس واللغة والسياسة والنقد الأدبي، إلي آخره، أكثر من ذلك أني حولت النقد الأدبي عندي إلي عمل فكري جاد وأيضاً إلي مناسبة لأن أقول فيه ما أريده عن رجل الدين أو رجل السياسة، إلي آخره...
وفي هذا الإطار إذا كتبت رواية فهل ستكون أيضاً عن الاستبداد؟
- سوف أكتب عن تجربتي لأن كل إنسان فينا يبدأ حياته حالماً سعيداً مترفاً بالأحلام مغتبطاً أنه سوف يغير العالم عن طريق هذا التنظيم السياسي أو ذاك ثم يكتشف أن عليه أن يغير هذا التنظيم ذاته قبل أن يقوم بتغيير العالم، ولأن المعادلة مستحيلة فإنه ينكسر ويتراجع إلي الوراء. كل كتابة كبيرة هي عن الإخفاق الإنساني، عن التشاؤم، التشاؤم هو القوة المحرضة الأساسية في الإنسان، التفاؤل لا معني له لأنه تعطيل للإرادة الإنسانية، ما معني أن أكون متفائلاً؟ أن الأمور سوف تحل لذلك أنا أعطل إرادتي. وبالتالي سوف أكتب عن الإخفاق، كل أدب كبير هو عن الإخفاق والمرارة والهزيمة والموت... لا يوجد أدب كبير إطلاقاً عن التفاؤل والانتصار، كل كتب نجيب محفوظ عمليا عن الاغتراب والإخفاق والموت... الأدب الصغير فقط هو أدب الانتصارات.
أنت تضع كلا من نجيب محفوظ وطه حسين في مكانة عالية وتقول إنه لم يتم تجاوزهما إلي الآن... في هذا الإطار كيف تري إنجاز جيل الستينيات، وهل تري مثلما يعتقد البعض أن هذا الجيل ساهم بشكل ما في التأسيس للديكتاتوريات العربية بتبنيه الرومانسي لأفكار عبد الناصر؟
- نبدأ من الأستاذ نجيب، حتي الآن اعتبر أنه المؤسس المتعدد الطبقات للرواية العربية، أسسها عندما جعل منها مهنة، كان الناس يكتبون عملاً واحداً ثم يتركون المسألة علي اعتبار أنها عمل كتابي رخيص، محفوظ حولها إلي مهنة، ثم أعاد تأسيسها شكلانياً بعد "أولاد حارتنا"، ثم أعاد تأسيسها من جديد بعد رواية الاغتراب في الستينيات، وبقي هذا الرجل يعيد تأسيس الرواية انطلاقا من الشكل، الشكل كمقاومة للسلطة، الشكل كمقاومة للرقابة، الشكل كممانعة حقيقية، وبالطبع طور رواياته لأنه جعل من نقد السلطة الهم الأساسي أو الغاية الكبري للممارسة الروائية، فنقد السلطة هو الذي جعله يعيد تخليق الشكل مرة بعد الأخري. الجيل اللاحق أي جيل الستينيات مجموعة من الكتاب الذين تابعوا وطبقوا ما قال به محفوظ بأشكال علي إضافة ما هو نوعي وجوهري إليها. أما القول بأن هؤلاء أسهموا في تأسيس الديكتاتوريات العربية فهذا كلام لا معني له، الذي يمكن قوله أن اغتراب وهامشية المثقفين تجعلهم وبالشروط العربية أعجز بكثير من أن ينصروا نظاما أو يسقطوا نظاماً، إذا قلنا بأن هذا الجيل ساهم في دعم ديكتاتورية عبد الناصر، وهي كلمة تحتاج إلي نقاش آخر، فعلينا العثور علي روايات تؤكد هذا وهو غير موجود، ف "تلك الرائحة" لصنع الله إبراهيم، وما بدأ به الغيطاني والبساطي وبهاء طاهر وغيرهم، أعمال نقد للنظام، وهم مبدعون حقيقيون لأنهم لا يمكن أن يكونوا إلا ناقدين للنظام.
