يدك الصغيرة لا تقوي علي حمل الحقيبة المكدسة بكتب لم تجد فيها إجابة عن سؤال واحد من سرب الأسئلة التي تؤرق ليلك الممتد. تلقي بالحقيبة وتستبدل زي المدرسة بزي آخر لا تتصارع فيه الألوان . تماهت فيه كل ألوان قوس قزح لتفسح المجال للون الأسود الذي سيخضب وجهك ويزحف علي جسدك يحيل مسامه إلي بقع ضبابية مزمنة . يدك التي خطت علي جدران المدرسة قصيدة وقلبا يخترقه سهم عليه اسمك واسمها تمسك الفأس تقطع جذوع الأشجار . تجاورك تلال من خشب ينتظر دوره في رحلة الوأد لكل أشكال الحياة فيه ؛ يصارع الحرق والطمر ليتحول إلي فحم أسود مثل قلوب الذين يتفكهون الآن علي وجهك الموشي بالسناج . قطرات العرق تفسح لها طريقا من أعلي الجبهة ، تستريح علي جفنيك لبرهة ثم تنحدرعلي وجنتيك ترسم نهرين متوازيين . تعلم أنهم يراقبون انحناء ظهرك المنكب علي قطعة الخشب العصية . لا يعلمون أن بداخلك عصيان الكون كله لترفض النظر لوجوههم المستنسخة . تقاوم رغبة جامحة لتصرخ فيهم كي ينظفوا قلوبهم قبل أن يطلبوا منك غسيل وجهك .تهوي بفأسك ، تصم أذنيك ، تتراءي أمام ناظريك صورة أبيك المسجي علي أريكة خشبية حسبتها ستؤلم ظهره يومها . تتجمد الدموع في عينيك وأنت تراهم يخفون والدك تحت الأرض. تسمعهم يأمرونك بطمر الخشب كما يفعلون . تمسح بقايا العرق ؛ تخشي أن يحسبوها دموعا فقدكبرت واتقنت زيف الرجال . هسيس النار المتأججة وراء ظهرك تتجبر عليك ، تشعر بها تلفحك . تأبي الخضوع لرغبة جامحة في معانقة الريح وترك المكان . تقاوم حتي ينتهي النهار وتقبض يدك علي جنيهات تبذل جهدك كي تحميها من خضاب الليل الذي قد يشي بك أمام زملائك وأمامها . علي شاطيء النيل تخلع قميصك المتعرق . تغتسل مرارا . ترتدي قميصا زاهي الألوان متنكرا للون الأسود . تخفي القميص الآخر بين أفرع صفصافة مجاورة . تقبض علي جنيهاتك . تعرج علي بيتها . تراها في الشرفة تنتظر مرورك . تلقي اليها بزهرة برية ، وتعود لأمك تدس في يدها جنيهاتك النظيفة .