بعد تبديد أموال رأس الحكمة..الدولار يعاود الارتفاع أمام الجنيه فى البنوك والسوق السوداء    «القاهرة الإخبارية»: فرنسا ترفض التصعيد الإسرائيلي في رفح الفلسطينية    توقف خط نقل الكهرباء بين السويد وليتوانيا عن العمل    توماس مولر: مواجهة ريال مدريد ستكون مختلفة.. ويمكننا اللعب أمامهم بشكل جيد    جدول ترتيب الدوري المصري قبل مباراة بيراميدز ضد فيوتشر    كلوب عن صلاح عندما تألق    الاضطرابات مستمرة.. «الأرصاد» توضح حالة الطقس غدا الثلاثاء    التفاصيل الكاملة لحادث دهس مطرب المهرجانات عصام صاصا لشاب على الدائري    أمينة الفتوى تكشف سببا خطيراً من أسباب الابتزاز الجنسي    لقاء علمي كبير بمسجد السلطان أحمد شاه بماليزيا احتفاءً برئيس جامعة الأزهر    ارتفاع عدد ق.تلى الفيضانات في البرازيل إلى 60 شخصا .. شاهد    أمير قطر ورئيس وزراء إسبانيا يبحثان هاتفيًا الاجتياح الإسرائيلي المرتقب لرفح    شباب الصحفيين عن إنشاء مدينة "السيسي" الجديدة في سيناء: رد الجميل لقائد البناء والتعمير    ننشر استعدادات مدارس الجيزة للامتحانات.. وجداول المواد لكافة الطلاب (صور)    استعدادا لفصل الصيف.. السكرتير العام المساعد بأسوان يتابع مشروعات مياه الشرب والصرف    الدوري الإماراتي، العين يتقدم على خورفكان بهدف نظيف بالشوط الأول (فيديو وصور)    محافظ مطروح: "أهل مصر" فرصة للتعرف على الثقافات المختلفة للمحافظات الحدودية    المصريون يحتفلون بأعياد الربيع.. وحدائق الري بالقناطر الخيرية والمركز الثقافي الأفريقي بأسوان والنصب التذكاري بالسد العالي يستعدون لاستقبال الزوار    هلال "ذو القعدة" يحدد إجازة عيد الأضحى|9 أيام رسميا من هذا الوقت    متضيعش فلوسك.. اشتري أفضل هاتف رائد من Oppo بربع سعر iPhone    وزير النقل يتابع إجراءات الأمن والسلامة للمراكب النيلية خلال احتفالات شم النسيم    محافظ المنيا يوجه بتنظيم حملات لتطهير الترع والمجارى المائية بالمراكز    في ذكرى ميلادها.. كيف تحدثت ماجدة الصباحي عن يسرا وإلهام شاهين؟    المخرج فراس نعنع عضوًا بلجنة تحكيم مهرجان بردية لسينما الومضة    برعاية الاتحاد العربي للإعلام السياحي.. انطلاق سوق السفر العربي في دبي وحضور غير مسبوق| صور    عقوبة التدخل في حياة الآخرين وعدم احترام خصوصيتهم    كيفية قضاء الصلوات الفائتة.. الأزهر للفتوى الإلكترونية يكشف عن أفضل طريقة    خطأ شائع في تحضير الفسيخ يهدد حياتك- طبيب تغذية يحذر    الصحة تعلن إجراء 4095 عملية رمد متنوعة مجانا ضمن مبادرة إنهاء قوائم الانتظار    ختام فعاليات المؤتمر الرابع لجراحة العظام بطب قنا    ‫ إزالة الإعلانات المخالفة في حملات بمدينتي دمياط الجديدة والعاشر من رمضان    التعليم العالي: تحديث النظام الإلكتروني لترقية أعضاء هيئة التدريس    إصابه زوج وزوجته بطعنات وكدمات خلال مشاجرتهما أمام بنك في أسيوط    أبرزهم «السندريلا» وفريد الأطرش .. كيف احتفل نجوم الزمن الجميل بعيد الربيع؟ (تقرير)    في العام الحالي.. نظام أسئلة الثانوية العامة المقالية.. «التعليم» توضح    في خطوتين فقط.. حضري سلطة بطارخ الرنجة (المقادير وطريقة التجهيز)    مصرع شخصين وإصابة 3 في حادث سيارة ملاكي ودراجة نارية بالوادي الجديد    المستشار حامد شعبان سليم يكتب :الرسالة رقم [16]بنى 000 إن كنت تريدها فاطلبها 00!    