السفير المصري ببوليڤيا يهنئ الأقباط بعيد القيامة    محافظ مطروح يفتتح مؤتمر "سيوة عبر العصور"    مشادة على الهواء بسبب أسعار اللحوم بين شعبة القصابين ومبادرة تخفيض الأسعار    مسئول فلسطيني: حالة نزوح كبيرة للمدنيين بعد سيطرة الاحتلال على معبر رفح    لونين أم كورتوا أمام بايرن ميونخ؟.. أنشيلوتي يحسم الجدل    "جلب السيطرة والقيادة والقوة لنا".. سام مرسي يحصد جائزة أفضل لاعب في إبسويتش    القبض على 174 متهمًا بالاتجار في المخدرات بالشرقية    إليسا تحتفل بطرح ألبومها الجديد بعد عدد من التأجيلات: الألبوم يخص كل معجب أنتظره بصبر    البورصات الخليجية تغلق على تراجع شبه جماعي مع تصاعد التوتر بالشرق الأوسط    وفد النادي الدولي للإعلام الرياضي يزور معهد الصحافة والعلوم الإخبارية في تونس    رئيس جامعة المنوفية يهنئ الأقباط بعيد القيامة المجيد    إصابة 4 أشخاص في حادث سقوط سيارة داخل ترعة في قنا    رئيس وزراء فرنسا يعرب مجددًا عن "قلق" بلاده إزاء الهجوم الإسرائيلي على رفح    جامعة القاهرة تعلن انطلاق فعاليات مهرجان المسرح الجامعي للعروض الطويلة    خالد الجندي يوضح مفهوم الحكمة من القرآن الكريم (فيديو)    محافظ أسوان: تقديم الرعاية العلاجية ل 1140 مواطنا بنصر النوبة    وزير الدفاع يلتقى قائد القيادة المركزية الأمريكية    خطة الزمالك لتأمين شبابه من «كباري» الأهلي (خاص)    مواعيد منافسات دور ال32 لدوري مراكز الشباب    «مهرجان التذوق».. مسابقة للطهي بين شيفات «الحلو والحادق» في الإسكندرية    كيف يمكنك ترشيد استهلاك المياه في المنزل؟.. 8 نصائح ضرورية احرص عليها    نائب رئيس جامعة الأزهر السابق: تعليم وتعلم اللغات أمر شرعي    «الأعلى للطرق الصوفية» يدين هجمات الاحتلال الإسرائيلي على رفح الفلسطينية    محافظ قنا يفتتح عددا من الوحدات الطبية بقرى الرواتب والحسينات وبخانس بأبوتشت    وضع حجر أساس شاطئ النادي البحري لهيئة النيابة الإدارية ببيانكي غرب الإسكندرية    انطلاق فعاليات المؤتمر الدولي الخامس لتحلية المياه بشرم الشيخ    وزير الصحة يؤكد أهمية نشر فكر الجودة وصقل مهارات العاملين بالمجال    وائل كفوري ونوال الزغبي يحييان حفلًا غنائيًا بأمريكا في هذا الموعد (تفاصيل)    سب والدته.. المشدد 10 سنوات للمتهم بقتل شقيقه في القليوبية    الرئاسة الفلسطينية تحمل واشنطن تبعات الاجتياح الإسرائيلي لرفح    بدء تطبيق نظام رقمنة أعمال شهادات الإيداع الدولية «GDR»    9 أيام إجازة متواصلة.. موعد عيد الأضحى 2024    وزير الدفاع البريطاني يطلع البرلمان على الهجوم السيبراني على قاعدة بيانات أفراد القوات المسلحة    للأمهات.. أخطاء تجنبي فعلها إذا تعرض طفلك لحروق الجلد    انطلاق الأعمال التحضيرية للدورة ال32 من اللجنة العليا المشتركة المصرية الأردنية    ضبط متهم بالاستيلاء على بيانات بطاقات الدفع الإلكتروني الخاصة بأهالي المنيا    الأمم المتحدة: العمليات العسكرية المكثفة ستجلب مزيدا من الموت واليأس ل 700 ألف امرأة وفتاة في رفح    حفل met gala 2024..نجمة في موقف محرج بسبب فستان الساعة الرملية (فيديو)    9 عروض مسرحية مجانية لقصور الثقافة بالغربية والبحيرة    المشاكل بيونايتد كبيرة.. تن هاج يعلق على مستوى فريقه بعد الهزيمة القاسية بالدوري    3 ظواهر جوية تضرب البلاد.. الأرصاد تكشف حالة الطقس على المحافظات    نصائح مهمة لطلاب ثانوي قبل دخول الامتحان.. «التابلت مش هيفصل أبدا»    الضرائب: تخفيض الحد الأدنى لقيمة الفاتورة الإلكترونية ل25 ألف جنيه بدءًا من أغسطس المقبل    75 رغبة لطلاب الثانوية العامة.. هل يتغير عدد الرغبات بتنسيق الجامعات 2024؟    