في أبريل الماضي تم إطلاق دار بلومزبيري مؤسسة قطر للنشر، كثمرة للشراكة بين مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع ودار نشر بلومزبيري البريطانية الشهيرة، ناشرة هاري بوتر وخالد حسيني ومارجريت أتوود. الدار الوليدة تنشر بالعربية والإنجليزية، وتترجم من العربية إلي الإنجليزية والعكس، كما أنها تتكئ علي اسم الدار البريطانية الشهيرة وتستفيد من شبكة توزيعها علي مستوي العالم. كل هذا يدلنا علي أن الوافد الجديد قد يحدث تغييراً في عالم النشر عربياً، لكنه لا يبدد تماماً بعض الشكوك حول قدرة القائمين عليه علي فهم خبايا هذا العالم والمشكلات التي يعاني منها، وتحديداً فيما يخص المشكلات المستعصية علي الحل كالرقابة وما يترتب عليها من حواجز تمنع انتقال الكتب بسهولة من بلد عربي إلي آخر. ومع انطلاق أي كيان نشري جديد، خاصة إذا كان يحمل اسماً في أهمية بلومزبيري، من الطبيعي أن تثار الأسئلة حول الخط العام الذي سيسير عليه ونوعية الكتب التي سينشرها، وبالأساس حول الجديد الذي يمكن أن يقدمه لسوق يتسم بالفوضي ويعاني من كثير من المعوقات. بالنسبة لنوعية الكتب يمكننا تلمس بعض الخطوط العامة عبر رصد العناوين التي أصدرتها الدار حتي الآن وتلك التي تعاقدت عليها، فخلال أربعة أشهر هي كل عمرها، أصدرت بلومزبيري مؤسسة قطر الترجمة الإنجليزية لرواية "الحفيدة الأمريكية" للروائية العراقية إنعام كجه جي، و"أنطولوجيا بيروت 39"، وترجمة عربية لكتاب "حينما كان للشوارع أسماء" لرندة عبد الفتاح وهي كاتبة أسترالية من أصول مصرية فلسطينية تتناول في كتابها الموجه للنشء رحلة فتاة فلسطينية وصديقها إلي القدس من أجل الحصول علي حفنة من تراب بيت جدتها هناك، وكتاب بالإنجليزية عنوانه "لا شيء تفقده سوي حياتك" للكاتبة الفلسطينية سعاد عامري مؤلفة الكتاب الناجح "شارون وحماتي" وتتناول في كتابها الجديد رحلتها، متنكرة في ثياب رجل من الضفة الغربية إلي إسرائيل. كما تعاقدت الدار مع الكاتب المصري أحمد مراد لترجمة روايته الأولي "فيرتيجو" إلي الإنجليزية، ومع الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي لترجمة كتابها "نسيان. كوم" للإنجليزية، والكاتب العراقي علي بدر لترجمة روايته "حارس التبغ". وتعاقدت بلومزبيري مؤسسة قطر أيضاً مع الكاتب أحمد خالد توفيق لنشر طبعة عربية من روايته "يوتوبيا" خارج مصر، وترجمتها إلي الإنجليزية. نظرة سريعة علي بعض هذه العناوين تدلنا علي أن عناوين ال"بيست سيللر" والكتابات الخفيفة ستجد لها مكاناً في القلب من إصدارات هذا الوافد الجديد، غير أن أهم ما سوف يقدمه، هو أنه سيطرح مفهوماً جديداً للناشر ودوره. مفهوم لم نعرفه بعد في دور النشر العربية، إذ، إضافة للنشر تتعامل بلومزبيري مؤسسة قطر مع نفسها كمؤسسة ثقافية شاملة تقيم الندوات والمؤتمرات المختلفة (آخرها مؤتمر للترجمة في الدوحة)، وتعقد ورشاً للكتابة الإبداعية للنشء بالعربية والإنجليزية. ستقوم الدار أيضا بإرساء دور المحرر وفقاً للمفهوم الغربي (مكتب بلومزبيري مؤسسة قطر في لندن به حتي الآن محرران يجيدان العربية والإنجليزية بطلاقة). يراهن المسئولون عن الدار كذلك علي أن عدم ارتباطها بمطابع بعينها، سيساعدهم أكثر في مواجهة كثيرمن المشكلات، حيث سيختارون المطبعة المناسبة في أي مدينة سواء أكانت بيروت أو القاهرة أو أي مكان في العالم بناءً علي ما توفره لهم من امتيازات تنافسية ثقافية أو تجارية أو اقتصادية. لكن العقبة الرئيسية سوف تكمن في صعوبة توزيع الكتب ونقلها من بلد عربي لآخر، وهي عقبة درستها بلومزبيري مؤسسة قطر ووجدت أنه من الأسهل لعملائها من الموزعين وأصحاب المكتبات في الدول العربية أن يحصلوا علي كتبها من إنجلترا (حيث توجد مخازن الدار) عن أن يتم إرسالها من إحدي الدول العربية إلي دولة عربية أخري. لأن ذلك سوف يسهل علي الدارالجديدة توزيع كتبها المنشورة باللغة الإنجليزية علي مكتبات أوروبا وأمريكا. وهذا أحد الأهداف الأساسية للدار. تدرس بلومزبيري مؤسسة قطر أيضا حلولاً مبتكرة لمشكلة انتقال الكتب بين الدول العربية، هذه الحلول تتمثل في ثلاثة محاور متوازية: إليكترونيا بالاعتماد علي أجهزة حديثة مثل الiPad، أو باستخدام أجهزة "الطباعة حسب الطلب" (Print on Demand _ POD) وتوفيرها ببعض المكتبات بأنحاء الوطن العربي لطباعة النسخ المطلوبة بكل دولة وخصوصا للكتب التي لن يطلب منها إلا كميات محدودة والدراسات الأكاديمية، المحور الثالث هو طرق التوزيع التقليدية التي سيتم اتباعها لتوزيع الكتب الأكثر مبيعا. لسنا في حاجة للقول إنه من السابق لأوانه الحكم علي درجة نجاح هذه الحلول، غير أن اسم بلومزبيري، واسم سيف سلماوي، مدير بلومزبيري قطر التنفيذي، بتجربته الناجحة في دار الشروق المصرية علي مدار خمس سنوات، يخبراننا أن منافساً قوياً دخل لتوه عالم صناعة الكتاب عربياً أياً كانت النتائج التي ستترتب علي ذلك.