كوفي شوب، زحام ، هرج ومرج، تصميم معماري وديكورات مبهرجة، تذاكر سينما مجانية، هذا ما سوف يؤول اليه حال المكتبات في إنجلترا، آخرها مشروع تجديد مكتبة"برمنجهام" الذي يجري حاليا، ويبلغ تكلفته 193 مليون جنيه استرليني، ويتوسط مركزين ثقافيين كبيرين، هما مسرح ربرتوري، ومركز حضاري سابق كان يطلق علية"باسكرفيل هاوس"، وهي ليست المكتبة الأولي التي يتم بنائها علي هذا النمط، فقد سبقتها مكتبات كثيرة، إلا أنها سوف تصبح الأكبر، من حيث كونها أعلي مبني زجاجي بانجلترا، كما تحتوي مساحته البالغة33500متر مربع بالإضافة إلي ملايين الكتب، قاعات للإجتماعات، وصالات سينما، وأماكن اللتسلية،عند الإنتهاء من بنائها في2013 تصبح المملكة المتحدة عاصمة للثقافة في العالم الغربي، وبحلول سنة2020تنضم لقائمة أفضل 25 مدينة في العالم، حيث أن ترتيبها الحالي هو ال56 تشاركها فيه مدينة "جلاسجو". إلا ان مايك وايتباي رئيس مجلس مدينة"برمنجهام" يقول:"ذلك المشروع ينبغي أن نطلق عليه أضخم مجمع للفكر الإنساني"، و المكتبة الجديدة نتاج عملية تطوير لمكتبة"برمنجهام" المركزية، المبنية سنة1973،وهي المكان الذي أطلق عليه الأمير تشارلز وصفه الشهير:"مكانا لاستعارة الكتب بدلا من حرقها"،إلا أن رئيس مجلس المدينة يخالفه الرأي بقوله:"لقد أمضيت بها ساعات طويلة سعيدة، استمتعت خلالها بقراءة الكتب مذهولا بهذا العدد الكبيرمنها"2,5 مليون كتاب "موزعة علي سبعة طوابق، تحت تصرف شخص لا ينتمي للعائلة المالكة مثلي"، وقد أعطت وزيرة الثقافة مارجريت هودج إشارة البدء في هدمها، وكان مدير المكتبة بريان جامبل معارضا بشدة لهدمها، حيث يحتفظ بقطعة حجارة منها في مكتبه كتذكار قائلا:"إنها قبيحة، وغير صالحة لعرض الكتب، وسوف تتكلف كثيرا بسبب هذا التجديد"، إلا أن لوزيرة الثقافة رأي آخر فقد صرحت:" إن إدارة مكتبة ناجحة في القرن الحادي والعشرين، شيئ غاية في الصعوبة، وسط ارتفاع التوقعات حول نوع الخدمات التي سوف تقدمها" وأضافت:"أهتم كثيرا بالمكتبات العامة، لكن عليهم أن يتغيروا، لإقبال يتناقص، والموضوعات التي تتناولها الكتب إنخفض عددها بشكل كبير، كما أن هناك فقط14مكتبة ضمن151مكتبة محلية توفر الكتب الأليكترونية"، وقد طرحت أفكارها حول تطوير المكتبات إلا أنها لم تنشرها رسميا لانشغالها بالإنتخابات، لكن من بين التغييرات التي يمكن استنتاجها فتح باب العمل بالمكتبات للمتطوعين،وهو ما أزعج أصحاب المكتبات و النقابات، لكنها علقت علي ذلك قائلة: "أكثر ما يصيبني بالإحباط عند زيارتي للمكتبات، إصطدامي بكثرة الكومبيوترات، دون مسئول واحد يضطلع بتقديم الخدمة للمواطنين، وهذا سبب وجوب وجود متطوعين"، وهناك إصلاحات أخري تشمل استحداث نوعية جديدة من المترددين علي المكتبات، يطبع لهم كروت عضوية، يتم من خلالها تسجيل عدد الزيارات، وعندما يصل عددها إلي عشرة يمنح الزائر تذكرتي سينما مجانا، علاوة علي أن تلك الكروت تتيح إستعارة الكتب من أي مكتبة عبر البلاد وإعادتها إلي مكتبة أخري في مكان آخر، بالإضافة إلي تحرير مواعيد عمل المكتبات، تقول هودج:"أريد أن تتاح لي فرصة زيارة المكتبة الساعة الثامنة مساء أو بعد ذلك، أتذكر عند إفتتاح مكتبة بوردو، كان يمكنك شراء نسخة من كتاب بعد حفلة سينما في الحادية عشرة مساء"، وهي تتمني مثل هذا الإصلاح لإحداث ثورة في الخدمات المكتبية، دون أي زيادة في التكاليف"لا يكفي القول، كما يفعل البعض، أن كل ما تحتاجه المكتبات هو المزيد من المال لتوفير الكتب، وزيادة ساعات العمل، هدفنا أن نصبح أكثر إبتكارا، لأن المال غير موجود"، و أشادت بفكرة