"لم أكن أعرف ضراوة ذلك المرض إلي أن اختبرته .. توفيت قريبة لي بعد معاناة لثلاث سنوات مع مرض السرطان وتوفيت أمي بنفس المرض بعد خمس سنوات " ربما كانت تلك المعاناة الإنسانية قد تركت بصمة داخل روح الفنانة سماح إمام التي قررت أن تخرج ما بداخلها من معاناة في شحنة فنية .. شحنة لم تتسم بالمعاناة أو اليأس.. وإنما كان دافعها هو بث البهجة والأمل في روح المرضي من الأطفال .. وقد قدمت الفنانة خلال شهر ديسمبر الماضي معرض" أمل" الذي استضافته قاعة الهناجر كأول معرض فردي لها وضم 12 لوحة جميعها بورتريهات لأطفال مستشفي 57357، باستخدام الزيت والتوال . وكان قد سبق ذلك عرض لوحات الفنانة سماح إمام داخل المستشفي خلال عيد الأم في مارس الماضي وذلك احتفالا بتدشين 16 سريراً جديداً باسم السيدة الراحلة علا غبور .. وعلا غبور واحدة من أهم شخصيات البر، التي توفيت بنفس المرض، والتي شاركت في تأسيس جمعية أصدقاء معهد الأورام التي تولت إنشاء مستشفي 57357 ، وهي رمز من رموز العمل الخيري، اهتمت بخدمة مرضي الأورام منذ أكثر من عشرين عاما. تقول الفنانة سماح إمام: رسمت أربعة بورتريهات لها وقد أطلق علي الدور اسم "فاكرين ومكملين".. ورغم أنني لم أقابل هذه السيدة العظيمة إلا أنني سمعت عنها كثيرا وحصلت علي عدة صور لها .. وعن تجربتها في رسم أطفال مستشفي 57357، تقول سماح: توقفت أمام ضعف وقلة حيلة الأطباء وعدم القدرة علي السيطرة علي المرض ، وقررت أن أساعد الأطفال من مرضي السرطان بالطريقة التي أعرفها وهي الرسم وأن أشاركهم آلامهم ويشاركون ألوان وقدرت علي التعبير عما أشعر به من مرارة المرض وقوة المريض وحبه للحياة وما يعانونه كل يوم في صمت ورضاء بقضاء الله ورغبتهم في الشفاء. تضيف سماح: حصلت علي صور للأولاد الذين وافقوا علي المشاركة في هذه التجربة من الإدارة ، واخترنا مجموعة من الصور لأطفال يضحكون رغم معاناتهم .. وكان الهدف إبراز جمال الأطفال حتي من سقط شعرهم بسبب العلاج .. وتعمدت أن أرسم جميع الأطفال بدون شعر لأبسط الفكرة للأطفال من عدم وجود مشكلة لسقوط شعرهم .. وأنهم يتمتعون بالجمال في كل الأحوال. في البداية لم أتعرف علي الأطفال الذين رسمتهم شخصيا.. وكانت فترة رسم اللوحات من أصعب ما يكون لأني كنت بحاجة لأن أعبر عن الطفل المريض بألوان مبهجة تعبر عن طفولته، وبينما كنت أرسم كان إحساسي بنظرات عيونهم يزيدني ألما .. ذلك الألم الذي كنت أريد تحويله لبهجة وفرح... ولعل واحدة من أصعب اللوحات هي لوحة لطفل مريض جدا كان يجلس عل سريره يضحك ومن شدة احساسي بألمه لم أستطع أن أخفي الألم .. وقد توفي هذا الطفل بالفعل. وقد استخدمت ألواناً مبهجة قدر الإمكان حتي في تلوين البشرة .. وحاولت أن أستخدم رسومات الأطفال في الخلفية.. وطوال تلك التجربة كنت أسأل نفسي كثيرا عن المرض والألم، ولكنني دائما كنت أصل لنتيجة أن الحياة مليئة بمسلمات ليس بأيدينا إلا أن نتقبلها ونعيشها برضا . وتستطرد الفنانة : لقد أصبح هؤلاء الأطفال أيقونتي الخاصة.... وخرجت لوحاتي من دار الأوبرا لتزين حوائط المستشفي ويراها الجميع..وأثبت فكرة أن الرسم رسالة نستطيع المساعدة من خلالها، وأتمني من وزارة الثقافة تبني الفكرة وأن يقام معرض سنوي يشارك به الجميع .. فالفنان بإمكانه تغيير حياة الناس بفنه. وعن الحكايات التي تركت بصمة في قلب الفنانة تقول :اتصلت بي أم الطفل محمود الذي لم أكن أعرفه أو أعرفها لتشكرني علي المعرض، أما سهير وهي أم بسيطة لخمسة أولاد مات زوجها واثنان من أبنائها بهذا المرض اللعين، فقد شاهدت إحدي اللوحات تصور ثلاث بنات يعانقن بعضهن البعض، وقالت لي إنها تعبر عن حالة أولادها .... فعرفت أن علي الطريق الصحيح الذي يليق بالفن الذي أقدمه ... واستكمالا لتجربتها، بدأت الفنانة سماح إمام مؤخرا في إقامة عدد من الورش الفنية لأطفال المستشفي، بهدف رسم لوحات فنية لتزيين المستشفي بأيدي أطفالها، وكانت أول ورشة عن هنري ماتيس، حيث تقول الفنانة : كنت أريد أن أوضح للأطفال أنه بالرغم من مرض ماتيس عند كبر سنه وخضوعه لعملية بسبب مرضه الخطير وعدم مقدرته علي الرسم استطاع أن يعبر عن نفسه بالقص واللصق، وقد شاهد الأطفال صورة وهو يعمل وكان نتاج هذه الورشة ستة أعمال بديعة . أما الورشة الثانية فكانت حول الرسم والتلوين بألوان الاكريليك، وكانت محاكاة لأعمال الفنان الفرنسي ثيري نايجل، وقد تواصلت معه واستأذنته أن يرسم الأطفال أعماله لأنها بسيطة وأحبوها، وقد سعد الفنان بالتجربة وشارك صور الورشه بصفحته علي الفيس بوك. وتستهدف تلك الورش مساعدة الأطفال للتعبير عن ألمهم، وإبدال مشاعر الألم بالإحساس بالمقدرة علي الفعل. وسوف تستمر الورش طوال العام، وفي نهاية العام سوف أقيم معرضاً آخر بالمشاركة مع الأطفال. وتنهي سماح الحديث عن تجربتها قائلة : إن هذه التجربة ثرية علي المستوي الإنساني، أشعر أنني آخذ منهم أكثر ما أعطيهم ، وتضيف إن دعم هؤلاء الأطفال لا يجب أن يتوقف عند الدعم المادي فقط وإنما هناك دعم معنوي ونفسي.. والفنانة سماح إمام لم تدرس الفن منذ البداية، بل قادتها الصدفة لذلك فبينما كانت تتجول بالزمالك قرأت إعلاناً عن دراسات حرة بكلية فنون جميلة، وقد استهوتها دراسة الفن ، وعبر مشوارها شاركت في 24 معرضاً جماعياً من ضمنها المعرض العام 36 وبينالي فلورنس 2015 بإيطاليا ومعرض "فلوكة" وهو معرض مشترك مع الفنان الفوتوغراف جلال المسري.