حجازي يشارك في فعاليات المُنتدى العالمي للتعليم 2024 بلندن    رئيس جامعة المنصورة يتفقد سير امتحانات الفصل الدراسي الثاني بالكليات    وزير العمل يُعلن عدم إدراج مصر على قائمة الملاحظات الدولية لعام 2024    رئيس النواب: القطاع الخاص لن يؤثر على تقديم الخدمة للمواطن أو سعرها    وزيرة التضامن تلتقي بنظيرها البحريني لبحث موضوعات ريادة الأعمال الاجتماعية    باسل رحمي: جهاز تنمية المشروعات يحرص على دعم للمشروعات الابتكارية    نواب يوافقون على مشروع قانون المنشآت الصحية: صحة المواطن أولوية    رئيس جهاز السويس الجديدة تستقبل ممثلي القرى السياحية غرب سوميد    شون وصوامع المنيا تواصل استقبال القمح وتوريد 244 ألف طن منذ بدء الموسم    زياده 11%.. موانئ البحر الأحمر تحقق تداول 704 آلاف طن بضائع عامة خلال أبريل الماضي    وزارة التجارة والصناعة تستضيف اجتماع لجنة المنطقة الصناعية بأبو زنيمة    الشرطة الإسرائيلية تقتل فلسطينيا بزعم محاولته تنفيذ عملية طعن    الوقوف فى طابور وحفر المراحيض وصنع الخيام..اقتصاد الحرب يظهر فى غزة    ولي العهد السعودى يبحث مع مستشار الأمن القومى الأمريكى الأوضاع فى غزة    أوكرانيا: القوات الجوية تسقط 37 طائرة روسية دون طيار    المصرين الأحرار عن غزة: الأطراف المتصارعة جميعها خاسرة ولن يخرج منها فائز في هذه الحرب    أخبار الأهلي: أول قرار من كولر بعد التعادل مع الترجي التونسي    مدينة مصر توقع عقد رعاية أبطال فريق الماسترز لكرة اليد    نصائح لأولياء أمور طلاب الثانوية العامة.. كيف نواجه قلق الامتحانات؟    الأرصاد: استمرار الموجة شديدة الحارة حتى هذا الموعد    ضبط 100 مخالفة متنوعة خلال حملات رقابية على المخابز والأسواق فى المنيا    إصابة 4 مواطنين فى مشاجرة بين عائلتين بالفيوم    إحالة أوراق عامل للمفتى قتل جدته المسنة لسرقة مشغولاتها الذهبية في البحيرة    الحب لا يعرف المستحيل.. قصة زواج صابرين من حبيبها الأول بعد 30 سنة    عماد الدين حسين: تعطيل دخول المساعدات الإنسانية لغزة فضح الرواية الإسرائيلية    وزيرة التضامن الاجتماعي تشهد إطلاق الدورة الثانية لملتقى تمكين المرأة بالفن    توقعات الأبراج 2024.. «الثور والجوزاء والسرطان» فرص لتكوين العلاقات العاطفية الناجحة    رئيس النواب يذكر الأعضاء بالضوابط: ارفض القانون أو جزءا منه دون مخالفة القواعد    إزاي تحمى أطفالك من أضرار الموجة الحارة    البدري: الأهلي قدم مباراة جيدة أمام الترجي .. وتغييرات كولر تأخرت    تعرف على شروط مسابقة «التأليف» في الدورة ال 17 لمهرجان المسرح المصري    صور| باسم سمرة ينشر كواليس فيلمه الجديد «اللعب مع العيال»    في ذكرى وفاته.. محطات بارزة في تاريخ حسن مصطفى    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 19-5-2024    حنورة: يمكن للشركات المصرية التقدم لعطاءات الطرح العالمي للجهات الدولية بالخارج    ترامب ينتقد بايدن مجددًا: «لا يستطيع أن يجمع جملتين معًا»    وزير الصحة: التأمين الصحي الشامل "مشروع الدولة المصرية"    طريقة عمل الكمونية المصرية.. وصفة مناسبة للعزومات    رضا عبد العال: الأهلي حقق المطلوب أمام الترجي    القومي لحقوق الإنسان يستقبل السفير الفرنسي بالقاهرة لمناقشة التعاون المشترك    افتتاح دورة تدريبية عن تطبيقات تقنيات تشتت النيوترونات    ضبط 34 قضية فى حملة أمنية تستهدف حائزي المخدرات بالقناطر الخيرية    موعد عيد الأضحى 2024 وجدول الإجازات الرسمية