رئيس الأساقفة جاستين بادي نشكر مصر بلد الحضارة والتاريخ على استضافتها    استمرار تحسن ثقة الشركات الصغيرة في أمريكا للشهر الثاني    بينهم طالب عبد الله.. إسرائيل تغتال 4 من قادة حزب الله في لبنان (تفاصيل)    أورسولا فون دير لاين تحصل على دعم ممثلين بارزين بالبرلمان الأوروبي    تغيير اسم بعثة الناتو في أوكرانيا وفقا لطلب ألمانيا    مفاجآت بالقضية.. «سفاح التجمع» أمام المحكمة اليوم    حبس شقيق كهربا لاتهامه بالتعدى على الفنان رضا البحراوى بالمعادى    العثور على جثة شخص مشنوق بالطريق الصحراوي بالكيلو 17 العامرية بالإسكندرية    أدنوك تقترب من الفحص النافي للجهالة لشركة كوفيسترو الألمانية للكيماويات    رئيس شركة مياه مطروح يكشف موعد انتهاء أزمة المياه بالمحافظة    عيار 21 الآن بالمصنعية.. أسعار الذهب اليوم الأربعاء 12 يونيو 2024 بالصاغة بعد الارتفاع الأخير    ليست الأولى .. حملات المقاطعة توقف استثمارات ب25 مليار استرليني ل" انتل" في الكيان    البنك الدولي يرفع توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي في 2024    رسميًا.. تنسيق الثانوية العامة 2024 في 5 محافظات    خلال 3 أشهر.. إجراء عاجل ينتظر المنصات التي تعمل بدون ترخيص    الرئيس السيسي يهنئ مسلمي مصر بالخارج ب عيد الأضحى: كل عام وأنتم بخير    واشنطن بوست: عملية النصيرات تجدد التساؤلات حول اتخاذ إسرائيل التدابير الكافية لحماية المدنيين    نقيب الصحفيين الفلسطينيين: شكوى للجنائية الدولية لمحاسبة الاحتلال على جرائمه    ترقي الممتاز.. سبورتنج يتحدى الترسانة في مباراة ثأرية بالدورة الرباعية    الكويت: ملتزمون بتعزيز وحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وتنفيذ الدمج الشامل لتمكينهم في المجتمع    الاتحاد الأوروبي يصف التزامات المغرب في مجال الطوارئ المناخية ب "النموذجية"    بيمكو تحذر من انهيار المزيد من البنوك الإقليمية في أمريكا    البنك المركزي المصري يحسم إجازة عيد الأضحى للبنوك.. كم يوم؟    طقس عيد الأضحى.. تحذير شديد اللهجة من الأرصاد: موجة شديدة الحرارة    ظهور حيوانات نافقة بمحمية "أبو نحاس" : تهدد بقروش مفترسة بالغردقة والبحر الأحمر    والد طالب الثانوية العامة المنتحر يروي تفاصيل الواقعة: نظرات الناس قاتلة    السيطرة على حريق نشب داخل شقة سكنية بشارع الدكتور في العمرانية.. صور    بالتنورة والإنشاد.. فرق قصور الثقافة تتألق في احتفالية "نور آل البيت" احتفاء بموسم الحج وعيد الأضحى    الفرق بين الأضحية والعقيقة والهدي.. ومتى لا يجوز الأكل منها؟    هل الأضحية فرض أم سنة؟ دار الإفتاء تحسم الأمر    الحق في الدواء: إغلاق أكثر من 1500 صيدلية منذ بداية 2024    حازم إمام: نسخة إمام عاشور فى الزمالك أفضل من الأهلي.. وزيزو أفيد للفريق    مصدر فى بيراميدز يكشف حقيقة منع النادى من المشاركة فى البطولات القارية بسبب شكوى النجوم    برلماني: مطالب الرئيس ال4 بمؤتمر غزة وضعت العالم أمام مسؤولياته    رئيس جامعة الأقصر يشارك لجنة اختيار القيادات الجامعية ب«جنوب الوادي»    بالفيديو.. عمرو دياب يطرح برومو أغنيته الجديدة "الطعامة" (فيديو)    حمو بيكا "غاوي محاضر" بالعجوزة.. اتهم مذيعا ومحاميا بسبه على الهواء    نقيب الصحفيين الفلسطينيين ل قصواء الخلالى: موقف الرئيس السيسي تاريخى    عصام السيد يروى ل"الشاهد" كواليس مسيرة المثقفين ب"القباقيب" ضد الإخوان    يوسف الحسيني: القاهرة تبذل جهودا متواصلة لوقف العدوان على غزة    رمضان السيد: ناصر ماهر موهبة كان يستحق البقاء في الأهلي.. وتصريحات حسام حسن غير مناسبة    عاجل.. محمود تريزيجيه: لا تفرق معي النجومية ولا أهتم بعدم اهتمام الإعلام بي    تريزيجيه: أتعرض للظلم الإعلامي.. وهذا ما حدث بين حسام حسن وصلاح    رويترز عن مسئول إسرائيلي: حماس رفضت المقترح وغيّرت بنوده الرئيسية    وزير الخارجية الجزائري يبحث مع أردوغان تطورات الأوضاع الفلسطينية    حظك اليوم| الاربعاء 12 يونيو لمواليد برج الميزان    اليوم.. «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية بقرية بلة المستجدة ببني مزار    شيخ الأزهر لطلاب غزة: علّمتم العالم الصمود والمثابرة    استعدادًا ل«يورو 2024».. رونالدو يقود منتخب البرتغال لاكتساح أيرلندا وديًا    فضل صيام يوم عرفة 2024.. وأبرز الأدعية المأثورة    علي جمعة يوضح أعمال الحج: يوم التروية الثامن من ذي الحجة    «اتحاد الكرة» يؤكد انفراد «المصري اليوم»: محمد صلاح رفض نزول مصطفى فتحي    لجنة الفتوى بالأزهر ترد على عريس كفر صقر: «عندنا 100 مليون مصري معمولهم سحر» (فيديو)    يوافق أول أيام عيد الأضحى.. ما حكم صيام اليوم العاشر من ذي الحجة؟    نقابة الصيادلة: الدواء المصري هو الأرخص على مستوى العالم.. لازم نخلص من عقدة الخواجة    وكيل «صحة الشرقية» يناقش خطة اعتماد مستشفى الصدر ضمن التأمين الصحي الشامل    لطلاب الثانوية العامة.. أكلات تحتوي على الأوميجا 3 وتساعد على التركيز    قافلة مجمع البحوث الإسلامية بكفر الشيخ لتصحيح المفاهيم الخاطئة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ترمومتر المزاج المصري
نشر في أخبار الأدب يوم 10 - 12 - 2011


لم تصدقني أمي عندما قلت لها إنه لا وجود ل"سي السيد" ولا "أمينة"، وأنهما مجرد شخصيتين كتبهما مؤلف اسمه نجيب محفوظ. لم تكن، رحمها الله، تجيد القراءة ولا الكتابة. لكن إعجابها بالشخصيتين اللتين رأتهما في فيلم حسن الإمام الشهير، جعلها تطلب مني أن أقرأ بعضا من الثلاثية، وظلت حتي رحيلها تتعامل معهما باعتبارهما شخصيتين من التاريخ، بل ربما كانا بالنسبة لها هما التاريخ ذاته. في عام 1995، وكنت يساريا عتيدًا، قابلت الفنان نور الشريف في حفل تأبين المخرج