مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، بدأت التوقعات بانقضاض الكتاب الإلكتروني علي نظيره الورقي محاولاً تقويضه، كما هو الحال في عالم التكنولوجيا علي الدوام، فعادة ما يأتي الحديث علي القديم ويقضي عليه، ولكن عبثاً حاول الكتاب الإلكتروني أن يزيح الورقي عن مكانته ويحتل الصدارة بدلاً منه، فلا يزال الكتاب الورقي متصدراً وموضعاً لثقة القراء وتدل علي ذلك نسبة مبيعات الكتب في المكتبات وما نراه بأعيننا في معرض الكتاب من كل عام من إقبال لافت من جانب القراء علي شراء الكتب. هنا نستعرض بعض آراء العاملين في صناعة النشر في مصر حول هذه المسألة. محمد البعلي، مدير دار صفصافة للنشر، يري أن المبالغة في التصورات هي التي أعطت انطباعا خاطئا عن إمكانية قضاء الكتاب الإلكتروني علي الكتاب الورقي أو التضييق عليه ويوضح : " عندما ظهرت الهواتف المحمولة سرعان ما قضت علي التليفونات الموجودة في البيوت، وهكذا كل ما هو جديد في عالم التكنولوجيا، الحديث دائماً يقضي علي القديم. هذا لم يحدث في مجال النشر الإلكتروني، ومن خلال متابعتي لإحصائيات القراءة الإلكترونية وفعاليتها في الخارج وجدت أن أعلي نسبة حققها الكتاب الإلكتروني كانت 20٪ من إجمالي الكتب المقروءة ورقية كانت أو إلكترونية. الكتاب الورقي كانت له اليد الطولي ولا يزال علي الأقل في وقتنا الحالي، لأن أحداً ليس بإمكانه معرفة ما سيجري في المستقبل، وذلك لأسباب ثقافية واجتماعية، أسباب ترتبط بالمثقف والقاريء علي حد سواء، فالعادات المرتبطة بالقراءة تجعل للكتاب الورقي مكانة أعلي، خاصة في ظل الصعوبات التي تواجه البعض بالنسبة للقراءة الإلكترونية التي تبدو مزعجة في بعض الأحيان". ويتابع البعلي : " القرصنة أيضا موجودة في الكتاب الورقي كما في الإلكتروني، وأريد أن أشير هنا إلي أمر هام وهو أن هناك فارقا كبيرا بين النشر الإلكتروني وقرصنة الكتب، لأن النشر الإلكتروني له أسس وقواعد، هناك دور نشر تأخذ موافقة الكاتب في نشر كتابه إلكترونياً، وهناك المواقع التي تنشر الكتاب مشفراً أو متاحاً للجميع. لا أري أن هناك سبباً لوضع قانون للنشر الإلكتروني لأن الموجود كاف للغاية. ما نحتاجه حقيقةً هو تنفيذ ما هو موجود من قوانين ثم يأتي دور السلطات في التحرك ومحاسبة المسئول عما وقع من أخطاء. عندما يخطئ أحد في حقك كمواطن ولا تتحرك لتردعه، لا تنتظر من أحد أن يفعل ذلك. كذلك الحال بالنسبة لمسألة القرصنة، علي من يتعرض لذلك أن يشتكي ويحث الخطي من أجل الحصول علي حقه ثم تتحرك السلطات والجهات المختصة بعد ذلك، وإن لم يفعل فلا يلومن إلا نفسه". مصطفي الشيخ، مدير دار آفاق للنشر، ينظر للأمر من منظور مختلف، فلا يري أن الكتاب الإلكتروني فشل في القضاء علي نظيره الورقي لأن كلا منهما يعمل في اتجاه مغاير للآخر، بل إن الكتاب الإلكتروني يعد مكملاً للورقي ويستطيع الكتاب الورقي أن يفيد منه بشكل كبير ويتابع الشيخ : " بانتشار مواقع التواصل الاجتماعي، شق الكتاب الإلكتروني طريقه إلي النور وظهر بقوة، ولكنه يسير في طريق غير التي يسلكها نظيره الورقي، لأن لكل منهما مستخدميه، لذلك لم يؤثر الكتاب الإلكتروني علي الورقي ولن يؤثر مستقبلاً، ولكن يعاب عليه نظام القرصنة الذي ينتهجه الكثيرون فبمجرد صدور الكتاب وعرضه في المكتبات تبدأ عمليات القرصنة الرخيصة التي تعد سرقة ويجب علي مرتكبيها أن يحاسبوا فوراً لأنها جريمة، وليست أي شيء آخر". وعن الطريقة التي يجب التعامل بها مع فكرة القرصنة وسرقة مجهودات المؤلفين وعرضها علانية علي شبكات الإنترنت يقول مدير دار آفاق : "علي الدولة أن تتحرك، لأن فرداً واحداً ليس بإمكانه فعل شيء. الدولة تستطيع أن تخصص هيئات معينة تكون وظيفتها تتبع هؤلاء الذين يقومون برفع الكتب وقرصنتها علي شبكات الإنترنت. نحن نحتاج إلي قانون رادع يقنن عمليات القرصنة ويحدد شروط وطرق ووسائل وأدوات النشر الإلكتروني