في مصر    رفع اسم محمد أبو تريكة من قوائم الإرهاب    بيت الأمة.. متحف يوثق كفاح وتضحيات المصريين من أجل استقلال وتحرير بلادهم    الأمور تشتعل.. التفاصيل الكاملة للخلافات داخل مجلس الحرب الإسرائيلي    منها «تناول الفلفل الحار والبطيخ».. نصائح لمواجهة ارتفاع درجات الحرارة    «البحوث الإسلامية» يوضح أعمال المتمتع بالعمرة إلى الحج.. «لبيك اللهم لبيك»    استقرار سعر الدولار مقابل الجنيه المصري في أول أيام عمل البنوك    إقبال الأطفال على النشاط الصيفي بمساجد الإسكندرية لحفظ القرآن (صور)    حقيقة فيديو حركات إستعراضية بموكب زفاف بطريق إسماعيلية الصحراوى    إصابات مباشرة.. حزب الله ينشر تفاصيل عملياته ضد القوات الإسرائيلية عند الحدود اللبنانية    الحكم الشرعي لتوريث شقق الإيجار القديم.. دار الإفتاء حسمت الأمر    تعليق غريب من مدرب الأهلي السابق بعد التعادل مع الترجي التونسي    مدرب نهضة بركان: نستطيع التسجيل في القاهرة مثلما فعل الزمالك بالمغرب    محمود أبو الدهب: الأهلي حقق نتيجة جيدة أمام الترجي    عماد النحاس: وسام أبو علي قدم مجهود متميز.. ولم نشعر بغياب علي معلول    الأزهر يوضح أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القريب الأمريكي:
مساءلة اللحظة الراهنة
نشر في أخبار الأدب يوم 08 - 01 - 2011

ثمة محاولة إبداعية لكشف المسكوت عنه في مجموعة (القريب الامريكي) للكاتب (علاء أبوزيد)، تقرر وبدهاء شديد الاشتباك مع الراهن المعيش، في أشد لحظاته تحولا وتشابكا، تتخذ في جلها طابعا إنسانيا محضا، تنحاز خلاله إلي قيم التسامح والتقدم والاستنارة،إذ تعري السياق الآني، محاولة رصد ما كان،عبر سرد شفيف،ولغة سلسة،وتنويعات قصصية متميزة، فعبر أربعة عشر نصا قصصيا تتشكل الملامح الفكرية والجمالية لها، والتي يهيمن عليها مساءلة القمع والتعصب الطائفي - علي مستوي الرؤية -، والانطلاق من دوال مركزية ثم البناء عليها لتشكيل عالم رحب - علي المستوي التقني- . وإذا كان "النهر " يمثل الدال المركزي، والمفردة الأساس في مجموعتي القاص علاء أبوزيد السابقتين:(فم النهر- الحافة)، فإنه لم يزل يملك حضورا واعدا في فضاء مجموعته (القريب الأمريكي)، غير أن عوالم النص قد اتسعت هنا، ولم تعد تحوي التجارب السابقة ذاتها، وإن وجد حس منها، فالحكي عن مراتع الصبا، وعوالم الطفولة وذكرياتها لم يزل قائما، وكأنه يحيل إلي عوالمه الأولي، خاصة حين يضع نصين هما: " فم النهر، و 1981" من مجموعتيه السابقتين، ويبقي دوما هذا الوعي الحاد بالمكان، والإلحاح علي خصوصيته، والتعاطي معه بوصفه فضاء لانفعالات البشر وهواجسهم، مثلما نري في قصص : ( الصليب يغادر النهر- الرجل ذو اللحية في انتظار خطابات الخالة - الطواف حول النخيل - رائحة من بعيد- رجل وامرأة)، غير أن ثمة نصوصا داخل المجموعة أسهمت في اتساع رؤيتها السردية، ترتكز في مجملها علي الاستفادة من الخبرات الحياتية المعيشة، والتعاطي معها بوصفها "مادةً خاماً" يمكن تطويعها وتشكيلها، بل وتضفيرها في بنية السرد، وهذا ما نراه في قصص مثل:" القريب الأمريكي، البعيد السوداني، الرهان الكويتي"، فالمشترك بين النصوص الثلاثة هو تيمة الارتحال المهيمنة عليها، هذا الارتحال القلق الذي يقوم به الراوي، أو المروي عنه، فالشخصية المركزية في حالة سفر في القصص الثلاث،إما مكافأة علي فوزها بجائزة، أوأداء لمهمة إعلامية، وتبدو الأسماء هنا حقيقية، والأحداث لها صفة الواقعية، في حال من الإيهام بواقعية الحدث القصصي.
