1 تمَّهلت البنت ثم قالت لأمها: أنت الشيطان، أعدمتِني العافية وأنا صغيرة، حرمتِني من طفولتي ومراهقتي .. قتلتِ الفرحة في قلبي، سرقتِ عمري وأسقيتِني الذل والهوان.. أنتِ الشيطان. ارتبكت الأم ونظرت في عيني ابنتها، صرخت في وجهها: كيف أكفِّر عن كلِّ ذلك؟ تأتين معي إلي الكنيسة .. أراك تصلِّين، تعترفين، وتتناولين. عادا إلي المنزل بعدما ذهبا إلي الكنيسة سويًا. البنت تعيش داخل صندوق تملؤه كتب المذاكرة، تمثال العذراء، صليبٌ خشبيّ، الكتاب المقدس، صورة البابا شنودة وصورة الأب .. الذكر الوحيد في البيت. وقفت البنت أمام المرآة، تلمَّست صدرها وبطنها وموضع عِفتِّها، رأت انعكاس صورة أمِّها خلفها تنظر إليها نظرةَ الشرِّ والخطيئة. ركعت البنت علي الأرض، أمسكت ببطنِها وبكتْ، ثم صرخت قائلة: عاد الشيطان من جديد. جحظت عينا الأم، انطلقت مسرعةً من الباب إلي الدرج إلي الشارع .. تحثّ الخطي بلا توقف. دخل الشيطان من النافذة مع بعض النسائم القوية التي هزَّت الستائر، كان شديد الشبه بجيمس بوند، أمريكي من أصل إيطالي، مدَّ لها يده فقامت، احتضنها .. نامت علي صدره وراحت في سُباتٍ عميق. 2 أنا التي ظُلمت في الحلم واليقظة.. في الافتراض والواقع. ظلمٌ بيِّن مؤلم مؤذ يحفر في العظم أخاديد ترويها ماء النار. (عدَّي من العُمر خمسون سنة نشأت قسطًا منها في بيتٍ غريب جدًا. كيف لي بالعمرة وأنا لا أنام إلا وحدي، أصحو علي أغرب الأحلام وأشدها وطأة عليّ. في العمرة لابد من رفيقة ولا مكان للظلم .. لا في اليقظة ولا في المنام. هكذا يقول الحراس عند مكان رمي الجمرات، يرجمون الشيطان في النهار فيأتيهم في الليل، يظلمني الشيطان ثم يهدهدني وينصرف. أبي كتلة نارية .. وأمي كرةَ ثلج تسقط من فوق الجبل .. تجمع مِزَق الوَرق، قِطع الخشب والحَصي والأوساخ. تكبُر تقسو تظلِم وتمشي تتبختر كامرأة العزيز. أبي يعاقر الخمر وأمي تدمن السحلب وأنا أتجرع التمرهندي مع المُرّ ليل نهار. أبي ضابط شرطة له سوطٌ وجاه وصولجان، يعذّب الناس ويستغفر الله العظيم من الشيطان الرجيم، حاول معي أن أعمل ضابطة، فأصبحت محامية أرفع القضايا ضد الظلم، زوّجني رغم أنفي ضابطًا مُهذبًا مؤدبًا يُدَرِّس حقوق الإنسان في أكاديمية الشرطة. الأب هو الرب هو الشيطان. أرفض رجلا يشبه أبي .. في الحلم وفي اليقظة يأتيني في الليل، يشبه زوجي رغم دماثة خلقه وجمال يديه ونعومتها، ورغم لمعان شعره الأسود ونصاعة جبينه العريض، رغم عطره الباريسي الحريمي، أرفضه. زوجي له وجهٌ جميل بلا انفعالات. أكتفي بالأحلام واكتظاظها بالأجساد هنا وهناك). 3 أمي سيدة أعمال وأبي شيخ طريقة. أي عشيقة أو صديقة أو بنت ليل هي لأمي بنت الشيطان. أنا تزوجت أمي نفسيًا منذ زمن، وأبي ترك لي مفاتيح البيت والسيارة ومضي يسعي في المدينة. أحس أحيانًا أن الشيطان يشتهيني وأنا أشتهي كل النساء، كلماتي مفضوحة وعيناي مرآتان تشتعلان بالرغبة .. اقتربت عمدًا من أبي فتوارت أمي. أخشي اختفائي، وتلاشي عضوي، ستكون الهزيمة قاسية لثلاثتنا تمهيدًا للموت. وهكذا كان هاملت. 