عقد نادي القصة بالقاهرة مؤخراً ندوة لمناقشة رواية "رجال الظل" لمحمد جبريل، استهلها الكاتب حسين قدري بقوله: قرأتها في جلسة واحدة، وهي لا تعتمد علي فصول، بل تأتي في نفس سردي واحد، وبعد ذلك قرأتها علي امتداد ثلاثة أيام. وأضاف: من لم يتنبه إلي عام صدورها يتصور أنها صدرت منذ أيام، فهي تتحدث عما تمر به مصر الآن. لقد وجدت فيها الحنين إلي الوطن الذي يستشعره كل من عاش مثلي في الغربة، ومن خلالها استعدت الأماكن والأحداث التي تدور في فرنسا، وكأنني أسير في شوارعها. وحرص في نهاية حديثه علي أن يربط حسين قدري بين الرواية والأحداث السياسية قبل ثورة 25 يناير. أما الناقد الدكتور حسين حمودة فقال: أعتقد أن هذه الرواية القديمة المتجددة للروائي المبدع محمد جبريل، لم تلق ما تستحق من اهتمام. لقد كتبت قبل سنوات واستكشفت موضوعًا مهمًا، ينبع من الاستشراف، لوقائع تالية لسنة إصدارها (طبعتها الأولي 2005) يشبه بلورة القوانين التي تحكم حركة بعض المجتمعات العربية في سعيها للتحرر، وفي حلمها للتغيير. وهي تقوم بهذا الاستكشاف من خلال تجربة فنية خالصة. وأوضح حمودة أن هناك ملامح تتعلق بالنبرة السردية التي تلوح وكأنها محاورة رفيعة المستوي مع تلك النبرة التي تأسست عليها رواية نجيب محفوظ "السمان والخريف"، الشخص المحوري الذي يتحرك في مشهد جديد، تغيرت فيه ملامح كثيرة علي المستوي الظاهري، لكن خلف هذا المستوي يقبع عالم آخر له ملامح مغايرة لما يبدو فوق السطح عنوان هذه الرواية "رجال الظل" يمثل ملمحًا أساسيًا لتناولها كله، حيث هناك السلطة الحقيقية التي تقترن برجال مختفيين كأشباح، بينما تم اتخاذ شخصية بعينها كواجهة لهؤلاء، لكن الروائي محمد جبريل يصوغ هذه الشخصية الواجهة صياغة غنية جدًا تجعله يتجاوز الدور الذي تم حصاره فيه، هو شخصية كثيرة الأسفار تمتلك قدرًا كبيرًا من الثقافة، فضلاً عن أنه كابد تجارب إنسانية كبري: الوحدة، والاغتراب، والفقدان، والموت. ولكل مفردة من هذه المفردات ترددات كثيرة واضحة داخل الرواية، يضاف إلي ذلك تجربته الغنية مع "شانتال" الفرنسية التي تثير الكثير من التساؤلات حول العلاقة القديمة المتجددة بين الشرق والغرب، كذلك تبدو شخصية "فضل" مثقلة بالتساؤلات الكبري حول المسافة بين معني الثورة، ومعني الانقلاب، وحول مكونات المجتمع الذي تتجاوز فيه سمات الطابع القبلي (البدوي) وأيضا الملمح العسكري الذي يعد سمة أساسية في عالم الإمارة غير المسماه التي كان قد رحل عنها إلي باريس منذ سنوات والتي يتم استدعاؤه منها ليقوم بدور الواجهة. وأكد حمودة أن الرواية تتبني مقارنة متعددة المستويات بين الإمارة وباريس في أزمنة متنوعة، من خلال هذه المفارقة، تجسد أبعادًا متعددة في الشخصية، كما تجد أبعادًا متعددة في عالم الإمارة نفسه.. "فضل" يحن للإمارة، ثم "فضل" في الإمارة يحن إلي باريس. ومن اللافت جدًا في هذه الرواية، سردها الغني الحافل بمستويات متنوعة، والسمة الأكثر وضوحًا في هذا السرد، تلك الاستدراكات التي تقدم نوعًا من التعليق علي الوقائع، أو الشرح لها، أو التساؤل حولها، بما يجعلنا ننتقل من مستوي تلقي الوقائع والأحداث إلي مستوي آخر يتأملها ويستكشف ما وراءها. وأضاف: أعتقد أن هذه الرواية الثرية، تجعلنا نتأمل ما يحدث الآن في عدد كبير من البلاد العربية، بأعين جديدة وبوعي أكثر نضجًا رغم أنها كتبت قبل أكثر من ست سنوات. واختتم محمد جبريل الندوة بالحديث عن مشروعه الروائي: أنا مهموم سياسيًا، ولدي مشروع ورؤية فلسفية ليس بالمعني الميتافيزيقي، ولكن بمعني الوجود وما هو حياتي. وأضاف: أنا إنسان عروبي، لا أكتب للمصريين فقط، ولكن أتوجه لأكثر من 350 مليون عربي؛ همومهم وآمالهم وآلامهم واحدة، ويظهر هذا الآن جليًا.. أتناول المقاومة في أعمالي الروائية بصوت هامس ما أمكن، لا أحب الجهارة والمباشرة. فأعمالي تدور حول المقاومة، ليس بحمل السلاح وإنما بمقاومة كل فاسد متعفن وقاهر.