"فيما أبحث عنك وجدت نفسي" جملة افتتح بها عمرو العادلي السرد في روايته "إغواء يوسف" الصادرة حديثا عن دار ميريت. جملة مفتاح تكشف بدقة عن عوالم هذه الرواية، فالسارد بضمير الأنا يدخل إلي عتبات الأربعين بكثير من الخيبات والضياع، ولا يعود لنفسه إلا حين يسرد لنا حكاية يوسف، يوسف ابنه الذي فقده صغيرا في سن السابعة، لكنه حمله كل آماله وأمانيه التي ضاعت برحيل الصغير. وليس من قبيل المصادفة أن ينهي الرواية بالقوس الذي فتحه في البداية، فثمة استسلام للحياة الواقعية، فتلك الرحلة التي بدأها بالقوس الأول "فيما أبحث عنك أجد نفسي" تنتهي بالقوس الأخير بإحباط واستسلام، فلم يجد نفسه حقيقة، ولم يتطهر بالحكي، فقد نسي حتي السردية الطويلة التي خاطب فيها يوسف، فيما يشبه المرثية : "سأذهب الآن يا يوسف، أستسلم للمسلسلات التي تتحدث عن قشرة الحياة، تنهشني كأظافر تشق طريقها في قطعة زبد ... انصرفتُ، وأنا أحمل أعبائي بين خلاياي. حاولت أن أتذكر مرة أخري حرفا مما حكيته لك، ففشلت". تتناص الرواية مع قصة يوسف النبي تصوير ذلك الجمال اللافت التي تمتع به يوسف، يوسف الصغير أيضا طفل جميل، سكن كل شخصيات الرواية، فنجد الجد والمعلم تادرس ومرشدي والأم، كل الشخصيات مسكونة بحب يوسف الذي كان ابن موت منذ مولده: "رأي يوسف وهو يمسك بضفائر من السعف في قبضتيه، ظهر الصغير نبت له جناحان صغيران وأصبح كالفراشة، تجلس أمه في أرض خضراء، بها عيون ماؤها رقراق، يتعلق جناحا يوسف في السماء بينما هو نائم علي حصيرة هواء لا أحد يراها .. يتربع يوسف في مكانه القديم، في اللوح الذي قدَّ منه يجلس واثقا من إغوائه القديم " ألا تحيل الفقرة السابقة أن استخدام اسم يوسف لبطل هذه الرواية مقصود بشكل جلي، ودال علي قصة يوسف النبي، ولم يكن مجرد اسم منزاح عن خلفيته المعرفية؟ حاول عمرو العادلي أسطرة شخصية يوسف، فصبغ الرواية بالفنتازيا، فوقفت الرواية علي تخوم بينية بين الواقعي والمعيش والفنتازي. حاول عمرو العادلي في رحلته التأملية، وهو جالس أمام مقبرة يوسف ابن السابعة أن يتأمل ثنائيات الحياة والموت، والحضور والغياب. الرحلة النهائية لعالم الموت، ثم البعث. " بعد حذف قشرة الحضارة وبعض رتوش أخري، نعاود المرور علي الزمن بنفس الأحداث، ونفس القدر، وربما بالهيئة ذاتها، وكأنه شخص عجوز قابع أتساءل بعد أن دخلت عتبة الأربعين: هل كشفت لنا الأحداث عن دفاترها من قبل، أبكتنا ظروف شبيهة قبل أن تتخلق أجهزتنا الدمعية، عاودت الأحداث المرور، فكأن ما أصبح مطلوبا مني الآن أن أمد فقط قدمي حتي أسقط في ذلك الصباح البعيد" . حس صوفي يغلب علي الرواية، وربما يبرره رحلة البحث عن الذات التي بدأها السارد، وذلك لأن ما لابد أن يحدث من خلال رحلة البحث التي فشلت تلك استبدل ونال الكاتب ما حدث فعلا، يقول في تصدير الرواية : "علي وجه الدقة، لا يمكنني معرفة ما الذي كان لا بد أن يحدث، ولكنه استبدل بما حدث بالفعل". استخدام السرد بضمير الأنا أدخل الكاتب في مأزق فني، فصارت الرواية مثل مونولوج طويل ومناجاة ممتدة، ولم يكسر حدة المونولوج ما حاوله الكاتب من الجري وراء تفاصيل الريف والسوق، والفلاحين وحياتهم، والغريب أن هذه التفاصيل لم تثر العمل، بل كانت عبئا عليه، فهذه الرواية المونولوجية ليست رواية تفاصيل، فهذه التفاصيل، وتلك التفريعات السردية كانت تغيب الحكاية الرئيسية، حكاية يوسف، أو حكاية الذات الساردة. صارت هذه التفريعات وهذه التفاصيل حشوا يربك نصا يسعي إلي التأمل الفلسفي، والرحلة الصوفية. الجدير بالذكر أن عمرو العادلي له مجموعتان قصصيتان ، ورواية كتبها بالعامية المصرية بعنوان : " فيل يتدرب علي الإنسانية "