في بعض البلاد العربية هناك من تحولوا إلي تجار لديهم امتيازات باسم محاربة التطبيع
نوع من التزوير أن يصر المثقف علي ممارسة دوره الطليعي في ظل نظام لا علاقة له بالقيم
هناك نمط من المثقفين اعتاد أن يقدم نقداً عاماً يرضي به نفسه ولا يسيء للسلطة ولا يقدم للمجتمع شيئاً
عندما بدأ الحراك العربي تكلمت عن دور المثقف العربي..
- ليس له أي دور.
أنت قلت أن عليه أن يتعلم من الشعب ويتخلي عن الوهم القديم بأن دوره تعليم الشعب...
- مضبوط
من يقرأ هذا الكلام يشعر وكأن هذه النصيحة تأتي نتيجة لخيبات المثقف العربي من الناصرية إلي...
- أولاً هي ليست نصيحة، هو نوع من المعاينة المباشرة، معاينة الواقع الذي ينتج عنه قول معين، أنا أكره كلمة نصيحة، لا أحد ينصح أحداً إلا إذا كان شيخاً أو أباً أو أماً. الأمر الآخر أني لم أقل علي المثقف أن يتعلم من الشعب، قلت علي المثقف أن يكتشف أوهامه، أكثر من ذلك أن الواقع العربي الممتد خلال أربعة عقود، وهذا ما ركزت عليه، ألغي أي إمكانية عملية لإقامة علاقة فعلية بين المثقف والجمهور، المثقف بالمعني النظري للكلمة هو الذي يحمل كما أشرت مشروعاً أو بديلاً سياسياً أو قولاً نقدياً، وبالتالي هو منتم إلي فئة اجتماعية لها خيار سياسي، بدون خيار سياسي لا يوجد شيء اسمه مثقف، هناك كاتب، أنا أميز بين الكاتب والأكاديمي والمثقف، المثقف هو من يحمل مشروعاً سياسياً مع غيره في إطار مجتمع عربي صادر السياسة كلياً وفرض الرقابة والرشوة والفساد والإفساد، بالنسبة إلي المثقف دوره النقد مضبوط، لكن حتي يأخذ هذا النقد أبعاداً اجتماعية وسياسية ينبغي أن تكون هناك حياة اجتماعية ديمقراطية، اعتراف متبادل، حوار، إلي آخره، عندما صودرت السياسة انتهي دور المثقف، ولأن المثقف يريد أن يُبين أنه موجود تحول كثير منهم إلي مثقفين انتهازيين، عندما يخيب المثقف أو يُهزم لابد أن يقول أنا هزمت، أما أن يصر علي ممارسة دوره "الطليعي" في مجتمع وفي ظل نظام لا علاقة له بالقيم فهذا يعني التزوير. وأعتقد أن السؤال الذي طرحته عن دعم السلطة من قبل جيل الستينيات لابد أن يُرحل إلي الثمانينيات حين ظهر نمط جديد من المثقفين العرب المفترض أنهم نقديون، والمفترض أنهم يريدون تغيير المجتمع، ولكنهم في واقع الأمر يقدمون نقداً ثقافياً محايداً، الذي قطع عملياً العلاقة بين المثقف وبين الواقع هو تحول المثقفين العرب من النقد السياسي المباشر إلي نقد ثقافي عام بحيث يوهم أنه يقدم خطاباً نقدياً ويرضي السلطة ولا يفيد المجتمع بشيء، هذا ما أدعوه أنا التبادل الكلامي المجرد، أنا ضد الظلامية... لن تجد أي إنسان يحاسبك علي هذا القول، لكن عندما تقول أنا ضد ظلامية هذا النظام لأنه يقوم بكذا وكذا، يصبح هذا الكلام محدداً. اعتاد المثقف منذ ثلاثين عاماً علي التبادل الكلامي المجرد، يرضي نفسه ولا يسيء إلي السلطة ولا يقدم للمجتمع شيئاً، وبالتالي تحول إلي مثقف سلطة وعي ذلك أم لم يعه.