بحضور مجلس النقابة.. محمود بدر يعلن تخوفه من أي تعديلات بقانون الصحفيين    بكتيريا وتسمم ونزلة معوية حادة.. «الصحة» تحذر من أضرار الفسيخ والرنجة وتوجه رسالة مهمة للمواطنين (تفاصيل)    عادات وتقاليد.. أهل الطفلة جانيت يكشفون سر طباعة صورتها على تيشرتات (فيديو)    الجدول الزمني لانتخابات مجالس إدارات وعموميات الصحف القومية    اقوى رد من محمود الهواري على منكرين وجود الله    إيرادات «السرب» تتجاوز 16 مليون جنيه خلال 6 أيام في دور العرض    المتحف القومي للحضارة يحتفل بعيد شم النسيم ضمن مبادرة «طبلية مصر»    تفاصيل نارية.. تدخل الكبار لحل أزمة أفشة ومارسيل كولر    كيفية صلاة الصبح لمن فاته الفجر وحكم أدائها بعد شروق الشمس    عبد الجليل: استمرارية الانتصارات مهمة للزمالك في الموسم الحالي    زعيم المعارضة الإسرائيلي: على نتنياهو إنجاز صفقة التبادل.. وسأضمن له منع انهيار حكومته    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    هجوم ناري من الزمالك ضد التحكيم بسبب مباراة سموحة    اللواء سيد الجابري: مصر مستمرة في تقديم كل أوجه الدعم الممكنة للفلسطينيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من قريب
تراثنا في عيون الآخر
نشر في أخبار الأدب يوم 14 - 05 - 2016

إن سوسيولوجيا المغرب من حيث العنوان ومن حيث الدلالة، تحيل إلي أن المغرب هو موضوع البحث والدراسة بغض النظر عن الانتساب الجغرافي أو السلالي.. وهكذا يمكن توزيع هذه السوسيولوجيا (سوسيولوجيا المغرب). إلي مجموعة من المتدخلين، الذين تجمعهم دراسة المغرب في جغرافية من جغرافياته المتنوعة والمتعددة، عبر مرحلة من مراحله التاريخية، ممتدة من ما قبل الحماية إلي الحماية وإلي مرحلة الاستقلال الوطني، والتي ما زالت ممتدة في الزمن هنا والآن.. ويمكن حصر مختلف المتدخلين، أو مختلف الأغلفة البحثية حول المغرب في المستويات التالية :
1- السوسيولوجيا الكلونيالية :
إن الحديث عن هذه السوسيولوجيا الكلونيالية، ما زال مستمرا إلي اليوم، ما زالت مثار أسئلة واستفهامات وفحص علمي، من أجل تقريب هذا الإرث الكلونيالي من الباحثين الشباب.. بل وما زالت هذه السوسيولوجيا الكلونيالية تتناسل عبر ظهور كثير من المخطوطات التي ظلت في حوزة عائلات المعمرين، ويُكشف النقاب عنها من حين لآخر، بفضل علاقات إنسانية بين مغاربة وأجانب.. والجدير بالإشارة أن هذه السوسيولوجيا بدورها توزعت ما بين ثلاثة أغلفة.
أ- الغلاف الفرنسي :
وهو غلاف ضخم.. يهم كل مناطق المغرب عبر الدراسة الأثنوغرافية والاثنولوجية والسوسيولوجية، وهي دراسات قام بها فرنسيون هم في الغالب من الموظفين والضباط، ورجال التعليم والأطباء، حيث لم تشهد هذه السوسيولوجيا، ما يمكن أن نسميه بسوسيولوجيا أكاديمية.. بل ولم يهتم السوسيولوجيون الفرنسيون المؤسسون كدوركايم مثلا بهكذا دراسات برّانية خارج فرنسا، وما زالت هذه المؤلفات التي أنتجت حول المغرب في عهد الحماية في حاجة ماسة إلي توسيع دائرة ترجمتها.. وهو أمر بدأت تهتم به جمعيات المجتمع المدني. كما هو الحال بالنسبة لترجمة المغرب المجهول. لا يهمني هنا الإحاطة الشاملة بهذه السوسيولوجيا لأني أعتقد، أن الدراسات المغربية التي تناولت هذا الإرث غزيرة وكافية كما تفيد بيبليوغرافيا السوسيولوجيا المغربية.