بعد إصابته بالسرطان.. نانسي عجرم توجه رسالة ل محمد عبده    باحث فلسطيني: صواريخ حماس على كرم أبو سالم عجّلت بعملية رفح الفلسطينية    مفوضية الاتحاد الأوروبي تقدم شهادة بتعافي حكم القانون في بولندا    مصر تحقق الميدالية الذهبية فى بطولة الجائزة الكبرى للسيف بكوريا    "كبير عائلة ياسين مع السلامة".. رانيا محمود ياسين تنعى شقيق والدها    وسيم السيسي: قصة انشقاق البحر الأحمر المنسوبة لسيدنا موسى غير صحيحة    على مائدة إفطار.. البابا تواضروس يلتقي أحبار الكنيسة في دير السريان (صور)    غدا.. إطلاق المنظومة الإلكترونية لطلبات التصالح في مخالفات البناء    إيرادات علي ربيع تتراجع في دور العرض.. تعرف على إيرادات فيلم ع الماشي    هل أنت مدمن سكريات؟- 7 مشروبات تساعدك على التعافي    ضبط 156 كيلو لحوم وأسماك غير صالحة للاستهلاك الآدمي بالمنيا    التعليم تختتم بطولة الجمهورية للمدارس للألعاب الجماعية    فشل في حمايتنا.. متظاهر يطالب باستقالة نتنياهو خلال مراسم إكليل المحرقة| فيديو    مفاجأة عاجلة.. الأهلي يتفق مع النجم التونسي على الرحيل بنهاية الموسم الجاري    إزالة 9 حالات تعد على الأراضي الزراعية بمركز سمسطا في بني سويف    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 6-5-2024    بالصور.. الأمطار تتساقط على كفر الشيخ في ليلة شم النسيم    وفد جامعة بيتاجورسك الروسية يزور مطرانية أسيوط للاحتفال بعيد القيامة    استشهاد طفلان وسيدتان جراء قصف إسرائيلي استهدف منزلًا في حي الجنينة شرق رفح    تعليق ناري ل عمرو الدردير بشأن هزيمة الزمالك من سموحة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قال: إن الثورة فتحت طاقة الخيال علي حلم حقيقي له طعم الوطن ورائحته
الروائي إبراهيم عبد المجيد: أتعاطف مع أبطال أعمالي وأحس أن بعضهم »حتة« مني
نشر في أخبار الأدب يوم 30 - 04 - 2011

في دار النشر الخاصة التي أطلق عليها "بيت الياسمين"، كنوع من التناص الأبوي الحميم مع اسم رواية كتبها في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، فتح صاحب "المسافات" و"صيف 67" و"الصياد واليمام" و"لا أحد ينام في الإسكندرية"، و.. و.. فتح قلبه كطفل يعيد اكتشاف الواقع والعالم والأشياء، ويندهش من تقلبات ونزق هذه المعشوقة "الرواية" التي أدمنها وأجهدته بمحبة خالصة علي مدار العديد من السنوات.
علي مدخل بناية قديمة بوسط البلد، قلب القاهرة، رحت أقرأ لافتة الدار، وخطر لي في التو "ثورة الياسمين" التي دشنت ثوراتنا العربية هنا وهناك. فور دخولي ظلت رائحة الياسمين محتفظة بعبقها، رغم دخان السجائر الذي يملأ المكان، يزاحمه أحيانا صخب الأصدقاء والأبناء وبعض العاملين في الدار.
قبل ثورة 25 يناير بأيام، قابلت إبراهيم عبد المجيد صدفة، كان حزينا علي الأوضاع، ومن الفساد المستشري في كل مكان، لا يتخيل أن تنتقل عدوي ثورة الياسمين التونسية إلي مصر.. هذه المرة وجدته مختلفا، كانت البهجة تطوف حوله وتتراقص مع نسمات الهواء، وقبل أن نبدأ الحوار، سألته السؤال الذي يطرح نفسه في معظم الجلسات:
* من ستنتخب في الانتخابات الرئاسية المقبلة؟ فرد وهو يبتسم: أصغرهم سنا وأكبرهم حلما.