ولهذا لم يعد له دور...
- لا، أصبح مرفوضاً، إذا قمنا برصد حقيقي مشخص للمثقفين العرب الذين كانوا يظهرون في التليفزيونات العامة سواء كان في مصر أو سوريا أو لبنان وحللنا كلامهم سوف نجد أنهم جزء من النظام بشكل أو بآخر، أو بأنهم يرغبون أن يكونوا جزءا من هذا النظام...
- لا يمكن لإنسان أن يدافع عن حقوق الشعب ويعيش في إطار السلطة، لا يمكن أن يكون متسلطاً وله جشع السلطة المالي وله أحلامها في الامتلاك والتملك وأن يكون مثقفاً ديمقراطياً في الوقت نفسه، أعتقد أنه لم يسئ إلي طه حسين بقدر ما أسيء له في العقود الثلاثة الأخيرة، أساءت له القوي الظلامية بما يكفي، اتهمته بأنه يهودي وصهيوني ومسيحي، والمثقفون العرب "التنويريون" أساءوا له بما يكفي أيضاً، طه حسين كان مهماً جداً علي مستوي القيم والمبادئ وليس علي مستوي الأفكار، من يقرأ السيرة الذاتية لطه حسين سوف يجد أن عظمته علي مستوي السلوك والقيم تساوي عظمته علي مستوي النقد الفكري.
يعني أن ما علي المثقف العربي حالياً هو التطهر وليس التعلم..
- لا، دعنا نتكلم بشكل أوضح، هناك جيل انتهي عملياً، أن نقول إن فلاناً سوف يتطهر ويبدأ المعركة لا، جيل انتهي كلياً، وهناك جيل أكثر موضوعية وأكثر شرفاً بإمكانه أن يتابع، لم يتعلموا علي غنائم السلطة، وهناك نمط مثقف جديد لا نعرفه هو الأكثر أهمية وسوف يظهر في المستقبل سواء كانوا من الأغاني أو الجرافيتي أو النحت أو القصة القصيرة، وهذا أمر طبيعي جداً، هناك جيل من المثقفين العرب انتهي، 67 أنهت شكلا من الأنظمة العربية، والثورات العربية أنهت شكلاً من المثقفين.
لكن عندما نضع الرهان بالكامل علي الشعوب ألا تري أن هذا فيه خطورة ما، بمعني ما الذي سيحرك وعي الجمهور في حال غياب المثقف إلا الفهم القاصر للدين وهذا ما نعيشه مؤخراً؟
- أعتقد أنه من السذاجة بمكان أن نعتقد أن المجتمع العربي أو الشعب العربي أو الثائرين سوف يكون عندهم وعي سياسي وفكري وقد عاشوا في ظل أنظمة مستبدة لمدة أربعة عقود علي الأقل، هذا نوع من السذاجة أن نقول المجتمع الواعي، المجتمع يصبح واعياً بالسياسة. الفكرة الثانية أن هذه الثورات وهي ثورات لأنها ضد السكون أو المراوحة المخزية، هذه الثورات لم تستقر علي شيء واضح المعالم وإيجابي كلياً، إن بلداً بكثافة مصر لن يصل إلي شيء واضح وثوري حقيقي إلا خلال مجموعة من الثورات، كل ثورة حقيقية هي مجموعة من الثورات، أعتقد أن الخطأ يأتي عندما نقول ثورات، هي بداية ثورات، هذه البداية إذا لم تتطور إلي مجموعة ثورات سوف تدفن وتنتهي، ما يحدث في مصر بداية ثورة كبيرة وليس ثورة كبيرة، الأمر الآخر أن الوعي اليومي لا يأتي به المثقفون، لا يعطيه المثقفون، المثقفون يحتاجون إلي من يعمل علي توعيتهم، هذا الوعي يأتي عن طريق الحاجات، هناك الفارق بين الإيدولوجية الحزبية الفارغة التي تتكلم عن المستقبل وبشكل مجرد وبين إيدولوجيا الحاجات، الإنسان الفقير يعرف معني الرغيف لأنه يفتقر إليه ، ما يجري حالياً أنه أصبح يعرف معني افتقاد الرغيف وكيف يناضل من أجل الحصول عليه. أعتقد أن الإنسان العادي سوف تأتي ثقافته من إيدولوجيا الحاجات والنضال العملي من أجلها، وكل شيء يتطور ويستمر وينتقل من مرحلة إلي أخري ولا يبدو منجزاً علي الإطلاق، .
