" إلي ثورة يناير المجيدة، إلي روح شهدائها، إِلَي عبق كَرامتها الذي غمر العالم، إِلَي ميدان التحرير والعزة والكرامة " هكذا افتتح أحمد سراج ديوانه: " الحكم للميدان " الصادر مؤخرا في طبعه خاصة. منذ الإهداء، بل منذ العنوان نعرف أن الديوان سوف يدور في فضاءات الثورة المصرية وشهدائها. يقسم الشاعر ديوانه إلي قسمين: الأول هو : "حالة تحرير" والثاني:" وجع الفتي ". يشير هذا التقسيم إلي أن الشاعر بمازج ما بين الهم العام والهام الخاص. في سياق هذه المفارقة بين الخاص والعام نجد الشاعر يسعي للتحرر والانعتاق، التحرر علي المستوي العام، وكذلك التحرر والانعتاق علي المستوي الشخصي في وجع الفتي. ولكن القارئ ربما يتساءل لماذا أتي ب "حالة تحرير" في مقدمة الديوان وسابقة للقسم الأول، وكلمة "تحرير" نكرة؟ ولهذا تفسيران في تقديري، الأول ربما يري أن تحرير الذات يبدأ من تحرير الوطن، أو تحرير الذات وسيلته أن يتحرر الوطن، لذا سبق تحرير الوطن تحرير الذات، والتفسير الثاني هو أن الذات غائبة، وموجوعة، الذات الشاعرة التي تحمل وجع الفتي تنزاح أمام الهم العام، ويتناسي الشاعر ذلك الوجع في سبيل تحقيقه . القصيدة الأولي بعنوان : " الدعوة عامة: صعود الأبطال علي منصة المسرح" مشهد يشكله ويرسمه الجمهور والممثلون والملقن، كل يحاول وضع جملة في نص مفقود، كل يحاول أن يكون له دور، من خلال تلك السردية الرمزية الكبري رغم نصية الشعر نشعر أننا أمام حضور جمهور الثورة المصرية، ففي النهاية يسعي الجمهور / الحضور أن يرسم المشهد ويصنع هو النص الجديد، وبعودة النص الجديد نعرف أننا في ميدان التحرير بتعريف التحرير بالألف واللام علي عكس العنوان النصي حيث جاءت كلمة تحرير نكرة. هنا عرفنا أننا في ميدان التحرير الذي يجعله الشاعر حكما وحاكما للنص الجديد: "ثَبَتَ الحضورُ مع الحضورِ/ علي المنصةِ يرتجل:/ قَد عادَ نَصِّي/ قَد عادَ نجمي/ وليَبدأ العرضُ الجديد". ذات الحالة تكمل نفسها في النص التالي :"عن سقوط الباستيل المصري" هو باستيل جديد، يحيل النص إلي سجن الباستيل في عصر الثورة الفرنسية، حيث حطم الثوار الفرنسيين ذلك السجن العتيق الذي أقامه لويس التاسع عشر ساجنا فيه حرية الفرنسيين. هنا الباستيل المصري سجن أيضا عبر الاستبداد والقهر حرية المصريين:" أَن تَحجُبَ أفخاخُ/ البصَّاصِينَ العسَّاسِينَ القوَّادِينَ/ أَفراخَ النور/ أَن يلِدَ الحُكمُ الفردُ الرعبَ/ الجوعَ/ الزيفَ/الحُلم المقهُور" تختلف هذه القصيدة عن القصيدة السابقة، فربما الرمز هناك خفف من حدة مباشرة القصيدة، لكن النص هنا يعلو صوته، حتي كأنه منشور سياسي، ورغم مناسبة فضاءات النصوص للموضوع السياسي إلا أنني كنت أفضل أن تأتي القصيدة خافتة قليلا : "ما رأينَا غيرَ التَّقطيعِ والتَّذبيحِ/ ومَحوِ الأمَل/ لَكِ نَحنُ نَحِن؟!/ إنَّما وَترٌ هزَّنا/ فجَرَي رَغمَنا دَمعٌ " يرصد الشاعر بذاكرة فوتوغرافية تفاصيل ما حدث في ميدان التحرير وفي مصر منذ 25 يناير حتي سقوط النظام . المشهد الأكبر في الميدان، حتي اتهام الثوار بالعمالة للخارج، ونفي الوطنية عنهم، كل شئ حاضر عبر ذاكرة تسجيلية لم تنفلت منها لحظة: " أوصَي ببيانِ:/ إنَّ الخارجَ مَدسوسٌ/ من قِبلِ الشَّيطانِ/ قَد ثَبتَ لَدَينا أَنَّ أجندتَه/ عَمَلٌ عدواني " تتواصل قصائد النصف الأول من الديوان الذي أهداه للشهداء الذين حضروا في كل القصائد تقريبا بشكل أو بآخر، وكذلك للثوار الذين صنعوا المجد، ثم يخلص للنصف الثاني من الديوان الذي تسبق كتابته زمن كتابة النص الأول، وفي القصيدة الأولي منه يجعل من ذاته آخر يناديه ويخاطبه، بل ويهدي إليه نصه، فهو المحاصر في زمن الاغتراب الذي يحتاج إلي التحرر والانعتاق. فبعد أن تحرر الوطن بشهدائه وثواره جاء الدور علي الذات الشاعرة أن تتحرر. فقط تحتاج لفرصة أخيرة تتحدث فيها عن وجعها الخاص حتي تتحرر منه. لقد أجاد أحمد سراج توظيف التراث والتناص مع التاريخ ليصور لنا اللحظة الراهنة التي هي مفترق طرق يمر بها الوطن والذات معا.