الفارق كبير بين سؤال يستدعي الرد أو التوضيح أو ربما التبرير، وسؤال آخر يستحق المراجعة، ولعل اللحظة التاريخية، التي نعيشها بكل ما أحدثته من تحولات ومتغيرات، أسقطت العديد من القيم والمعاني، وفرضت الحاجة الأكبر للمراجعة وإعادة النظر، مراجعة الخطاب الثقافي تحديدا، ومراجعة القيم الثقافية، التي باتت قيماً ( سابقة) و(قديمة). في هذا العدد يرد الدكتور جابر عصفور، علي سؤال الزميل حسن عبد الموجود (في العدد السابق) حول تصريحاته في الجزائر، والتي أثارت استفزاز الكثيرمن المثقفين، ينشغل الدكتور عصفور بإجابة سؤال الواقعة، بينما السؤال الثقافي الأهم، المنهج والدور الذي لعبه الناقد الكبير (مثقفاً وأكاديمياً وإدارياً) في حياتنا الثقافية،لم يتوقف أمامه ..وظيفة المثقف ودورة ومنهجه هي محور الخلاف،بين المثقفين وجابر عصفور وهي أيضاً المراجعة الواجبة، حين لا يزال جابر عصفور يراها ( السؤال والمنهج والدور) قابلاً للاستمرار..!! كتب الباحث والناشر الفلسطيني (زياد مني) محتجاً علي نشر (أخبار الأدب) قبل أسابيع مقالاً نقدياً للدكتور جابر عصفور حول رواية (برهان العسل) للكاتبة السورية سلوي النعيمي، كان احتجاجه تعبيراً عن تجسيد جابر عصفور لقيم مضادة للثورة!! وقبل أيام اعتذر العديد من الأدباء الشباب المصريين عن السفر إلي الجزائر، والمشاركة في أنشطة معرض الكتاب هناك، احتجاجاً علي دعوة جابر عصفور، أو تحديداً احتجاجاً علي دعوته للحديث عن الثورة المصرية.. متسائلين: وما علاقة جابر عصفور بالثورة المصرية؟! اعتراض الحياة الثقافية المصرية والعربية علي جابر عصفور، بالتأكيد يتجاوز قبول حقيبة وزارة الثقافة (لمدة أسبوع) في نظام حسني مبارك (رغم هول الفعل، وسط مئات القتلي في شوارع القاهرة)..ويتجاوز بالتأكيد رحلة الجزائر وتصريحاتها.. الاعتراض الجوهري، والذي يجدد الخلاف والاختلاف، هو فهم جابر عصفور نفسه لدوره الثقافي، وتصوره للعمل الثقافي، الذي ساهم في تأسيسه لسنوات طويلة، لعب خلالها الدور الأكبر في حشد المثقفين وإدخالهم إلي حظيرة وزارة الثقافة، مستخدماً أشكال الترغيب كافة، من( منح، وأسفار، وجوائز) لجذب المثقف وإخضاعه.. المشروع الذي حرص دائماً علي ربط الثقافة بأيدلوجية الدولة، بحيث تدافع تلك الثقافة عن قيمها وتحارب حروبها، ارتفع صوت المفكر التنويري في معركة الدولة مع التيارات الدينية المتطرفة، مستخدماً الثقافة سلاحاً في مواجهه الإسلام السياسي،لتسويق أستمرارية نظام، أكثر منها دفاعاً حقيقياً عن مدنية الدولة، خصوصاً وقد صمت المفكر التنويري نفسه أمام مشاريع أخري تناقض التنوير، كمشروع التوريث،وقمع الحريات ،وقانون الطواريء ،وأشكال الفساد السياسي. مشروع ثقافي،أسس لاحتواء المثقفين تحت مظلة الدولة ومؤسساتها، وتناقض بالضرورة مع ثقافة الاستقلال.. هكذا أُجهضت - في الأغلب- المشاريع الثقافية المستقلةوتعثرت ،وتلك حكاية آخري.