ب- الغلاف الإسباني :
وهو أقل غزارة من الغلاف الفرنسي بالتأكيد، ولقد حاول هذا الغلاف أن يركز علي مناطق شمال المغرب.. سواء علي مستوي الإعلام أو الثقافة أو الممارسات الاجتماعية وكل ما يتعلق بكينونة الإنسان المغربي، تحت شعار لا يخلو من ديماغوجية : الأخوة الإسبانية المغربية.. وهو غلاف أيضا في حاجة إلي توسيع مدار ترجمته إلي العربية والأمازيغية.. وإن كانت هناك محاولات كثيرة قمينة بالتقدير العلمي.
إن الحضور الإسباني في الشمال، شكل نفوذا قويا في المرحلة الاستعمارية علي صعيد القيم الثقافية للساكنة الشمالية من المملكة.. ولقد أشار إلي كثير منها الأستاذ محمد العربي المساري كالاحتفال بعيد الكتاب بتطوان سنة 1941 وابن تطوان المختار سنة 1948 .
وفي المجمل، فلقد ظل الإرث الاستعماري الإسباني ضعيفا بالمقارنة مع الإرث الفرنسي، لأنه " لم يسمح بدمج الإرث الاستعماري الإسباني بشكل كبير، خاصة مع سحب اللغة الإسبانية من التعليم الابتدائي والثانوي.
ج- الغلاف الإيطالي :
يمكن التوقف عند الدراسات الإيطالية، لسبب بسيط هو أن إيطاليا بدورها دولة استعمارية للمغرب العربي الشاسع، وتحديدا استعمار ليبيا. فهل نهجت إيطاليا نفس النهج الفرنسي والإسباني بالنسبة للمغرب والفرنسي تحديدا بالنسبة للجزائر... هل يمكن الحديث عن توجه أوروبي تجاه شمال إفريقيا والمغرب العربي..
في فترة الاستعمار لم تخرج إيطاليا عن المنظومة الاستعمارية، حيث يؤكد الباحث الإيطالي ميشال بروندينو Michele Brondino، بأن كل الدراسات الإيطالية حول المغرب العربي، كانت في إطار محتذي جامعي، حيث أن تسميته لا تترك شكا حول مركزية الذات الأوروبية للمقاربة "التاريخ والسياسة الكلونياليين" إلا أنه بدءاً من 1961، فقد تغير اسم هذا المحتذي، من التسمية أعلاه إلي تسمية جديدة " تاريخ ومؤسسات البلدان الأفرو-أسيوية" وإذا كانت النزعة الاستعمارية ظلت مهيمنة إلي حدود الستينات من القرن الماضي، فإن الدراسات التي عرفتها سواء الجامعات الإيطالية أو المنظمات غير الحكومية أو المبادرات الفردية للباحثين فإنها تتميز بالقلة، كما تتميز بالعمومية وهيمنة الدراسات الأسطوغرافية. ولقد قام الباحث ببحث بيبليوغرافي لأهم الأعمال التي كتبت حول المغرب العربي.. والتي يهمنا منها هنا المغرب أساسا، حيث رصد الباحث اعتمادا علي منشورات المكتبة الوطنية لروما : 28 عنوانا تخص المغرب، وهي عناوين قليلة، إلا أنه انطلاقا من حس علمي ومراعاة لبحث بيبليوغرافي دقيق، فقد رصد بالنسبة للمؤسسة الإيطالية الإفريقية، والتي تسمي اليوم (حدود كتابة المقال) المؤسسة الإيطالية الأفريقية الأسيوسية. حيث سجل : 34 عنوانا حول المغرب علي الشكل التالي : 12 عنوانا تهم الأدلة السياحية، guides touristiques
14عنوانا ناطقا باللغات الأجنبية غير الإيطالية. ما عدا عنوانا واحدا بالإيطالية يدور حول التاريخ المعاصر.