ربما بدا العنوان ( القريب الأمريكي) قادرا علي صنع الدهشة، علي تفجير طاقات من السؤال المستند علي روح شاكة ومتسائلة، روح ترفض اليقين وتأباه، فهل ثمة"قريب أمريكي" في زمن التوحش الرأسمالي المسيطر علي العالم، والعولمة التي تلتهم كل شيء تحت إمرة السيد الأمريكي الجديد؟ إنه العنوان/المفتاح إذن،المفجر للسؤال، والباعث عليه في آن، والذي يمكن رؤيته موضوعيا في إطار النص الذي يتلو قصة "القريب الأمريكي" داخل المجموعة، وأعني نص "البعيد السوداني"، فعبرهما(القريب الأمريكي/البعيد السوداني) تتحقق المفارقة الكلية، ويتولد السؤال من جديد، غير أنه هذه المرة قد يكون خاصا بهذا القريب السوداني الذي بدا بعيدا، واللافت أيضا أن التيمة المركزية في القصتين واحدة وهي (الإخفاق)، حيث الإشارة إلي ذلك الحب الذي ولي تحت وطأة الواقع المثقل بالإشكاليات الطائفية، والعرقية، تلك التي يدينها الكاتب، واعيا بأن قرابة الوطن الواحد أشد وأبقي.
في " الصليب يغادر النهر" ثمة راوٍ رئيسي قابض علي زمام الحكي في القصة، موظفا صيغة الحكي بضمير المخاطب في المفتتح:"ها أنت تعود برغم قرارك ألا تعود"، وعبرمد شعري كامن في اللغة المستخدمة يتحرك القاص في مساحة واقعية صرفة، تحيل فيها الرموز إلي عالم دلالي، يتسم بالثراء والتنوع، فعلي الرغم من جاهزية الرموز(الصليب،النهر)، إلا أن التناول الفني السلس، والتعاطي المنفتح مع العالم، قد أسهما في تعميق الرؤية السردية، فضلا عن التوظيف الدال لضميرالمخاطب والذي غلف النص بمسحة من الأسي الشفيف: " قبل الغروب تجلس علي حافة النهر مراقبا طفلك الذي بدأ في إجادة السباحة، عندما تأكدت من مهارته في العوم توقفت عن مراقبته، كنت تتركه مع أصدقائه ورغم ذلك لم تكن مطمئنا، لا تقوي علي انتظار عودته داخل البيت، كنت تنتظره فوق الجسر القريب".(ص 12). كما أن هناك انتقالا دالا بين ضمائر الحكي المستخدمة في القصة، فبعد توظيف ضمير المخاطب في المقطعين الأول والثاني، يستخدم الكاتب ضمير الغائب في المقاطع الثلاثة الباقية ، والتي تشيرإلي حالة التوازي ما بين غرق الصبي، واحتراق الصليب، وكأن ثمة توكيدا علي النسيج الواحد الذي يشكل جماع الثقافة الوطنية المصرية. في(الرجل ذو اللحية في انتظار خطابات الخالة) يشير العنوان إلي الحدث المركزي في القصة، فثمة رجل ذو لحية ينتظر خطابات خالة السارد/الصبي، والمكلف بمهمة إرسالها، غير أنه (الصبي) لم يكن يفعل شيئا سوي تمزيقها، وتنتهي القصة بآلية الجملة المدهشة القادرة علي النفاذ إلي سيكولوجية المتلقي، والحاملة لمعني دلالي خاص:" في كل مرة كنت أخبر خالتي بأداء مهمتي ثم أعود إلي البيت، أقف أمام المرآة، أفتش في وجهي عن لحية ترفض أن تنبت ولا يبدو في الأفق أية إشارات لها" ( 20).