وهل تراهن أن الجمهور سيكتسب وعياً مختلفاً من خلال التجربة؟
- نعم، من خلال التجربة وإيدولوجيا الحاجات، ووجود طليعة سياسية فاعلة تحدد الغايات والأهداف، وتقيم حواراً مجتمعياً، وتطالب بحقوق الناس، وبالمساواة. أعتقد أن الدفاع عن مفهوم المساواة يخلق ثقافة سياسية جديدة لأن هؤلاء الذين يستغلون الدين ليل نهار ويستعملونه في السياسة ويقومون بتديين الحياة اليومية من أجل تشويهها بشكل كامل هم إطلاقاً ليسوا مع مفهوم المساواة، إن شباب 6 إبريل ومن مثلهم هم الذين مع مفهوم المساواة، أما الشباب العاملون بالثقافة المصرية الذين ذكرتهم سابقاً فهم المدافعون عن مفهوم المساواة، وأي مصري حقيقي هو مدافع عن مفهوم المساواة، أما أن أحول الدين إلي مجرد تجارة أو قناع أو نوع من الشكلانية الفارغة فهو أداة لمحاربة مفهوم المساواة.
وكيف تري رؤية بعض المثقفين للحراك العربي مثل أدونيس الذي يرفضه منطلقاً من أنه تحركه قوي دينية، وسعدي يوسف الذي يرفضه علي اعتبار أنه تحركه قوي غربية؟ أمثال هؤلاء يرفضون فكرة القوي الفاعلة للجمهور...
- يعني فكرة سعدي يوسف للأسف، وهو صديق لي وشاعر كبير، فيها نوع من احتقار الشعب العربي، أن نعتبر أن كل ما يجري في العالم العربي هو تلبية أو استجابة لإرادات غربية، معني ذلك ببساطة أننا نحتقر الشعب العربي، وبأنه ليس لديه ما يؤهله لأن يعيش كريماً وينتفض، إذن ينبغي أن يظل صامتاً وتحت نعال السلطات القائمة، وهذا كلام غير صحيح، من المستحيل أن تخرج في القاهرة كل هذه الملايين من المتظاهرين تلبية لإرادة أجنبية، هذا كلام سخيف. أما بالنسبة لأدونيس فهو يريد معارضة شعبية أنيقة مثقفة تنطق بعدة لغات، هادئة علمانية، ناسياً أن هذه الأنظمة قد أجهزت علي جميع الأسس الموضوعية التي يمكن أن تنتج عقلاً ديمقراطياً أو عقلانياً. من أين لنا أن نأتي بحركة اجتماعية علمانية؟! الناس في سوريا لا يمكن إلا أن يخرجوا من المساجد لأنه لا يوجد إلا المساجد، هذا إذا لم تُدمَّر، هذا مجتمع أفقر كلياً، أعتقد أن أدونيس وهو إنسان يدعو إلي الديمقراطية لا يعرف المدي الذي أفقرت فيه هذه المجتمعات، يكفي الاطلاع علي عدد الكتب التي توزع في العالم العربي، عدد الكتب المترجمة، نوعيةالمناهج الدراسية، أشكال الكتابة الصحفية يا سيدي، حتي نعرف المدي الذي نزلت إليه هذه المجتمعات، وبالتالي أعتقد أن ما يقول به أدونيس هو قول استشراقي، إما أن تكون المعارضة علمانية أو لا تكون، المعارضة العلمانية أو الديموقراطية تتكون، كل شيء يتكون ويتطور وينمو، أما المادة الخام الموجودة حالياً في العالم العربي فهي مادة صالحة فقط للنزوعات الظلامية والطائفية، ولهذا فإن الحراك سوف يوقف المشروع السلطوي، كل المشاريع السلطوية في العالم العربي كانت قائمة علي صنع البشر كما تُصنع الأحذية كي يفهموا الدين خطأ، ويفهموا التعليم خطأ، ويفهموا المرأة خطأ، ما يجري في الحراك العربي هو بداية جهد لإسقاط المشاريع السلطوية التي كانت تقوّض الإنسان.