وفي المجمل فقد غطي البحث حضور المغرب في الأبحاث الإيطالية سواء علي صعيد دور النشر ومراكز الأبحاث، والذي هو في تراكم مستمر، خاصة علي مستوي الإبداع والأنطولوجيات والدراسات الثقافية والأدبية ومهما يكن، فلقد شكلت الدراسات الإيطالية الحلقة الأضعف في السوسيولوجيا الكلونيالية، هذا من جهة، أما من جهة أخري فهي في المرحلة الاستعمارية، لم تختلف عن الفرنسية والإسبانية.. من حيث الغائيات الإيديولوجية.. أما ما بعد الاستقلال، فلقد استمرت الدراسات الغربية حول المغرب كما الدراسات الإسبانية والإيطالية وغيرها من أوروبا.. وإن كانت الدراسات الفرنسية والإسبانية بحكم استمرار العلاقات الثقافية، قد أخذت صبغة مؤسسات ومراكز بحث ومعاهد لغوية وثقافية.. وما زال التواصل العلمي قائما ومستمرا.
2- الغلاف الآسيوي ؟
لا يمكن الحديث طبعا عن سوسيولوجيا كلونيالية أسيوية، لأن آسيا بدورها عرفت ويلات الهيمنة الأوروبية والأمريكية.. إلا أن هذه الدراسات (الآسيوية) حول المغرب، فقد نمت بعد الاستقلال، خاصة في تسعينيات القرن الماضي، من خلال حضور اليابان في المشاريع التنموية خاصة علي مستوي المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، حيث مول اليابان كثيرا من المشاريع في الميدان القروي المغربي، علي صعيد التعليم والصحة.. ويرجع الأمر لبعض التفسيرات، إلي غياب البادية في اليابان، ولعل هذه التفسيرات تأخذ منحي سيكولوجيا إسقاطيا، وتعويضيا عن غياب مجال جواني، إلي البحث عنه في الفضاء البرّاني.. قد يكون هذا المنحي أحد الجوانب المحتملة في التفسير بل التأويل.. لكن مهما اختلفت الرؤي، فإن الحضور الياباني ملموس في المغرب خاصة علي مستوي الدراسات الأنثروبولوجية في الجنوب المغربي بتزنيت وتارودانت، ولقد عرض الباحث المغربي أحمد السعيدي لأهم إنجازات الأنثروبولوجية اليابانية حول المغرب من خلال زمرة من الباحثين، ومن بينهم سايطو، ودراسته لموسم دوكادير (وهي قرية تقع في قبيلة آيت عبد الله دائرة تافراوت...).
في المجمل فلقد اهتم اليابانيون بالمغرب علي مستوي الدراسات الأنثروبوبلوجية، بل والدراسات الأدبية والنقدية والتعريف ببعض الرموز الثقافية كالمناضل والشاعر عبد اللطيف اللعبي، الكاتب الليبي المعاصر إبراهيم الكوني.. بل ورصد بعض الظواهر السياسية والاجتماعية في العالم العربي ككل، كما فعل نوبوأكي نوتوهارا الذي شخص الاستبداد في العالم العربي، وكيف أن هذا الاستبداد زرع كثيرا من القيم وكرس كثيرا من المعضلات الاجتماعية كغياب العدالة الاجتماعية، وغياب أهم القيم ألا وهي الحرية من خلال بث الرعب والخوف في النفوس : إنني أجد نفسي مضطرا لأن أضيف بلغة صريحة مباشرة، أنني أري أن الحرية هي باب الإنتاج وباب التواصل والحياة النبيلة ولذلك أري القمع داء عضالا مقيما في الوطن العربي والعالم ما لم نتخلص منه فستفقد حياتنا كبشر الكثير من معانيها".
هكذا يكون هذا الباحث الياباني، قد وضع يده علي أهم المشاكل الاجتماعية والمعضلات القيمية والسياسية، وعلي رأسها قيمة الحرية، التي ستكون شعارا مركزيا للثورات العربية (2011) بعد بضعة سنين من صدور هذا الكتاب (2003). وهكذا قد تكون لنظرة الأجنبي أحيانا كثيرا من الصدي والمصداقية، ولعل الباحثين اليابانيين يجدون في الأعم استحسانا وقبولا لدي النخبة والمجتمع.. وقد يكون لهذه الحالة تفسيرات من بينها أن اليابان لم تحتل أحدا وليست قوة استعمارية سابقة بل أنه كان بدوره ضحية الوحشية الامبريالية..
