كل سنة وكل مصري بخير.. حمدي رزق يهنئ المصريين بمناسبة عيد تحرير سيناء    مصدر نهر النيل.. أمطار أعلى من معدلاتها على بحيرة فيكتوريا    حلقات ذكر وإطعام، المئات من أتباع الطرق الصوفية يحتفلون برجبية السيد البدوي بطنطا (فيديو)    ارتفاع سعر الفراخ البيضاء وتراجع كرتونة البيض (أحمر وأبيض) بالأسواق الجمعة 26 أبريل 2024    هل المقاطعة هي الحل؟ رئيس شعبة الأسماك في بورسعيد يرد    القومي للأجور: قرار الحد الأدنى سيطبق على 95% من المنشآت في مصر    بقيمة 6 مليارات .. حزمة أسلحة أمريكية جديدة لأوكرانيا    حزب الله اللبناني يعلن تدمير آليتين إسرائيليتين في كمين تلال كفرشوبا    حركة "غير ملتزم" تنضم إلى المحتجين على حرب غزة في جامعة ميشيجان    بعد تطبيق التوقيت الصيفي.. تعرف على جدول مواعيد عمل محاكم مجلس الدولة    عبقرينو اتحبس | استولى على 23 حساب فيس بوك.. تفاصيل    رئيس مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير في دورته العاشرة: «تحقق الحلم»    أنغام تبدأ حفل عيد تحرير سيناء بأغنية «بلدي التاريخ»    هل العمل في بيع مستحضرات التجميل والميك آب حرام؟.. الإفتاء تحسم الجدل    فيديو جراف| 42 عامًا على تحرير سيناء.. ملحمة العبور والتنمية على أرض الفيروز    أنغام باحتفالية مجلس القبائل: كل سنة وأحنا احرار بفضل القيادة العظيمة الرئيس السيسى    بث مباشر لحفل أنغام في احتفالية مجلس القبائل والعائلات المصرية بعيد تحرير سيناء    قيادي بفتح: عدد شهداء العدوان على غزة يتراوح بين 50 إلى 60 ألفا    المحكمة العليا الأمريكية قد تمدد تعليق محاكمة ترامب    السعودية توجه نداء عاجلا للراغبين في أداء فريضة الحج.. ماذا قالت؟    الدفاع المدني في غزة: الاحتلال دفن جرحى أحياء في المقابر الجماعية في مستشفى ناصر بخان يونس    "الأهلي ضد مازيمبي ودوريات أوروبية".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    خالد جادالله: الأهلي سيتخطى عقبة مازيمبي واستبعاد طاهر منطقي.. وكريستو هو المسؤول عن استبعاده الدائم    الشروق تكشف قائمة الأهلي لمواجهة مازيمبي    طارق السيد: ملف خالد بوطيب «كارثة داخل الزمالك»    حدثت في فيلم المراكبي، شكوى إنبي بالتتويج بدوري 2003 تفجر قضية كبرى في شهادة ميلاد لاعب    بعد 15 عاما و4 مشاركات في كأس العالم.. موسليرا يعتزل دوليا    رائعة فودين ورأسية دي بروين.. مانشستر سيتي يسحق برايتون ويكثف الضغط على أرسنال    ملف يلا كورة.. تأهل يد الزمالك ووداع الأهلي.. قائمة الأحمر أمام مازيمبي.. وعقوبة رمضان صبحي    عاجل - "التنمية المحلية" تعلن موعد البت في طلبات التصالح على مخالفات البناء    ارتفاع سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الجمعة 26 أبريل 2024    سرقة أعضاء Live مقابل 5 ملايين جنيه.. تفاصيل مرعبة في جريمة قتل «طفل شبرا الخيمة»    عاجل - الأرصاد تحذر من ظاهرة خطيرة تضرب البلاد.. سقوط أمطار تصل ل السيول في هذا الموعد    مسجل خطر يطلق النار على 4 أشخاص في جلسة صلح على قطعة أرض ب أسيوط    استشاري: رش المخدرات بالكتامين يتلف خلايا المخ والأعصاب    الأقصر.. ضبط عاطل هارب من تنفيذ 35 سنة سجنًا في 19 قضية تبديد    حكايات..