في باب "مع الكتب" لهذا الشهر يحدثنا الكاتب المغربي أنيس الرافعي عن كتبه المفضلة وعلاقته بالكتب بشكل عام. صاحب "أريج البستان" و"اعتقال الغابة في زجاجة" و"مصحة الدمي" يتوقف هنا أمام أعمال لوحيد الطويلة، روبرتو بولانيو، جون فاولز، إنريكي بيلا ماتاس وآخرين، ويرشح رواية "الرجل الذي يحب الكلاب" للكوبي ليوناردو بادورا لقراء "بستان الكتب"، ونحن من جانبنا نرشح مجموعات أنيس الرافعي القصصية المتميزة للقراءة. ما أول كتاب قرأته كاملًا؟ في الحقيقة لم أعد أذكر علي وجه التدقيق، لكني أرجح أن يكون أحد كتب أنيس منصور، الذي كان والدي من المولعين بكتاباته الصحفية ورحلاته، وتضم مكتبته الخاصة التي تعلمت منها جل مؤلفاته. علي الأغلب أول كتاب قرأته كاملا، إما كتاب " في صالون العقاد كانت لنا أيام " أو كتاب " حول العالم في 200 يوم ". آخر كتاب قرأته وما رأيك فيه؟ هو مخطوط رواية "حذاء فيلليني" لصديقي الكاتب المصري وحيد الطويلة، التي تصدر قريبا عن منشورات "المتوسط". ماذا يمكن أن أقول عن هذا العمل المركب و المختلف ؟ فيلليني السينمائي هو سيد الاختلاقات بامتياز. وفيلليني الرواية هو الاختلاقات بلا سيد. ووحيد الطويلة يبزغ من قلب المأساة والسخرية والعشق المهشم وامتهان الإنسان للإنسان، كي يمحو الهوة بينهما حتي تغدو نسيجة الاختلاقات واقعا استعاريا ورمزيا بخيوط متشابكة، وكلما سحبت خيطا وجدت يدا أخري لامرئية تسحب بمعيتك خيطا آخر، فتتشكل ضفيرة مركبة من المشاهد والسيرة. طبعا، كل هذا محض خداع مقصود، لأن ثمة ساردا جبارا برتبة فنان للمونتاج يعيد بناء هذه التوازيات والتعامدات والتقاطعات مثل ساحر، ويخرج في كل مرة من القبعة أو الحذاء أو بئر الذاكرة الجمعية المقموعة هرا ثقيل الظل أو جسدا مقهورا علي السرير أو مارشيلو ماستورياني شخصيا. الجميع هنا داخل هذه الرواية مهرجون وطغاة. جلادون وضحايا. دموع وابتسامات. قديسون وعهرة. الجميع هنا وجوه مضحكة أو أقنعة مبكية لمدرسة الواقعية الجديدة. ستوب. استراحة. أكشن، ثم اشرع في النسيان مباشرة بعد القراءة . فعلي الأرجح هذا ما كان يجب أن يحدث. هذا ما لم يكن عليه أن يحدث قط. ستوب. استراحة. أكشن، ثم يخرج لك من جهة اللامتوقع فيلليني ثالث يركب الفيل ويصرخ بملء حنجرته نيابة عن كل الذين لم يمتلكوا موهبة الصراخ أو صودرت منه بضربة مخلب في الحبال الصوتية. عمل روائي مدهش وفاتن حد الوجع. كتاب لمؤلف آخر تمنيت لو كنت كاتبه؟ لنقل إنهما كتابان : رواية "2666" للكاتب التشيلي روبرتو بولانيو. ورواية "الساحر" للكاتب البريطاني جون فاولز. العمل الأول، يتشكل من خمس روايات متداخلة علي نحو مدوخ، تمزج بشكل جهنمي ومبهر بين الرواية البوليسية والحكايات العجيبة وقصص الحرب والواقعية السوداء والشعر والسخرية السياسية. أما العمل الثاني، فوصفة سردية رهيبة بين الخيال وفانتازيا الواقع والتأمل الفلسفي، وله ثلاث نهايات مختلفة مندمجة في الآن ذاته، تنمحي فيها الحدود بين الواقع الأقرب إلي الخيال وبين الحلم الدائم الذي يشبه الواقع. كتاب ترشحه لقراء أخبار الأدب؟ رواية "الرجل الذي يحب الكلاب" للروائي الكوبي ليوناردو بادورا. هل هناك كتاب استمتعت بقراءته رغم قناعتك بأنه غير جيد فنيًا؟ المجموعة القصصية المعنونة "أجمل نساء المدينة" لتشارلز بوكوفسكي. قارئ يريد القراءة لك لأول مرة، وطلب منك ترشيح عمل من أعمالك للبدء به، أي أعمالك تختار؟ ولماذا؟ أرشح له كتاب "متحف العاهات" الصادر مؤخرا عن دار "العين"، والذي يضم بين دفتيه مجموعاتي القصصية الأربع الأخيرة، حتي يطلع علي تجربتي المتواضعة في انفتاح النص القصصي التجريبي علي حدود تعبيرية أخري مثل السينما والتشكيل والموسيقي والفوتوغرافيا. كتاب غير مترجم للعربية تتمني أن يُترجم إليها؟ رواية "دكتور بازافينتو" للكاتب الاسباني إنريكي بيلا ماتاس، أو رواية "ثلاثة نمور حزينة" للكوبي غيليرمو كابريرا إنفانتي. لو طُلِب منك اختيار ثلاثة عناوين فقط لإنقاذها من كل تراث الإنسانية المكتوب، ماذا ستختار؟ ستكون جميعها أعمالا قصصية، لأنه في حالة حدوث كارثة كونية لن يتبقي سوي وقت قصير للقراءة، ولن يتوفر وقت كاف لقراءة أعمال مطولة : إنها الأعمال القصصية الكاملة لكل من الأرجنتيني خوليو كورتاثار، والأمريكي ريموند كارفر، والايطالي دينو بوتزاتي. كتاب تعود لقراءته باستمرار؟ مجموعة "لا أحد يضيء المصابيح" للكاتب الأروجواني فليسبرتو هرنانديث. ما الكتاب الأكثر تأثيرًا فيك/ عليك؟ مجموعة "حول اليوم في ثمانين عاما" لخوليو كورتاثار، ومجموعة "بيوت واطئة" للأديب الراحل محمد زفزاف، وخاصة قصة "الديدان التي تنحني"، التي تعتبر في تقديري الشخصي الذروة الفنية للسرد الوطني وأروع ما كتب في تاريخ القصة المغربية علي امتداد تاريخها.