دبلوماسي سابق: الإدارة الأمريكية تواطأت مع إسرائيل وتخطت قواعد العمل الدبلوماسي    ما حكم ذبح الأضحية في البلاد الفقيرة بدلا من وطن المضحي؟    بورصة الدواجن اليوم بعد آخر انخفاض.. أسعار الفراخ والبيض الأربعاء 22مايو 2024 بالأسواق    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الأربعاء 22 مايو 2024    بالصور.. معايشة «البوابة نيوز» في حصاد اللؤلؤ الذهبي.. 500 فدان بقرية العمار الكبرى بالقليوبية يتلألأون بثمار المشمش    الأزهر ينشئ صفحة خاصة على «فيسبوك» لمواجهة الإلحاد    استشهاد 10 فلسطينيين جراء قصف إسرائيلي على غزة    نتنياهو: لا نخطط لبناء مستوطنات إسرائيلية في غزة    «ما فعلته مع دونجا واجب يمليه الضمير والإنسانية».. أول رد من ياسين البحيري على رسالة الزمالك    النشرة الصباحية من «المصري اليوم».. أيرلندا تعتزم الاعتراف بفلسطين.. وإطلاله زوجة محمد صلاح    فضل يوم النحر وسبب تسميته بيوم الحج الأكبر    إبراهيم عيسى: التفكير العربي في حل القضية الفلسطينية منهج "فاشل"    رئيس نادي إنبي يكشف حقيقة انتقال محمد حمدي للأهلي    قرار جديد من الاتحاد الإفريقي بشأن نهائي أبطال إفريقيا    أرقام تاريخية.. كبير محللي أسواق المال يكشف توقعاته للذهب هذا العام    سيارة انفينيتي Infiniti QX55.. الفخامة الأوروبية والتقنية اليابانية    «هساعد ولو بحاجه بسيطة».. آخر حوار للطفلة جنى مع والدها قبل غرقها في النيل    رابط نتائج السادس الابتدائى 2024 دور أول العراق    اليوم.. ختام مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة بحضور إلهام شاهين وفتحي عبد الوهاب    أترك مصيري لحكم القضاء.. أول تعليق من عباس أبو الحسن على اصطدام سيارته بسيدتين    سفير تركيا بالقاهرة: مصر صاحبة تاريخ وحضارة وندعم موقفها في غزة    عاجل.. حلمي طولان يصب غضبه على مسؤولي الزمالك بسبب نهائي الكونفدرالية    تحرك برلماني بشأن حادث معدية أبو غالب: لن نصمت على الأخطاء    افتتاح أول مسجد ذكي في الأردن.. بداية التعميم    تصل إلى 50%، تخفيضات على سعر تكييف صحراوي وقائمة كاملة بأحدث أسعار التكييفات    دراسة: 10 دقائق يوميا من التمارين تُحسن الذاكرة وتزيد نسبة الذكاء    «أعسل من العسل».. ويزو برفقة محمد إمام من كواليس فيلم «اللعب مع العيال»    ضميري يحتم عليّ الاعتناء بهما.. أول تعليق من عباس أبو الحسن بعد حادث دهسه سيدتين    نشرة التوك شو| تفاصيل جديدة عن حادث معدية أبو غالب.. وموعد انكسار الموجة الحارة    جوميز: لاعبو الزمالك الأفضل في العالم    النائب عاطف المغاوري يدافع عن تعديلات قانون فصل الموظف المتعاطي: معالجة لا تدمير    بينهم طفل.. مصرع وإصابة 3 أشخاص في حادث تصادم سيارتين بأسوان    "رايح يشتري ديكورات من تركيا".. مصدر يكشف تفاصيل ضبط مصمم أزياء شهير شهير حاول تهريب 55 ألف دولار    أهالي سنتريس يحتشدون لتشييع جثامين 5 من ضحايا معدية أبو غالب    الأرصاد: الموجة الحارة ستبدأ في الانكسار تدريجياً يوم الجمعة    نائب روماني يعض زميله في أنفه تحت قبة البرلمان، وهذه العقوبة الموقعة عليه (فيديو)    إيرلندا تعلن اعترافها بدولة فلسطين اليوم    دبلوماسي سابق: ما يحدث في غزة مرتبط بالأمن القومي المصري    عاجل.. مسؤول يكشف: الكاف يتحمل المسؤولية الكاملة عن تنظيم الكونفدرالية    حظك اليوم برج العقرب الأربعاء 22-5-2024 مهنيا وعاطفيا    «الثقافة» تعلن القوائم القصيرة للمرشحين لجوائز الدولة لعام 2024    جوميز: عبدالله