الكتاب: "التهميش والمهمشون في مصر والشرق الأوسط" المؤلف: مجموعة باحثين الناشر:العين "ثورة الفيس بوك"، "ثورة الشباب"، "ثورة الطبقة المتوسطة".. أوصاف عديدة حاولت الالتصاق بالثورة التي بدأت في الخامس والعشرين من يناير، في مصر، ومن قبلها في تونس، والتي لازالت مستمرة حتي الآن في العالم العربي. التوصيفات السابقة والتي يكثر ترديدها في وسائل الاعلام، تحاول أن تختصر الحدث في أحد أبسط جوانبه التي يمكن أيضا وصفها بالسطحية وتبعتد عن رؤية ما حدث علي أرض الواقع، وتسقط عن قصد الدور الذي لعبته الطبقات الاكثر فقرا او بلفظة أكثر حداثة "المهمشين" في الدفع بعجلة تلك الثورة للأمام. لا يتعلق الامر هنا ايضا بترديد نغمة مضادة يتم فيها تقديس "الفقراء" بشكل رومانسي لا يفلح أيضا في رؤية ما حدث بشكل واقعي، ولكن بمحاولة أكتشاف أليات صنع هذا التهميش ومن ثم القضاء عليه، ففي النهاية ليس المطلوب التغني بالفقر ولكن القضاء عليه، وهذا احد اهداف الثورة. في هذا السياق يأتي كتاب "التهميش والمهمشون في مصر والشرق الأوسط" الصادر مؤخرا عن دار "العين" كمحاولة لتقديم الاجواء التي قادت إلي الثورة. يتكون الكتاب من مجموعة من الدراسات لعدد من الباحثين، كانت بالاساس اوراق ورشة عمل أقيمت بالقاهرة عام 2009 ، ولكن تمت مراجعة الاوراق بعد أحداث الثورات العربية. تحاول الأوراق فهم أسباب "النضالات" التي أدت إلي الاطاحة بمبارك وبن علي، وهذا الفهم ليس فقط في ضوء الاحداث الدراماتيكية لعام 2011 ولكن بوضعها في السياق التاريخي للنضالات المستمرة والمتكررة المعارضة للديكتاتورية، تلك النضالات التي قام بها العمال والفلاحون، والشباب المنظم وغيرالمنظم، والطبقة الوسطي والمهمشون. ربما تبدو كلمة "هامشي" مبهمة إلي حد ما، وعادة ما يتم استخدامه كتعبير"شامل" ليضم مجموعة من الحالات المختلفة جدا من أشد حالات فقر الأفراد أو الجماعات الذين عانوا من حالة ثراء أقل أو "حظ سيء" مقارنة بمعانة الشخص "العادي"، هذا الابهام هو ما تحاول مقالات الكتاب فكه عن طريق رؤية هذه الجماعات "المهمشة" كجزء من طبقات إجتماعية تم استبعادهم أو دفعهم بعيدا عن مراكز النمو والتنمية، في هذا السياق يقدم الكتاب مجموعة من وجهات النظر حول الافراد والجماعات التي كانت هامشية بالنسبة للتنمية القومية في مصر وماذا كانت الخلفية التي قامت عليها الثورة. بداية يقدم عالم الاجتماع الايراني "آصف بيات" تتبعا تاريخيا ونقديا لمفهوم "الهامشية" نفسه وكيفية ظهوره في العلوم الاجتماعية والانسانية والاطوار التي حملها المفهوم منذ ظهوره حتي الأن، ويتابع "بيات" قراءته للهامشية التي يري إن هذا التعقيد الاجتماعي المختفي تحت المصطلح، ومع كل الدلالات السلبية التي يحملها، ولكن بالنسبة له يمكن للهامشية أن تكون "فرصة" وليس مجرد "لعنة"، فهي حيز يستطيع فيه من لا يملكون تكاليف الحياة "العادية" أن يعيشوا ويزدهروا. وهكذا فإن الوضع الهامشي يمكن أن يقدم مساحة لمعايير بديلة، وحياة بديلة، مكانا للراحة والقوة المضادة، يخلقه هؤلاء المستبعدون أو الذين يضعون أنفسهم في موضع الاستبعاد. من جانبه يقدم علي القادري الاستاذ بكلية لندن للإقتصاد والعلوم السياسية محاولة لفهم الأبعاد الإقليمية لإتعاس الشعوب، وتحليل المفارقة الخاصة بالمنطقة: لماذا مع وجود كل هذه الثورات وخاصة عوائد النفط يحكم علي أكثر من نصف السكان بالفقر؟ ويدلل علي أن المشرق العربي لم تحدث فيه تنمية. بل أنه كانت هناك عملية تراجع تنمية لإنتاج البضائع مع التركيز علي قطاع البترول وأجهزة القمع السياسي. بجانب الدور الدفاعي عن أنظمة الحكم في المنطقة والذي لعبته الولاياتالمتحدة من أجل ضمان تدفق مصالحها في المنطقة، ولعبت اسرائيل دور الشرطي للولايات المتحدة ورأس المال العالمي. هذه العوامل مجتمعة تطلبت مستوي مرتفعا من التجهيزات العسكرية وما تستتبعه من تكاليف اجتماعية واقتصادية. ولكن القادري لا يري هذا الوضع "حتميا" ولكنه يري أن الشخصية القعمية لأنظمة المنطقة وتهميش العمال والفلاحين فيها نتيجة عهد من التنمية الرأسمالية والشكل الخاص الذي أخذته في المنطقة. لتلقط رباب المهدي أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية الخيط عبر مقالتها التي تلقي الضوء علي أهمية النضال السياسي في خلق فرصة للتغير، فالنضالات المشتعلة منذ 2006 كانت ردا علي السياسيات الليبرالية الجديدة التي اتبعها نظام مبارك، وكيف خلقت هذه النضالات الاحوال الملائمة للنجاح في خلع حسني مبارك. يحاول حبيب عائب الباحث بمركز البحث الاجتماعي بالجامعة الامريكية بحث الظروف المتدنية للفلاحين في مصر وتونس، ويقوم بتحليل الثورتين عبر مقارنة ظروفهما الريفية، ويبحث كيف تعرض الفلاحون بسبب سياسيات الليبرالية الجديدة إلي عملية إفقار متسارع، ويوثق كيف بدأ النضال لخلع بن علي من الريف حين فشل في الوفاء بوعد بتأمين الطعام، والاسباب التي أدت إلي تصاعد وتيرة النضال الريفي في مصر خلال السنوات السابقة علي 2011. وتقدم داليا وهدان أستاذة الدراسات الأنثربولوجية بمؤسسة التعليم الحر بالهند قراءة للتهميش المكاني وكيفية نمو مدينة تابعة للقاهرة مثل "6 أكتوبر" ودور سياسات النقل في تهميش فئات معينة من السكان وتقدم تعليلا لفشكل الحكومة وفسادها وعدم الكفاءة المؤسسية والفساد الفردي أدي إلي خلق سكان مهمشين، وتلقي الضوء علي كيفية استخدام النظام السلطوي في مصر أليات للتحكم في تدفق العمالة إلي القاهرة، وكيف كان الحفاظ علي الاستقرار السياسي وضمان العوائد الثابتة علي حساب النمو الاقتصادي والإنتاجية هو الدافع المحرك للتحكم في البنية التحية للنقل وخدمات الطريق في السادس من أكتوبر. بينما يحلل صقر النور الباحث الاجتماعي بجامعة جنوبالوادي سياسة الحكومة المصرية في السنوات الاخيرة في استهداف الفقر جغرافيا في أكثر القري فقرا وأيضا ما يمكن أن نراه في المستقبل من أفكار بديلة متفهمة للفقر في الريف.ويقدم كمال فهمي الباحث في العمل الاجتماعي رؤية عن العمل مع أطفال الشوارع والتحديات التي يمكن أن نلقاها. تتضح عبر دراسات الكتاب الكثير من السياقات الاقتصادية والاجتماعية التي أدت الي الموجة الثورية العربية، وايضا يمكن الاحساس بالتفاؤل وإمكانات النضال التي يخلقها الاستبعاد حيث هي موضوع يتكرر في الكتاب ويجعل مسألة نجاح الثورات في خلع الديكتاتوريات مسألة لا تثير الدهشة.