الراحل عاطف الطيب، ودار بيننا حوار حول مصر، والمبدعين الذين يمكننا قراءة هذا البلد من خلالهم. تحدث الشريف، في أحد لقاءين جمعاني به، عن نجيب محفوظ، كأنه يتحدث عن الجبرتي أو الكاتب المصري، بل كأنه التاريخ ذاته. نجيب محفوظ لم يكن روائيا، بل كان ترمومترا للشخصية المصرية، كأنه كان "القالب" الذي تم استخدامه لصب المصريين عليه. لا يتضح هذا فقط من صبره، وحبه للمشي، وتعلقه بالوظيفة الميري، وحبه للنكتة، وإيثاره السلامة، والبحث عن الاستقرار، والإحساس السريع بالغربة خارج مكانه، إلي آخر عاداته التي لا تختلف عن عادات محمد وأحمد وحسين ومينا وجرجس وشكري وإبراهيم، وأي مصري في أي حارة أو شارع أو زقاق. بما في ذلك العادات التي لا نستطيع كتابتها هنا، وإنما كذلك يمكنك أن تجد هذه "المصرية" في اختياراته وذائقته، في السينما، في المسرح، في الكرة، وحتي في الحشيش. والسينما المصرية تحب نجيب محفوظ، بقدر ما كان يحبها. تقريبا لم يكتب محفوظ رواية دون تحويلها إلي فيلم، أو أكثر، وهكذا وصلت رواياته ال 34 إلي مستحقيهم. كما كتب محفوظ 26 فيلما، لا يوجد بينها فيلم واحد عن رواية له. فكل الأفلام التي اقتبست عن رواياته كتبها آخرون. لن أضيف جديدا عندما أتحدث عن سينما نجيب محفوظ، كتب كثيرة فعلت، وكتب أكثر ستفعل، فالتاريخ لا ينفد ولا يستحدث من العدم، تماما كالمادة والطاقة. لكن ربما يفيدنا هنا أن نطل سريعا علي أعوام خمسة، توقف فيها محفوظ عن ممارسة السينما كفن، لأنه كان رقيبا عليها. كان محفوظ رقيبا منضبطا، منفتحا إلي حد كبير، محافظا إلي حد كبير، تماما كأي مواطن مصري خام، لم يصل إليه فيروس السياسة بعد. مرة كان أحد الصحفيين يحاوره عن القبلات المسموحة في السينما، وربما أراد إحراجه نظرا لتسامح محفوظ الشهير، فسأله: لو شاهدت في الواقع شابا وفتاة يتعانقان في الشارع فماذا يفعل الرقيب نجيب محفوظ؟ رد "الرقيب": سوف أدير وجهي الناحية الأخري، وأبتسم في سري، وأقول يارب عقبالي ! نجيب محفوظ هذا، هو نفسه الذي كان يرفض ظهور القبلات في الرقابة، باعتباره مشهدا حساسا، وخاصا، لا يجوز ظهوره أمام الناس. هو نفسه الذي أصر علي أن تعيد صباح تسجيل أغنية: "من سحر عيونك ياه" التي كتبها مأمون الشناوي ولحنها عبد الوهاب. كان رأيه أن صباح تطيل كلمة (ياه....)، علي نحو جعلها مثير، ولك أن تتخيل إذا كان التسجيل الذي سمعناه، مخففا، فكيف كان الأداء الذي اعترض عليه محفوظ. وكان محفوظ كرقيب يرفض التفاهة، ويقاتل ضد الرقباء الذين "يتلككون" للأعمال، او يتصرفون بمنطق: الباب اللي يجيلك منه الريح.. سده واستريح". وذات مرة أراد أحد الموظفين أن يحرمنا من أغنية: "يا مصطفي.. يا مصطفي" العظيمة، التي لحنها محمد فوزي. ربما كان بين هذا الموظف وأحد المواطنين الذين يحملون الاسم خصومة ما، لكنه "برشم" اعتراضه بأسباب سياسية، تخيف أي شخص من السماح بعرضها، نحن نتحدث