«جوناثان» أقدم سلحفاة في العالم وسر فقدانها حاستي الشم والنظر    رئيس الشيوخ العربية: السيسي نجح في تغيير جذري لسيناء بالتنمية الشاملة وانتهاء العزلة    تبدأ اليوم.. تعرف على المواعيد الصيفية لغلق وفتح المحال والمولات    حظك اليوم.. توقعات برج الميزان 26 ابريل 2024    ليلى أحمد زاهر: مسلسل أعلى نسبة مشاهدة نقطة تحوّل في بداية مشواري.. وتلقيت رسائل تهديد    لوحة مفقودة منذ 100 عام تباع ب 30 مليون يورو في مزاد بفيينا    مخرج «السرب»: «أحمد السقا قعد مع ضباط علشان يتعلم مسكة السلاح»    بدرية طلبة عن سعادتها بزواج ابنتها: «قلبي بيحصله حاجات غريبه من الفرحة»    عروض فنية وموسيقى عربية في احتفالية قصور الثقافة بعيد تحرير سيناء (صور)    «تنمية الثروة الحيوانية»: إجراءات الدولة خفضت أسعار الأعلاف بنسبة تخطت 50%    «اللهم بشرى تشبه الغيث وسعادة تملأ القلب».. أفضل دعاء يوم الجمعة    الأغذية العالمي: هناك حاجة لزيادة حجم المساعدات بغزة    سفير تركيا بالقاهرة يهنئ مصر بذكرى تحرير سيناء    خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف مكتوبة 26-4-2024 (نص كامل)    طريقة عمل الكبسة السعودي بالدجاج.. طريقة سهلة واقتصادية    الجيل: كلمة الرئيس السيسي طمأنت قلوب المصريين بمستقبل سيناء    مواطنون: التأمين الصحي حقق «طفرة».. الجراحات أسرع والخدمات فندقية    يقتل طفلًا كل دقيقتين.. «الصحة» تُحذر من مرض خطير    عالم أزهري: حب الوطن من الإيمان.. والشهداء أحياء    بالفيديو.. ما الحكم الشرعي حول الأحلام؟.. خالد الجندي يجيب    قبل تطبيق التوقيت الصيفي، وزارة الصحة تنصح بتجنب شرب المنبهات    6 نصائح لوقاية طفلك من حمو النيل.. أبرزها ارتداء ملابس قطنية فضفاضة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مبارك ربيع: الرعية اليوم هي المسئولة عن الراعي!
نشر في أخبار الأدب يوم 02 - 07 - 2016

ولد مبارك أحمد ربيع، بمدينة الدار البيضاء، درس الفلسفة وعلم النفس والاجتماع، ثم انضم عام 1958 إلي مدرسة المعلمين وانتقل عام 1963 إلي جامعة محمد الخامس في الرباط، وفي عام 1988 حصل علي درجة الدكتوراه، درّس في مدارس ثانوية ثم عمل أستاذاّ بالجامعة في قسم علم النفس بكلية الآداب.
أما أدبيا؛ فقد انضم إلي اتحاد كتاب المغرب عام 1961، حيث يملك إنتاجا غزيرا ومتنوعا ما بين القصة القصيرة والرواية والمقال، ومن أبرز أعماله: "سيدنا قدر" عام 1969، "الطيبون" 1972، "رفقة السلاح والقمر" 1976، "رحلة الحب والحصاد" 1983، ثلاثية "درب السلطان" التي صدرت عامي 1999 و2000، "طوق اليمام" 2008، "أهل البياض" 2011، "حب فبراير" 2014، وصدر له مؤخرا رواية "خيط الروح"، التي يدور حوارنا معه حولها، وحول الشأن الثقافي المغربي، والعربي بشكل عام.
بداية؛ ماذا تعني بخيط الروح؟
هناك إشارات كثيرة يضمرها ويتحملها عنوان "خيط الروح"، ولا أريد أن أجهز علي ما يستوحيه القارئ من ذلك، بتفاعله مع النص الروائي، فهذا حقه ومتعته، كما أن متعتي أن أعلم ما يذهب إليه القارئ بهذا الخصوص؛ لكن هذا لا يمنع من القول إننا أمام خيط غير مرئي ولا ملموس؛ لكنه محسوس، يشمل وربما يجمع كثيراً من المتفرقات المختلفات المتناقضات، من كائنات وأفكار وأحداث، في الماضي والحاضر، وربما في المستقبل أيضاً، لا سيما ونحن في هذه الرواية، أمام معضلات كبيرة، من قبيل التحول والانقراض، بكافة مظاهره واحتمالاته.
