اختار الروائي علاء الأسواني الرّد علي منتقدي تصريحاته -التي تضمّنها حواره الأخير ب"أخبار الأدب"- بدون الإشارة إلي أسمائهم، مؤكداً أن الأمر ليس شخصياً.. وليست بينه وبين أحد أية عداوة. الأسواني ردّ علي نقاط تلخّص إجمالاً كل الآراء التي نشرتها الجريدة في أعقاب الحوار. الاتهام بالتحريض علي قتل الناقد الفرنسي ريشار جاكمون هذا التصريح لا يمكن التعامل معه علي محمل الجدية، فلا أنا حرّضت ولا سأحرّض ضد أي شخص. القول بأنني محرّض أمر يدعو إلي السخرية، وهو محاولة للابتزاز أو الإرهاب الفكري لمحاولة منعي من إبداء رأيي في موضوع الاستشراق.. وفي السياسة التي انتهجها ريشار جاكمون أثناء تولّيه مسئولية المركز الفرنسي بمصر. "عريف" البرادعي الذي أدار لقاءه بالمثقفين أنا لا أفهم كلمة "عريف"، وقائلها يكرر إهانات تم تداولها بعد اللقاء الذي كنت أديره مع الدكتور محمد البرادعي. أنا من المقرّبين للدكتور محمد البرادعي، وهذا شيء يشرّفني ويشرّف أي إنسان، وحدث أنه دعا للقاء الكتّاب والمثقفين، وحضر اللقاء حوالي أربعين كاتباً وفناناً، ولأنّ الدكتور تغيّب عن مصر لفترة جعلته لا يتابع كل الأسماء التي ظهرت في الساحتين الثقافية والفنيّة.. طلب إليّ إدارة هذا اللقاء، وأظنّ أنني بذلت جهدي لكي تكون إدارة اللقاء متوازنة وموضوعية ومهذّبة، وقمت بتقديم كل زميل طلب الكلمة ومنحت الجميع وقتاً متساوياً في الكلام. تخوين المثقفين والتهجم عليهم والحطّ من مقدارهم المثقف موقف، ولا يجوز أن يتعاون مع نظام قمعي استبدادي في أي مكان بالعالم لتحقيق مصالحه الصغيرة علي حساب مصالح المواطنين البسطاء، والمثقف الذي يتحوّل إلي بوق من أبواق الاستبداد يفقد احترامه لنفسه واحترام الناس له، هذه بديهية علي الكوكب، ولو أنك استعرضت أي اسم من أسماء الروائيين الكبار في العالم ستجد أنّ سود موقفاً واضحاً من قضايا الحريّة والاستبداد، وهو يقف _دائماً- مناصراً لحقوق الناس ضد أية سلطة غاشمة. الهجوم علي جاكمون.. بسبب انتقاد "عمارة يعقوبيان" هذا غير صحيح إطلاقاً، ولا أعرف من أين أتي أصحاب هذا الكلام به. خلافي مع جاكمون لم يكن خاصاً برأيه النقدي في أعمالي، وهو من أوائل الناس الذين أشادوا بها.. ويستطيع -من يريد- العودة إلي أرشيف صفحة الأدب بجريدة الأخبار عام 1989 وسيجد أنه أثني عليّ ثناء كبيراً جداً، كما أنني شأن الكتّاب جميعاً أتعلّم من الناقد الحقيقي، وقد حزتُ علي تقدير كبار النقاد في مصر والعالم، ولم يكن هذا التقدير مديحاً صرفاً فقط، وإنما كانت هناك ملاحظات أدرسها بعناية حتي أستطيع تطوير أدائي الأدبي. "عمارة يعقوبيان" لم تنجح بسبب ريادة فنية أو لغوية أو بنائية أكاد أشفق علي الذين يتضايقون من النجاح الذي أحرزته بفضل الله لأنّ موقفهم أصبح صعباً جداً، وبالتالي هم يستعملون حججاً فارغة لا يمكن _حتي- مناقشتها.. "عمارة يعقوبيان" حققت نجاحاً أدبياً عالمياً، علي المستوي النقدي أولاً ثم الجماهيري، وأريد القول إن النجاح الذي حققته سواء في "عمارة يعقوبيان" أو في أعمال أخري لا يخصّني وحدي، وإنما يشترك معي فيه الأدب المصري والعربي عموماً، وبالتالي أتمني أن يري الزملاء الأدباء أنّ أي كاتب ينجح في فتح ثغرة في