عن اواخر الخمسينات، ومطلع الستينات في عز جبروت عبد الناصر. كتب الرقيب إنها أغنية تنتقد وضع الدولة، لأنها تقصد مصطفي كمال أتاتورك، مؤسس تركيا العصرية، وأن تلك الاغنية تتمني ان تعيد مصر لحظيرة العثمانيين. ولكي يكون الكلام معقولا، فقد تصيد الرقيب النبيه مقطع الأغنية الثاني، الذي يقول: سبع سنين في العطارين، وكنا في عام 1959 لا تنس هذا، أي بعد الثورة بسبعة أعوام. رفض محفوظ التقرير، وأصر علي أن يخرج فيلم "إسماعيل يس والفانوس السحري" متضمنا الأغنية، وهو ما كان، شكرا محفوظ. والموسيقي مدينة له بالكثير، وإذا سرنا وراء علاقته بالأغنية، فسنعرف فضله علي تجربتين لم يكتشف المصريون أهميتهما وقت ظهورهما، لكنهم ظلوا يشعرون لهما بالامتنان طويلا، كما أنه اكتشف جوانب متميزة في موسيقيين معروفين. علاقة محفوظ بالموسيقي تجاوزت درجة السميع، ولو لم يكن روائيا، لأصبح موسيقيا أو لاعب كرة، كان في طفولته يحاول هذه وذلك، حتي إنه التحق بمعهد الموسيقي العربية ودرس فيه لمدة عام كامل. ويقول رجاء النقاش إن محفوظ قال له عن نفسه أنه لو وجد توجيها سليما من أحد، لتغير مسار حياته واختار طريق الموسيقي وليس الأدب، وينقل عنه قوله: أنا لم أفكر يوما في أن أصبح فنانا تشكيليا رغم حبي للفن التشكيلي ولكن كان ممكنا أن أحترف الموسيقي من شدة افتتاني بها لكن كان للقدر تصاريف أخري. لكنه، وإن لم يحترف الموسيقي، فقد كانت له آراء في الموسيقي وأهلها، تجعل منه ناقدا كبيرا مستترا، ذلك أن أحدا سواه لم يرسم لوحات خالدة عن سيد درويش وزكريا أحمد ومنيرة المهدية ومحمد عبدالوهاب وأسمهان وفريد الأطرش كتلك اللوحات التي رسمها نجيب محفوظ لهذه الرموز الفنية الكبيرة في تاريخ الغناء والموسيقي العربية. رسم نجيب محفوظ هذه اللوحات رسما شفهيا في الحكايات التي رواها لرجاء النقاش في مقهي "علي بابا" بميدان التحرير، المحل الذي يقع مباشرة بجوار عم رمضان فارس موزع الجرائد الأشهر. كافيتريا شهيرة متوسطة بين البار الأرستقراطي والمقهي الشعبي، يحمل اسم "علي بابا" يتكون من طابقين وكان محفوظ يجلس فيه يوميا بعد مسيرته المعتادة، حيث واظب علي المشي يوميا حتي حادث اغتياله عام 1994 في هذه الحكايات يرسم محفوظ مثلا صورة للشيخ زكريا أحمد، غير التي نعرفها، وهي صورة الحكواتي الشعبي الشهير ولكي يقرب محفوظ صورته عن زكريا أحمد كان يقابلها بصورة حكاء آخر هو توفيق الحكيم، صديق محفوظ، فيقول إن كليهما إذا جلس في مجلس يظل ممسكا بناصية الكلام منذ حضوره حتي نهاية الجلسة. الفارق الوحيد بينهما هو أن الحكيم يتحدث عن نفسه فقط: عن ذكريات أو حوادث وقعت له في حين يقوم الشيخ زكريا بدور الراوي فيتحدث ربما طوال الليل دون أن يذكر كلمة عن نفسه حتي ليبدو للسامعين أن مؤلف قصص ألف ليلة وليلة والشيخ زكريا أحمد هما من نسيج واحد تجمعهما نفس العقلية. كانت حكاياته لا تنتهي، حكاية تجرك