هناك مبدأ يقول إن المثقف لابد له أن ينحاز إلي القضايا الإنسانية النبيلة... إذا كان سعدي وأدونيس يرفضان هذه القضايا فهل سيؤثر هذا علي إنتاجهما الإبداعي؟
- أعتقد أن كلاً منهما تقدم به العمر إلي درجة أنه لن يضيف جديداً إلي إبداعه الأدبي، أعتقد أنه علي الأقل من عشرين عاماً أعطوا من إبداعهما الكبير وانتهوا، حالياً هما يقدمان حديثاً نظرياً سياسياً مثل أي إنسان آخر. بالطبع المثقف يبدأ من مفهوم الإنسان، الشاعر يقوم علي مفهوم الإنسان وكذلك الروائي والسياسي، ولو كان هناك اهتمام حقيقي من المثقفين بأوضاع الإنسان العربي المضطهد والفقير والجائع لما طرحوا مثل هذه الأفكار الخائبة، أعتقد أنهم مغتربون، المشكلة أن المثقفين العرب يريدون التأثير في المجتمع وهم مغتربون كلياً عنه، ولهذا عندما يقوم المجتمع بشيء ما يقولون إنها مؤامرة وفي النهاية ينتهون إلي نفس منطق السلطة، جميع الأنظمة العربية قالت إنها حركات خارجية، وللأسف فإن سعدي ينتهي إلي نفس الخطاب السلطوي، والولايات المتحدة قالت بأن وراء ما يحدث هو القاعدة، وهو ما ينتهي إليه أدونيس، إذا قمنا بتحليل دقيق لوجدنا أن خطاب سعدي ينتهي إلي منطق السلطة بينما خطاب أدونيس ينتهي إلي المنطق الغربي.
طيب، وألا تري أننا علي وشك الوصول إلي ديكتاتورية دينية مؤيدة بحكم العسكر؟- إذا وصلنا إلي ديكتاتورية دينية يكون هذا من أكبر إنجازات الحراك الشعبي العربي، لأننا منذ عبد الناصر والقوي الدينية المنظمة تستفيد من جميع الأخطاء وتقدم جميع البدائل وتقول بأن الإسلام هو الحل، وأنها سوف تحمل المؤمنين إلي الجنة، وإذا وصلوا إلي السلطة وتحولوا إلي نسخة أخري من مبارك أو السادات سوف يكون هذا إنجازاً عظيماً، حتي ننتهي من أسطورة النقاء الديني، ننتهي من أسطورة نحن الحق وأنتم الباطل، ننتهي في هذه الحالة إلي أنهم هم الباطل، ننتهي من أسطورة الاتجار بالإله، وننتهي من أسطورة الاتجار بالخلفاء الراشدين، حالياً يأتي شيخ لا يُحسن اللغة العربية وهو نصاب ويقود الرأي العام فقط لأنه شيخ، لأنه شيخ فهو مقدس، أنا أكون سعيداً جداً إذا تحولت هذه الأنظمة إلي الديكتاتورية الدينية سوف يكون هذا تحولاً هاما في التاريخ العربي، ننتهي من الطهرانية والنقاء الديني والفرق بين أهل الحق وأهل الباطل.ياس حتي لو استغرق وقتاً طويلاً.