فالولد الذي تأبي لحيته علي النبات يمثل علامة دالة علي مقاومة هذا المنحي المنغلق في التفكير، وتوميء الإشارات المبثوثة في القصة إلي نهايتها، حيث يعبر الصبي مرارا عن كراهيته لهذا الرجل المتسلط، والذي لا يوصف سوي بأنه "ذو لحية"، فعبرها ينصب من نفسه وصيا علي كل شيء، وهنا يستفيد القاص مما أسميه ب " الوسط البيئي " ، هذا الذي خبره جيدا، وهو ذاته العالم المحكي عنه ( عالم الجنوب ) والذي شهد تناميا للتيار الأصولي خاصة في عقدي السبعينيات والتسعينيات من القرن المنصرم.في" لونه أبيض" يعود مرجع الضمير في العنوان إلي ذلك الكلب (المفردة المركزية في العمل)، والذي يحيا حالاً من الجدل القائم علي الانفصال/ الاتصال مع السارد البطل في القصة، فبعد محنة الخوف من أن يكون الكلب المشتري أنثي، ومحاولات تسريبه المستمرة خارج المكان ، تبدأ مرحلة التواصل من جانب السارد معه، غير أن التوق إلي الحرية يظل شعوراً ملحاً علي الرفيقين (الكلب وصاحبه) و المرتبطين سوياً بابن العم، وحكاياته عن الشوارع، والمدن القابعة خلف قريتهما البعيدة.هنا احتفاء بالتفاصيل الصغيرة، سواء في بنية الحدث، أو في رسم الشخصية القصصية (المرأة التي يتدلي الحلق من أنفها).
في (الطواف حول النخيل) نري اعتمادا من الكاتب علي تقنية البناء الدائري، حيبث يبدأ النص من طواف طالب الدم/الثأر " الرجل العاري إلا من سروال أبيض" حول النخلة، ثم ينتهي إلي الحادثة ذاتها وقد صحبه المطلوب دمه،وكأنهما يدوران في حلقة مفرغة،وكأن هذا العالم السكوني الذي يرصده الكاتب تبدو حوادثه ومعاناته جاثمة علي الكل. في (رجل وامرأة) نري استمرارية العالم المحكي عنه وفق طقوسيته الخاصة، يتبدي ذلك في الإحساس المتسرب من الأب إلي الابن، وكأن الحياة بهمومها وآلامها لا تلبث أن تعيد كرتها من جديد.
في (رائحة من بعيد) تبدو القدرة البارعة للقاص علي اختزال مساحات زمنية شاسعة داخل نص قصير مكتنز، يتبادل فيه الأبناء مع الأب انتظار ذلك القادم المسكون برائحة العودة إلي المكان.
وبعد.. (القريب الأمريكي) مجموعة لها صبغتها الإنسانية الخاصة، تنطلق من اللحظة الراهنة لتسائلها بوعي وبصيرة شديدين، منحازة إلي التسامح الإنساني في مواجهة التعصب الأصولي، واقفة في خندق البشر، لا مع سطوة العرف والأنظمة القبلية المتسلطة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.