كيف توافقت الروح الصوفية مع العقيدة اليسارية عندك في هذه الرواية؟
عندما نتحدث عن الروح الصوفية أو روح الصوفية، كما عندما نتحدث عن الروح بإطلاق، أو روح أي شئ، فنحن نتحدث عن الأعمق المطلق في الشئ؛ ومن منظور معين، يمكن أن تلتقي كل الأشياء في هذا المستوي الروحي، الذي هو انفتاح وقابلية؛ لكن المشكل بل الفارق والخلاف، يحصل عند مستوي التحجر العقدي، وممارساته العملية، أي في التجسيد المادي لروح ما نتحدث عنه، سواء كان صوفية أو سياسة، أو فناً، أو تمذهباً فكرياً.
وحتي أكون أكثر وضوحاً، فإن قيماً جوهرية مثل الإيمان والإخلاص للمبدأ والتضحية في سبيله، وما في معناها، تشكل روح الإنسانية والأخلاقية المتفتحة، وهي تبعاً لذلك، تكمن في صميم أي فكر إنساني، من يسار ويمين، بيد أن تحول ذلك إلي عقيدة علي مستوي التطبيق العملي، في أي من هذه الميادين، هو ما يخرج بتلك القيم الروحية المطلقة عن طبيعتها، لتتجسد في الذاتية والادعائية والإقصائية والشمولية والطائفية وما إلي ذلك.
كيف نتعامل مع ما يمثله "الديصور" بطل الرواية الغامض، هل علينا التخلص منه أم ترويضه؟
لا هذا ولا ذاك فيما يبدو، إذ يجب قبل كل شئ ألا نصنعه، أو نوفر ظروف إفساده.. وإذا كان الأمر يتعلق بشخصية رئيسية في رواية "خيط الروح"، فالديصور كان مصلحاً وإنسانياً بمعايير بيئته وزمانه، إن لم نقل إنه كان ثورياً؛ لكن الصناعة المجتمعية في هذا الاتجاه أو ذاك، ومن قبل الفئات المختلفة، عن وعي ومصلحة أو عن عكس ذلك، هي آفة الإنسانية منذ القدم وإلي اليوم؛ إنما هناك دائماً الأمل، ذاك الصوت الإنساني الكامن الهامس فينا، سواء كنا "دياصرة" أو"عداية" أو"أعظميين".. عند المنعطفات والحافات الخطيرة،أو"عداية" أو"أعظميين".. عند المنعطفات والحافات الخطيرة، بما معناه: قم، اخرجْ، انتبه.
تحدثت في الرواية عن "العادات السجنية". ما هي تلك العادات؟ وهل هي عامة أم تخص اليساريين؟
تتناول الرواية في جانب منها، توصيف مرحلة هامة ودقيقة من تاريخنا المعاصر، في المغرب علي الخصوص، فترة ما يسمي "سنوات الرصاص" بما سبقها، وبما رافقها وتلاها علي الخصوص من تحولات؛ لكنها تبقي رواية أدبية ليست تاريخاً ولا يوميات أو سيرة ذاتية جمعية.
ومن هذا المنظور، تتجلي صور عديدة من العادات والعلاقات السجنية في هذا المستوي، وهي ليست نمطية ولا بسيطة، بقدر ما هي معقدة ودينامية؛ فالعلاقة بين السجين والسجان مثلا، ليست وحيدة المظهر حتي في أقصي الظروف والمراحل السجنية علي النحو النمطي الوحيد الذي يتناهي إلينا، ويتداول في الثقافة العامة؛ إذ قد تنسج خيوط تعاطف وتشارك، لا تضر بدور السجان وإطار مهمته المحدد بوظيفة وقانون، لكنها تستجيب برحابة لدواعي بشرية إنسانية، فتجد السجان الذي (يتواطأ بشرف)، مع السجين ليتمتع بخلوة ما (لم تكن واردة في فترات حقوقية سابقة)، وكذا فرص مختلفة للتمتع الفكري والجسماني وغيرها، حتي أن منها ما يمكن أن يتم خارج أسوار السجن! علاوة علي أن السجين مهما تكن صلابته الفكرية ونحن نتحدث عن سجناء سياسيين يساريين بالدرجة الأولي فله نقط ضعفه الخاصة، نزواته البشرية التي تطبع سلوكه في الباطن علي الأقل، علاوة علي الظاهري والمظهري؛ ثم هناك فرص المراجعة الفكرية بالسلب أو الإيجاب، لأن السجن يتيح فرصة التأمل والتبادل في هذا المستوي، مع المماثلين والمختلفين من الرفاق السجناء وغير الرفاق؛ وفوق ذلك قد تتمكن عادة الكتابة، أو تعلم اللغات الأجنبية ممن لم يختبر مثل ذلك سابقاً في نفسه، وهو خارج أسوار السجن.
التوصيف الروائي لهذه العوالم، كما تقدمه "خيط الروح"، وإن كان يتعلق بنمط من السجناء ذوي توجهات فكرية سياسية معينة، إلا أنه قد يكون في جزء منه قاسماً مشتركاً مع سجناء من توجهات أخري، باعتبار الطبيعة البشرية؛ إلا أنه في الغالب، وحسب الطبيعة البشرية أيضاً، قد يكون مخالفاً إلي حد كبير، لما لدي سجناء الحق العام أو غيرهم.
كأستاذ جامعي ومسئول؛ هل أنت مع ممارسة العمل أو النشاط السياسي في الجامعة أم أنها مجرد رؤية أدبية؟
من منظور روائي وحسب المبدأ العام بهذا الخصوص، فإن ما ورد في رواية "خيط الروح" يبقي روائياً، بكل ما يحتمله المفهوم؛ أما عن السياسة والجامعة أو السياسة في الجامعة، فلا شئ يمنع من حق هذه الممارسة، في حدود قانون قائم علي أساس من العدل ورعاية الحقوق والحفاظ عليها؛ ومهما يكن، فالفترة التي تتناولها الرواية، كانت غنية بالممارسة السياسية، ما بين تيارات مختلفة من أقصي اليسار إلي أقصي اليمين، وباحتدام صراعات قوية ما بين هذه التيارات المختلفة فيما بينها من جهة، وفيما بينها والدولة من جهة ثانية.
هل بالضرورة أن يكون المثقف دائما علي يسار السلطة؟
ليس بالضرورة، وعملياً نصادف في الحاضر والماضي، نماذج مثقفة مارست وتمارس السلطة، بغض النظر عن أي تقييم بهذا الخصوص؛ ويمكن القول من حيث المبدأ، إن ما يجعل المثقف في طرف مناقض للسلطة، هو ما يميزه من روح النقد والسؤال والتجاوز والسعي إلي الخصوصية والفرادة؛ إذ أن للمثقف نماذج ومثل، لا غيبية بالضرورة أو ميتافيزيقية، ولكن إنسانية علي وجه العموم، وهذا يتنافي جوهرياً مع مبدأ السلطة، وهي تنشد المصلحة والانضباط والنظام والترتيب والتراتبية؛ ومن هنا فإن المثقف عندما يمارس السلطة، أو يجاريها، أو يقترب منها، وبالتالي يتكيف مع منطقها، فإنه يبدو في غير موقعه الطبيعي وخارج سياقه.
هل اغتيلت الاشتراكية بفعل فاعل ولا أمل لها أن تقوم مجددا؟
بطبيعة الحال، لا يمكن إغفال عوامل الصراع الخارجية العالمية من فكرية وسياسية واقتصادية، في تأثيرها علي مآل الاشتراكية وأفول نجمها؛ لكن يجب الاستدراك مباشرة بالتأكيد مبدئياً علي أن الاشتراكية اغتالت نفسها بنفسها، قبل أن يغتالها الغير، اغتالها الاشتراكيون قبل غيرهم، وذلك عندما تحولت من فلسفة إنسانية وأسلوب في العيش والتعايش علي أساس مساواتي ديمقراطي اجتماعي، فأصبحت في عديد من صورها العالمية سواء منها النظرية أو التطبيقية، مذاهب فكرية مغلقة، وأيديولوجية سياسية مكتملة الدائرة، وبالتالي استوفت كل ما تتطلبه التسلطية الشمولية، وهو ما تمثل في الأنظمة السياسية المرتبطة بها، مما ساهم بقسط كبير في تفعيل العوامل الذاتية المضادة، علاوة علي الخارجية التي تصبح إلي حد ما ثانوية أو مساعدة؛ وهذا الأمر يصدق علي جملة التوجهات الفكرية السياسية التي تنغلق علي ذاتها، وترفض الاختلاف الذي يبقي المغذي الأساس للتطور والتجدد، ونري مثالا عليه في النزعات القومية، ومنها القومية العربية التي أضر بها دعاتها وذووها قبل غيرهم، كما يصح علي المنظومات الدينية بصفة عامة، في الماضي والحاضر، فهي بقدر ما تتحجر وتضيق بالاختلاف والاجتهاد، بقدر ما تتشبع بالتسلطية، والطريق ماهدة لنقائضها المختلفة.