هناك في مصر حالياً حوار طويل حول الثقافة
والأدب بما هو إسلامي... كيف تري وضع الثقافة العربية مع وصول الإسلاميين للحكم في عدد من البلاد العربية، هل بقدرة المثقف العربي الدخول في معركة جديدة أم أنه...- يعني لا أعلم، ولكن علي الأقل المثقف العربي أو أي إنسان، أنا لا أميل إلي كلمة مثقف، أي إنسان عادل
لا يوجد أي إمكانية لتطبيق المفهوم الديني علي الأدب إلا إذا أردنا تحويله إلي حكاية وعظية
ما قالته سلمي الخضراء عن محفوظ هذيان مريض
لم يكن ولن يكون لي علاقة بالسلطة الفلسطينية
ينبغي أن ينطلق من مفهوم المساواة، لأنه مهما كان نوع الحكم، النقد الصحيح هو البدء من مفهوم المساواة، ولا أعتقد أن تلك القوي سوف تقوم بتحقيق المساواة في المجتمع، هم لهم علاقة برجال الأعمال والبيزنس وتراكم الأموال، وبالتالي سوف يتابع المثقف أو المواطن إن شئت نفس النضال السابق مع شيء إيجابي جديد هو أن جزءاً من المجتمع سوف يتحرر نسبياً وبشكل متدرج من هذا الإطار الديني الذي يعطل السياسة، إن ما يعطل السياسي في الأنظمة الديكتاتورية هي المخابرات، أما ما يعطل السياسي في المجتمعات الدينية فهو الإيدولوجيا الدينية، فكرة المؤمنين الذين لا وجود لهم إلا بمقادير معينة، أعتقد أنه لو حاربت هذه الأنظمة أو هذه الاتجاهات تفتح الباب أمام العمل السياسي، العمل السياسي هو التنوع والاعتراف بالآخر، والاعتراف بالإنسان انطلاقاً من حاجاته وليس انطلاقاً من الدين والملّة، وبالنسبة للأدب والدين فإذا طُبق المفهوم الديني علي الآداب تنتهي الآداب، لا يوجد أي إمكانية للقول "المفهوم الإسلامي للرواية" إلا إذا قصدنا بذلك حكاية وعظية تقوم علي الخير والشر، وبالتالي تكون أحد المشتقات البسيطة لعلوم التربية، أما الرواية فهي تقوم علي المتخيل، أن يكون لك حرية كبيرة فيما تود أن تكتب عنه، والرواية تكون من الإنسان مؤمناً أو غير مؤمن، الرواية تقوم علي المحسوس والجسدي واللغوي واللغة العامية، لا يوجد أي إمكانية لأن نقول... نحو نظرية إسلامية للرواية العربية، هذا كلام ليس له معني إلا إذا أردنا أن نلغي الرواية العربية باسم نظرية إسلامية للرواية العربية. الرواية هي فن علماني بامتياز.
هل تتفق معي في أن الحركة النقدية العربية لم تعد قادرة علي الفرز، قبلاً كنا نري أن مقالاً واحداً كافي لوضع كاتب ما في مكانه الصحيح، وتمييز الأدب الرديء من الجيد... حالياً تري يومياً عشرات الروايات بدون فرز حقيقي؟
كيف تري تصريح سلمي الخضراء عن عدم استحقاق محفوظ لجائزة نوبل...
- هذا نوع من الهذيان المريض، ومن المسيء أن إنسانة في هذا العمر المتقدم والمتقدم جداً أن تتحدث بهذا، لو راقبت نفسها وراقبت العمر الذي بلغته لما تحدثت أصلا، هذا لا يُقدِّم حكماً أدبياً...
- يعني هذا ليس بالنقد؟
هذا نوع من الأمراض النفسية، هذا يحال إلي علم النفس لا إلي النقد الأدبي، لكن من المفترض أن تكون هناك مجلات نقدية أدبية تتعامل مع الرواية بشكل جدي، أنا ما أنزعج له أنه يوجد مجلات لكل شيء لكن لماذا لا توجد مجلة أدبية متخصصة في الروايات تقدم دراسات وتبرز الأعمال الجيدة وبشكل واضح وتشير بشكل سريع إلي أعمال غير جيدة، ما ينقصنا هو هذا العمل العلمي الدؤوب، أنا حالياً أكتب قليلاً في الرواية وأشعر بنوع من الحزن، هناك كثير من الأعمال مغبونة وأنا أعرف أنها مغبونة ولكني لا أستطبع أن أقرأ كل شيء، وبعض الأعمال الجيدة أحصل عليها بالصدفة، هذا يحتاج إلي مبادرات شباب ومثقفين ومؤسسات.
