تخفيف الأحمال فى «أسبوع الآلام»    استهداف قاعدة للحشد الشعبي جنوب بغداد وأنباء عن قتيل وإصابات    اندلاع مواجهات عنيفة مع قوات الاحتلال في بلدة بيت فوريك شرق نابلس    مدرب ريال مدريد الأسبق مرشح لخلافة تشافي في برشلونة    أمن القليوبية يضبط المتهم بقتل الطفل «أحمد» بشبرا الخيمة    ابسط يا عم هتاكل فسيخ ورنجة براحتك.. موعد شم النسيم لعام 2024    داعية إسلامي: خدمة الزوج والأولاد ليست واجبة على الزوجة    خالد منتصر: ولادة التيار الإسلامي لحظة مؤلمة كلفت البلاد الكثير    عيار 21 الآن فى السودان .. سعر الذهب اليوم السبت 20 أبريل 2024    تعرف على موعد انخفاض سعر الخبز.. الحكومة أظهرت "العين الحمراء" للمخابز    هل يتم استثناء العاصمة الإدارية من تخفيف الأحمال.. الحكومة توضح    رسميا.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 20 إبريل 2024 بعد الانخفاض الأخير    GranCabrio Spyder| سيارة رياضية فاخرة من Maserati    نشرة منتصف الليل| الأرصاد تكشف موعد الموجة الحارة.. وهذه ملامح حركة المحافظين المرتقبة    300 جنيها .. مفاجأة حول أسعار أنابيب الغاز والبنزين في مصر    منير أديب: أغلب التنظيمات المسلحة خرجت من رحم جماعة الإخوان الإرهابية.. فيديو    تجليس نيافة الأنبا توماس على دير "العذراء" بالبهنسا.. صور    العميد سمير راغب: اقتحام إسرائيل لرفح أصبح حتميًا    إيران تصف الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ب"اللا مسؤول"    بجوائز 2 مليون جنيه.. إطلاق مسابقة " الخطيب المفوه " للشباب والنشء    الخطيب ولبيب في حفل زفاف "شريف" نجل أشرف قاسم (صور)    سيف الدين الجزيري: مباراة دريمز الغاني المقبلة صعبة    «أتمنى الزمالك يحارب للتعاقد معه».. ميدو يُرشح لاعبًا مفاجأة ل القلعة البيضاء من الأهلي    بركات: مازيمبي لديه ثقة مبالغ فيها قبل مواجهة الأهلي وعلى لاعبي الأحمر القيام بهذه الخطوة    يوفنتوس يواصل فقد النقاط بالتعادل مع كالياري.. ولاتسيو يفوز على جنوى    دوري أدنوك للمحترفين.. 6 مباريات مرتقبة في الجولة 20    صفقة المانية تنعش خزائن باريس سان جيرمان    3 إعفاءات للأشخاص ذوي الإعاقة في القانون، تعرف عليها    حالة الطقس اليوم.. حار نهارًا والعظمى في القاهرة 33 درجة    أهالى شبرا الخيمة يشيعون جثمان الطفل المعثور على جثته بشقة ..صور    "محكمة ميتا" تنظر في قضيتين بشأن صور إباحية مزيفة لنساء مشهورات    شفتها فى حضنه.. طالبة تيلغ عن أمها والميكانيكي داخل شقة بالدقهلية    حريق هائل بمخزن كاوتش بقرية السنباط بالفيوم    وزارة الداخلية تكرم عددا من الضباط بمحافظة أسوان    بصور قديمة.. شيريهان تنعي الفنان الراحل صلاح السعدني    إياد نصار: لا أحب مسلسلات «البان آراب».. وسعيد بنجاح "صلة رحم"    حدث بالفن| وفاة صلاح السعدني وبكاء غادة عبد الرازق وعمرو دياب يشعل زفاف نجل فؤاد    يسرا: فرحانة إني عملت «شقو».. ودوري مليان شر| فيديو    نسرين أسامة أنور عكاشة: كان هناك توافق بين والدى والراحل صلاح السعدني    انطلاق حفل الفرقة الألمانية keinemusik بأهرامات الجيزة    بعد اتهامه بالكفر.. خالد منتصر يكشف حقيقة تصريحاته حول منع شرب ماء زمزم    بفستان لافت| ياسمين صبري تبهر متابعيها بهذه الإطلالة    حزب "المصريين" يكرم 200 طفل في مسابقة «معًا نصوم» بالبحر