إن الياباني مُرَحَّبٌ به في البلدان العربية، ويستطيع أن يعقد صداقات وعلاقات حميمية مع نخبة بلدان الاستقبال.. وأن السكان حتي ولو قابلوه بالصمت..» الناس صامتون لا يتحدثون ولكننا نسمع صرخة من خلال ذلك الصمت الخانق، صرخة تخبر عن نفسها بوضوح وقوة«. إن نوبوأكي، شهد علي هذه العلاقات من خلال تجربة امتدت إلي أربعين سنة ما بين استقبال المعرفة من قسم الدراسات العربية بجامعة طوكيو للدراسات الأجنبية إلي درس للأدب العربي المعاصر في الجامعة نفسها..
ولعل هذا الإقرار يؤكد بأن الاهتمام الياباني ليس اهتمام أفراد معزولين، بل هو اهتمام مؤسسي وأكاديمي...
3- الغلاف المغربي : السوسيولوجيا الوطنية
كان من المنطقي أن أسترسل في الحديث عن الاهتمامات البرّانية بالمغرب، وفي مقدمتها الدراسات الأنجلو-أمريكية.. إلا أنه ما دامت تشكل الغلاف المركزي في هذا الكتاب فإننا قدّمنا الحديث عن السوسيولوجيا المغربية أو الوطنية.. وهو حديث مكثف ومركز جدا لأنه سبق لنا مناولته في أكثر من مناسبة، وفي الواقع أن مناولة السوسيولوجيا المغربية، والنظر إليها، يُشكل مَادة ابستمولوجية خصبة، لأن كثيرا من السوسيولوجيين المغاربة أدلوا بدلوهم في هذا المنحي، سواء تعلق الأمر بالجيل الأول المؤسس مثل عبد الكبير الخطيبي ومحمد جسوس وبول باسكون.. أو الجيل الثاني كعبد الجليل حليم، محمد شقرون وبوزيان بوشنفاتي والمختار الهراس ومحمد الدهان وقيس مرزوق الورياشي.. أو الجيل الثالث كعبد السلام الحيمر وعبد السلام فراعي، وعبد الرحمان المالكي ولحبيب امعمري وأحمد عاريف وعبد الغني منديب... ومحمد يشوتي.. وحمداش عمار ومحمد المرجان... إلي عبد الرحيم العطري، الذي كان كتابه الأول : دفاعا عن السوسيولوجيا.. مارس فيه تمارينه السوسيولوجية الأولي بحثا عن ملامح مخصوصة للسوسيولوجيا الوطنية.. بل ويمتد هذا الزخم الابستمولوجي إلي الجيل الرابع الذي بدأ يتشكل انطلاقا من مجموعة من الأسماء كمحمد شكري سلام وعياد أبلال وفوزي بوخريص وإبراهيم الحمداوي وأسماء بنعدادة وعياد أبلال... وانطلاقا من الأطروحات الجامعية التي نوقشت في السنين الأخيرة ومجموعة أخري في طور الإعداد والإنجاز...
لاشك أن الأسئلة الإبستمولوجية، لم تخل من عودة إلي مساءلة الإرث الكلونيالي، علي سبيل التمحيص والمقارنة والآفاق المنهجية.. رغم أسئلتها الدالة حول المسألة السوسيولوجية المغربية...