أما فيما يتعلق بمنظور (الأمل) في انتفاض الاشتراكية من جديد، فهذا حاصل فعلا ويزداد ترسخاً، لكن في صياغات جديدة، من صور الديمقراطيات الاجتماعية التي تأخذ بالجوهر الاشتراكي، وتغمره ضمن تفاعلات منظومة الحريات والحقوق والمؤسسات بصفة عامة؛ ومن ثم، لا تبقي من ضرورة للمألوف، من صور وأطر الاشتراكيات القديمة والتقليدية.
عايشت الملكية مواطنا والجمهورية رفيقا. كيف تري كلا النظامين وأيهما يلائم الوطن العربي أكثر؟
يتعذر التحكم لدرجة القول مسبقاً إن نظاماً معيناً، هو الأصلح لشعب أو أمة، لكن ما يختاره الشعب ويرتضيه هو الأصلح له، بمعني أنه مسؤول عن اختياره، سواء في النظام الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي؛ علماً بأن هذا الاختيار يجب أن يكون حقيقياً، بمعني توافر الآليات والضمانات المؤسسية القانونية، التي تتيح الفرصة لتعديل الاختيار، أو العدول عنه، أو تدارك الخطأ المحتمل فيه، وهو ما يتيحه النظام الديمقراطي بصفة عامة، بغض النظر عن نوعيته، إن كان جمهورياً أو ملكياً أو رأسمالياً أو اشتراكياً؛ إذ أن الجوهر والأصل هو الحرية الفردية والجمعية، ومنظومة الحقوق والمؤسسات.
يقال إن صلح الراعي صلحت الرعية. هل تؤيد ذلك؟ وهل يتوقف صلاح حال الملايين علي شخص واحد؟!
هذه المقولة كغيرها من النصائح والحكم والكليشيات تحتمل أوجهاً كثيرة، ويجب في كل الأحوال تكييفها عملياً وشكلياً، ومن ذلك أن مفهوم الراعي والرعية الذي يستقي من معجم السمع والطاعة وما يربط بمنظومته؛ ونحن اليوم أبعد ما نكون عن ذلك، لكن يمكن فهم الأمر علي أن المواطن اليوم (الرعية)، هو المسئول عن الراعي (الحاكم)، بمعني أنه هو الذي يختاره ديمقراطياً؛ ومن جهة أخري، فالحاكم بدوره يخدم مواطنيه، الذين اختاروه وفق برنامج عمل وخطة معلنة، ومن ثم يحدث التطابق: فهو منهم وهم منه، وصلاح الطرفين بالتكافؤ والتماثل.
ما الفارق في رأيك بين الربيع العربي في مصر وتونس وغيرها من الدول العربية، والربيع العربي في المغرب؟
أعتقد مبدئياً أن الربيع العربي جاء فرصة وموعداً، مع صناعة التاريخ، وهو ما أفلتته النخب العربية والحاكمة منها علي الخصوص؛ وهو من الناحية الحضارية، جاء ليسجل انتفاضة المجتمع ضد التخلف والفساد والاستبداد، بعد يأس من كافة الطرق المسلوكة سابقاً بقصد التغيير، ولا ننسي أنه بذلك المظهر، أصبح نموذجاً يحتذي صراحة، من أجل إحداث التغيير لدي مجتمعات أخري، ومنها الأوروبية علي الخصوص؛ بطبيعة الحال لا يغير هذا من واقع الأمر البالغ المأساوية، السائر في العالم العربي اليوم، ونتيجة الربيع المأسوف عليه.
بخصوص حالة المغرب في علاقته مع الربيع العربي، فالعادة هنا أن نتحدث عن الاستثناء المغربي، بينما أراه اختلافاً وليس استثناء؛ ذلك أن الاستثناء يعني الخروج عن القوانين حتي في حدود الإنسانية والنسبية منها، وهذا لا يصح، أو أنه يتعذر إثباته، بينما الاختلاف ممكن، وله تعبيراته العملية في المجتمع والتاريخ المغربيين؛ فالمغرب لم يكن مؤهلا فحسب لتبني شعارات الربيع العربي وتوجهاته، بل إنه كان علي الطريق لا بأس من أن أقدم نفسي علي أنني لست مجرد واحد من قلائل، يعتبرون أقدم الأعضاء في اتحاد كتاب المغرب، باعتباري علاوة علي ذلك؛ مؤسس حقيقي لهذه المؤسسة، ومن الثلة الأولية الممهدة للمؤتمر التأسيسي عام 1961، إضافة إلي أنني توليت المسئولية بمكتبه المركزي، لدورات وفترات عديدة.
