I. اسطبلات سليمان / المسجد المَرْوانيّ النّملُ، هو كذلك، يُصلّي لسليمان. لم يبق طائرٌ إلاّ نقلَ رسالةً إلي إحدي نسائه. وكان مروان أَوّلَ بين الأوائل الذين صَدّقوا وآمنوا. II. تلّة باب المغاربة، أيضاً وأيضاً تتدلّي فوقها مقبرةٌ علي حَبْلٍ يربط سُرّةَ الشّرق بشفتي الغرب. مقبرة شبه طائرة. تكاد أن تملأ الأجواءَ بأنينها. بين ساحة البُراقِ والحَرم الشّريف تضحك أشجارٌ يلتصق عليها الغُبار. الهواءُ مِهذارٌ. لا يَنامُ إلاّ في غُرفٍ صامتة. يحرسها الأَمْنُ جلوساً في مركبات عسكريّة تقذفها الملائكة في أحضان القدس. III. حائط المبكي / حائط البُراق البكاء بَرْقٌ حيناً، وحيناً بُراق. يتعطَّرُ الحائطان بخطوات الله وأنبيائه ورسله "الذين لا نفرّق بين أحدٍ منهم". للورد الأحمر بين الحائطين ظِلٌّ يتدثّر بثوبٍ أسود. IV. النّفق الغربي / نفق عين سلوان / نفق وادي حلوة سَتُضاء الأنفاق بمشاعلَ تحملها الآفاق. أنفاقٌ تَتجشَّأُ الموت، فيما تبتلعُ الحياة. أصواتٌ تنبعث من جوف الأرض. أهي حوارٌ بين سليمان والهدهد وبلقيس؟ النَّملُ يغارُ، ويَسْترقُ السَّمع. V. كنيس أوهل يتسحاق اسألوا الصّلاةَ نفسَها، وسوف تقول لكم: خيرٌ لي أن أكون رَقْصاً. العقار الذي بني فيه الكنيس لا يزالُ يشكو. يرافقه، بُكاءً، حَمّام العَين. يرافقه المسجد الأقصي، أحياناً. ويكون خان تنكز المملوكي مأخوذاً بالبحث عن ماءٍ للوضوء. دائماً تفوته صلاة العشاء. يتسلّل إلي ساحة البراق ويراقب فيها وحولها ملائكة الحزن. VI. بيت هتسلام / بيت شارون ما جدوي بيتٍ يفتقد حتي الماءَ والهواء؟ وليس حوله أيّ طائر. هُسْ! عسكريٌّ يتنكّر في شَكْل عمود. VII. باب العمود ماذا لو زُلزل المعجم، وسُمّيَ الباب عموداً، والعمود باباً؟ تضع الطّريق الرّومانية قبّعتها علي باب العمود، حاملةً زهرةً في اتّجاه طريق الواد _ كاردو _ ديكامانوس. بيزنطية، الخلافة الأمويّة، الخلافة العبّاسية، الصّليبيّون، الأيوبيون، المماليك، الإنكليز _ تُسمع أصواتُهم اليوم، وتُمكن حتي الآن، رؤية الغرف التي ينامون فيها، وأسرّة الجواري. VIII. مغارة سليمان / (مغارة الكتان) هل ثوب المرأة جزءٌ من بشرتها؟ أعترف أنّ في السّؤال جرعةً من شرابٍ مُسكر. هل يقدر سليمان أن يتحدّث مع مغارته؟ IX. أرض الصَّبْرة ما أغربَ عذاب الأرض: لا يمزّقها هي. يمزّق من يَسيرُ فوقها. X. سوق الخواجات ماذا تفعل الذّكريات التي تتجوّل في أكياسِ القمامة؟ سِروالٌ: قَرْنا غزال. XI. برج اللَّقلق موسيقي تبكي في أجنحة اللّقالق. رقصٌ يعتذر لأعشاشِها. XII. عين سلوان لِلسّحر في فلسطين عينٌ لا ترَاها العين. XIII. أرض صيام لا بأسَ أن ترجئَ صيامكَ، أيّها الأفق. أَفْطِرْ، لكي تقدر أن تُمطر. XIV. وادي النّار / وادي حلوة نارُ الوادي وادي النّار. وكلّ وادٍ حوض، غير أنّ وادي حلوة سؤال. XV. تلة الضهور (مدينة داود) عجباً! كيف قبلت مدينة داود أن ينقلبَ اسمُها إلي تلّة الضّهور؟ وكيف لم تتزلزل قارّة اللّغة؟ أيّتها الدبّابات، أيتها القنابل، تقول لكِ الطّاقة: مَزّقي البشرَ، أوّلاً. ثمّ الكائنات الأخري، لكن بلطفٍ، وسمّي هجومكِ دفاعاً، أو سعياً إلي السّلام. تعرفين أنّ الله هنا كائِنٌ مُتخيَّلٌ، وأنّ الشيطان كائنٌ واقعيّ. اصرخي، إذاً، عليك أيّها المؤمن أن تفرّ من الواقع. ولماذا تعيش فيه؟ الهربَ، الهرَبَ إلي ما وراءه. XVI. عين أم الدَّرج امرأة ليست سمكةً ولا جنّيةً ولا حوريّةً تعيش هانئةً في هذه العين. XVII. شارع السّلسلة سلسلةٌ من أجنحة اليمام تجرّ، برفْقٍ، يمامةً جريحة. XVIII. شارع الواد من يعرف كيف يختبئُ داخل صوته؟ XIX. طريق الآلام لا شيءَ خُلِق، لا شيء يخلق في فلسطين إلا بدءاً من هذه الطريق. والقَبْرُ مَنِيٌّ قُدْسيّ. XX. قُبّة الصّخرة هل تكفي فلسطينَ صَرْخةُ أَن تتأرجح فوق رأسها قُبّةُ العالم؟ هل يكفيها أن تثقبَ دموعُها صخرَ التّكوين؟ نَهارُها يمتطي فَرَس اللّيل، وليلُها يَمْتطيه البُراقُ: بعض السّفَر تاريخٌ، وبعضهُ تآويل. وفي كلّ ضالّةٍ تَنْحفر هاويةً للضّلال. يا لهَذهِ الطّبيعة / الجنينِ _ الطفل _ القبر / القَبْر _ الجنين _ الطّفل خذُوها في استدارةٍ، في مُثلَّثٍ، كيفما شئتم، أَنّي شِئتم، لا نهايةَ إلاّ في هذه اللاّنهاية. كانت يمامَةٌ تَشهق في كنَفِ القُبّة. كان سِراجُ القبّة يرفرفُ كمثل فراشةٍ تتجنّح باللّهَب. رجلٌ وامرأة يتعانقان أبيض سوداء انتظروا ألوانَ الولادات. لا ترفع إصبعكَ أيّها التّاريخ لكن أنتِ ارفعي إصبعَكِ، أيّتها الأبديّة. XXI. النَّفق _ (عين سلوان، وادي حلوة، النَّفق الغربي _ أيضاً، وأيضاً). النَّفَقُ هو أن تُولدَ حيث تشاء، قبل أن تُولد. أن تكون لك جذورٌ وأَنْساب حيث لا تعرف ولا مكان لها. أن تقول: ما فوق النَّفق لي، وما حوله، وما قبله، وما بعده. و"لتنفجر السّماء غيظاً"، يقول سيّد النّفق. وقل يا سيّد النّفق: سأنتخب الرّيحَ التي أشاءُ لكي تحمل بساط المعنَي. وسآمرُ الفضاء لكي يأمرها بأن تكون ليّنةً رُخاءً مطيعةً لا تخرج من نَفَقٍ إلا لكي تدخلَ في آخرَ أكثر امتداداً وعمقاً. وأنتَ أيّها المقيمُ، تكوّرْ داخلَ بيتكَ. لا تخرج إلاّ عندما يقول الضّوء الحارس الطالع من النّفقِ: اخرجْ. إذ لا مهربَ من نَفَقٍ إلاّ عِبْرَ نَفَقٍ آخر. المستقبل أنفاق. الأطفالُ في هذا المستقبل صناديقُ، دُميً، عُلَبٌ ملغومة، صراصيرُ مقنبلة، حديدٌ مطبوخٌ بتوابلَ من كلّ نوع. من النّفق تخرج أسراب أسماء. لكلّ اسْمٍ زيٌّ. لكلّ زيّ قَبْرٌ كتبت عليه هذه الشاهدة: مِن التّراب جاء العرب وإلي التّراب يعودون. النّفق تاريخٌ آسِن. حتي لو تركتَ النّفقَ إلي فراغه، أيّها المُتاجر بما ليس إلا فراغاً، فإن النّفقَ لن يتركك. "ثمّة شموسٌ لا تشرق إلاّ ليلاً"، يقول لك، فيما يمدّ لك حبل الغواية. اسْتَرقِ النّظرَ إلي بداية النّفق، وسوف تري فيه نهايتكَ. النّفَق نعشٌ آخر. الطريق هنا ضيّقةٌ لكن غير بعيدةٍ عن الجَنّة. تاريخٌ _ ماءٌ اصطناعيٌّ تسبح فيه السّلالات وأَنسابُها. لم يترك شيئاً إلاّ تحدّث عنه _ لكنه لم يقل أيّ شيء. أعمي له شكلُ ملاكٍ يتكئ علي باب النّفَق: هل ما يقال هنا حقيقة؟ أوه، كيف إذاً، تجرّأتَ علي النُّطْق؟ أَكمِل أيّها الأعمي: النّفق مليءٌ بالنساء، لكن، ليس فيه إلاّ رحِمٌ واحدة، رحمُ امرأةٍ كان اسمها حوّاء، طلّقها زوجُها، وكان اسمه آدم. هكذا، للنّفق عاشِقٌ واحدٌ: الجدار. مع أنّ في النّفق أنفاقاً كثيرة. لا نزال نتأرجح علي فُوّهة الهاوية، يقول الأعمي. لم أكد أقول: القدس ثوبٌ، حتي هجم العرب جميعاً لكي يلبسوه، قال النّفق.