السعيد مثل بيرلو.. وشيكابالا يحتاج وقتا طويلا لاسترجاع قوته    روسيا: إسقاط طائرة مسيرة أوكرانية فوق بيلجورود    الإفتاء توضح أوقات الكراهة في الصلاة.. وحكم الاستخارة فيها    وثيقة التأمين ضد مخاطر الطلاق.. مقترح يثير الجدل في برنامج «كلمة أخيرة» (فيديو)    ب1450 جنيهًا بعد الزيادة.. أسعار استخراج جواز السفر الجديدة من البيت (عادي ومستعجل)    طريقة عمل فطائر الطاسة بحشوة البطاطس.. «وصفة اقتصادية سهلة»    بالصور.. البحث عن المفقودين في حادث معدية أبو غالب    أبرزهم «الفيشاوي ومحمد محمود».. أبطال «بنقدر ظروفك» يتوافدون على العرض الخاص للفيلم.. فيديو    موعد مباراة أتالانتا وليفركوزن والقنوات الناقلة في نهائي الدوري الأوروبي.. معلق وتشكيل اليوم    وزيرة التخطيط تستعرض مستهدفات قطاع النقل والمواصلات بمجلس الشيوخ    شارك صحافة من وإلى المواطن    إزاى تفرق بين البيض البلدى والمزارع.. وأفضل الأنواع فى الأسواق.. فيديو    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    قبل قدوم عيد الأضحى.. أبرز 11 فتوى عن الأضحية    المتحدث باسم مكافحة وعلاج الإدمان: نسبة تعاطي المخدرات لموظفي الحكومة انخفضت إلى 1 %    خبير تغذية: الشاي به مادة تُوسع الشعب الهوائية ورغوته مضادة للأورام (فيديو)    استعدادات مكثفة بجامعة سوهاج لبدء امتحانات الفصل الدراسي الثاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل حقا ينوون التجديد؟!
نشر في أخبار الأدب يوم 04 - 06 - 2016

رغم أهمية ملتقي "تجديد الخطاب الثقافي" الذي استضافه المجلس الأعلي للثقافة الأسبوع الماضي، ورؤيته الموسعة التي تهدف إلي التجديد والتطوير؛ إلا أنه اتسم ببعض المظاهر التي تناقض ذلك، أبرزها أن أغلبية المتحدثين والمشاركين بأبحاثهم في الجلسات لم يراعوا طبيعة الاختلاف بين الكتابة العلمية والمشاركة في ندوات نقاشية، فجاءوا يلقون أبحاثهم كخطاب سردي، جعل الحضور ينفضون من حولهم، بل وانفض المتحدثون أنفسهم علي المنصة، فمنهم من أخذ يلهو في تليفونه المحمول أو جهاز "التابلت" الخاص به، وآخرون يتحدثون جانبيا ويضحكون، مما عكس صورة توحي بأنهم جاءوا ليأدوا مهمة ويثبتوا حضورا ليس أكثر - مثل أي مؤتمر آخر -.
وبالرغم من وجود ظاهرة إيجابية ملفتة، بتواجد شباب صغير في السن - مرحلة قبل الجامعة - إلا أن التمثيل الشبابي في الجلسات - بخلاف ورش العمل - لم يكن متواجد إلا نادرا، فالأولوية - كالمعتاد - لمن يسبق اسمه كلمتي "أستاذ دكتور"، ورغم أنهم جاءوا لوضع رؤية تطويرية، لكن أفعال أغلبهم بدت وكأنها تنحو للخلف، فلم يكن هناك التزام بالوقت الذي يقرره رئيس الجلسة لكل متحدث، وكل منهم يريد أن يحصل علي فرصة أكبر للقراءة بغض النظر عن الآخرين، وحينما يُفتح باب المداخلات لا يسمحون لمن يخالفهم الرأي باستكمال حديثه، فإما يصادر حقه رئيس الجلسة بسلطته أو المتواجدون بإثارة الضوضاء والتشويش، فكيف يضع هؤلاء رؤية لتجديد الثقافة وهم تغيب عنهم ثقافة الاستماع إلي الآخر حتي وإن اختلف؟!.
ما سبق لا ينكر أن هناك عددا كبيرا من الأوراق البحثية التي نوقشت تستحق الاهتمام، نلقي الضوء علي بعضٍ منها، ففي جلسة أدارها الروائي واسيني الأعرج، تحدث "إدوارد سولو" عن الثقافة والحضارة، في ورقة ترجمها للعربية د.عبد الرحمن حجازي، خلُص فيها إلي أن العالم عبارة عن مجموعة من الحقائق المختلفة مرتبطة معا، وأن الاعتقاد والعقل والعلم والدين غير منفصلة، وإنما يكمل بعضهما البعض لتلبية الاحتياجات الإنسانية.