الأحمر    أعظم الذكر أجرًا.. احرص عليه في هذه الأوقات المحددة    أدعية الرزق: أهميتها وفوائدها وكيفية استخدامها في الحياة اليومية    آلام العظام: أسبابها وكيفية الوقاية منها    لأول مرة.. اجراء عمليات استئصال جزء من الكبد لطفلين بدمياط    عاجل - فصائل عراقية تعلن استهداف قاعدة عوبدا الجوية التابعة لجيش الاحتلال بالمسيرات    إعلام عراقي: أنباء تفيد بأن انفجار بابل وقع في قاعدة كالسو    وزير دفاع أمريكا: الرصيف البحري للمساعدات في غزة سيكون جاهزا بحلول 21 أبريل    خبير ل«الضفة الأخرى»: الغرب يستخدم الإخوان كورقة للضغط على الأنظمة العربية المستقرة    باحث عن اعترافات متحدث الإخوان باستخدام العنف: «ليست جديدة»    عمرو أديب يطالب يكشف أسباب بيع طائرات «مصر للطيران» (فيديو)    مرض القدم السكري: الأعراض والعلاج والوقاية    متلازمة القولون العصبي: الأسباب والوقاية منه    «هترجع زي الأول».. حسام موافي يكشف عن حل سحري للتخلص من البطن السفلية    50 دعاء في يوم الجمعة.. متى تكون الساعة المستجابة    نصبت الموازين ونشرت الدواوين.. خطيب المسجد الحرام: عبادة الله حق واجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحقيق التراث.. الفريضة الغائبة
التوجه الأكاديمي الخاطيء تسبب في قلة الدافعية لتحقيق التراث 1- 4
نشر في أخبار الأدب يوم 02 - 07 - 2016

د. عبدالحكيم راضى أسماء برزت وتحقيقات أخرجت ما في بطون الكتب من أسرار، فتحت هذه التحقيقات الأبواب أمام قراءة صحيحة لتراثنا في مختلف المجالات، وتحملت أجيال هذا العبء الهام، الذي يبرز الاسهامات المتعددة لكتاب ومؤرخين وعلماء، أثاروا بكتاباتهم أمورا كانت خفية جرت في حقب تاريخية بعيدة، وجاءت التحقيقات لتيسر لنا قراءة ما كتب في الماضي.
لكن بدلاً من أن تستمر مدرسة التحقيق المصرية والعربية في مسارها الصحيح، تكاد تتلاشي الآن، لذا بدءاً من هذا العدد نفتح المجال أمام المتخصصين ليدلوا برأيهم حول سؤال أساس هو: لماذا أنهارت مدرسة التحقيق المصرية، ووصلت إلي حد قول د.محمود فهمي حجازي "الجهود فردية وقليلة وليست مؤسسية".
في هذا العدد يبين لنا ثلاثة من الأساتذة الكبار: د.محمود فهمي حجازي، د.حسين نصار، د.عبدالحكيم راضي، فكرة تحقيق الكتب وتطورها وأهم اعلامها، وكذلك يرصدون أسباب الانهيار الحادث الآن في هذا المجال.
البداية مع ماهية التحقيق كصناعة لغوية، وعنها يقول الدكتور محمود فهمي حجازي، وهو أحد رواد التحقيق في الحقل الأدبي:
ارتبط التحقيق بالطباعة، لأن الكتب قبل عصر الطباعة في أوروبا والشرق، كانت تتداول في شكل المخطوط، وبعض الكتب منها مئات المخطوطات، ولكن في بعض الأحوال نجد مخطوطا واحدا. بدأت الطباعة العربية في أوروبا في القرن ال16، وبدأت معها طباعة الكتب العربية دون تحقيق في النص، وبعد ذلك تطورت فكرة تحقيق النصوص في أوروبا، وذلك بمقارنة مخطوطات الكتاب الواحد، وتفضيل مخطوط علي آخر من حيث: القدم، الصحة، الكمال (تمام النص)، واجتهد علماء من ألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا، وايطاليا في طباعة النصوص العربية بدقة، وازدهر هذا العمل في القرنين ال18 ، ال19، ثم انتقل إلينا في أواخر القرن ال19، وبعد مدة اكتشفنا أن هذا النوع من العمل العلمي له أصول عربية - مثل أشياء كثيرة - وازدهر هذا العمل في مصر بشكل محدود في أواخر القرن ال19.
