الندوة التي خصصها المركز القومي للترجمة لمناقشة كتاب "نظرات جديدة علي الكتابة التاريخية" لبيتر بوركي وترجمه الدكتور قاسم عبده قاسم.. الندوة التي أُقيمت بجامعة القاهرة أراد لها الدكتور محمد عفيفي أن تكون "لعبة" ذهنية، لتفكيك المتناقضات وتوليد أسئلة من مداخلة إلي الأخري.. وقد نجح بالفعل في أن يترك الحضور أمام أسئلة عديدة لا إجابات. المفكر السيد يس تحدث بداية عن علاقته بالتاريخ..عندما كان طالبا في المدرسة الثانوية دخل عليهم المدرس قائلا: لن نتحدث عن المنهج اليوم ..وإنما عن "أحمد عرابي المفتري عليه" وبالفعل قدم المدرس رؤية مختلفة عما تتناوله المناهج الدراسية. وقتها أدرك يس أن هناك رؤي مختلفة عما يتم تقديمه، وأنّ هناك تاريخاً رسمياً وآخر مختلفاً. وانتقد يس موضوعية بعض المؤرخين مستشهدا بمقولة لأحد الكتاب "موضوعيتك أن تعلن انحيازك منذ البداية" ثم قدم عرضا لاتجاهات الكتابة التاريخية الجديدة، مفرقا بين التاريخ السردي والتاريخ التأويلي، ومركّزا علي الفروق بين مفهوم التاريخ قديمًا وحديثًا، معددًا علامات الاختلاف بين المفهومين، مؤكدًا علي أن التاريخ بمفهومه الجديد يوسع من مجالات البحث التاريخي ويسمح بتداخل العلوم الإنسانية والاجتماعية، وهو الأمر الذي نفتقده في دراساتنا. الدكتور خالد فهمي قدّم ما يشبه محاضرة مختصرة، بدأ بعرض لوحة شهيرة من المتحف البريطاني ( السكيران) مشيرا إلي أنّ هذه اللوحة يعتبرها البعض "بداية الغرب الحديث"، ولكن تفاصيل اللوحة تكشف أن الشرق موجود، كامن فيها بقوة سواء في نوع القماش أو السجاد الذي تصوره اللوحة. وأضاف خالد: "الغرب هو نتاج تفاعل مع ما هو غير غربي" .فهمي رأي أنّ ترجمة الكتابة بداية لترجمة المراجع الأساسية المشار إليها داخل الكتاب حتي يمكن تقديم صورة متكاملة لمناهج التاريخ الجديدة. وركّز خالد علي بعض النقاط الخلافية التي وردت في مقدمة الدكتور قاسم أهمها الاختلاف حول تاريخ الجسد ، وتاريخ المرأة واعتبر خالد أن الحديث عن هذه المناهج ليس تفاصيل غير لازمة. فالكلام عن تاريخ الجسد يقوّض مبدأ ميتافيزيقياً غربياً هو ثنائية العقل والجسد، وهو محاولة ثورية لإعادة كتابة التاريخ. الدكتور عماد أبو غازي أشار إلي أن الكتاب يجعلنا ننظر بأسي إلي حال الكتابات التاريخية في مصر، وحجم المأساة فيها، إذ لا يوجد تطور في مناهج البحث التاريخي، فنحن ما نزال ضحايا لأسر الرؤي التي تحصر موضوع التاريخ في "الموضوع السياسي" ولا نجرؤ علي كسر هذه المنهجية.. وأقرّ أبو غازي بأنه لا توجد رؤية تحكم المستهدف من دراسة التاريخ في الجامعة المصرية، كما يوجد تهميش لمناطق جغرافية كاملة، منها الشرق الأقصي والأمريكتين. وأضاف أن فكرة الموضوعية ما تزال مهيمنة علي عقولنا وهذا وهم يشابه وهم "صدقية الوثيقة" التي هي نتاج سلطة، كما أن الأرشيف أيضا نتاج سلطة. من جهته أكد الدكتور محمد عفيفي رئيس قسم التاريخ بجامعة القاهرة مقولات أبو غازي مشيرًا إلي "بؤس الدراسة التاريخية في الجامعة وجمودها"، وذكر أن جامعات الخليج العربي باتت ترفض إعارات أساتذة التاريخ المصريين لتراجع معرفتهم قياسًا إلي مؤرخي المغرب العربي وتونس. وفي كلمته أشار قاسم عبده قاسم إلي أن الكتاب يؤكد أن التاريخ لا تمكن كتابته، فهو يحدث، ويُقرأ مرات عدة، في كل مرة قراءة جديدة، بغايات جديدة وهذا ما يقوله الكتاب، الذي يفتح عيون الباحثين علي قراءات جديدة للتاريخ.