بينما تناولت د.فاطمة زهرة دالي يوسف، من جامعة تلمسان بالجزائر بحثا باللغة الفرنسية عن الخطاب النسائي في الأدب الشعري الشفهي، واختارت شعر "الحوفي" كنموذج، فقدمت قراءة سوسيولوجية أظهرت من خلالها كيف يصور شعر الحوفي المرأة، واعتمدت في ذلك بشكل أكبر علي الخطاب المغني.
من جانبه، تحدث الأديب أيوب رمضاني عن الثقافة والمجتمع تحت عنوان "رؤية كوسوفا"، مستعرضا قانون "ليك دوكاجين"، أحد الرموز المؤثرة في تاريخ الشعب الألباني، فقال: "الشعب الألباني يواجه تحديين رئيسيين، هما الصراع من أجل البقاء والبدء في التعليم. ففي فبراير 2008، أعلنت كوسوفا استقلالها، وتم تنظيم انتخابات حرة، وتشكلت الأحزاب السياسية، وتم تكوين المؤسسات الحكومية المعنية بإدارة الدولة، لكن علي الرغم من النجاحات التي تحققت حتي الآن، فإن كوسوفا لا تزال البلد الوحيد في كل أنحاء أوروبا، الذي لا يتمتع مواطنوه بحرية التنقل عبر الأراضي الأوروبية دون الحاجة إلي الحصول علي تأشيرة مسبقة".
في حين تناولت ورقة د.بكر إسماعيل، "آدم دماتشي" كرائد للتجديد والإصلاح في كوسوفا، فقال: "لقد لعب دماتشي دورا مؤثرا في تغيير شكل الحياة السياسية والأدبية لتتفق مع الحداثة والواقع ولتتلاءم مع مسيرة الإصلاح والتجديد، ونتيجة لذلك حصل علي العديد من الأوسمة تقديرا لأعماله، التي تميزت بحسن اللغة والأسلوب والفهم والتحقيق والتعليق، واستطاع أن يضمنها عصارة أفكاره المستنيرة في إصلاح المجتمع وعلاج مشكلاته". بينما اختار محمد شاهين "طه حسين" نموذجا للتجديد، من خلال تحليل أعماله الروائية، كما ناقش مساهمة إدوارد سعيد في هذا الميدان.
إصلاح تشريعي معاصر
وفي جلسة أخري عن تجديد خطاب الثقافة والإصلاح التشريعي، التي أدارها المستشار خالد القاضي، وشارك فيها الكاتب والقانوني أشرف الخريبي، الكاتب وعضو البرلمان يوسف القعيد، القانونية اللبنانية د.غني أبو مراد، والكاتب والمحامي فاروق عبدالله.
تناول أشرف الخريبي مسألة الإصلاح التشريعي من خلال رؤيته حول ثورة يناير، فقال: "نحن في مرحلة مخاض لعلاقة المثقف بخطابه التحليلي الفكري، والسياسي الذي يمثل واجهة الإصلاح التشريعي الممكن، لقراءة الواقع معا وبناء مستقبل الدولة الحديثة، فالإصلاح التشريعي يقوم علي فكرة وضع قواعد قانونية في خدمة الثقافة ولصالح واقعه، بعمل إجراءات وتعديلات من شأنها إصلاح القاعدة القانونية بشكل جذري، وإنشاء القاعدة التشريعية في الأصل ثقافة، حيث إن المجتمع هو من ينشئها بثقافته، لذا فإن الجدل المنشأ بين السياسي والمثقف من منظور واحد".
وتساءل الخريبي: "هل يستطيع التشريع العربي في أي دولة عربية استيعاب ثقافة المثقفين وقدرتهم علي إنتاج
وعي محدد؟ وهل نملك خطابا ثقافيا واضح المعالم من الأساس لنجدده؟ نعم، لكن فكرة التجديد هي تطوير وعي الواقع، وأتصور أن المجتمع العربي ينظر إلي ماضيه فقط لا إلي الحاضر أو المستقبل، فإن تحدثنا عن الكتابة الرقمية ذ مثلا ذ وتصوراتنا عنها وما أحدثه الواقع الرقمي في مجتمعات أخري، هل تم إصدار قوانين خاصة بذلك؟ فالتشريع نفسه لا يواكب الثقافة، ولابد من تجديد القاعدة التشريعية في مواجهة تجديد خطاب المثقف، لأن التشريعات الحالية تستمد قوانينها من الواقع القديم، التي انشاها السياسي ولا تواكب واقعنا الثقافي المعاصر".