وعن أعلام فن التحقيق، يقول د.حجازي: منهم الشيخ نصر الهوريني (نسبة إلي قرية اسمها هورين شمال الدلتا)، لكن استقرار المنهج، قبل الحرب العالمية الأولي بجهود مثقف مصري كبير هو (أحمد زكي باشا)، وبدأت الإفادة من الخبرة الأوروبية، ثم دخل في هذا المجال علماء مصريون يمثلون الخبرة الشرقية منهم: أحمد شاكر، وكان قاضيا، لكنه كان مهتما بالتراث اللغوي العربي، ومن هذه الأسرة، محمود شاكر، درس في الآداب ثم تركها، ومن هذه الأسرة - أيضا - عبدالسلام هارون (ابن خالته)، ومن هذه الأسرة - أيضا - محمد محيي الدين عبدالحميد، هؤلاء الأعلام اهتموا بالتحقيق في اطار انتماء عربي ثقافي، وحبا في التراث، وأضيف إلي هؤلاء، أعلام مصريون آخرون مثل السيد أحمد صقر، محمد أبوالفضل ابراهيم، عبدالستار فراج، وغيرهم ، وهؤلاء كلهم ازدهروا في الربع الثاني من القرن العشرين، وبعضهم امتد به العمر بعد ذلك، فحققوا مئات الكتب المهمة في التراث العربي، وبعد ذلك دخل في ميدان التحقيق علماء من البلاد العربية.
هل معني ذلك أننا أخذنا التحقيق عن الغرب؟
- نصر الهوريني عاش في فرنسا عدة سنوات، ولما عاد إلي مصر بدأ العمل في المطبعة الأميرية، أحمد زكي باشا، له تكوين علمي حديث، وأدخل المنهج الأوروبي، يلا ذلك جيل أحمد شاكر، ومحمود شاكر، وعبدالسلام هارون.. فاتضح لنا أن أصول هذا المنهج عربية.
وكيف نؤكد ذلك؟
- أولاً كان العلماء العرب (في القرن الرابع الهجري وبعد ذلك)، يقارنون النسخ المخطوطة ويعرفون أقدار كل نسخة، ويعرفون قدر المخطوط الذي قريء علي المؤلف، ويعرفون أن بعض المخطوطات رديئة، لأنها غير دقيقة في الكلام، أو ربما حدث بها حذف، فعندئذ، كأن بضاعتنا رُدت إلينا، وهذا واضح في مقدمات كتب كثيرة نشرت في مصر، في هذا الجيل.
علي أي أساس تقوم فكرة تحقيق النص؟
- فكرة التحقيق تقوم علي تقديم النص بصورة أقرب إلي الصورة التي ألفها المؤلف، وهذا يقوم علي أساس مقارنة المخطوطات وإضافة الشروح أحيانا، وعمل الفهارس في كل الأحوال، والتحقيق هنا لا يقتصر علي النص بصفة عامة، بل يتناول - أيضا - أسماء الأشخاص، أسماء الأماكن، الحوادث إلي آخره، حتي يصبح النص واضحا، ويعتمد عليه.
وماذا عن جيل المحققين غير المصريين؟
- بعد ما شهدته مصر من انجازات في التحقيق، بدأت الاهتمامات في الدول العربية بالتحقيق ونصف المحققين العرب لهم صلة بمصر، لأنهم درسوا في جامعة القاهرة، منهم: ناصر الدين الأسد، وهو شخصية أردنية مرموقة، كان وزيرا عدة مرات، ورئيس جامعة عدة مرات، وعمل سنوات طويلة في المنظمة العربية للثقافة والعلوم بالقاهرة، ومنهم كذلك: د.شاكر الفحام ، درس في القاهرة حتي درجة الدكتوراة، وكان في سوريا وزيرا لسنوات طويلة، ورئيسا للمجمع اللغوي السوري، ومنهم أعلام آخرون في العراق والسعودية واليمن، وتونس ، والمغرب، وباقي الدول العربية.. اهتمام هؤلاء بالتحقيق كان في إطار الاهتمام بتاريخ بلدانهم بعد الاستقلال إلي جانب الاهتمام بالتراث العربي بصفة عامة، والمحزن أن هذا الجيل انتهي تقريبا.
