أنام وأختي في حجرة واحدة. كل منا علي كنبة. هي في الرابعة عشرة. أصغرها بخمسة أعوام. أصحو علي يقظتها في عز الليل. أري العتمة في الخارج من أعلي النافذة، وأسمع نعيق الغربان المعتاد علي الشجرة القريبة قبل أن تحلق مبتعدة. تمسح أختي العرق بيدها عن وجهها. تدعك ساقيها. تحرك رأسها من جهة لأخري. تسكن حركتها. منحنية تنظر إلي ما بين قدميها. تهمس: - آه. هو. ترفع رأسها قليلاً مترقبة: - طيب. أنا جاية. تستدير بوجهها نحو النافذة: - أنت اللي اتأخرت. تسكت. توميء خفيفاً: - سمعاك. آه اتأخرت. لأ موش زعلانة. أنت اللي زعلان. قاعدة مستنياك. وأقول زمانه جاي. تميل جانباً كأنما تنصت: - طيب. أنا جاية. تزيح الغطاء وتدلي قدميها تتحسس بهما الشبشب. تمضي لباب الحجرة. تبحث عن الأكرة. تخرج. وأكون وراءها. تلتفت وتراني: - وأنت جاي ليه؟ تواصل مشيها إلي الباب الخارجي. تتحسسه حتي تعثر علي المزلاج. صوته حين تسحبه يوقظ أبي من نومه. وربما كان صاحياً، يخرج من حجرته المقابلة. يلتقط جلبابه الذي خلعه في الليل عند دخول الحجرة ورمي به إلي مقعد في الصالة. يلحق بنا قبل خروجنا. تلتفت أختي إليه وتهمس: - أنت كمان جيت. طيب. نبرة غضب في صوتها. أبي لا يرد. يجفف عرق وجهه بكم جلبابه. تخرج أختي ونحن خلفها. تتوقف لحظة أمام العتبة تنظر إلي أسطح البيوت أمامها، وحبال الغسيل الممتدة فوقها، والملابس المنشورة تهزها النسمات الخفيفة: - آه. الهدوم نشفت. تستدير بنظراتها في إتجاه الأفق المعتم: - لسه بدري علي الفجر؟ لا نرد عليها. أمسك بذراع أبي وقد اجتاحتني رعشة. تهمس: - آه لسه بدري. طيب أستني. أنت اللي اتأخرت. البيوت بجوارنا مغلقة الأبواب، وكلبان راقدان متجاورين أمام إحدي العتبات. رفع أحدهما رأسه لدي خروجنا. ضحكت أختي ضحكة صغيرة خافتة. همست: - وأنت كمان صاحي. طيب. تمشي ونمشي وراءها. توقفت عند رأس الحارة. متوارية جنب جدار البيت بجوارها. الشارع الواسع يمتد أمامنا خالياً. قط يجري وراء فأر ويختفيان. تخرج كلبة من الحارة الضيقة المقابلة. يتبعها كلبان، تتوقف عند جدار وترفع ساقها الخلفية وتبول. تتشمم ما حولها. والكلبان واقفان في إنتظار، ثم تمضي وهما خلفها. تهمس أختي: - وفاكر لما كنا نروح الترعة قبل طلعة الفجر. وكل واحدة شايلة غسيلها في طشت علي رأسها. وننزل الشط. وهات يا غسيل وعزق في الهدوم. ونضحك. ونرش بعض بالمية. واللي تنزل تاخد غطس في الترعة. وتقف علي الشط تعصر جلابيتها. آه. وألمحك بطرف عيني وأنت علي الكوبري. واقف وحدك تبص علينا. وأعمل موش شايفاك. والبنات كمان بيشوفوك ويعملوا موش شايفينك. ويضحكوا. أي حاجة تخليهم يضحكوا. آه. طيب. تسكت مستندة برأسها للجدار. تهمس: - أنت اللي اتأخرت. أنا قاعدة مستنياك من المغرب. تتنهد وتغمض عينيها: - طيب أشوف. آهو كلام بتقوله. أنا واقفة علي رأس الحارة. قلت أشوفك وأنت جاي. طيب. حاضر. بس ما تتأخرش. تستدير عائدة. أنا وأبي خلفها. تتعثر في خطوتها. يدا أبي تتأهبان للامساك بها. نصل إلي البيت. يغلق أبي الباب الخارجي ويتبعنا إلي الحجرة. تلقي أختي بنفسها علي الكنبة في وضع غير مريح وساقاها علي الأرض. يرفعها أبي ويمددها في الفراش ويجذب الغطاء فوقها. يخرج ويغلق الباب.