بوضوح، كما أن الدولة عليها تخفيض الجمارك علي الورق لأن هذا يعد سبباً جوهرياً في انتشار الكتاب الإلكتروني، فصناعة الورق أصبحت غالية وتكلفة الكتاب صارت عالية للغاية مما يؤثر علي الناشر الذي يجد نفسه مضطراً لعرض الكتاب بسعر كبير كي يتمكن من سداد ما عليه من التزامات وتوفير هامش ربح بسيط، لأنه في النهاية لابد له أن يكسب أموالاً من عمله". الناشر شريف بكر، مدير دار العربي للنشر، يري أن الكتاب الإلكتروني ظهر كوسيلة جديدة لعرض المحتوي لدي الناشرين مثله في ذلك مثل أي شيء جديد يكون له رونقه وظهوره الخاص في البدايات ويضيف : "مع الوقت تتضح الأمور ويظهر الأمر جلياً، فالكتاب الإلكتروني مفيد جداً ويفيد منه الكثيرون ممن يسافرون ولا يستطيعون أن يحملوا ما يحتاجون إليه من الكتب في حقائب فيأتي الكتاب الإلكتروني ويحل لهم هذه المشكلة، وعبر أي وسيلة إلكترونية وفور الاتصال بشبكة الإنترنت أو بدونه في بعض الأحيان، يستطيعون قراءة ما يحلو لهم من الكتب، بعيداً عن الكتاب الورقي الذي يحتاج إلي حقائب لحمله. المشكلة الكبري التي تتعلق بالكتاب الإلكتروني ويعاني منها العالم كله هي طريقة التعامل معه من جانب الناشرين الذين يتعاملون معه علي أنه كتاب ورقي بصيغة إلكترونية ومتاح علي شبكة الإنترنت، فلا توجد تقنيات أو مؤثرات إضافية رغم أن التكنولوجيا المتوافرة والمتاحة بالنسبة للقراءة الإلكترونية متنوعة ومتاحة ومن شأنها الإعلاء من القيمة التسويقية له ولكن لا أحد يلتفت إلي ذلك. لماذا لا توجد مؤثرات بصرية ورسوم متحركة وموسيقي في الكتاب الإلكتروني؟ لا يجب ولا يصح أبداً التعامل مع الكتاب الإلكتروني علي أنه كتاب ورقي بصيغة إلكترونية فقط. الكتاب الإلكتروني لا يمكنه القضاء علي الكتاب الورقي ، بل إنه يعد عاملاً مساعداً له ويضيف إليه. عندما ظهر التليفزيون لم يمت الراديو، ولكنه ظل موجوداً وإلي الآن هناك من يتابعون محطات الراديو بشكل يومي". الروائية والكاتبة سهير المصادفة تقول إن ثمة خطأ يرتكبه من يتحدث عن صراع وتنافس بين الكتاب الورقي والكتاب الإلكتروني، حيث أن كلاً من الإثنين يعتبر رافد من روافد الثقافة والمعرفة التي نصبو إليها والتي من شأنها أن تغير من عادات وتقاليد الشعوب والمجتمعات بشكل جذري، وتستطرد المصادفة : " الكتاب الورقي وسيلة لتوصيل المعلومة وكذلك نظيره الإلكتروني، ولا أري أن الكتاب الورقي في طريقه لأن ينتهي أو يقل تأثيره علي الواقع الثقافي سواء في الفترة الراهنة أو مستقبلاً، ونحن هنا لا نصادر المستقبل، ولكن الحقيقة تقول والواقع يؤكد أن الكتاب الورقي سيعيش ويبقي، فهو مثلاً لا يحتاج إلي وجود الإنترنت ولا يرهق قارئه بضرورة اتصاله به كي يتمكن من القراءة، ولكن كل ما عليه فعله هو أن يفتح الكتاب وينتقل بين صفحاته بسهولة ودون عناء، كما أن مخيلة القاريء العربي بوجه عام لا تزال تعتمد علي الكتاب الورقي في استسقاء المعلومات، خاصة في ظل المخاوف والشكوك التي تحيط بالقراءة الإلكترونية التي تتعرض دوماً للقرصنة والسرقة وكثيراً ما تحوي تلك الكتب معلومات مغلوطة، فنحن نري الآن وبأم أعيننا كيف تسرق المقالات كاملة وتنسب لآخرين بمنتهي الفجاجة، لذلك كله ولأسباب أخري كثيرة سيظل الكتاب الورقي فاعلاً في الحياة الثقافية والحياة العامة ولا يختفي أثره". تحدثت المصادفة عن مسألة سرقة الكتب وعرضها بصيغة إلكترونية علي شبكات الإنترنت وما يمثله ذلك من سرقة متكاملة الأركان وخطر يهدد جميع الكتاب وأضافت : " قرصنة الكتب مشكلة كبيرة ونحن نحتاج إلي آليات كبري لتحجيم السرقات وتقليل حجمها الكبير، فلا مانع من وجود ضبطيات قضائية وإجراءات صارمة للحد من هذا الخطر المستشري. إن وجود الكتاب الإلكتروني بهذا الشكل يحبط الكاتب ويثبط عزيمته فهو يري سرقته أمام عينيه ولا أحد يحرك ساكناً، فنحن نحتاج وقفة من اتحاد الناشرين كي يتم الأمر بصورة أكثر دقة وبشكل أفضل مما نحن فيه الآن".