في رأيك ما مشكلة التحقيق؟
- التحقيق عمل تطبيقي، وليس عملا ابداعيا، وفي الجامعات المصرية والجامعات العربية الأخري، لا يعد التحقيق من المقومات الأساسية للترقية، بل يعد في أحسن الأحوال نشاطاً علمياً مكملاً، وهذه المشكلة نراها ايضاً في الترجمة.
كيف يمكن تدارك هذا الوضع، واصلاحه؟
- يكون ذلك بتعديل اللوائح، علي أن يكون من شروط الترقيات بحوث مبتكرة بعدد محدد، ثم عمل تطبيقي، يكون في تحقيق كتاب أو ترجمته أو ما يماثل ذلك، ونشاط ثقافي آخر بمعني وضع التحقيق في مكانة تليق بالمجهود المبذول فيه، وكذلك الترجمة.
هل تقوم الجامعات المصرية، بفرض منهج دراسي عن التحقيق؟
- في أكثر الجامعات المصرية، يوجد في أقسام اللغة العربية، وبعض الأقسام الأخري، مقرر في التحقيق، لكن في مرحلة الدراسات العليا (الماجستير) وقد يكون هذا المقرر مما يختاره الطالب أو لا يختاره، وفي معهد البحوث والدراسات العربية بالقاهرة، قسم للتحقيق، المهم - هنا - أن نذكر أن التحقيق ليس مقصورا علي اللغة والأدب، بل إن كتب التاريخ تمثل كما هائلا من التراث المخطوط، وأهميتها غير مقصورة علي مصر وبلاد الشام، بل لكل العالم الإسلامي، هي أيضا مهمة بالنسبة لدولة آسيا الوسطي. أما التراث العربي في العلوم المختلفة: الطب مثلا فهو تراث كبير جدا، يستحق تحقيقا علميا دقيقا لتصحيح الوعي، فالجهود التي بذلها العلماء العرب في هذه المجالات تتكامل مع كل المجالات الأخري.
يضيف د.حجازي: ان الثنائية الموجودة في الوعي المصري الحالي ضارة جدا فالتراث العربي فيه الدين، والأدب، والعلم والتاريخ، والطب وغير ذلك والتقدم في أوروبا وأمريكا فيه كل هذه المجالات.
لماذا لا تهتم كليات العلوم بالجامعات المصرية بتحقيق الكتب العلمية القديمة الخاصة بالكيمياء والفيزياء والفلك وغيرها؟
الجهود فردية وقليلة، وليست مؤسسية لأن، كليات العلوم، ليس فيها قسم خاص بتاريخ التراث العلمي، للأسف الشديد، ليس عندنا اهتمام رسمي بتاريخ العلم أو تاريخ العلوم العربية والإسلامية، ولذلك ليس له صاحب، ونفس الأمر ينطبق علي العلوم الطبية، وأذكر هنا أن د.عبدالحليم بدر منتصر (عميد علوم عين شمس) كان مهتما بتحقيق الكتب العلمية، وأصدر منها كتابا باسم (تاريخ العلم).
اما شيخ المحققين الدكتور حسين نصار، رئيس مركز تحقيق التراث بدار الكتب السابق، والمستشار الحالي له، فيقول: إن التحقيق هو عملية إرجاع المخطوط إلي الصورة التي خرج بها من يد مؤلفه ويتطلب هذا قراءة سليمة للمخطوط، وأي كتاب قديم في حاجة إلي التحقيق لأنه بعد فترة (قرنين أو ثلاثة) يكون قد تعرض لتغيير، والتحقيق هو محاولة تبرئة المخطوط من حذف أو إضافة قد تمت له.
ويوضح أن المحقق يحاول من جانبه أن يكمل السقط الذي حدث فيأتي به من نسخ أخري، حيث إن الكتاب له أكثر من نسخة، فيقابل بين النسخ المختلفة، ودائما ما نحذر بألا يكون التحقيق علي نسخة واحدة، المقابلة تكمل الساقط، وتبين المضاف علي الكتاب، إذا كانت هناك كلمات بخط الناسخ الأول يمكن للنسخ الأخري أن توضحها، ولذلك نؤكد بأن المقابلة تكون بين النسخ المتعددة.