وكذلك أكدت د.غني أبو مراد أن الإصلاح التشريعي والسياسي والاقتصادي، من أولويّات تجديد الخطاب الثقافي، الذي سيقودنا إلي الإصلاح التشريعي المتلائم مع تقدّم المجتمعات وتطورها، وأوضحت: "كافة التحولات التي طرأت علي المجتمع العربي ليست سوي حلقات متتالية لمشروع تحديثها بغية تغيير الواقع من خلال تفعيل عمل العقل الذي يدبر أموره ويحدد الأهداف الجديدة التي يتوخاها، وومن أجل التأكيد علي ضرورة إحياء فكرة تجديد الخطاب الثقافي والتعمق في العلوم المعرفية".
وأجملت د.غني 4 نقاط ينبغي التوسع فيهم من للوصول إلي الإصلاح التشريعي المنشود، هي: العمل بانتظام علي سيادة التفكير العقلاني والعلمي، تشجيع مؤسسات البحث العلمي وإطلاق حريات المجتمع المدني، إصلاح الخطاب الديني ليصبح مستمدا من روح العلم وأحكام العقل متناغما مع الخطاب الإبداعي، وأخيرا؛ تنمية مشروعات النشر الإلكتروني المتبادل في الثقافة وتعميمها في كل الأقطار العربية، خصوصا في الصحف والمجلات الثقافية".
بينما أكد فاروق عبدالله أن حرية الرأي لابد أن تُكفل، فهو يدافع عنها طوال عمره، إلا أنه يجب مراعاة عدم الإساءة عندما نكتب، وأوضح: "العديد من المؤتمرات الثقافية، أدلينا فيها بأبحاثنا المستفيضة، وانفضت دون أن يلتفت أحد لما قلناه مع غيري من كبار الكتاب والمفكرين، فأبحاثنا عن تجديد الخطاب الثقافي من جانبه التشريعي قديمة ترجع إلي عقود مضت ".
رفض الكاتب يوسف القعيد أن يتحدث مستترا وراء كونه عضوا بالبرلمان، مؤكدا أن تلك تجربة مازال يحبو فيها، وإنما جاء ليتحدث كمثقف عربي يعيش هذه الأيام الحزينة التي تمنينا ألا نحياها في الوطن العربي كله، واستطرد: "بداية؛ أعتقد أن عنوان المؤتمر غير دقيق، لأنه لا يمكن تجديد الخطاب الثقافي بمعزل عن تجديد روتين الحياة اليومية، فمن المستحيل أن ننجح ما لم تكن الحياة من حولنا خطابها متجدد أو قابل للتجدد، ونحن مازلنا يحكمنا الماضي بإرثه وبكل ما كان فيه.. والقدرة علي المغامرة والتجديد والخروج من النفق الذي نعيش فيه من الأمور الصعبة، فتجديد خطاب الحياة العامة مسألة صعبة ومتداخلة، لكنه في مصر والوطن العربي لا أعتقد أنه ممكن حدوثه".
أشار القعيد إلي حبس إسلام البحيري بتهمة إزدراء الأديان، مؤكدا أن البرلمان توجد به ذ حاليا ذ مذكرة أعدتها د.آمنة نصير لمحاولة تغيير القانون، وخاصة الفقرة (و) التي حوكم علي أساسها، بالإضافة إلي محاولة لإلغاء قانون خدش الحياء العام الذي حوكم به الروائي الشاب "أحمد ناجي" ويقضي عقوبة حبسه بسببها، وأضاف: "توجد كثير من القوانين السالبة للحريات في قضايا الرأي والتعبير والنشر، رغم تناقضها مع الدستور الذي ينص صراحة علي خلاف ذلك، فللأسف؛ تراجعت قضية عمرنا المتمثلة في الصراع العربي الصهيوني، لحساب صراعات كثيرة ما بين السنة والشيعة والطوائف المختلفة".
استكمل القعيد: "المشكلة أن القانون يحكم العلاقة بين البشر في كل يوم، والمبدع بالذات في أمس الحاجة إليه حتي لا يتحكم فيه أحد، خاصة أن صورة المثقف في بلادنا محملة من العامة بتراث ليس إيجابيا علي الإطلاق، فوعي الناس عندما يفكرون في كلمة مثقف أو فنان أو مفكر وغيره تكون صورته غير جيدة، رغم أن الجماهير كانت هي الخندق الأساسي الذي يستند إليه المثقف، وهو ما أصبح غير موجود تماما الآن، وأصبح المثقف منغلق علي نفسه".