تبدو القضية الفلسطينية وخاصة في إطار الحراك العربي كأنها فقدت الكثير من بريقها، ولم يعد المواطن وليس المثقف العربي يمنحها الاهتمام المطلوب، نقبل بما تمنحه إسرائيل... كيف الطريق إلي تجديد شباب القضية إن جاز التعبير؟
- أولاً: بذلت الأنظمة العربية ومنذ السادات إلي اليوم جهداً متواصلاً وكبيراً في استنزاف طاقات الشعب الفلسطيني والقضاء كلياً علي القضية الفلسطينية بشكل أو بآخر وإيصالها إلي ممر الغزلان، (الممر الذي تجبر فيه الغزال علي السير في الطريق واحد) وأعتقد أن السلطات العربية طبقت علي الراحل عرفات نفس المفهوم، استنزفت القضية الفلسطينية استنزافاً معنويا وروحياً خاصة بعد اتفاق أوسلو الذي لم يتمخض إلا عن المزيد من قضم الأراضي الفلسطينية. وثانياً: فإن الحراك العربي بما أثاره من أسئلة وقضايا وأهميته التاريخية ودلالاته غطي علي القضية كلياً، في المستقبل لو أن هذا الحراك تحول إلي ثورات حقيقية سوف ينقذ القضية، ولذلك فإن هناك هذا التكالب الداخلي والخارجي لإجهاض الحركات، السعودية تتدخل وأمريكا وإسرائيل، عندما ينجح الحراك العربي تقف فلسطين من جديد. النقطة الثالثة: أن مقدار التعب والإرهاق وتراكم الهزائم أصاب الشعب الفلسطيني نفسه، هناك نوع من الإحباط العام، السلطة محبطة، رئيس السلطة محبط، وما حوله محبط، والشعب محبط، والبديل الممثل بحماس محبط أيضاً وبالتالي لا يوجد عندنا أي قوة نحارب بها إسرائيل، أو نستعيد بها جزءا من حقوقنا، أعتقد أن العمل الوطني الفلسطيني يحتاج إلي بنية جديدة كلياً وبرنامج جديد قائم علي الوضوح والأخلاق والقيم، ويؤمن أولاً بالوحدة الوطنية الفلسطينية، ولا يوجد لدينا إلا هذه النقطة، الوحدة والتخلص من هذا التراكم البيروقراطي المهترئ والمهرِّئ وهو عمل طويل ويحتاج إلي انتفاضة حقيقية ناجحة، ينبغي أن يمتد الحراك العربي إلي فلسطين وأن يقاتل الشباب الفلسطينيون من أجل حراك حقيقي يؤدي إلي قيادة جديدة، فما أعتقده أن القيادة الحالية أصابتها الشيخوخة من زمن والبديل أيضاً أصابته الشيخوخة، وما يحزنني الشعور بأن هذه الشيخوخة قد بدأت تدب في أوصال الشعب الفلسطيني نفسه.