ويؤكد د.نصار علي أن المؤلف الأول يجب عليه قراءة ما كتب أكثر من مرة وإن لم يقرأ، فلابد أنه قد ترك بعمله خطأ ما، وإذا استمر المخطوط (من قرن إلي قرن) دون أن يقابل النسخ ببعضها يتحول إلي لغة أجنبية أي شيء غير مفهوم أي غير عربي.
وماذا عن أدوات المحقق؟
- طبيعة المحقق أن يكون لديه أمانة مطلقة، وصبر مطلق، وشك في معلوماته، كي يؤكدها في النهاية، ومن هنا فإن الهامش ملك للمحقق، والأدوات اللازمة لهذه العملية والتي يجب أن يكتبها المحقق، أولاها ثقافة واسعة بالتراث العربي، فلو كان المحقق يقوم علي كتاب في النحو، فلابد أن يكون عارفا بالنقد، ومحقق كتب الأدب لابد أن تكون معرفته جيدة بالتاريخ، فالتراث العربي متداخل، ومن هنا فلابد أن يكون المحقق واسع الثقافة ومتعددها، أداة أخري لابد من توافرها في المحقق خاصة باتصاله الدائم بالقواميس العربية الأصلية (لسان العرب - تاج العروس وهذا المعجم الأخير أقرب ما يكون إلي دائرة المعارف) وأنا شخصيا أفضل في التحقيق (لسان العرب).
لماذا؟
- لأن محتواه معان لغوية فقط، علي الرغم من أنه عشرون جزءا وهو من أغني الكتب اللغوية، ومن هنا فهو معين للمحقق.
متي بدأ اهتمامك بالتحقيق أو بمعني أصح اتصالك بهذا العلم؟
- بدأت أسمع عن كلمة (تحقيق) وأنا طالب في السنة الثانية بالجامعة، كان يدرس لنا النحو، أستاذنا مصطفي السقا، أحد كبار المحققين وكان دائما ما يتحدث عن التحقيق في المحاضرات، فعرفت منه ماهية التحقيق، وأذكر أيضا د.شوقي ضيف، وهو من أكثر الأساتذة معرفة بأسرار التحقيق.
وفي مرحلة الماجستير، اشترط د.أمين الخولي بأن الرسالة لن تناقش إلا إذا قدم صاحبها شيئا من التحقيق، ولو عشرين صفحة، وهنا وجدت كتابا في النحو من تأليف ابن عصفور الأندلسي، فقمت بتحقيقه، حتي تتم مناقشة الرسالة.
ويشير د.نصار إلي مرحلة أخري من حياته العلمية، تعرف خلالها علي كلمة التحقيق، فيقول - وأنا في السنة الثالثة من دراستي الجامعية وأنا مشغول بسؤال ماذا سأفعل.. هل أقوم بالترجمة أم التحقيق أم التأليف؟ فرأيت أن الترجمة ليست في حاجة إلي ثقافة واسعة، وعندما تخرجت وجدت نفسي أتقدم للدراسات العليا للتأليف، فكان اهتمامي بالتأليف في بداية مشواري العلمي وبعد تراكم الثقافات والخبرات بدأت التحقيق.
ويكمل د.نصار: لدينا مناهج في التحقيق وليس مدارس والمنهج هو مجموعة المبادئ التي لابد أن يكون عليها المحقق والتي ذكرناها من قبل.
أهم انجازاتك في التحقيق؟
- لدينا شاعر، كان كل الناس يتشاءمون منه وهو (ابن الرومي)، وكان الكل يخاف القرب منه، فقمت بتحقيق انتاجه الشعري في ستة أجزاء، وانتاجه من أكبر الدواوين الشعرية الموجودة، وليس فقط ابن الرومي هو الذي أنجزت تحقيق تراثه الشعري، إنما حققت أيضا شرح لزوميات أبي العلاء، كما قمت بتحقيق كتاب كبير لأحمد تيمور باشا القاموس باللغة العامية المصرية، وكان هذا القاموس لم يضعه صاحبه في الصورة النهائية للقواميس، وإنما كان في صورة مجموعة من الكشاكيل، وكان تيمور باشا يعمل في الديوان الملكي ويحب القراءة، وكان انتاجه معجما كبيرا للعامية المصرية غير مرتب، ولم يأخذ شكل الكتاب الكامل، أخذته ورتبته، ولذلك كتبت علي غلافه أنه من اعداد وتحقيق حسين نصار.