موظفون لا مثقفون
في اليوم الثاني؛ أقيمت جلسة حول "إدارة العمل الثقافي" أدارها الكاتب الأردني سعود قبيلات، وشارك فيها أحمد العطار، د.خالد عزب، شمس الدين يونس من السودان، عمر المعتز بالله، ويوسف المحيميد من السعودية.
تحدث العطار من واقع تجربته الشخصية، فأكد أن من أهم المشاكل الأساسية التي تواجه مجال الثقافة في العالم العربي هي غياب الإدارة الثقافية، مشيرا إلي أنه ذهب لمسارح كثيرة حول العالم ولم يجد كم الموظفين الموجود في مصر مهما بلغت ضخامة أو أهمية المسرح، وأوضح: "المنتج الثقافي منتج خاص تختلف تركيبته عن المنتج التجاري العادي الذي يكون محدد بدراسات السوق، والتي تنجح بنسبة كبيرة لأنها تغطي كل مراحل إنتاجه، أما الثقافي فتركيبته تختلف تماما ولا تكون ثابتة أبدا، لذلك دراسته كإدارة ثقافية لها مناهج متخصصة من شأنها تخريج مديرون لديهم مرونة في العمل والتنقل بين مكان وآخر، فالمدير الثقافي ذ في المؤسسات الصغيرة تحديدا ذ لابد أن يتمتع بملكة التعامل مع التسويق والميزانية والبحث عن التمويل سواء الحكومي أو الخاص".
بينما وضع د.خالد عزب مشروع للثقافة، مؤكدا أن صناعة الثقافة لابد أن تكون مشروع دولة وليس وزارة، يشترك فيها جميع مؤسسات المجتمع المدني من تعليم، إعلام، شباب، صناعة، ثقافة، وغيره، لبناء الصورة الثقافية لمصر، وحدد عدد من المتطلبات التي نحتاج إليها لإعادة بناء تلك الصورة هي: بناء شبكة وطنية للمكتبات تتعاضد وتتكامل وتتبادل، بناء شبكة وطنية للمتاحف، دعم مؤسسات المجتمع المدني الثقافية، تحويل دور صندوق التنمية الثقافية لدور استثماري للإبداع الثقافي الوطني وممول للثقافة، نفل تبعية المراكز الثقافية من وزارة التعليم العالي، إعادة هيكلة المجلس الأعلي للثقافة علي غرار المجلس الثقافي البريطاني، إعادة هيكلة قصور الثقافة، إرغام الإعلام العام والخاص علي بث البرامج الثقافية والعلمية في أوقات الذروة، رعاية الحرف التقليدية، توثيق ونشر التراث الشفهي، إعادة النظر في التشريعات المعوقة للعمل الثقافي لتتواكب مع المتغيرات مثل ضريبة الملاهي علي أنشطة الأوبرا، صياغة قانون جديد ينقل تبعية الجمعيات الثقافية والعلمية المختصة كالجمعية التاريخية والجغرافية إلي وزارة الثقافة وإتاحة فاعلية لها للتفاعل مع قرائها بسهولة علي الصعيد الدولي، ونقل تبعية مجمع اللغة العربية لوزارة الثقافة.
أما شمس الدين يونس، فقد استعرض من واقع تجربته في العمل الثقافي السوداني، الإشكاليات التي يقابلها، والتي لا تنطلق اقتراحات حلها ذ عادة ذ من الواقع ولا تستند عليه، وإنما من الطموح والأحلام التي يتمنوا وجودها، فيقول: "علي الصعيد العملي أري أن إشكاليات إدارة العمل الثقافي درست كثيرا وظلت بلا حلول، والتوصيات لا تجد سبيلا إلي التنفيذ وإنما تجد طريقها إلي أرفف المكتبات والأدراج، وعلي صعيد الدولة لا نجد أي استجابة لما تمت دراسته واقتراحه من حلول، فإذا كنا لم نفرغ بعد من إشكاليات العمل الثقافي الحالية فكيف نتحدث عن المستقبل".
أرجع يونس إشكالية العمل الثقافي في السوداني إلي قانون 1995 المنظم له، حيث يجد أن أغرب ما فيه أنه يسمح لكل 25 شخص إذا تجمعوا أن ينشأوا مركز ثقافي، ويستطرد: "لقد تم تقزيم وزارة الثقافة في السودان، فظلت تتأرجح طيلة عقود غير مستقرة، وللخروج من هذا المأزق لابد من مستويين؛ الأول يخص الدولة من توفير التمويل وخلق مناخ تنظيمي لإدارة العمل الثقافي وحث المؤسسات الاقتصادية الكبري للدخول فيه، والثاني علي مستوي المؤسسات الأهلية".