* قلت: "بعد الثورة عصر الكتابة السهلة قد انتهي، وانتهت نوعية الكتب التي كانت الأكثر مبيعا". ماذا تعني بهذا الكلام؟
- نعم ستنتهي هذه النوعية ليس لأنها سيئة، بل لأنها أدت دورا معينا وقد انتهي دورها الآن، الناس كانت تريد أن تضحك وتعرف القصور الموجود في الحياة وتسخر منه، وحتي يشعر القارئ بأنه ليس وحده، بل هناك من يشاركه الهموم، لكن كل هذا حدث والحكام تم خلعهم، هي مرحلة وانتهت وسنري جديدا ننتظره.
*هناك كثير من الشعر ظهر بعد الثورة.. كيف تنظر إليه؟
إلي الآن الشعر الذي يخرج من معطف الثورة أراه معقولا، لكن ليس هناك قصيدة خرجت قوية، الفن والشعر لهما أصولهما، وما تم إنتاجه طغي عليه حس المناسبة فقط.
* قلت قبل الثورة بحوالي عام تقريبا: "إن شباب اليوم يستطيعون أن يكسّروا الدنيا لو أرادوا ولو منحناهم الفرصة". كيف رأيت هؤلاء الشباب الذين كان يصفهم الكثيرون بالتفاهة؟
يجيب صاحب "الصياد واليمام": "من خلال متابعتي للمواقع والمدونات وجدت طبقة جديدة لا نأخذ بالنا منها جيدا وهي الطبقة التي تتألف من شباب الفيس بوك، ولذلك كتبت روايتي "في كل أسبوع يوم جمعة"، شعرت أن هناك عالما آخر في الظل لا يدرك عنه السياسيون شيئا، وأنه من الممكن أن يحدث شيء قوي في المجتمع.
* تكتب الآن رواية عن عالم الفيس بوك؟
هي ليست رواية، بل نقلٌ تفصيليٌّ لأحداث الثورة التي عشتها يوما بيوم، عدا ثلاثة أيام، وكنت أعود للمنزل الساعة الثانية صباحا وأتواصل بعدها مع الناس علي الفيس بوك، تماما كما كنت أتواصل معهم في الشارع.
ويستكمل كلامه متحمسا: "كانت تجربة مثيرة للمشاعر إلي حد بعيد".
* في روايتك "صيف 67" عبرت عن معاناة النكسة من خلال جيل كل أحلامه دمرت.. هل أحيت ثورة 25 يناير ما تم كسره من قبل؟
"بل أكثر من أحيت" ، كنت دائما أقول هذا الكلام بعقلي لكن روحي كانت مع المستقبل، ودائما في رواياتي كان هناك احتجاج فني وليس مباشرا، فرواية "بيت الياسمين" مثلا كتبتها عام 86، وكانت ساخرة من عصر السادات، وكان بطلها يخرج في مظاهرات في مقابل النقود، بعقلي كنت أري العالم أسود جدا، لكن جزءا مني كان يستشعر طاقة الشباب.
* بعد جريمة كنيسة القديسين كتبت مقالا عنوانه: "الإسكندرية التي صارت سوداء"، فردَّ عليك كثيرون بتعليقات قاسية.. قاطعني قائلا: 13 صفحة "شتيمة".. بأسي أكملت سؤالي: لكن هل تتوقع أن يجد السلفيون أرضا خصبة في المجتمع المصري؟
- أشعل صاحب "لا أحد ينام في الإسكندرية" سيجارة وهو يبتسم ثم قال: السلفيون جماعة صغيرة، لكن أفعالهم لها رد فعل كبير، وفي السنوات الأخيرة استقطب أمن الدولة عددا كبيرا منهم ليواجهوا الإخوان المسلمين الذين تلقوا تعليمات أيضا من أمن الدولة، كنوع من الضغط عليهم، ليكون المجتمع دائما في حالة قلق من ليبراليين وسلفيين وإخوان، وليستريحوا هم في الأعالي. ما يحدث الآن من الجماعة السلفية هو من المجموعة التي تعلمت السياسة وليس من كل السلفيين، والقضاء عليهم سهل جدا باستخدام القانون وليس العنف، وسيكون الناس أيضا ضدهم جراء أفعالهم. هذه الأضرحة والمزارات بالنسبة للناس شيء جميل جدا، تريحهم ويبكون عندها، ويناجون الله حتي يتخلصوا من آلامهم. المصري لا يذهب إلي القبور لأنه كافر، بل لأن الدنيا ضاقت به، هو مسكين، وليس كافرا من يتبرك بالحسين، ومن يهدم الأضرحة جاهل ولا يفقه شيئا، وهؤلاء أخذوا هذا من الطريقة الوهابية التي ظهرت في السعودية منذ القرن التاسع عشر، ففي تلك الفترة ظهر أناس في السعودية يعبدون الشجر والأصنام مرة أخري، أما نحن فليس عندنا أحد يعبد الأصنام.
