لايزال سيد قطب حاضرا في المشهد الثقافي والإسلامي حتي بعد مرور أكثر من 45 عاما علي إعدامه. ومؤخرا أصدر قسم النشر بالجامعة الأمريكية كتابا حول سيرته الذاتية ألفه جون كالفرت وصدر بعنوان"سيد قطب وأصول الفكر الإسلامي المعاصر"، وهو الكتاب الثاني للمؤلف نفسه حول المفكر الإسلامي المثير للجدل سيد قطب، الذي مازالت أفكاره تلقي ظلالها علي الواقع، حيث كان لسيد قطب"1906-1966" الفضل في وضع أسس الراديكالية الإسلامية، في الإسلام السني بعد فترة الاستعمار. ومن منطلق الافتقار إلي الفهم الصحيح لحياته وأعماله، عمدت وسائل الإعلام إلي الخلط بين أغراض سيد قطب الروحية وبين أهداف بن لادن و تنظيم القاعدة، حتي إنه كان يتم تصنيفه أحيانا باعتباره إرهابيا منتميا للتيارات الإسلامية الفاشية، ومؤيدا للاغتيال. وجاء هذا الكتاب بمثابة طوق نجاة لإنقاذ سيد قطب من تحريف الأفكار والتشويه، متتبعا تطور تفكيره في سياق عصره، راصداً حياته بداية من نشأته في قرية صغيرة وحتي تنفيذ الحكم بإعدامه بأمر من الرئيس جمال عبد الناصر. وسوف تظل دراسة منهجه وحياته مسألة غاية في الحساسية قياسا للظروف الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية التي شكلت أفكار سيد قطب، مما يلزم معه المزيد من التدقيق والتحليل لفهم جميع الملابسات المحيطة به، والتطورات الرئيسية التي شكلت أكثر الفترات الحافلة بالأحداث في التاريخ المصري، وقد استطاع كالفرت في هذا الكتاب أن يبين كيف استطاع قطب إعادة تجميع وصياغة التراث الإسلامي بطريقة اعتقد البعض أنها تشكل تحديا للسلطة، ممن يدعون"بشكل خاطئ" أنهم مسلمون، من واقع خبرته كأستاذ للتاريخ بجامعة"كريتون"، بالولايات المتحدةالأمريكية، وسبق أن صدر له كتاب"سيد قطب، طفل من القرية" عن قسم النشر بالجامعة الأمريكية سنة 2005 . وقد لاقي هذا الكتاب أصداء عديدة في الصحف العالمية بينما اعتبر نقاد آخرون وجود تشابه بين سيد قطب و بطل"مرايا" نجيب محفوظ عبدالوهاب إسماعيل، فهو رجل مهذب، واثق، يتحدث بلطف، دون الخوض في الدين، يتبني العادات الأوروبية في المأكل و الملبس، يستمتع بالذهاب إلي السينما، إلا أن مظهره الحداثي ليس سوي واجهة، يكمن تحتها نموذج لمصري من الطبقة المتوسطة التي كان يطلق عليها"الأفنديات"، لا يري فيه محفوظ شيئا مقلقا أو حتي شريرا. بينما يري البعض الآخر من صورته المنشورة علي غلاف الكتاب بهاتين العينين المنتفختين المحدقتين من خلف القضبان، اللتين لا يلمح فيهما الخطر، بالرغم من التقاطها قبل وقت قصير من إعدامه، أنها تحمل نفس الشحنة الأيقونية لصورة تشي جيفارا التي التقطها له البرتو لورادو! الكتاب جاء نتاج بحث مضن في المصادر العربية، محاطا بالفهم المثير للإعجاب للتاريخ الحديث و الثقافة، من أجل تقديم صورة مقربة لرجل جسد أكثر من أي شخصية أخري قضية الإسلام السياسي، و الكتاب كله عبارة عن ترجمة متنوعة لمقتطفات من معاني القرآن الكريم كتبها سيد قطب خلال أفضل سنوات العقد الذي قضاه في السجن، و التي تستحق تعريفها كأحد أكثر الفترات ثورية خلال القرن العشرين، كما أقر الكاتب في مقدمة الكتاب أن هدفه كان إنقاذ قطب من التشويش عن طريق فحص تطور أفكاره وقت حدوثها وفي سياقات متعددة، وبالرغم من أنها تحوي نفس التفاصيل الموجودة في الدراسات السابقة حول قطب، إلا أنها تعطي اهتماما أكبر للسيرة الذاتية، و البناء الإجتماعي و السياسي، ودور الثقافة في توضيح أنماط الاحتجاج و المعارضة، و أكد أنه في التعامل مع تلك المجالات محاولة لفهم تطور إيديولوجية قطب، من تفاصيل لا تعد ولا تحصي من حياته، وبذلك يصبح هذا الكتاب دراسة عن التفرد وعن ذلك الزمن في آن واحد. نشر مذكراته تحت عنوان"طفل من القرية" سنة 1946 في القاهرة حين كان في الأربعين من عمره، تناول فيها حياته بين عمر السادسة و الخامسة عشرة، وهي إحدي السير الذاتية المصرية القليلة المنشورة خلال العقود الوسطي من القرن العشرين، وأشهرها مذكرات"الأيام" لطه حسين، التي بدأ الجزء الأول منها سنة 1929، والثاني سنة 1939، والثالث سنة1973، مما شجع الكثيرين علي كتابة مذكراتهم، ومنهم سيد قطب، الذي وثق من خلال مذكراته مكتسبات بطلها الشاب من المعارف الجديدة، كما اعترف صراحة انه مدينة لطه حسين لاستعانته به في كتابة النص في بداية الأمر، وبالرغم من أوجه التشابه بينهما إلا أن أهداف الكاتبين كانت مختلفة، فبينما تجربة طه حسين قادته نحو احتضان حضارة الغرب، جاءت استجابة سيد قطب بالبحث عن الحداثة و إصلاح المجتمع المصري، الذي من خلال كتابته كأديب حدده بالحضارة الإسلامية الغربية، وبعد سنوات من الأحداث التي وصفها بالتفصيل نظر قطب وراءه، مشاهدا قريته كموقع ثقافي تم ترميزه داخل تفاصيل لا تعد ولا تحصي من حياته الاجتماعية، كأيديولوجية وطنية استثنائية، بينما أدباء آخرون اتخذوا عظة من الأيام، ومنهم إبراهيم المازني في"قصة حياة"سنة1943 ، وسلامة موسي في"تربية سلامة موسي"1947، وأحمد أمين في"حياتي"1950، التي نقحت في1952، وإبراهيم عبد الحليم في"أيام الطفولة"، وصديق سيد قطب توفيق الحكيم في" سجن العمر"سنة1964 ، بالرغم من أن كل أعمال السيرة الذاتية تحمل و تتحمل منظورها الخاص، إلا أنها تعمد إلي معالجة موضوعاتها بالتحرك من المراحل المبكرة من السذاجة والجهل إلي مستويات عليا من النقد المجتمعي و الوعي الشخصي، لتسجيل مثل تلك الرحلات الحياتية المتفردة.