بينما أشار عمر المعتز بالله في البداية إلي أن الخطاب الديني لا ينفصل عن الخطاب الثقافي، وأضاف: "الصناعة الثقافية تقوم أول ما تقوم علي المادة الهام وهي الفكر، الذي تبدعه عقول تتمتع بحرية التعبير في مناخ آمن وإيجابي يتوافر فيه التنوع الثقافي الذي يثري، بل ويحفز العملية الإبداعية، ومن ثم يتم تصنيع هذا الفكر بواسطة عناصر مهمة منها التنظيم ورأس المال والقوة العاملة، لإنتاج عمل إبداعي خلاق يخضع للتقييم قبل أن يخضع للتسويق، بهدف التنمية الاقتصادية التي تعمل علي رفعة شأن المواطن كونه المحرك والدعامة الأساسية لرفعة شأن الوطن".
أما يوسف المحميد، فقد تناول إدارة العمل الثقافي واشكالياته في السعودية، فأوضح: "العمل الثقافي في كثير من دول العالم يحقق نجاحه عبر عاملين رئيسين، هما اهتمام حكومات هذه الدول بالثقافة ومنحها مكانتها التي تستحقها، وإدارة العمل الثقافي من خلال مثقفين أكفاء، مؤهلين علميًّا وعمليًا، لتحقيق إنجازات مهمة تستطيع تشكيل الوعي والوجدان المجتمعي، لكن للأسف معظم من يعملون في المؤسسات الثقافية هم موظفون لا يملكون أي رؤي ثقافية".
الثقافة أسلوب حياة.. ومشروع دولة
جدير بالذكر؛ أن الملتقي افتتحه وزير الثقافة حلمي النمنم، بمشاركة د.أمل الصبان الأمين العام للمجلس الأعلي للثقافة، وحضور عز الدين ميهوبي وزير الثقافة الجزائري، الذي ألقي كلمة المشاركين في الملتقي، فأكد أن تجديد الخطاب الثقافي يكون بالممارسة، فيجب أن نطور لغتنا، التي تتسم بالثراء، لكننا لم نسعي لإيجاد مشتقات جديدة تغني قاموسها بما يواكب التحول التكنولوجي، كما أننا لا نستخدم من معجم اللغة سوي 0.04 ٪ من 12 مليون كلمة تقريبا، وأضاف: "علينا ألا ننغلق في الماضي، وأن نعمل عليتتفكيك واقع التعليم في العالم العربي، لأنه سبب فشل مشاريع النهضة، وحتي يتم تجفيف ينابيع الإرهاب والفكر المتشدد، فإن الخطاب يجب تجديده، ليصل إلي خلخلة الواقع، فالمجتمعات التي تلم تعي بعد دور الثقافة في نشر القيم الإنسانية بين الناس، لن تستطيع التقدم".
وأكد ميهوبي أنه لن تتحقق النهضة إلا بالوقوف علي الفن والإبداع، ضد منطق الجماعة لعقلية الأمس، فنحن نفتقر قيمة حرية الفرد في المبادرة الشخصية وسط الجماعة، وأن يتغلب المثقف علي أزمته، واستطرد: "التطرف والعنف اللذين نعيشهما نتيجة العجز في فك شفرة المستقبل، وغياب الفعل الثقافي المؤسس علي منجز علمي، فما زلنا لا نقدر دور الثقافة في تحقيق التماسك بين قيم الإنسانية والمجتمعية، ولعل أسباب تخلفنا في المجالين العلمي والتكنولوجي هو عدم تقديرنا للفعل الثقافي، ومنذ حضارة الأندلس ونحن العرب نفشل في تقديم أي حضارات، مما جعلنا أذلاء لفوبيا الخوف من المستقبل".
استحضر ميهوبي في كلمته؛ كتاب "المشاعر" للفرنسي "دومينيك مويزي" الذي قسم فيه العالم لثلاثة مناطق هي "الخوف" الذي يمثله الغرب، "الأمل" ويمثل منطقة النمور الآسيوية والهند، وأخيرا منطقة "الإذلال" التي تمثل العرب وأفريقيا، واختتم عز الدين ميهوبي قائلا: "حتي تنهض الدولة، يجب أن يكون المثقف هو الإكسير الذي يتعلم منه الساسة، فمجتمع بدون ثقافة في أولوياته، هو مجتمع علي شفا الانهيار، والثقافة ليست أمرا كماليا أو ديكورا يؤسس يومياته، أو يتباهي به".