السلفيون موجودون من زمان في مصر مثل الجمعية الشرعية وغيرها، ولهم إسهامات اجتماعية إيجابية وليست لهم علاقة بالسياسة. أما هؤلاء الذين ظهروا علي السطح أخيرا فسيأخذون وقتهم وسينتهون سواء بالقانون أو برفض الناس لهم.
* قلت والدهشة تملؤني: هل كنت تتخيل يوما أن أمن الدولة يقوم بحرق كنيسة أو تفجيرات دهب؟
أجاب بهدوء: نعم كنت أتخيل أن يقوم الأمن بحرق الكنيسة، لكن شرم الشيخ استبعدتها تماما فهي منطقة سياحية وتأتي بالنقود، والرئيس السابق مقيم هناك، وأكمل قائلا: لا لم أتخيل أن الإجرام يصل لهذه الدرجة.
* بفقرة استعرتها من قصة له سألته: هل ما زال هذا الهمُّ بداخلك، هل لا تزال "أشجار السراب التي أنفقت عمرك وراءها" جميلة؟
- أطفأ سيجارته وسعل قليلا ثم أوضح: هذا الكلام عبارة عن اصطلاح فني وليس تعبيرًا سياسيا، أنا جمعت القصص تحت عدة عناوين: "مشاهد صغيرة حول سور كبير"، "الشجر والعصافير"، "إغلاق النوافذ"، "سفن قديمة"، وهذه عناوين المجموعات، ثم وضعت عنوانا عاما للكتاب، وتكلمت عن القصص وكأنها تخايلني في أثناء الكتابة كأشجار بعيدة عند السراب، وعندما أكتب القصة تختفي لأشعر بقصة جديدة، وكل هذا في إطار الفن وليس السياسة. أنا أجني ثمار القصة وأنتظر شجرة جديدة تورق من جديد وهكذا.
* إذن كيف تكتب؟ وهل ثمة طقوس ما تصاحبك في لحظة الكتابة؟
أهم شيء أن يكون الضوء أبيض وقويا، وأكتب دائما بعد منتصف الليل، وأشغل أثناء ذلك البرنامج الموسيقي لتكون خلفيتي الموسيقي الخفيفة، فأشعر عندها كأن الله خلقني وحدي في هذا الكون، وهذه الطقوس أمارسها منذ أربعين سنة، هذا بالنسبة للأدب. أما المقالات فأكتبها دائما بالنهار ثم أنساها فهي تخلق عندي نوعا من أنواع الغضب الجميل.
* أتصور أن لا أحد من الكتاب تنبأ بالثورة وبهذا الشكل.. أليس كذلك؟
- نعم رغم أن كثيرين يدَّعون غير ذلك، لكن عادة القاعدة الأدبية عندها استشراف للمستقبل والحلم بصورة أجمل، لكن ليس في هذا التوقيت ولا بهذا الشكل طبعا، لكن التغيير دائما يبحث عنه الأدب.
* الفضاء الإلكتروني الذي تستوحي منه آخر كتبك هل أصبح بطلا أثيرا لديك؟
أنا لا أستوحي منه شيئا، ولكني أشارك الناس من خلاله وأتفرج علي ما يحدث، وإن كنت أستوحي منه في بعض الأحيان، لكن ليس هو كل الموضوع، فهناك دراستي وتعليمي وخبرتي في الحياة، قد أستوحي فكرة الرواية، لكني أكتبها بطريقتي، وعموما فبالتأكيد هذا الفضاء فيه إمكانات كثيرة ويكفي أنه أسهم في صنع ثورة عظيمة.