إلي حكاية أخري في تسلسل عجيب وترابط مذهل، يبدأ في سرد حكايته الأولي في التاسعة مساء، ويعود إلي نقطة معينة من نفس الحكاية في الثالثة صباحا، وما بينهما عبارة عن استدراك وملاحظات وتنويعات! يستمر محفوظ في حكي شهادته عن زكريا أحمد فيقول: كنا نفاجأ به وهو يسرد الحكاية مندمجا ومنفعلا وفي منتهي التركيز، فإذا به يترك حكايته بدون مقدمات ويمسك عوده ويغني، وقد يترك العود، ليعود لحكايته من النقطة التي توقف عندها. لديه القدرة علي أن يلحن في أي وقت ويذكر نجيب محفوظ أن الشيخ زكريا أحمد لحن أغنية حبيبي يسعد أوقاته لأم كلثوم، وهو يجلس معنا وفي مرات عديدة كان يضع لحنين مختلفين لأغنية واحدة ويعرضهما علينا لنختار الأفضل! وقال لي هاني شنودة، كيف كان محفوظ السبب في تكوين فرقة المصريين. كنت والزميلة هبة إسماعيل، نجمع شهادات عن "عصر الكاسيت"، وبينما كنت أنتظر سماع كيف خرجت الأغنية من عباءة جيل أم كلثوم، فإذا بي أجد محفوظ الذي أجده في كل مكان. يقول شنودة في شهادته: اشتركت مع مجموعة من الشباب، وعزفنا بعض المقطوعات والأغاني الغربية، وتجولنا بهذه الفرقة في العديد من الدول مثل لبنان وسوريا، كنا ندعو من خلالها كبار المطربين لأن ينظروا إلينا ويروا هذه الموهبة، وذات يوم حضر إلينا نجيب محفوظ وقتها كان يكتب بمجلة المصور، وسألني عن الموسيقي والفقرات التي نعزفها. ويستمر شنودة: كنا وقتها نقدم مجموعة من الأغاني العالمية كالإيطالية والأسبانية والفرنسية وقال لي: لماذا لا تقدم مثل هذه النوعية بالعربية؟ قلنا له: بالعربي مش عاجبنا. فقال لنا: من أي ناحية؟ فقلت له: المقدمات طويلة والأغنية ليس بها بناء هارموني وفيها إعادات وزيادات. قال: اعملوا موسيقاكم بكلمات مصرية، ثم كتب هذا الحوار الذي جعلنا نعيد النظر في تكويننا. ومن شهادة شنودة يمكنك أن تعرف إلي أي مدي كان محفوظ مصريا بمعني حرصه علي أن يكتسب الفن صبغة مصرية دائما، هذه المصرية ستقوده يوما إلي أن يسبح ضد التيار، فيمتدح عدوية وقت أن كان يعتبره المثقفون نموذجا للابتذال في الفن أو كانوا يتجاهلونه في أفضل الأحوال. فعندما ظهر عدوية ووزع ألبومه "سهرة مع عدوية" أكثر من مليون نسخة، كان ذلك صادما للوسط الفني الذي تعود علي "سهوكة" عبدالحليم، و"سطوة" أم كلثوم ودلع شادية وحنية نجاة، لم يكن لخشونة عدوية ولا عبثيته في أغانيه مكان في مخيلة المثقفين والفنانين، لكنه فعلها بعفوية. وبالمناسبة فإن عدوية كان المطرب المفضل لعدد من المطربين الكبار والسميعة حتي لو كان ذلك سرا، لكننا نعرف أن الراحلة الكبيرة ليلي مراد انحازت له بوضوح منذ ظهوره وأصبح مطربها المفضل. عدوية نفسه يفتخر بدفاع محفوظ عنه، لكنه في الوقت نفسه كان يري أن هذا الدفاع تسبب في اشتعال الحرب ضده بصورة أكبر فهو يقول: الكاتب الكبير نجيب محفوظ رحمه الله هو من صنع الحروب ضدي حين قال بالنص "إن أغاني عدوية