ويلسون بيمر مدير"ستار باكس" الذي يزعم أن أفضل طريقة لإنقاذ المكتبات هي وضع كوفي شوب داخلها، كما فعلوا في أمريكا، وأبدت مخاوفها من المكتبات التي لن تقبل مثل تلك التغيرات ووصفتها"كالنائم في عصر الآي فون و الكتب الأليكترونية، دون أي استراتيجية، مما ينطوي علي خطر تحويل المكتبات إلي أنتيكات مثل التلكس و الآلة الكاتبة" مكتبة برمنجهام المركزية يزورها حاليا خمسة آلاف مواطن يوميا، يتوقع بعد التجديدات أن يتضاعف هذا العدد، بسبب تنظيم ورش العمل، و الإجتماعات السياسية، و جلسات القراءة الشعرية، وكلها فعاليات تدفع الناس للإرتباط بالمكتبة، حيث أن مجلس محلي مقاطعة لانكشاير لديه خطة بالفعل لتقديم عروض حية للموسيقي بالمكتبة، بالإضافة لإقامة معارض للكتب النادرة، مثل نسخة كتاب "فرست فوليو" لشكسبير التي تعود لسنة 1623. إلا أن هناك مشكلة واحدة، هي أن"برمنجهام" تحتاج توفير69 مليون جنيه استرليني خلال السنة المالية القادمة، مما يعني فقد أكثر من ألفي فرصة عمل، لكن من يجرؤ علي إنفاق الملايين من أجل تمويل الفكر البشري؟! وفي نفس الوقت يؤدي ذلك إلي التخلص من أناس زائدين عن الحاجة؟ بالطبع هناك بعض البريطانيين غير المهتمين بإنقاذ مكتبتهم المحلية، فعندما أعلن مجلس مقاطعة "ساسكس" خطته لتخفيض ساعات العمل في ثلاث مكتبات من أربعة، لتوفير مائتي ألف جنيه استرليني، فإن كثير من أصحاب المدونات علي الإنترنت إقترح أن هذا التخفيض لا يكفي، أحدهم قال إنه لم يزور مكتبة منذ سنوات، وآخر قال :أقرأ الصحف أون لاين، وأحصل علي المعلومات من الإنترنت، و أشتري الكتب من موقع أمازون، والقليل ممن يحتاج المكتبات، هم الأقل في إحتمال إرتيادها، إنشغالا بمشاهدة الهراء المعروض علي شاشة التليفزيون، علاوة علي أن كتبها قديمة ويلزم تحويلها إلي مادة علي الإنترنت"، والعام الماضي أصدر مجلس مدينة"ويرال"قرارا بغلق 11 مكتبة وإستثمار 13 مليون دولار في بناء مول بالحي، بحجة أن هذا ما يتطلبه الناس، لكن تلك الخطة توقفت بعد شن حملة شعبية ضدها، وأمر وزير الثقافة أندي برنهام بالتحقيق في هذا الأمر، وتم منع إغلاق المكتبات، وكان تدخلا غير متوقع حيث قال أن المكتبات:"مصدر غني للمعلومات و الحكمة والتعلم، وتلك حقيقة واقعه خاصة في الظروف الإقتصادية الصعبة "، تلك النقطة تبدو ذات أهمية خاصة، حيث في ظروف الإنكماش الإقتصادي تصبح القيمة الإجتماعية للمكتبات في إزدياد، وعندما تصبح مفصولا حديثا، يقل إحتمال شراء الكتب، فتلجأ للقراءة المجانية بالمكتبة، لكن يبدو أن التخفيض لا مفر منه، فبالنسبة للفن و الترفيه و تمهيد الطرق تصبح المكتبات الأكثر تعرضا للإلغاء، وطبقا لمسح أجرته بي بي سي الأسبوع الماضي، كشف أن ذلك من الممكن أن يدهور حال المكتبات إلي درجة يصبح معها إعادة الحياة لها من جديد غاية في الصعوبة، وعندما تم تخفيض10و4بالمائة من خدمة مكتبة باكينجهام، عن طريق تخفيض عدد ساعات العمل، ومخزون الكتب، واستبدال العاملين بالمتطوعين، سوف يشعر الناس أنهم يدورون في حلقة مفرغة، وخلال سنوات قليلة سيقول أحدهم: لا أحد يستخدم هذا المكان، دعنا نغلقه. لماذا يجب الإحتفاظ بالمكتبات العامة المحلية؟ لأنها تفعل شئ غير مفهوم نعتز به، ونعتبره نوعا من الأوكازيون، والمنحة ، إنها مثل الحدائق العامة، في قلب مشهد المدينة الرأسمالي، حيث الإصرار علي التحرك المستمر، والتدبير في الإنفاق،وعدم التفكير في عمل شئ غير منتج إقتصاديا، في إحصائية نشرت العام الماضي أنه منذ سنة 1997 زاد ارتفاع عدد نوادي الرقص بنسبة15 بالمائة بينما انخفض عدد المكتبات بنسبة6بالمائة!