* استقلتَ من لجنة القصة بالمجلس الأعلي للثقافة في 8 فبراير 2011، ماذا كنت تريد من ذلك؟
استقلتُ علي أساس رد فعل لما كان يحدث، وكنت أدعو من خلال استقالتي إلي أن يستقيل الجميع لنشكل ورقة ضغط علي مبارك، والحمد لله أنه رحل بعدها مباشرة. وأنا أحترم عماد الدين أبو غازي جدا لكن "كفاية"، أترك مكاني لغيري من الشباب، فمن غير المعقول أن يتولي جيلي كل شيء، فمن حق الشباب أن يشاركوا في المشهد، كما أني لم يعد عندي وقت.
* ما الذي ترجوه من وزارة الثقافة؟
ما أرجوه هو إلغاء وزارة الثقافة، كما حدث مع وزارة الإعلام. ففي النظم الرأسمالية لا توجد مثل هذه الوزارات، أنا لست ضد أجهزة الوزارة لكن أدعو لأن تتحوَّل كلها إلي القطاع الخاص بشكل أو بآخر. المجتمعات الاشتراكية بها وزارة إعلام وثقافة، أما المجتمع الرأسمالي فلا، نحن لسنا مجتمعا اشتراكيا، والرأسمالية قائمة علي التعدد. وزارة الثقافة الآن تنتج كتبا لكن هل تكفي كل التيارات، لكنها كتب تخدم تيارا رئيسًا. لا بد للدولة أن تخرج من كل شيء له علاقة بالثقافة. أنا كنت في لجنة والناس تنظر لأعضاء اللجان كأنهم في الحظيرة ويأخذون نقودا وهي حوالي 50 أو 80 جنيها في الجلسة وكل شهر جلسة، ولو نال أحد جائزة وإن كان يستحقها يُقال عنه إنه أخذ جائزة لأنه في وزارة الثقافة.
صمت عبد المجيد لوهلة وأردف قائلا: الوزارة بوضعها الراهن تقسم المجتمع نصفين، لا توجد دولة رأسمالية بها وزارة للثقافة عدا فرنسا، ومع ذلك ففرنسا لا تطبع كتبا بل تدعم ماليا دور النشر. وإذا استمرت وزارة الثقافة يبقي منوطا بها ثلاثة أجهزة: الأوبرا، المسرح القومي، ودار الكتب، بينما تتحول هيئة الكتاب إلي قطاع خاص وتدعم وزارة الثقافة المجتمع المدني من دور النشر وجمعيات ثقافية بكل توجهاتها الفكرية يسارية أو ليبرالية، لكن بشرط واحد هو أن يكون الكتاب جيدا.
* ولكن ماذا عن هيئة قصور الثقافة التي كنت تنتمي إليها في يوم من الأيام؟
تتحول لقطاع خاص، وهناك ألف طريقة لذلك، يعطونها لقطاع خاص يديرها بحق الامتياز بطريقة لا تلحق ضررا بالعاملين بها، وتكون قصور الثقافة عملا رأسماليا يدر أرباحا وليس قائما علي ميزانية الدولة مثل ساقية الصاوي.
* لكن "الساقية" لا يستطيع الكثيرون الاستفادة من أنشطتها الثقافية، فمعظم الشعب المصري تحت خط الفقر!
يمكن مثلا لأي قصر ثقافة أن يأتي بدعم من جهات داعمة، قد تكون وزارة الثقافة نفسها، أو يقدم نشاطا بمقابل، فلو أن هناك مسرحية في الريف تذكرتُها ثلاثة جنيهات، أو نعمل اشتراكا لتلاميذ المدارس بجنيهين في الشهر، ويمكن استحداث طرق كثيرة، والقانون يسمح بذلك، لكن وجود الوزارة بوضعها الحالي يقسّم المجتمع إلي نصفين، شعب وحكومة مهما حدث.
* طيلة عمرك اشتراكي ويساري، والآن تتكلم علي النظام الرأسمالي وكأنه بمثابة المنقذ؟
أنا طول عمري اشتراكي ويساري وما زلت، لكن في أفكاري الاجتماعية والمساواة بين البشر، هناك من يعمل ب 500 جنيه وآخر بخمسين ألفا، وهذا موجود في النظام الرأسمالي نفسه.