أهم ما يميز اتحاد كتاب المغرب، منذ تأسيسه، هو أنه كان الاتحاد الوحيد تقريباً (يماثله إلي حد كبير اتحاد الكتاب اللبنانيين) المستقل عن حكومته، لدرجة المعارضة بمعناها السياسي القوي، للدولة لا للحكومة فحسب؛ بينما سائر الاتحادات العربية الأخري من هذا المنظور، كانت رسمية حكومية وتظل كذلك إلي اليوم؛ وهذا الوضع أعطي لاتحاد كتاب المغرب في مواقفه علي المستوي العربي، وفي نطاق الاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب، كما علي مستوي الحياة العامة مكانة الاعتبار والتقدير.
وأظن اختلاف الظروف العامة محلياً وعربياً ودولياً، علي الأقل منذ الألفية الحالية ولا سيما في العشرية الأخيرة، قد انعكس علي الوضع الثقافي العربي ومؤسساته، ومنها إن لم يكن أولها اتحادات وروابط الكتاب العرب، وأظن وضعية اتحاد كتاب المغرب ليست استثناء في ذلك، من منظور الدينامية الجماعية الداخلية، وإن كان ذلك لا يخفي أو يمنع من منجزات نوعية؛ وأعتقد أن المتغير الأساس هنا، يتمثل في الفارق بين مرحلة أو مراحل، كانت في جوهرها، قائمة علي الالتزام الفكري والمؤسسي، علي قاعدة التطوع والبذل، وبعيداً عن أي تطلع أو طموح إلي ما سوي ذلك، عبر العضوية أو المسؤولية في الاتحاد، بل إن المهمة داخل جهاز الاتحاد، كانت بالأحري غير مريحة اجتماعياً وسياسياً، فأحري أن تكون مدرة لشئ من مكتسبات شخصية فردية أو جمعية.
ما تأثير تعدد الثقافات في المغرب؟
التعدد الثقافي في المغرب طابع ملازم، يدخل فيه العامل الجغرافي والإثني والديني والثقافي، وهو وضع طبيعي؛ وإذا اعتبر هذا التعدد من منظور الثقافة الأجنبية والغربية علي وجه التحديد، فيمكن استحضار أن ذلك ليس وليد اليوم، إذ أن التبادل الحضاري مع الأجنبي، كان دائماً حاضراً طوال التاريخ المغربي، وبحيرة المتوسط كانت دائماً صلة وصل، لا حاجزاً أو عائقاً، حتي ما تم من ذلك عن طريق حروب أو غزو متبادل؛ ومن غير الطبيعي أن نتصور هذا التواصل المستمر لم تكن له مظاهر ثقافية؛ علماً بأن الخلاف بهذا الخصوص مع ما عليه الأمر حالياً، هو أن التبادل اليوم، يتم عبر استراتيجيات عامة، لا تبعاً للطوارئ والظرفيات.
أما فيما يخص التعدد الثقافي الداخلي، فهو أكثر تأصلا واستمرارية، باعتبار ما يمثله المغرب منذ خمسة عشر قرناً علي الأقل، من تمازج تلاحمي عربي أمازيغي إفريقي صحراوي متوسطي، وكمثال علي ذلك تغلغل الثقافة الإفريقية في الفنون المغربية، ولا يخفي أن هذا التعدد، يعتبر مصدر إغناء للشخصية المغربية علي وجه العموم، كما لا ننسي هنا ما يمكن أن يتصور علي أنه نقاء وتوحد ثقافي أو إثني أو طائفي، أو نشدان ذلك وما يدخل في بابه، هو من قبيل اللامعقول، قبل أن يكون من قبيل اللامقبول، وهو بالتالي لا إنساني، ومسبب الكوارث الإنسانية العالمية والكونية قبل المحلية والإقليمية.
هل اللغة العربية في خطر؟ وإن كانت كذلك فكيف نواجهه؟
نعم؛ اللغة العربية في خطر، ومنذ الأمس وليس اليوم، منذ تخلف العرب عن ركب العلم والتطور؛ فاللغة ليست مستقلة عن أصحابها، لأنها صنعتهم ونسج ذواتهم، وليست دخيلة عليهم أو غريبة عن تركيبهم، لذلك فإن تخلف الذوات البشرية الفردية والجمعية، ينعكس علي الذوات اللغوية أي علي اللغة؛ علي أن تضخم سلبيات ما عليه العربية اليوم، يتمثل في التعامل معها كما لو كانت مستقلة، حتي في سبل البحث عن علاج للوضع؛ وهنا نلحظ الجهود المشكورة والمحمودة المبذولة من لدن دول ومؤسسات عربية، لخدمة اللغة العربية، لكن ذلك يحتاج إلي الإرادة السياسية المستندة إلي المنهجية العلمية والتخطيط البيداغوجي، علاوة علي التطبيق العملي المندمج للعربية في مجالات الحياة.
