سليمان فياض يتوسط الكفراوى ومحمد عبلة هناك أجيال كثيرة أحبت الفلسفة من خلال كتاباته عن علماء العرب"، هكذا قدم الفنان محمد عبلة الروائي سليمان فياض في الندوة التي عقدت للأخير في أتيليه القاهرة. عبلة، الذي قام بتقديم الندوة، أشار إلي أن فياض واحد من الأدباء الذين حببوه في أتيليه القاهرة: طول الوقت كان يأخذني إلي جواره هنا ويحدثني عن الأدب. هو محدث رائع وكنز من المعرفة". بعد عبلة تحدث الكاتب سعيد الكفراوي واصفاً فياض بأنه أحد مؤسسي الحداثة: "أنا أنظر له باعتباره القنطرة التي استطعنا من خلالها العبور لما يسمي بالكتابة الجديدة. كان أمامنا نجيب محفوظ وفتحي غانم ولكن عندما جاء سليمان فياض استطعنا العبور بالفعل إلي طريق جديد في الكتابة". أشار الكفراوي بأسلوبه القصصي إلي بداية تعرفه بفياض: "في نهاية الخمسينيات كنت أجلس علي الساقية أقود البهيمة التي تروي الأرض، وأمامي مجلة بلا غلاف، وفيها قصة عن النداهة التي تخطف الفلاح. كان هذا بداية تعرفي علي فياض. ومعرفتي بمعني الكتابة عن الواقع المصري والجماعة اللصيقة بالكاتب. عرفت وقتها أساطير لم أكن أعرف عنها إلا ما قرأته في ألف ليلة وليلة. من هنا سعيت للتعرف علي سليمان فياض". عندما صدرت رواية "أصوات" لفياض كان الكفراوي، ومعه عبد الحكيم قاسم، من المعارضين لها: "رأينا وقتها أن الرواية تظلم الشعب المصري. تصفه بما ليس فيه، تقول عن المصريين إنهم يحاولون ختان امرأة أوروبية، وهذا لم يكن يحدث. فإذا بالرواية تصل للمتلقي العادي وتتم ترجمتها إلي لغات عدة". في فقرة أخري قال الكفراوي إن فياض هو أحد الكتاب الذين اخترقوا المحرمات وصور هذا الاختراق في كثير من أعماله وخاصة رواية "أصوات"، ومن المدهش، يضيف الكفراوي، أن يأخذ صحفي كبير جائزة النيل من فياض وهو الصحفي أحمد رجب. اختتم كلامه بالقول إن فياض للحظته الحالية مازال يمثل له شخصياً الإرادة القصوي: "مازال حتي الآن ينتج أدباً ولغة وبرامج بإرادة الشاب الموهوب والعارف". سليمان فياض نفسه بدأ الحديث بالقول إن كل الكلام الذي يمكن أن يقال عن قصصه قد قاله من قبل، ولو قاله مرة ثانية سيكون مكرراً، لذا اختار أن يتكلم عن مراحل معينة في حياته. المراحل التي بدأ منها تتعلق بطفولته وبداية حبه للقراءة. بدأت خبرته في القراءة بمحاولة قراءته مجلة الرسالة، قرأها بخبرته المحدودة وقتها وهو صبي، ولكن عندما وقعت في يده روايات الجيب كان هذا اكتشافاً بالنسبة له: "كانت هذه الكتب هي مدرستي الأولي لتعليم فن التشويق في القص. سن الصبا دائما يحب أدب المغامرات". في المنصورة عثر فياض علي مكتبة عامة، وقرأ فيها نظرية النسبية العامة وقرا لبرتراند راسل وغيره. من هنا تكون مصيره علي ما يبدو: "أمنيتي الأكبر في الحياة، بعد أن أصبح فلاحاً، كانت أن أجلس في المكتبة للقراءة طول الوقت". انتقل فياض إلي مرحلة زيارته للقاهرة وانبهاره بالوسط الثقافي الواسع هناك. ثم تحدث عن عبد الناصر الذي ينسب له ثورة 1952: "هذه الثورة هي ثورة عبد الناصر. جاء السادات فدمرها وجاء مبارك فأجهز علي ما تبقي منها"، حكي عن زيارته لسوريا قبل الوحدة المصرية السورية بقليل ولقائه بمنظري حزب البعث هناك. قيل له وقتها إنهم بصدد الشروع في إقامة وحدة بين مصر وسوريا. عارض فياض هذا، بمنطق إن أي قرار لابد له أن يبدأ من أسفل. قيل له وقتها إن مصر تمثل العضلات وسوريا تمثل الفكر القوي، فرد قائلاً إن النظرية تقول إن الفكر سوف يسيطر علي العضلات، ولكن في الواقع فإن العضلات هي ما ستسيطر. حكي فياض عن محاولات استقطابه في السياسة ورفضه الانضمام للاتحاد الاشتراكي، حتي مع تهديده بالاعتقال. عرض عليه يوسف السباعي منصب وكيل الوزارة ولكنه رفض بدعوي أنه ليس من حملة الحقائب: "طالما أستطيع توفير لقمة عيشي وسجائري فلن أقبل. وعندما أنشئت الأحزاب رفضت أيضاً الانضمام لأي حزب. كنت أقول لهم أنني مؤسسة وحدي. (يضحك) مؤسسة علي إيه مش عارف. باعترف. لكن كنت شايف إني مؤسسة". انتقل فياض للحديث عن سلسلة علماء العرب: "وجدت عندنا سيراً لكل علماء اللغة والدين، ولكن ماذا عن العلوم التطبيقية؟! لم تكن موجودة. عثرت علي موسوعة غربية عن علماء الغرب وعلمائه فقررت إنجاز نفس المشروع عندنا. نحن من الأمم التي أنجزت موسوعات ضخمة عن الفلك والطب، ولكن تم ركنها بعد هذا". حصل علي موسوعات من حلب والعراق وغيرها وبدأ في مشروعه. كتب عن سبعة وثلاثين عالماً. كان يريد أن ينغرس الوعي العلمي في رؤوس الناشئين. فياض، الذي بدا غير معتاد علي الحديث عن نفسه، كان يتحدث وابتسامة خجلانة علي شفتيه، وعندما صفق الحاضرون لدي نهاية حديثه ارتبك للحظة، بدا أنه لم يعرف ماذا يفعل، ثم قرر مشاركتهم التصفيق. الروائي إبراهيم عبد المجيد، الذي قال إنه لم يأت من أجل قول أي شيء وإنما فقط من أجل رؤية سليمان فياض، بدأ كلامه بأنه من المكرر القول إن سليمان فياض هو أحد أساتذته، ولكن ما يجعله مدينا له بالعرفان بشكل خاص هو أن فياض لم يدخل أبداً أية معركة من أجل أي شيء شخصي. سرد عبد المجيد موقفا شخصيا حدث معه يوم السادس من أكتوبر 1973: "كنت قادما من الإسكندرية، وحدث العبور وأنا في الطريق. عندما وصلت جلست مع سليمان فياض وأخذ يحدثني عن إمكانية النصر والشخصية اليهودية وغيرها من الموضوعات.