* ألا يعد هذا تناقضا؟
لا أراه كذلك، النقابات العمالية في النظم الرأسمالية أتت بمكاسب للعمال أكثر مما فعل الاتحاد السوفيتي في أوج قوته، من علاج ومسكن وغيره. النظام الرأسمالي نفسه به قيم اشتراكية أكثر، واستحدث في نظمه آلية تأتي بحقوق الناس، من خلال النقابات المختلفة لتواجه توحش الرأسمالية. وعندنا نظام رأسمالي، ولكن ليست لدينا نقابات حرة، ولماذا يكون اتحاد العمال تابعا للدولة؟ عندنا نظام رأسمالي بقانون اشتراكي وهذا خطأ، فلابد من تحرير الاقتصاد من خلال تحرير العامل، وليس بتحرير رجال الأعمال ليفعلوا ما يريدون، وهذا نظام أسميه "شيوعية اللصوص"، وأنا أعترف أن النظام الشيوعي سقط في العالم كله؛ لأن الإنسان يحب التملك، ومستحيل تحول الناس إلي نمط واحد، وهي تجربة أثبتت فشلها، فالاختلاف هو أساس المجتمع البشري. الاشتراكية مهمة ولكن للمجتمع ككل لا تصلح، لذا فهي كتجربة أثبتت فشلها.
* دعنا الآن نعود إلي إبداعك الروائي.. في أحدث أعمالك "في كل أسبوع يوم جمعة" طغت العامية علي الفصحي، وتحت مظلة جو من النكات، يصعب أن نجده في رواية أخري لك.. فهل ثمة مبرر فني لذلك؟
الأبطال في هذه الرواية جماعة تتحاور عبر موقع إلكتروني، وعادة ما تكون لغة الحوار في المنتديات المختلفة بالعامية، فكان لا بد من أن أتمثل الحديث بهذه الطريقة طلبًا للصدق الفني، فليس معقولا أن تحدث دردشة علي النت فأكتب: "هل لك أن تشرب معي زجاجة مياه"!!، وأيضا العامية مستويات، فالناس في الحياة مختلفون، ولا بد أن يأتي القص في مستوي الشخصية نفسها، وهي في النهاية أدب وليست صورة منقولة، فهي ليست كتابة مباشرة عن موقع، فالشخصية لا بد أن تتكلم بطبيعتها بدون تصنع. فكان من الضروري المزج بين العامية والفصحي مع استخدام مصطلحات: "الشات" لإحداث توازن بين الأدب والنقل المباشر. أما عن النكات فمعظمها تقولها سيدات لأنهن في الغالب المقموعات، وعندما يجدن فضاء لا يعرفهن فيه أحد، تصبحن متحررات كثيرا، ثم إن "الجروب" كله يروي النكات للسخرية من الواقع ومن الحياة المصرية، وهذا هو السبب.
* كتبت كثيرا عن الإسكندرية، وعن القاهرة أيضا، وأخيرًا انحزت إلي الفضاء الإلكتروني كمكان محوري.. كيف تري ذلك؟
أنا لم أجد ما يمنع من الكتابة عن مدينة وهمية أيضا، وبخاصة أن هذا الفضاء به كثير من الكذب أو تغيير الواقع، مما يتيح حرية أكبر للمبدع، وتغيير الواقع أساسي في الأدب. فنحن إذا نقلنا الواقع كما هو فلن ينجح، فالفضاء الإلكتروني يتمتع بالكثير من الحرية التي تتجاوز الواقع المعيش.
* لماذا جعلت الرواية دموية، كلها عنف وقتل وشر؟
تاريخ (البطلة) روضة به دموية لكن الرواية ليست كذلك.
* بل بها كثير من العنف وتصوير القتل، ليس بالتفصيل، لكن بقدر يكفي لإحداث الصدمة، لماذا؟
كانت تحكي عمن قتلتهم من قبل، وأولهم مدرس اللغة الفرنسية، ولكن من أعضاء الموقع لا يوجد إلا اثنان قتلتهما والثالث في الطريق. وهي شريرة لأنها بيعت كرقيق، هي أولا قتلت بالصدفة ثم استمرأت الأمر.