ما هي مكانة القارئ بالنسبة لمبارك ربيع؟ وكيف تتواصل معه؟
لا يمكن لكاتب روائي أن يتجاهل القارئ، فهو حاضر مضمر ومفصح في جميع الحالات، حتي أثناء الكتابة بكيفية أو أخري، ويمكنني القول إنني اتواصل مع القارئ بل وتصلني رسائله وانطباعاته وأعتز بها؛ ويتمثل ذلك التواصل في مختلف اللقاءات المباشرة، سواء منها المنظمة ضمن مؤسسات ومناسبات، أو العفوية، كأن يتعرف عليك قارئ في ظرف عادي، وبعيد عن الأجواء الثقافية، فيعبر لك عن قراءته لهذا العمل أو ذاك من أعمالك.. لكن لا أعتبر نفسي أبذل جهدا كبيراً أو حتي مجرد متوسط في هذا الباب؛ أقبل مع نفسي أن يعتبر هذا تقصيراً مني، لكنني أشعر بأن مسؤوليتي الأساسية، هي أن أكتب، ويبقي الكثير الإضافي بعد الكتابة، أميل إلي تركه للغير بما فيه القارئ.
وهنا؛ لابد أن أوضح قليلا مفهوم حضور القارئ، من منظور ما يجري من حوار بيننا أثناء الكتابة، فانا أراه مسايراً محبذاً ومستفهماً حيناُ أو متحيراً أو مستنكراً حيناً آخر.. لكنني لا أزيد عن اعتبار حضوره شاهداً أو شبيهاً بذلك، وأنا أمضي في كتابة ما أنا فيه.. وهو ما يعني ممارسة حريتي في الكتابة كما أري بما أري لما أري؛ من هنا فأنا في نماذج كثيرة مما أكتب، كما في مكونات روائية بعينها، أسعد بمطمح أن أجتذب القارئ إلي ما أنا فيه، إلي عوالمي وتصوراتي وألواني، لا العكس.
ماذا تمثل لك الجوائز؟
هي مبدئياً مكون من مكونات الحياة الثقافية، ومن هذا المنظور فهي محمودة ومشروعة، وتمثل وظيفة التحفيز والتشجيع للمنتج الثقافي؛ كما أن تعددها وتنوعها حسب المصادر والمجالات التخصصية أمر مرغوب فيه، إنما بطبيعة الحال، ليست الجوائز كل شئ، ولا هي الهدف المنشود من قبل المنتج الثقافي، كما أن الجوائز من جهتها، تتطلب وضوح وإيضاح شخصيتها بكل شفافية، بما يتطلبه ذلك من نزاهة وترفع، عن خدمة غير ما تعلن عنه من مبادئ وتوجهات، ومن حقها تبعاً لذلك، أن تخلص لمعاييرها المختلفة والمحددة.
هل تذهب الجوائز الأدبية لمن يستحقها؟
لكل جائزة نظامها الخاص ولوائحها الداخلية، علي أن ذلك لا يعني وجود عدالة مطلقة، بل إن استعمال العدالة هنا لا معني ولا مبرر له، في مجال يرتبط بالذائقة الأدبية الجمالية مهما تكن الضوابط المنهجية والتقييمية المعتمدة؛ وفي ضوء هذا، فإن أي اختيار للجان التحكيم هو في حكم المبرر ذاتياً ولا مجال للجدال فيه، إلا في الحالات الصارخة ونادراً ما تكون، أو في حالات تقارب النماذج وهذا طبيعي، لذلك لا أري من المعقول ما يتلو في بعض الأحيان، أو أغلبها، بعض الأصوات المؤاخذة، إن لم نقل المهاجمة للنتائج، لأننا أمام عمل بشري للجان التحكيم، وهو يفرض مبدئياً حسن النية، بالإضافة إلي الكفاءة العلمية والمهنية، لا أكثر من ذلك، وبدون داع لأي جدال.
ومن جهة أخري، لا يعني الأمر أن كل النماذج التي لم تحصل علي جائزة ما، هي دون ذلك بالضرورة، إذ يمكن القول هنا، إن الجوائز الأدبية في معظمها، تميل علي العموم في معاييرها، إلي ما يستجيب للذائقة المشتركة أو العامة، دون غير ذلك، من النماذج ذات المنحي المختلف والمخالف أو المفارق؛ ومن هذه الناحية، ومن منظور معين، يبدو في هذا بعض ما لا يخدم العملية التطورية الفنية، لكن تاريخ الفكر والأدب والفن، ينكتب بسيرورته الذاتية، لا بالشارات الخارجية مهما تكن قيمتها أو نوعها، والتي تبقي في أحسن الأحوال، مؤشرات لا أكثر.