هل يمكن القول بوجود تحقيق معاصر؟
- يوجد في البلاد العربية خبراء في التحقيق ممتازون، وكان السقا أول من خط المنهج الحديث في التحقيق، ثم أحمد زكي باشا،وغيره، وشوقي ضيف، الآن في جيلي أنا،نجد بشار عواد (عراقي ويعيش في الأردن)، فلو عددناهم نجدهم غير كثيرين.
وعن المؤسسات المعنية بالتحقيق يقول د.نصار: عندما أحست الحكومة المصرية أن جيل المحققين بدأ يتساقط واحدا تلو الآخر ولا يظهر من يخلفهم، أنشأت مركزا للتحقيق في دار الكتب، وحدث ذلك أيضا في معهد المخطوطات العربية، ومركز آخر في كلية الآداب جامعة المنيا، ويراد هذا أيضا العام القادم في كلية الآداب جامعة القاهرة حيث ألزمت اللائحة الجديدة القيام بالتحقيق في الدراسات العليا.. بدأ مركز تحقيق التراث في دار الكتب عام 1966، وكان فيه مصطفي السقا، محمد أبوالفضل إبراهيم، وهما من كبار المحققين، والآن د.فؤاد سيد، والتحقت بالمركز عام 1967.
ولفت د.نصار إلي أن من يقوم بالتحقيق الآن في مركز تحقيق التراث بدار الكتب هم الموظفون باسم باحثين لذلك لا نستطيع القول بأنهم محققون ممتازون.
من جانبه قال الدكتور عبدالحكيم راضي إن علي المحقق أن يمتلك - أيضا -معرفته بالخطوط، حيث أكد علي دراسة الخط العربي (الكوفي، الفارسي ، المغربي) وذلك لإجادة قراءة المخطوطات قراءة جيدة، كما يضاف إلي ذلك معرفة المحقق بأنواع الورق (الأحبار، وطرق الكتابة، والمسافات بين الأسطر) كلها طرائق تساعد في الكشف عن عصر المخطوط والبيئة التي خرج منها.
وأرجع د.عبدالحكيم راضي تراجع فن التحقيق وعدم الاهتمام به إلي وجود توجه أكاديمي لعدم احتساب تحقيق التراث عملاً بحثياً، هذا التوجه الأكاديمي قلل الدافعية لتحقيق التراث،وبما أنه لا توجد مؤسسة تتبني تحقيق التراث مثل المركز القومي للترجمة الذي يقترح ترجمات وينشرها، ويدفع مقابلا معقولا علي الترجمة، إذا قامت مؤسسة بهذه الوظيفة بالنسبة للتحقيق، يمكن أن نتوقع عودة نشاط التحقيق من جديد، أما إذا لم نقم بهذا العمل فلا يوجد دافع للتحقيق في التراث، ولا يعد عملاً بحثياً، وبالتالي يتوقف القادرون علي التحقيق.
واختتم د.راضي بقوله: ليس لدينا جيل من المحققين، ولا المدرسين، ليس لدينا مدرسة في التحقيق، ولا توجد مجموعة ترعي العمل التحقيقي.
وضرب د.عبدالحكيم راضي مثالا علي محنة النشر والتحقيق معا عندما قامت دار نشر تونسية بنشر وتحقيق كتاب، ونشرت قصته في "أخبار الأدب" في 27 مايو 2012 وكان العنوان: (بعد أكثر من 70 عاما دار نشر تونسية تنسب لطه حسين ما تبرأ منه)، فالذي حدث يمثل بالفعل محنة النشر والتحقيق معا، لعدم متابعة ما ينشر والمعرفة بمستجدات التحقيق خاصة ما ثبت عدم صحة نسبته لمؤلفه، أو ثبت عدم صحة عنوانه، كما يمثل عدم المعرفة من جانب الناشرين والقائمين علي التراث في بعض الدول العربية بما يجر ي في بعضها الآخر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.