أصدق منكم جميعا" موجها هذه الكلمات إلي أم كلثوم وعبدالحليم وعبدالوهاب لذا كادت الدنيا أن تنقلب ضدي دون أدني ذنب لي! عندما قال محفوظ ما قاله عني، عدوية يضيف، حاول الجميع أن يفهمني، فمثلا السيدة أم كلثوم استضافتني في منزلها، وكنت متوقعا ثورة منها، إلا أن هذا لم يحدث. كما أنني وعبدالحليم صارت علاقتنا جيدة بعد أن شاركته الغناء في إحدي حفلاته فغنيت أنا "نار يا حبيبي نار.. فول بالزيت الحار" وغني العندليب "السح الدح امبو" وصفق الجمهور لنا بشدة. كان محفوظ ترمومترا للمزاج المصري، ولهذا كان يحب أم كلثوم حبا عظيما، وربما سمي إحدي ابنتيه أم كلثوم علي اسم المطربة الكبيرة، في الوقت نفسه كان يقدر صوت أسمهان القوي المعبر، الذي لا يستطيع أن تجد فيه عيبا واحدا، إلا أنه لم يتعاطف مع صوتها كما قال ونشر قوله، تماما كما تلتقي بشخص جميل ولا تميل نفسك إليه رغم جماله. وفي تقديرنا أن مصرية محفوظ كانت هي المانع من اعتبار أسمهان قمة الغناء وكان لديه وعي بفكرة شامية الصوت وبطبيعة المنافسة بين البلدين، إذا اعتبرنا الشام بلدا واحدا، فكان يقول: كان إحساسي بصوت شقيقها فريد الأطرش هو نفس الإحساس، فهو يمثل نوعا من الجمال لا تميل إليه نفسي هذا علي الرغم من إعجابي بالغناء الجبلي الشامي، وخاصة أصوات صباح فخري ووديع الصافي ومن قبلهما فيروز، وصوت فيروز يسحرني ويترك في نفسي تأثيرًا عميقا. نجيب، المصري، كان زملكاويا كبيرا، كان في بداية حياته لاعبا للكرة كما كان موسيقيا، كان يلعب في مركز قلب الدفاع، لم يكن يميل إلي الهجوم، لكنه ترك الكرة سريعا، ورغم عدم تفرغه وهو شاب للكرة فإنه كان متابعا لنادي الزمالك، ومشجعا له، وقال إنه كان يحب أن يذهب إلي الاستاد لمشاهدة المباريات المهمة التي يلعبها النادي، ويبدو أن العلاقة التي ربطت بين صلاح أبوسيف وحلمي حليم وفطين عبدالوهاب ونجيب محفوظ كانت بها جانب كروي، فكلهم ينتمون للقلعة البيضاء. لكن انظر، ذلك الزملكاوي يريد أن يكتب عن الكرة، فإنه يستضيف الخطيب، نجم الأهلي الأول، كان محفوظ يعلم أن اللاعب الفذ تخطي فكرة الأهلي والزمالك، وأنه يخص المصريين جميعا. في الحوار قدم محفوظ آراء حول الكرة، ومنها تفهم كيف نفكر كمجتمع في اللعبة الأشهر، قال محفوظ: واحنا زمان كنا بنمزج السياسة بالكورة خلال اللعب مع الفرق الانجليزية، وتعلم علي الفوز عليهم حتي بالعنف، كسبيل لرد الاعتبار. وقال عن التشجيع بجنون، كلاما يجبرك علي وضع الألتراس أمام عينيك: تلك هي طبيعة الانسان، يحب الفوز، ويكره الهزيمة، ومن ثم يأتي رد الفعل خاصة لو أحس أنه قد ظلم. واستغل الأديب الفرصة ليرفض اتهام الكرة بأنها كانت السبب في النكسة، فيقول: هذه سخافة، ولا أساس لذلك، من الصحة، طيب كان فيه كورة أيام حرب اكتوبر المجيدة، أسباب الهزيمة معروفة، وعيب نلزقها في الكورة.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.