من جانبها؛ أشارت إلهام جلاب رئيس حلقة الحوار الثقافي ببيروت، إلي أن الثقافة هي الكلمة التي تستبطن في ثناياها تشققات الحروب وأمل الخلاص، فقالت: "الحروب تبدأ أولا في العقول، والثقافة ليست ترفا وزينة بل إعلاء للحكمة وأسلوب حياة، خاصة في التبادل بين الحضارات والتنوع في الفكر دون تنازع، والتجديد تحاجة ملحة عند كل مفكر ومثقف، سواء تجديد الرؤية للتراث، أو الفجوة بين الأجيال، أو العولمة التي ألغت الحدود، فاليوم نواجه ثقافة القوة بقوة الثقافة والأمل والحياة".
أما د.أمل الصبان، فأكدت في كلمتها أن الثقافة العربية لديها القدرة علي التجديد، والانفتاح علي الثقافات الأخري والاتصال بثقافات العالم مع الاحتفاظ بجوهرها، واستطردت: "المعرفة المنقولة لا يمكن أن تحرر الفكرة، وإنما لابد من التجدد الذيت يعمل في أعمق المستويات علي تعزيز التبادل الفكري، فنحن في حاجة إلي نظرة حرة لواقعنا وتأمُّلِهِ ودراستِه للكشف عن ملامحه الذاتية وحاجاته المستقبلية، وتلبيةً طموح جماهير مجتمعاتنا في الوصول إلي نظام اجتماعي أفضل وأكثر إنسانية وعقلانية، دون خوف علي اهتزاز القيم أو ضياع الهوية".
واستكملت: "لابد من التسليم بالاختلافات العميقة في الآراء والتيارات والجماعات الصغري، والبحث عن إمكانية للتواصل والتعاون والمشاركة لا التناحر والصراع المدمر بلا جدوي. ولابد من الوعي بحالة الصيرورة التي يعيشها المجتمع الإنساني، فإذا كان الكون من حولنا في حركة دائبة وتحولات مستمرة فإننا جزء من هذا الكون، ولسنا نعيش في فراغ بل نحن جزء من كيان دولي أوسع. لابد من إدراك الوعي بضرورة التعايش السلمي مع الآخر المختلف. ولابد أن نكتسب القدرة ذ كمجتمع حي ذ علي الرؤية المستقبلية الكاشفة لأننا جميعاً نتجه إلي المستقبل. فالمستقبل هو وجهتنا لا الماضي. والمستقبل متسع الآفاق بلا حدود، أما الماضي فهو سجن يجب أن نسعي للتحرر منه لأنه ببساطة اكتمل وانتهي".
أنهت الصبان كلمتها بتحديد أهداف الملتقي، وهي تحقيق ثقافات الإنتاج، العلم، التسامح، الشجاعة، الإبداع، التقدم، الحوار، النقد والمساءلة، المسئولية، الاستقلال، والديمقراطية، ضد ثقافات الاستهلاك، الخرافة، التعصب، الخوف، التقليد، التخلف، الصدام، التبرير، اللامبالاة، التبعية، والاستبداد، وأضافت: "ليس علي المثقفين دور كبير في تغيير أنماط الثقافة السائدة، من خلال الإنتاج الثقافي فحسب، بل عليهم أيضاً وضع سياسات ثقافية جديدة قادرة علي استيعاب طموحهم نحو التغيير".
وفي ختام الافتتاح، تحدث وزير الثقافة حلمي النمنم مقتضبا، فقال: "تجديد الخطاب الثقافي عنوان يثير التساؤلات، فنحن في أزمة حقيقية لا يمكن إغفالها، وواجب الثقافة والمثقفين العمل علي الخروج منها، فشيوع ثقافة الموت من مدرسة حسن البنا وسيد قطب، وثقافة الأجنبي الذي يأتي بالحرية، والتي جربت في العراق وليبيا، فشلتا، ولم يبق أمامنا سوي المدرسة الوطنية، لذا يجب علي المثقفين ألا يدفنوا رءوسهم في الرمال؛ بل مواجهة الصعاب والتحديات".
صناعة الثقافة
وعقب ذلك؛ أدار النمنم الجلسة الأولي من الملتقي، والتي أكد فيها أن "خطاب تنصيب الرئيس" يعد بمثابة وثيقة رسمية تنص علي مدنية الدولة حينما قال أن مصر دولة مدنية حديثة، وشارك في الجلسة د.جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق، الكاتبة المغربية وفاء صندي، د.شاكر عبد الحميد وزير الثقافة الأسبق، والكاتب الجزائري واسيني الأعرج.