4 كان الولد ذا أذنين كبيرتين ممتدتين جانبيًا، بدا شبيهًا ببطل الخيال العلمي (ستار ترِك) لذا كان الأولاد في الحي والمدرسة ينادونه (ترِك تِرِك) بمزيجٍ من السخرية والاستقواء. له شارب لم يحلقه أو يرتبه منذ عامين أي عندما كان اثنتي عشرة سنة، وقت شرخه البلوغ فبانت عظام وجهه وانتثرت عليه شعراتٌ هنا وهناك، وجهه كان شاحبًا بلون الصدأ، بعينين زائغتين وفم متلعثم ببضع كلمات خجولة، ويدين بانت عليهما آثار الغسيل وإعادته بالمواد الكاوية والصابون الحارق خشية النجاسة. قال: تكبرني أختي بعشرِ سنوات .. لا أحد سوانا في البيت، الأب مشغول دائمًا حتي بعد أن أجبر علي معاشٍ مبكر، ليجلس في وجه أمي في الصالة المكتنِزة. أختي فارعة الطول ممشوقة القوام تتقصَّع في مشيتها من غرفتها إلي الصالة .. ومن الصالة إلي الحمام ومن الحمام إلي غرفتها، تجلس عند الشباك .. تفتح ضلفته قليلًا لتراقب المارة هنا وهناك، تتمطَّي مُتعبة من السهر علي اللوحة الإليكترونية، تتثاءب فينتشر في الصالة عطرٌ رخيص .. وبعضٌ من رائحة الثوم وعرقٌ خفيف، يبرز ثدييها إلي الأمام، تنثني رقبتها .. تفرد شعرها الأسود الليلي علي كتفيها، تدهنه بخلطاتٍ سرية أعطاها لها الكوافير، تنعسُ قليلا إذا ما جاءت الشمس لتدفئها وتدخل إلي ثناياها. كان الولد بعدما بلَغ .. تنبَّه إلي جسده ورغباتِه .. اشتعل بحكايات الصبيان، ولكنه كان يتوقف كثيرًا عند مشهد أختِه وهي تخرج من الحمام لتنشف جسَدها وشعرَها وهي عارية تمامًا، تفعل ذلك في تلك المساحة من الحمام إلي غرفتها .. دون أدني اهتمام بوجوده في الصالة بجوار أمه، فهو لم يزل طفلا قريرا يستكين في حضن أمه، كانت الأخت تدنْدِن بأغنيةٍ فجَّةٍ قديمة لا يعرفها. تمهَّل الوالد ثم قال: الأمر كله شديد الوطأة علي أعصابي وجسِدي، بدأت اكتشف موطن اللذة في الحمام، في فراشي، وفي احتكاكاتي بالأثاث والجدران. بدأت أدك نفسي دكًا، أطحنها، أنهكها وأهدُّها حتي أتعب. ذهب إلي أمه، أعطت له أذنها فأفشي لها السر الكبير، بانت علي وجهِها علامات الغضب والاستنكار وقالت في صوتٍ خفيض حاد: يركبك الشيطان، يركب علي كتفيك، تتدلَّي قدميه، يُدخل إلي جسمك الوسخ والنجاسة، هذا.. حرام، لازم ولابدّ أن تستحم، من شعر رأسك حتي أخمص قدميك.. حتي تتطهر تمامًا). قام متوجهًا إلي أبيه طالبًا مساعدته: - استر عليّ، ساعدني في طرد الشيطان من علي كتفي، تعال معي إلي الحمام، أريدك أن تشهد علي طهارتي. أخذه الأب من يده، انتظره خلف الستارة، قال الولد سأبول بعد أن يغمرني الماء، وسيجري المني مع البول، وسينزل الشيطان في قطرات النجاسة. اللهم إني قد تعبت .. فاشهد يا أبي. كان الأب يسمع صوت تماوج الماء وصخب السوائل وهي تخرج من سعةٍ إلي ضيق في بالوعة البانيو، يقرأ من علي موبايله أحدث الأخبار عن أحدث النغمات وكيف ينزلها. صرخ الولد في أبيه وقال: أنا خلّصت. جاءه الأب بالمنشفة ومضي يصفق الباب خلفه، ارتدي الولد ملابسه الداخلية وبيجامته النظيفة برائحة صابون الغسيل، بتجاعيدها التي لم تمرّ عليها يد الكواء، كانت رائحته ماء وصابون، مشي في تؤدة، جلس إلي جوار أمه ونام علي صدرها، سألها: - هكذا .. نزل الشيطان من علي كتفي خلاص، مشي. هدْهدَته الأم، وهي تلعب في شعره، سمعته أخته وهي جالسة في مكانها المفضَّل أمام الشباك، أطلقت ضحكة رقيعة رفيعة تشبه الزغرودة قائلةً وهي تشهق وسط الكلمات: - قال شيطان قال، ما عفريت إلا بني آدم. أحسَّ الولد بوخزة في مؤخرته وألم في حوضه وشدّ عضلي في ساقه. صاحت الأم، وانتبه الأب. "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" بسملت الأم وفتح الأب التليفزيون علي نشرة الطقس. المطر ينهمر غزيرًا ولا تتمكن الحكومة من تصريفه من متسعٍ إلي ضيق.