* ولماذا جعلت المنغولي يقتل؟
كتبت هذا عن طريق مختار محب، فهو يقول: إنهم أبرياء مثل الطبيعة، فهناك من تم توجيهه نحو القتل، وآخر تم قتله بالفعل، وثالث ضائع في الشوارع، كما أن هناك امرأة تحبه وتبحث عنه، يعني يتم توجيهه وهو لا يعرف ماذا يفعل، فمن حوله، هم من يسيِّرُونه وليست إرادته.
* المكان في رواياتك السابقة ولا سيما مدينة الإسكندرية كان يمنحنا كثيرا من الدفء والبهجة.. فلماذا نشعر في روايتك الأخيرة بالانقباض منه؟
- بانفعال هادئ يتساءل: لماذا في رأيك أنت؟
* فأرد: هو فضاء أشبه بمستنقع، عالم مملوء بتجارة مخدرات وجنس في المقابر وسحاق وغرق وشواطئ مهجورة في الشتاء!
- وبثقة يعلق صاحب "طيور العنبر": أكثر من هذا يحدث في الواقع، بالعكس أنا استخدمتُ جُمَلا دقيقة مثل ما قالته "مريم" لنفسها وهي تنتظر "نهي" في الفندق، هي حالة من الانهيار بدأتْ بهجر حبيبها لها ثم موت شخصية "لا شيء" مما تسبب في إصابتها بالانهيار.
* بمناسبة انهيار مريم.. كيف غيرت ثورة 25 يناير في الشخصية المصرية؟
غيرت الكثير، ولا تزال تغير، أصبح هناك احترام أكثر للآخر.. للإنسان عموما، فمثلا ساعد الظلم الذي وقع علي شخصيات الرواية، والظلم المتفشي في المجتمع علي إخراج أسوأ ما فيهم.
* ما الذي تخشاه من الثورة، وما الذي تتمناه؟
لا أخشي شيئا من ثورة 25 يناير، فهي مستمرة ولن يستطيع أحد أن يوقفها، ستكون هناك صعوبات بالتأكيد، وهذا طبيعي. وما أتمناه أن يفهم بقايا النظام السابق أن الدنيا تغيرت، لكن كثيرا منهم ليسوا ظالمين فقط، بل حمقي أيضا، هناك معركة كبيرة لتغيير رؤساء الجامعات والعمداء، المفروض ألا ينتظر هؤلاء أحدا لكي يُقيلهم، بل يجب أن يبادروا هم بترك مناصبهم، وهم أهل العلم والثقافة. صحيح أن بعضهم جيد، ولكنهم من دون استثناء جري تعيينهم من قِبَل أمن الدولة.
* في معظم أعمالك، يتسم فعل القص بالحركة والنشاط، بل بالضجيج أحيانا، ولكن عندما نصل إلي الحب نجد أنفسنا نبكي، بكينا مع (أمينة) في الرواية الأخيرة، كما بكينا مع كل قصة حب في رواياتك السابقة. هل هناك حب مقموع أو حب لم يكتمل في حياتك؟
لا يوجد حب مقموع، لكن عندما نكتب عن حب ناجح لا يشد أحدا، وحين نكتب عن حب أفشلته الحياة يختلف الأمر. كما أن هناك سببا آخر، فطيلة حياتي أجد النساء مقموعات، وكنت أري فتيات جميلات جدا ولكن نعاملهم بطريقة سيئة، وقمع غير مبرر، وحظهن في الأغلب سييء، وهذا في تكويني منذ طفولتي، وتسلل إلي الجانب الفني، بالإضافة إلي أني دائما أنحاز للمرأة.
* في روايتك الأخيرة نجد تشابها بينك وبين بعض الشخصيات، مثل: إبراهيم إبراهيم، مختار الكحيل، كذلك في كل رواياتك السابقة نجد تشابها، مثل: رشدي في "لا أحد ينام في الإسكندرية". هل تعي ذلك وهل يسعدك؟
بالفعل، رشدي في "لا أحد ينام في الإسكندرية" قريب من شبابي جدا، إنما مختار كحيل فيلسوف ويري أن الحياة الحقيقية وَهْم، وهو قد خرج من الزمان والمكان نتيجة ما حدث له.