أوجز د.جابر عصفور تحديات تجديد الخطاب الثقافي في 4 عوامل، هي: الاستبداد وغياب الحرية، الفقر، التعليم، الخطاب الديني، وأوضح: "لا يمكن لخطاب ثقافي أن يزدهر بعيدا عن الحرية، بالإضافة إلي أن نسبة كبيرة جدا من السكان تحت مستوي خط الفقر في مصر بما يعادل 40٪، كما أن التعليم لا يتمتع بالجودة علي الرغم من أنه المفتاح الحقيقي للتقدم، وهذا ما ينعكس علي الثقافة والإعلام وتكوين المثقفين، فالمثقفون يأتون بالتعليم، أما الخطاب الديني، فهو كارثي.. ولذلك تجديد الخطاب الثقافي، لن يكون إلا بنقيض هذه التحديات، وهي التعليم الجيد، ومعه بالتوازي، تجديد الخطاب الديني، والقضاء علي الفقر، فمن المستحيل أن تحدث تنمية حقيقية في مصر بدون ثقافة، لذا علينا أن ندفع في هذا الاتجاه بقوة، وأن يري كل مثقف في مصر أن هذا فرض عين عليه".
فيما تحدث د.شاكر عبد الحميد، عن الصناعات الثقافية الإبداعية، فقال: "ليس هناك تعارض بين مفاهيم الثقافة والصناعة والإبداع، فالإبداع هو إنتاج جديد مفيد، والصناعات الثقافية ليست الحرف التقليدية فقط، فهناك منظومة تشتمل علي 16 فرعا، منها الفنون البصرية، فنون الراديو والتليفزيون والإعلانات، السياحة، النشر والكتاب، وغيرها، وهذه الصناعات مهمة في المرحلة الحالية في بلادنا العربية كلها، لأننا لا نملك أي إسهام فيها، فالمنطقة العربية وأفريقيا في المرتبة الخامسة من حيث إنتاج الصناعات الثقافية".
واستطرد عبد الحميد: "لابد أن يكون لدينا خريطة ثقافية، سواء في مصر أو أي دولة عربية، تشمل مواطن التمركز الثقافي من دور سينما ومعارض فن تشكيلي وغيرها"، وضرب د.شاكر مثالا بالصين، التي حققت طفرة كبيرة خلال النصف قرن الماضي واعتمدت فيها علي حضارتها التي تبلغ 5000 عام، فأصبحت تنافس الولايات المتحدة الأمريكية الآن علي صدارة الاقتصاد في العالم، واستعرض معدلات إنتاج الصناعات الثقافية بها وما تحققه.
ومن جهته، تحدث واسيني الأعرج مؤكدا أن الخطاب الروائي الجديد لا ينشأ داخل فراغ وإنما سلسلة من المعطيات، وأن انكسار الرواية جاء نتيجة لانكسار النموذج العربي، حيث لا يوجد في المنطقة العربية إلي اليوم مثالا يمكن الاحتذاء به، وأضاف: "الموجز الروائي العربي يواجه سلسلة من التعقيدات عليه مواجهتها، أبرزها مشكلة تفجر الهويات من عرقيات وغيرها، كما أن التعليم لم يخلق أجيالا تعي ما تمتلكه من إرث ثقافي عربي كبير، جعلهم يجهلوا كيفية استغلال ذاك الإرث بالشكل الأمثل، ولذلك لم تجد الثقافة طرق لتصل لمستهلكيها، فالمسئولية كبيرة وحساسة علي كل المثقفين". أما وفاء صندي؛ فبدأت من حيث انتهي د.جابر عصفور، عند التحديات الأربعة؛ الاستبداد، الفقر، التعليم، والخطاب الديني، فقالت: "الإرهاب والتطرف وغيرهما نتاج منظومة خاطئة، حان الوقت للنظر فيها، لقد نجحنا في تغيير الأنظمة السياسية ولكننا لم ننجح في إرساء الأمم الديمقراطية وإسقاط الأفكار المتطرفة، كما استطعنا سن تشريعات ولكن لم نستطع أن ننزلها علي أرض الواقع، فالقيم الثقافية لم تساير القيم الجاهزية للشعوب، والرهان الآن، يعتمد علي الشعوب وظروفها وقبول الآخر، وتعميق النقد الذاتي وقبول التعددية وغيرها من القيم الثقافية، فالإصلاح الثقافي للشعوب هو القاعدة لإصلاح كل شئ آخر".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.