النطاق العالمي _كما فعلت- إنما يفتح باباً حقيقياً للأدباء العرب جميعاً، أما الذين تعميهم مشاعر الغيرة عن رؤية الحقيقة، فأنا جدّياً أنصحهم بممارسة اليوجا، حيث ستخلّصهم تمرينات التنفّس العميق من كل مشاعرهم السلبية، وتحويلها إلي طاقة إيجابية، وبعد أن يمارسوا اليوجا سيوافقون علي رأيي، وسيرون النجاح الذي حققته بطريقة أخري. المركز الثقافي الهندي يُنظّم دورات لتعليم اليوجا بأسعار وفي أوقات تناسب الجميع، ولهذا لا حجة لهم في عدم تعلّمها. "الظاهرة الخطر" وكراهية النقد بأشكاله سأترك هذه النقطة لكي يرد عليها الذين يعرفونني شخصياً، أعتقد أنّ لديّ عيوباً مثل أي إنسان، ولا أظنّ.. بل أقطع أنّ الغرور ليس من عيوبي إطلاقاً. احتفاء الصحافة الهولندية حكاية كاذبة يستطيع من يريد العودة إلي الصحافة الهولندية ليري كيف تم تخصيص صفحات كاملة لزيارتي في الجرائد الهولندية الكبري، وتم استقبالي في المهرجان الأدبي الهولندي بشكل يشرّفني ويشرّف الأدب العربي كله، وأنا فخور لأنني من أكثر الأدباء العرب الذين حظوا بتقدير في هولندا. المغالاة في نقد المثقفين وعلاقتهم بالدولة أنا أقبل وجهات النظر وأتعلّم منها، ولكن التواطؤ مع الاستبداد ليس وجهة نظر، عندما تترك الشعب الذي تنتمي إليه تحت مطرقة القمع والاستبداد وتتحوّل إلي حامل أختام لوزارة الثقافة أو يتم شراؤك بمنح التفرُّغ أو بعضوية لجان مدفوعة الأجر لا تنعقد أبداً، أو يتم تعيينك كمستشار لوزير لن يستشيرك أبداً وإن كان سيبعث إليك في أول الشهر بمرتب كبير.. حينما يحدث ذلك فأنت خائن كبير، تخلّيت عن مصالح الناس بسبب مصالحك الصغيرة، وبالتالي لا تطالبني باحترامك لأنني لن أحترمك أبداً! تكفير الخصوم والتحوّل من كاتب إلي داعية أنا أفخر بأنني أكثر من عبّر ودافع عن حرية التعبير في مصر، وحينما قتل الإرهابيون الأستاذ فرج فودة دافعت عن حقه في الاختلاف بمقالة نشرتها بجريدة "الشعب" التي تنتمي للتيار الإسلامي، وخلال أزمة الدكتور نصر أبو زيد كتبت مقالة عن حقه في الاجتهاد نشرتها أيضاً ب"الشعب" رغم أنها كانت تأخذ موقفاً معادياً منه. كنت أصرّ علي النشر بجريدة التيار الإسلامي حتي أستطيع إيصال رأيي إلي من يحتاج إليه لأنني لو نشرتها في صحف اليسار فلن يحتاجه اليساريون.. ولكن عندما يكون شخص ما مسئولاً عن ترجمة الأدب المصري إلي الفرنسية ويغفل عمداً كاتباً في وزن بهاء طاهر أو محمد المخزنجي، ويرفض ترجمة أعمالهما ثم يحتفي برواية ركيكة مثل "الصقّار" فمن حقي أن أشك في ذائقته الأدبية ومن حقي اتهامه بأنه يمارس عمله طبقاً لأجندة لا علاقة لها بالأدب من قريب أو من بعيد، وهذا ليس تكفيراً! التنكّر لجاكمون رغم أنه صاحب الفضل الكبير أنا مدين بتقديمي إلي الأدب الفرنسي لشخصين لم أكن أعرفهما وهما الآن من أفضل أصدقائي، المفكر الفرنسي تيري فابر رئيس تحرير مجلة "صوت الجنوب". إنه رجل محب للثقافة العربية ولمصر وقد تزوّج مؤخراً من مثقفة سورية اسمها نيل، وأنجب طفلاً أسماه ب"قيس"، ونظرته للعرب متخلّصة تماماً من أي استعلاء أو عنصرية. حدث أن تيري فابر قرر أن يُخصص عدداً من مجلته للرواية المصرية، وكنت من ضمن الذين تم تقديم أعمالهم في هذا العدد، وبمجرد أن قرأ ثلاث صفحات من "عمارة يعقوبيان" قرر فابر الذهاب إلي صاحب دار نشر "أكت سود " وأصرّ علي ترجمة الرواية بالكامل وأقنعه بهذا حتي إنها نُشرت في إصدار خاص اسمه "أكت سود أزرق" نظراً لأنها لم تكن مدرجة في خطط النشر. "أكت سود أزرق" السلسلة المستحدثة هي التي ستنشر أعمالي فيما بعد.. أما الآخر فهو الدبلوماسي جيل جوتييه. كان قنصل فرنسا بالإسكندرية، وخدم في مناصب متعددة بالعالم العربي، وهو أيضاً مثل فابر محب للثقافة العربية، وعندما قرأ الرواية قرر ترجمتها قبل أن يتّصل بأي دار نشر، وعمل علي ترجمتها لمدة عامين، وحينما علمت أنا وتيري فابر بذلك أخبرنا "أكت سود " التي طلبت إليه أن يرسل بالترجمة فوراً، واكتشفوا فيه مترجماً موهوباً، وهذه الترجمة هي التي نُشرت للرواية وحققت نجاحاً كبيراً في فرنسا، وأصبح جوتييه صديقاً عزيزاً كما أصبح المترجم الوحيد لي في الفرنسية، وهو الآن من أشهر المترجمين هناك. هذه هي قصة تقديمي للقارئ الفرنسي، وهكذا ليست هناك علاقة للسيد جاكمون بها من قريب أو من بعيد. سهولة قراءة "عمارة يعقوبيان" ترجع إلي تدهور النظام التعليمي هذا كلام بالغ الشذوذ، فهل أصبح تعذيب القارئ بنصوص مملة وسقيمة هدف بعض الأدباء؟! وإذا كان نجاحي في مصر والعالم العربي بسبب تردي التعليم.. فهل التعليم مترد في فرنسا والدنمارك وانجلترا وإيطاليا؟! كل هذه البلاد حققتُ فيها نجاحاً كبيراً علي المستوي النقدي والجماهيري.. هذا الكلام يدلّ علي مشاعر سلبية لن يتم القضاء عليها إلا بممارسة اليوجا كما أسلفت! عن اقتصار القرّاء علي طبقة البرجوازية هل توجد طبقة برجوازية في مصر؟! مصر تعاني من سحق الطبقة المتوسطة. إنه كلام بالغ الطرافة، ويستطيع من يردده أن يحضر مدعوّاً لأي حفل توقيع خاص بي، وسيري أنّ معظم من يقفون في الطوابير من أجل الحصول علي نسخة موقّعة مني هم من الأسر العادية جداً! عن الحدّة والتطرف في طرح الآراء أنا لست حاداً أو متطرفاً، أنتم من تواطأوا ضد الشعب المصري، وإذا كنت كاتباً حقيقياً فمكانك الصحيح بين الناس، وليس في حجرات السُّلطة المكيّفة، وإذا كنت مثقفاً حقيقياً فإن قضية خالد سعيد فيصل في تقييم موقفك الإنساني بالنسبة إليّ. باختصار.. لا قيمة لك إذا لم تقف ضد الظلم والتعذيب والقمع. جنون العظمة بسبب الشهرة المرعبة من يرددون هذا الكلام شخصيات غير سويّة. لأن كل الشخصيات الروائية غير سويّة تجاه النجاح هذا الكلام يعكس معرفة ناقصة وسطحية بفن الأدب، يشرّفني أن يشاركني الاتهام فيه أهم روائيين بالعالم. لم تكن شخصيات تيودور دستويفسكي سويّة، ويكاد الروائي العظيم جابرييل جارثيا ماركيز يحتكر تقديم الشخصيات التي تعاني وتنحرف في الحياة، وأنصح من قال هذا الكلام الفارغ أن يقرأ عيون الأدب العالمي ليفهم أن تقسيم الشخصيات إلي طيّبة وديعة، وأخري شريرة شرسة يليق فقط بالدراما التلفزيونية التافهة، أما الأدب فهو أعمق بكثير.. وأختم هنا بواقعة طريفة، فقد سُئل الروائي الروسي العظيم ليو تولستوي: لماذا تكتب عن البؤساء والتعساء ولا تكتب أبداً عن الناس السعداء؟! ففكر قليلاً وأجاب: "أنا لن أكتب عن السعداء لأنهم مملّون ومتشابهون، ولا يحتاجون كتابتي. أنا أكتب فقط عمّن يحتاج لكتابتي"!