نستهل الملف بمعرض "كنا هنا" للفنان محمود مرعي الذي أقيم آخر أيام العام الماضي يوم 31 ديسمبر .. وقد احتفي في معرضه بالحضارة الإسلامية معبرا عن سعادته بالانتماء لها وتأثره بها وحزنه علي أفول تلك الحضارة العظيمة .. وليس هو وحده من تركت الحضارة العربية أثرا كبيرا في روحه الفنية .. فقد امتدت تجربة د.سمير عبد الفضيل الفنية منذ سنوات عديدة حول اكتشاف الحرف والكلمة العربية كقيمة تشكيلية.. وقد استضافت جامعة نورث كارولينا الأمريكية معرضا لأعماله خلال 2015، وفي تجربة جديدة قامت الشاعرة عبير عبد العزيز بمزج قصائد من أشعارها مع صور لسبعة فنانين قاموا برسم الاثني عشر برجاً، في معرض كارت بوستال " شعر وأبراج" والذي يعد خطوة جديدة في مشروعها الشعري المهتم بتقديم الشعر مع الفنون المختلفة، أما الفنان الشاب محمد منيصير فقد وظف شكلا جديدا من أشكال الكتابة التي ابتدعها للتعبير عن مكنونه النفسي والفني متأُثرا بالباراسيكولجي ، واستلهمت الفنانة الشابة وفاء سعيد الزخارف العربية لإعادة تقديم شخصيات الكارتون العالمية بطابع شرقي. وإذا كان هؤلاء الفنانون قد تأثروا بالحضارة الإسلامية والأدب العربي في أعمالهم ، فإن الفنان محمد خضر لطالما تأثر بمحيطه الاجتماعي في أعماله، ففي معرضه الأخير "إسبرسو" قدم الفنان ملمحا جديدا علي حياة المجتمع المصري بانتشار الكوفي شوب ، وهو الفنان الذي يظهر تأثره بالقاهرة جليا في أعماله . ولا يمكن فصل الفنان عن مجتمعه، بل الفن أداة جادة لتغيير المجتمعات، وهو الدافع الذي حرك الفنانة الشابة سماح إمام لتسخر فنها لدعم أطفال مستشفي السرطان مشجعة لهم بألوانها علي التمسك بالأمل وقدمت أعمالها في معرض اسمته "أمل" واستضافته قاعة الهناجر للفنون ، الأمل هو أيضا ما عبر عنه الفنان طارق الشيخ في معرضه "المواطن ..عادي" .. أمل الإنسان في الخروج من الأطر وتحطيم قيوده والنظر للمستقبل . عشرات التجارب المتميزة التي حاولنا أن نرصد جانبا منها ونمنح القارئ فرصة للتعرف عليها رافعين شعار أن الفن هو وسيلة للحياة ومؤكدين أننا "كنا هنا". بين الفخر بالحضارة الإسلامية وعظمتها وتلك الفنون البديعة التي خلفتها ومن بينها العمارة والزخرفة وفنون الخط وغير ذلك، والشعور بالأسي لأفول تلك الحضارة وفترات تراجعها وما آل إليه حالها حاليا تأرجحت مشاعر الفنان محمود مرعي والتي أفرزت تلك اللوحات التي قدمها في معرضه " كنا هنا " الذي افتتح مع آخر أيام عام 2015 بقاعة نهضة مصر بمتحف محمود مختار. وقد عرض الفنان خمسة عشر عملاً فنياً تجلت فيها رؤيته للحضارة الإسلامية في ثوبها المُزدهر وخاصة عصور ما بعد الفتوحات الإسلامية وحضارة الأندلس من خلال إعادة صياغة مجموعة من المشاهد برؤية معاصرة. يقول الفنان : "كنا هنا" .. كما كنا في الأندلس بعد الفتوحات الإسلامية.. حيث ازدهارنا ثقافيا وعلميا وحضاريا وأدبيا ومعماريا.. إن أعمالي بمثابة رسالة أن الإسلام لم ينتشر بحد السيف وأننا دين سلام للعالم .. وقد وظف مرعي في معرضه العديد من الخامات ومنها الاكريليك وورق الذهب وشرائح الصفيح الصدئ حيث يقول : إن الصفيح إنما هو إشارة الي الزمن وإلي تلك الحقبة العريقة من حضارتنا الإسلامية أما ورق الذهب فيرمز إلي مدي الازدهار والتقدم والروعة التي وصلت إليها حضارتنا الإسلامية في مختلف المجالات. وهي ليست المرة الأولي التي يوظف فيها الفنان خامات من البيئة المحيطة في أعماله ، أتذكر ذلك العمل الذي قدمه في معرض عربات الكارو لمجموعة اللقطة الواحدة ، فأضاف إلي عمله تلك الحلية المعدنية التي نراها في عربات الكارو الحقيقية. كذلك فإن ارتباط محمود مرعي بالتراث الإسلامي في أعماله هو أيضا تجربة ممتدة ، فقد سبق وأن قدم في معرضه "مدد" 26 عملا فنيا تأثر فيها بالإنشاد الصوفي والموسيقي الروحية ، وتضمن المعرض بورتريهات لأشهر المنشدين ومنهم الشيخ ياسين التهامي والشيخ أحمد التوني رحمه الله والشيخ أمين الدشناوي وبعض من شيوخ الطرق الصوفية مع بعض الكتابات من ديوان ابن الفارض والحلاج وابن عربي وبردة البوصيري. يقول محمود : لقد تاثرت كثيرا بكلمات ديوان ابن الفارض منذ صغري، كما كنت أستمع إلي إنشاد التهامي والتوني و الدشناوي. وقد اعتاد مرعي علي مزج الخط العربي بلوحاته مستعينا بأبيات من الشعر وكذلك بمقولات من التراث ، وهو ما اتضح أيضا في معرضه الأخير الذي وظف فيه قصيدة »ظلال الصمت« لثريا النبوي عن سقوط الأندلس ومحاكم التفتيش، وكذلك عدداًمن الأقوال المأثورة . ويبدو أن روح الحضارة قد أسرت محمود حتي أنه اختار أن يفتتح مرسمه بالدرب الأصفر أمام بيت السيحمي ، لتزيد من تأثره بالحضارة الإسلامية .. التي يعيش مجاورا لها الآن . ومحمود مرعي مواليد 1982 حاصل علي بكالوريوس تربية فنية جامعة الأزهر، وعضو نقابة الفنانين التشكيليين، وعضو بأتيليه القاهرة وجماعة فناني اللقطة الواحدة .. شارك في أكثر من 26 معرضاً جماعياً، وأقام 5 معارض خاصة .. نال الجائزة الكبري لصالون الشباب ال24، وجائزة الصالون في الدورة ال25، وله مقتنيات بمتحف الفن الحديث، واتحاد البرلمان الدولي بجنيف.