إن هذا الغلاف.. شكل تراكما لافتا ضمن التراكم الثقافي العام الذي شهدته بلادنا انطلاقا من ستينات القرن الماضي. وإذا كانت الدراسات السوسيولوجية والاثنولوجية والجغرافية الإنسانية، قد وصلت إلي 2182 عنوانا، كما أثبت ذلك أوندري آدم. ولقد غطّت الفترة الكلونيالية إلي حدود سنة 1965، وهو متن ضخم كما يبدو، فإن السوسيولوجية المغربية الناشئة والتي يمكن اعتماد معهد السوسيولوجيا كبداية لها، فقد حققت إلي حدود سنة 1987 متنا جديرا بالانتباه، وصل إلي (2065 عنوان)، بدءً من البحوث الدنيا (شهادة نهاية الدروس) إلي دبلوم الدراسات العليا ودكتوراه السلك الثالث ودكتوراه الدولة، فضلا عن الكتب والمقالات في المجلات.. ولاشك أن رُبع قرن، أقصد، الفترة الفاصلة ما بين 1987 إلي اليوم (2013) قد شكلت قفزة نوعية في الإنتاج والبحث، لاعتبارات كثيرة، بل شكلت تراكما لافتا ومميزا، وإن كانت حقول أو بالأحري موضوعات تحتاج إلي بحث رصين ومساءلة خاصة مثل الفقر والظاهرة السياسية والصحة والإعلام والتواصل والعطالة والظاهرة الدينية.. وإن كانت هذه الاهتمامات والتخصصات لها حضور في السوسيولوجيا المغربية كسوسيولوجيا الصحة وسيوسيولوجيا الفقر وسوسيولوجيا الإعلام والسوسيولوجيا السياسية.. بل أن المتن السوسيولوجي فتح قارات جديدة من البحث كسوسيولوجيا الهامش وسوسيولوجيا الجمعيات وسوسيولوجيا الحياة اليومية وسوسيولوجيا الثقافة وسوسيولوجيا السينما... ومن هنا شكلت هذه التخصصات تطورا جديدا في الاهتمامات والحساسيات ابتداءً من الجيل الثالث وما زالت تتوسع وتتعمق لدي الجيل الرابع.. انطلاقا من كون اهتمامات الأجيال مختلفة، وأن الجيل اللاحق ليس بالضرورة أن يكون مُقلِّدا للجيل السابق، قد يكونت!.. وقد يكون معمقا، بل ويكون مجددا.. بفعل التطورات المجتمعية وإبستيمية العصر الاجتماعي والسياسي، حيث لم يعد (مثلا) الإصلاح الزراعي، والتراتب الاجتماعي ونمط الإنتاج، يُشكل هاجسا بحثيا، كما كان الحال لدي الجيل الأول والجيل الثاني..
هذه بعض الإشارات من أجل الاستئناس فقط.. إلا أن أهم ملاحظة حول المشهد السوسيولوجي المغربي، أن ثقافة الاعتراف فيه خجولة ومحتشمة وأحيانا منعدمة، ما زال في حاجة إلي تخصص جديد وهو سوسيولوجيا السوسيولوجيا أي إخضاع هذا المتن المغربي للقراءة والمقاربة من أجل وضع اليد علي مواطن الضعف والقوة.. صحيح أن هناك مساهمات كثيرة كدراسات علمية ومقالات ومتابعات للمتن السوسيولوجي من طرف مغاربة أو مشارقة أو أجانب للإنتاج المغربي في السوسيولوجيا والعلوم الاجتماعية بصفة عامة، ولقد أخذت هذه المساهمات صيغة تأليفات كملفات في مجلات مغربية أو عربية.. أو أعداد خاصة حول سوسيولوجيين مغاربة أو كتب حول المنجز السوسيولوجي لباحثين سوسيولوجيين بصيغة المفرد أو كتب جماعية حول مساراتهم، ولقد شهد المشهد السوسيولوجي كتابة جديدة (كتابة بورتريهات) حول السوسيولوجيا المغربية، حيث ألف عبد الرحيم العطري كتابا يتضمن (29 بورتريهات) لسوسيولوجيين مغاربة يحيل علي مسارهم وإنتاجهم وتوجهاتهم في البحث والحياة...
رغم هذه المجهودات فهي غير كافية للمتابعة والأسئلة التي يزخر بها المشهد السوسيولوجي الوطني.. فهي ما زالت في حاجة إلي التدخل الأكاديمي عبر أطروحات وأبحاث والذي يكاد يكون حضوره منعدما، إذا استثنينا متن عبد الكبير الخطيبي.
خاتمة :
إن هذه الأغلفة من البحث، قد يحتاج كل غلاف منها إلي أكثر من كتاب.. وأطروحة، بل هناك كتب وأطروحات جامعية حول غلاف السوسيولوجيا الكلونيالية، وهناك مقالات وأبحاث كانت خلاصة ندوات ومناظرات علمية.. وفي المجمل فإن هذه البانوراما ما هي إلا مدخل، نحو مدخل آخر أكثر تفصيلا (وليس أكثر أهمية) ونقصد به الدراسات الأنجلوساكسونية حول المغرب، خاصة تلك الدراسات التي وظفت المقاربة الانقسامية في مناولتها لكثير من الجغرافيات القروية المغربية والعربية والعلاقات القبلية من أجل استكشاف البنيات الثقافية والاجتماعية.. والتي أخذت مع جون واتربوري توظيفا تيماتيا جديدا، حول المشهد السياسي المغربي في الستينيات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.