وكيف تري مصطلحاً مثل "التطبيع"، يعني ألا تعتقد أن هذا المصطلح تحول إلي "بعبع" ويعمل ضد القضية نفسها، باتت كلمة سهلة يستخدمها المثقف العربي كحل يرمي به القضية كلها وراء ظهره؟
- كلامك فيه جزء من الصحة، وبشكل عام أنا ضد المصطلحات الجاهزة والنهائية... المقاومة، الممانعة، التطبيع، مقاومة التطبيع، ما يعنيني في المثقف هو مقدار اتساقه الأخلاقي والفكري والسياسي عندما يتكلم عن قضية ما، كلمة التطبيع لا تعني لي كفلسطيني شيئاً، ما يعنيني هو من يقوم بالتطبيع ومن يحاربه، وجدت في بلدان عربية، ولا أريد أن أذكر الأسماء، من تحولوا إلي تجار لديهم امتيازات باسم محاربين للتطبيع، أخذوا أموالاً من صدام ومن القذافي، وعندما يتكلم يقول لك أنا مقاوم للتطبيع، طيب يا أخي العامل المصري الذي يعمل طوال اليوم من أجل ثلاثة جنيهات هو مقاوم، وأنا ككاتب مقاوم، هذه مجردات غالباً ما تسقط في التجارة والتسليع وتتحول إلي أداة للإرهاب، عن القضية الفلسطينية ينبغي أن نتكلم دائماً عن الوقائع... كم بيتا هُدم في كذا؟ كم قطعة أرض صودرت في كذا؟ كم فلسطينياً قُتل في غزة؟ أما هذه البلاغة التافهة فلا ضرورة لها علي الإطلاق، التبادل الكلامي المجرد، أنا أتحدث عن فلسطين كممانع وأنت عليك كفلسطيني أن تعاني وتموت، أي عمل يقوم علي المطلقات لا أفق له، يمكن أن يكون هناك إنسان غير مطبع ويسيء إلي القضية أكثر من غيره، قرأت يوماً في مجلة مصرية لإنسان رحل مبكراً... قالوا تفجير طائرة في بون قلت أكيد هذا إنسان فلسطيني، هذا الإنسان لم يكن مطبعاً ولكن ما الفارق يعني، وما المشكلة إذا ذهب كاتب مصري لو فرضنا وفضح العنصرية ومصادرة القدس العربية والتنكيل بالفلسطينيين، أعتقد أن القضية في الممارسة، في القيم، في التعامل الوطني الأخلاقي الكفاحي مع الشعب الفلسطيني، أما أن نحول كل شيء إلي جمل كبيرة وشعارات ثم نتاجر بهذه الشعارات ونرهب الناس بهذه الشعارات فهذا نوع من السخف السلطوي...
علاقتك مع السلطة الفلسطينية ممثلة في وزارة الثقافة مثار تساؤل...
- لا علاقة لي من قريب أو بعيد، أنا فيصل دراج أقول لا علاقة لي مع السلطة لا من قبل ولا من بعد، إنما في السنوات العشر الأخيرة وبسبب هذا التداعي الحزين للوضع الفلسطيني أصبحت أرضي بأن أذهب مع وفد فلسطيني، كنت في القاهرة ووجدت صديقي يحيي يخلف، أذهب كنوع من التعاطف مع قضيتي، أنا لست موظفاً ولن أكون موظفاً ولم أكن موظفاً، وعندما خرج إنسان سخيف مرتزق تافه كتب في "القدس العربي" فلان يأخذ معاشاً مرموقاً... أنا لم آخذ قرشاً وأرفض ذلك، عرضوا عليّ العمل أكثر من مرة في السنوات الأخيرة ورفضت، قلت أنا كاتب أعيش من قلمي، لا في الماضي كنت موظفاً ولا الآن ولا في المستقبل، أنا فلسطيني لأني فلسطيني، وأذهب في نشاطات معينة لأني فلسطيني، لكن لا كنت في السابق معجباً بمنظمة التحرير ولا الآن معجب بها، ولا علاقة لي مالياً بها، وهي أمور سخيفة علي كل حال، الإنسان الفلسطيني فلسطيني لأنه هكذا وليس لأنه يأخذ معاشاً شهرياً وإلا تحول إلي مأجور، أنا أتعاطف حالياً مع المنظمة لأنها هزلت وتقوضت وتداعت أكثر من اللازم، عندما كانت لدينا منظمة قوية نسبياً ومع وجود إنسان قوي مثل عرفات كتبت كتاب "بؤس الثقافة الفلسطينية" حالياً كله بائس... أكتب عن شو؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.