هل دخلت الشعارات صندوق الذكري وصارت تاريخا بعد خمس سنوات من ثورة 25 يناير، وهل كانت مجرد عبارات حماسية كتبها أو بدأها أحد المتظاهرين فلاقت إيمانا من موجات الثوار فصارت شعارا يردده الجميع، ويسمعه الجميع كأننا أمام حنجرة وأذن باتساع الميدان، أو لنقل باتساع المعمور المصري، حيث يصبح الشعار فعلا علي الأرض، وتصير الكلمات قوة مغيرة، فالكلمات يسكنها الوعي الجمعي، والوعي في هذا السياق ليس شيئا معنويا، لكنه طاقة هادرة تزيح كل ما تريد إزاحته أمامها، وما الشعار إلا الصوت المعبر عنها، وتأتي خصيصة الجماعية لتعلن بصيغة تناسبها شعارا ظل متكررا في كل مراحل الثورة "ولا ها نخاف ولا ها نطاطي إحنا كرهنا الصوت الواطي"، وتتأكد قوة الشعارات علي الأرض حين لا تأبه بصور الظلم ،لنتسمع صوت الشعارات الذي يمهد الأرض للجرأة والشجاعة لتتوالي حاملة في تراكيبها المباشرة أو في ظلها أحلام ومكبوتات الثوار، فالميدان قد أبدع عددا هائلا من الشعارات إضافة إلي الهتافات والكتابات الخطية والجرافيتي والنماذج الفنية متعددة الخامات، فضلا عن الكتابات علي الجسد، وهو الأمر الذي يحتاج إلي تصنيف علي مستوي المضمون، فضلا عن التصنيف حسب الأحداث التي مرت بها الثورة، فهناك شعارات كانت بمثابة الثوابت، وأخري كانت تتغير حسب المواقف والأحداث والرسائل التي أراد المتظاهرون توجيهها للسلطة، والمتأمل لشعارات ثورة 25 يناير سيجد سمة رئيسية في مضامينها تتمثل في التنادي بالعيش والحرية والكرامة الإنسانية: ما تعبناش ما تعبناش الحريه مش ببلاش" - كرامة حرية عدالة اجتماعية، وبدأت تتواتر الشعارات الموجهة التي تصوب طلقاتها عبر لغة ساخرة، ومنها بدأت تتوالد الشعارات التي ترصد الغلاء والفروق الطبقية بين المصريين والفساد الذي طال الحكومات المتعاقبة، ومع الشعارات التي سنجد جذرها في التدهور الاجتماعي، سنجد شعارات ترصد جوانب اقتصادية وأخري سياسية تلخص ما حدث لمصر ودورها السياسي. إن أهمية هذه الشعارات تكمن في كونها ابنة لحالة المصريين الذين عانوا معاناة قاسية تحت نير الاستبداد والقهر والفساد، لذا فقد جاءت لتهدر معبرة عن الوعي الجمعي وما يحمله الصوت من طاقات قادرة علي التغيير، وهنا يتحول الصوت لقوة فاعلة، بوصفه التجسيد الحي للغاية التي يسعون لها، وكلما هدر الصوت امتد الفعل ليمارس قدرته علي التغيير، فالصوت تجسيد للوعي، والوعي طاقة، والطاقة لا تفني ولا تستحدث من عدم، وكلما تجمعت الحناجر صارت مزلزلة فيولد التغيير كأحد نتائجها، لقد كان الشعار مصاحبا لكل حدث، بل الأجدر أن نقول إن الشعار هو الدافع والمحرك للأحداث بما فيه من طاقة وعي مختزنة، فالكلمات لم تكن مجرد أصوات ترفعها الحناجر لكنها كانت ذات تأثير كبير في إحداث التغيير، فقد بدت تجليات الذات الجمعية، وهي ذات ممتدة تتسم بالعراقة، وتعمل آليات التواتر معها لتتشكل وفق كل زمن حسب منظومة قيم الجماعة وما يعتريها من تغير، فتختصر المراحل في الزمان / المكان الذي تحياه، وها نحن نراها وقد انتخبت بعضا من مأثورها ليتحرك معها تاركة البعض الآخر ليدخل أدراج "التراث، فهل صنعت الثورة مأثورها الشعبي الذي يحتاج لجمع ميداني ودراسات تحليلية لندرك ما تكتنزه هذه الشعارات والفنون من مكبوتات وأحلام، هذه ما نطرحه علي أهل الاختصاص في علوم الاجتماع والأنثروبولوجيا والفولكلور.