* كحيل، ماتت له ثلاث زوجات فوضعته في منطقة العدم.. هل تشعر بذنب ما؟
لماذا أشعر بالذنب! أنا أتوحد مع الشخصية، وهو غير متلائم مع المكان والمجتمع، وهذا راجع إلي تأثير الفلسفة الوجودية عليه، وهذا النوع من البشر أحبه جدا. مختار كحيل أصابني بعقدة نفسية لأنني أسكنته في شقة بجوار التكعيبة - في الرواية طبعا وليس في الحقيقة - وبالمناسبة لم أقابل في الحياة مثله. وكلما مررت بالمكان أتوتر جدا وأصاب بحالة عصبية أخذت لها مهدئات، كأنها شخصية حقيقية، إلي أن انتهيت من الرواية. هو شخصية وجودية، وهذا موجود عندي في روايات كثيرة، ستجدين شخصا جالسا في ركن محطة سكة حديد، الزمن مرّ وهو لا يزال جالسا.
* هل تقصد "طيور العنبر"؟
"طيور العنبر" و"المسافات".. أنا دائما عندي هذا الإحساس الوجودي، مختار كحيل يبرر خروجه عن الزمن، كما أن ثقافته التشكيلية عالية جدا، فهو يري أن الفن التشكيلي أفضل من الحياة.
* كلامك جعلني أستحضر لوحة سلفادور دالي التي يصور فيها الساعات لينة مائعة.. مَن تحب من الفنانين التشكيليين؟
هناك كثير: مصطفي عبد المعطي، دوستاشي، وصلاح عناني، وأسماء كثيرة. من زمان وأنا أحرص علي ارتياد المعارض، كان يصطحبني إليها الفنان محمود بقشيش، رحمه الله، وكان يشرح لي، وكلما سافرت إلي الخارج زرت معارض ومتاحف.. اللوفر في باريس، وجويا في إسبانيا. والفن التشكيلي عالم ثري جدا، يضيف للمبدع كثيرا.
* هل تتبني فكر مختار كحيل؟
- لست متبنيا، فكل شخصية تحمل جزءا مني.
* لماذا قلًّ تعاطفنا مع شخصياتك في روايتك الأخيرة؟
- رد منفعلاً: هي رواية غير كل الروايات العادية التي تقوم علي بطل واحد أو اثنين وليس 19! من أين ستأتي المثالية لصبي محامٍ لا يستطيع أن يعمل محاميا. الصحفية "أحلام" التي تلخص ما حدث للحركة الشيوعية تدخل الموقع وتذهب دون إدانة، حياتها كلها كذبة، حتي "روضة" القاتلة لديها ما يبرر فعلتها، فالمهم البناء الفني للشخصية.
* الموت يشكل هاجسا دائما في رواياتك؟
لا أعلم.
* لك تجربة قاسية مع جائزة البوكر العربية.. هل تفكر أن تشترك فيها مرة أخري؟
جائزة البوكر العربية بلا قواعد، القاعدة الوحيدة المعروفة أن التقديم لها يبدأ في شهر يوليو، ثم تظهر القائمة القصيرة في شهر يناير!! لكن علي أي أساس يتم اختيار الأعمال؟ أوَّلا المسافة ما بين تقديم العمل والنتيجة قصيرة جدا، ولا تكفي لكي يقرأ المحكم حوالي 100 عمل قراءة صحيحة، فالمفروض أن تشغل مدة القراءة نحو عشرة أشهر علي مدار السنة. أيضا لا بد من تحديد: هل هي للشباب أم لكبار السن؟، هل هي لمصر أم للعرب أم تتغير كل عام؟ كما أن المفروض أن تكون لجان التحكيم سرية تتغير كل فترة، إنما كان من في الفندق والشارع يعلم ما يتم داخل اللجنة! الجائزة لا بد أن تحكم بقواعد وشروط صارمة، حتي لا نفاجأ مثلا باستبعاد نحو عشر روايات مرة واحدة، وهذا يشير إلي أنها لا يمكن أن تكون قد قرئت أصلا! وأتصور أن هناك حكومة سرية تحكم هذه الجائزة، ذات القيمة المعنوية الكبيرة لأنها تحمل اسم البوكر.
فلا يجوز أن يكون لدينا في الوطن العربي نقاد كبار، ونجد أن أغلب الحكام من الشعراء أو الروائيين!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.