منذ أربع سنوات، تقيم الهند مهرجانا ثقافيا ضخما، في مصر يطلق عليه الهند علي ضفاف مصر، فيقدم من خلاله الفنون والتراث الهندي، مع طرح موضوعات تهم العلاقات بين مصر والهند علي مختلف الأصعدة، ولا يخلو هذا المهرجان من وجهة نظري بما يمكن أن أطلق عليه " مفاجأة المهرجان" في العام الماضي علي سبيل المثال كان الفنان الهندي الكبير، صاحب الشعبية الطاغية إميتاب باتشان ضيف الدورة الماضية، وجاء إلي مصر ليقف تحت سطح الأهرامات ليدعو العالم لزيارتها، في هذا العام تقدم الهند لنا مفاجأة أخري، تعطينا الأمل في المستقبل. هذه المفاجأة تكمن في معرض الصور الفوتوغرافية، الذي يعد أحد أنشطة المهرجان هذا العام، المفاجأة لا تكمن في هذا المعرض، وإنما في قصة الشخص الذي أبدع هذه الصور، فعندما طالعت برنامج المهرجان وجدت تعريفا لهذا الفنان، دفعني علي الفور أن أتصل بزميلتي مني عبد الكريم، لكي تحاول في ساعات قليلة أن تكتب موضوعا عن هذا الفنان، صاحب القصة الإنسانية الجديرة باحترامها وتقديرها، فقد قرر المصور الفوتوغرافي هاران كومار أن يترك منزله مع عائلته في أقليم البنغال ويهرب إلي محطة السكة الحديدية بنيودلهي، ويصبح واحدا ممن نطلق عليهم أطفال الشوارع، هنا التقطه أحد المسئولين في مؤسسة هندية ترعي هؤلاء الأطفال، لتنقلب حياته رأسا علي عقب، وتقرر المؤسسة بعد أن وفرت له الرعاية الاجتماعية، أن تعطيه كاميرا، بعد أن تدريبه علي فن التصوير، فذهب بهذه الكاميرا ليلتقط بداية تعبيرات أطفال الشوارع، باعتباره واحدا منهم، يعرف جيدا ليس ما يدور علي السطح، بل ما في أعماقهم، وأستطاع بصور بديعة أن يلتقط لهم صورا تكشف عما في دواخلهم، وبمرور الوقت أحترف الطفل ليصبح ضيفا علي كبريات الورش والمنتديات العالمية المتخصصة في مجال التصوير الفوتوغرافي. وبالفعل تمكنت مني في هذه العجالة أن تجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات والصور عنه، قبل أن يزور مصر ليفتتح معرضه في 30 إبريل الجالي، الشيء الآخر، الذي أود الاشارة إليه هو أن نتوقف لنرصد مدي تأثير جمعيات المجتمع المدني في حياة شعب مثل الهند، فالجمعية التي حولت الطفل هاران من طفل شوارع إلي فنان فوتوغرافي محترف صاحب صيت عالمي، هي مؤسسة سالام بالاك التي تعمل علي أرض الواقع، وتقوم بتغيير فعلي في نمط البشر، فهي تهدف إلي توفير بيئة ملائمة لرعاية أطفال الشوارع، وكذلك الأطفال الذين يعيشون علي هامش المجتمع، كما تسعي إلي إزالة العقبات التي تحرم الأطفال من الحصول علي حقوقهم. قيمة هذا المهرجان أنه يحرص كل عام أن يطلعنا علي مساهمة من مساهامات المجتمع المدني، التي غيرت علي الأرض أفكارا واتجاهات، فالعام الماضي قدمت لنا إحدي الجمعيات هناك، تجربة ناجحة في كيفية أن تجعل من الحرف التقليدية الهندية مصدرا رئيسيا من مصادر الدخل القومي، وكيف أن هذه الجمعية عملت علي أرض الواقع، فحولت مجموعة كبيرة من الأشخاص إلي احتراف المهن التقليدية، وأصبحت مصدر دخل لعائلات كثيرة. مثل هذه التجارب هي ما تحتاجه مصر في هذه اللحظة تحديدا، إذ تظهر القوة الحقيقية لجمعيات المجتمع المدني ودورها في تنمية الشعوب.