من في الوطن العربي تراه يستحق جائزة نوبل؟
كثير هم من يستحقونها، وربما يكون عددهم حالياً بمعدل واحد لكل بلد عربي، دون أن يعني ذلك أي توزيع بالتساوي، ولا أعتقد أن المستحقين يقتصر وجودهم علي اليوم، بل يرجع الأمر في نظري إلي عقود؛ وهذه الملاحظة تستند علي العموم إلي مستوي الإنتاج الإبداعي العربي، وبخاصة في مجالي الشعر والرواية من جهة، كما تستند إلي بعض المعايير العملية والمستنتجة من اشتغال جائزة نوبل من جهة أخري، وأعني بذلك شبه المضمر والمعمول به، من المواصفات المطلوبة في المرشح، من حيث بعض التوجهات الفكرية الخاصة، وكذلك اللغة التي ينتج بها، وبهذا الخصوص فإن الإنتاج بلغات معينة ليس من بينها العربية يقدم فرصاً أحسن علي طريق نوبل، وأضيف أن هذه الظاهرة لا تقتصر علي الإبداع الأدبي العربي وحده، بل تشمل الإنتاج العلمي أيضاً، فالبحوث الجامعية المنجزة باللغة العربية، رغم قيمتها الموضوعية والعالمية بالمعايير الأكاديمية، تظل مجهولة، محدودة التداول، وغير معترف بها تبعاً لذلك؛ وهذا ما يدخل في تصنيف الجامعات العالمية، ويؤثر في التصانيف المرتبطة به.
أين تري مبارك ربيع في كلا من الرواية المغربية والعربية؟ وأين تري الرواية المغربية بين الروايات العربية؟
فيما يخصني شخصياً، أشعر أنني في حالة مستمرة من ظمأ البحث عن الرواية، وسأظل أبحث علي هدي ما أنشد وما يرتسم في أفقي من نموذج؛ ومن جانبي أتمني كما سأعمل، علي أن أبقي في هذا الاتجاه؛ ومن هذا المنظور، فقد قدمت للرواية العربية، وللمغربية طبعاً، علامات دالة.
الرواية العربية اليوم وحتي قبل اليوم، قدمت وتقدم أعمالا، لا تقل عن روائع مماثلة في آداب عالمية أخري، بل وتفوق فنياً وإنسانياً نماذج مشابهة ومخالفة في تلك الآداب؛ والحالات كثيرة.
وبخصوص الرواية المغربية اليوم بالذات، فهي تشكل مرجعية لا غني عنها في المشهد الروائي العربي، وعطاءاتها في مستوي كل المقارنات والمقاربات، علي طريق الجدة والجودة.
وصلت لمكانة مرموقة في الثقافة العربية. ما الذي تطمح إليه؟
أعتبر الأمر هنا يتعلق بالمجال الروائي دون غيره، وأِؤكد بالفعل أنني علي طريق تحقيق مشروعي في هذا المجال، قد أنجزت ما أنجزت علي نحو ما تصورت وأردت، بالخصوصية الملازمة، أو العلامة المميزة إذا صح التعبير؛ ورغم أن المبدع علي العموم يظل يرنو إلي تحقيق شئ؛ إلا أنني بصفة خاصة ترتسم في ذهني نماذج محددة، أطمح إلي كتابتها، أي اكتشاف الكيف الروائي، الذي يمكنها التبلور في إطاره، عبر الإقناع والجمالية المنشودة.
هل تشعر بالرضا التام عن تجربتك الأدبية والروائية تحديدا أم هناك ما ينقصها؟
الرضا نعم. الرضا التام لا أفهمه.. فالرضا فينا هو العنصر المناوب المراوح المتخلل، لا ما بين عمل روائي وآخر فحسب، ولكن ما بين مكون روائي وآخر: صورة، تصور، نمط شخصية، موقف، تعبير أو عبارة.. ما دام الروائي مخلصاً لفنه.. بينما الرضا التام فناء وانتهاء، أو هو من قبيل ذلك.
ماذا ننتطر منك قريبا؟
لي مجموعة قصصية بعنوان "الصورة والقفص" تحت الطبع، وأكتب عملا روائيا جديدا، يمكن القول علي وجه التحديد، إنني بصدد لمسات مراجعته النهائية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.