وسائل إعلام: إسرائيل تشن غارات على جنوب سوريا تزامنا مع هجوم نفذته على أهداف في إيران    بعد تعليمات الوزير.. ما مواصفات امتحانات الثانوية العامة 2024؟    بعد انخفاضها.. أسعار الدواجن والبيض اليوم الجمعة 19 إبريل 2024 بالبورصة والأسواق    عيار 21 يرتفع لأعلى مستوياته.. سعر جرام الذهب بالمصنعية اليوم الجمعة 19 إبريل 2024 بالصاغة    الجزائر تتعهد بإعادة طرح قضية العضوية الفلسطينية بالأمم المتحدة    رد فعل صادم من مصطفى يونس على واقعة إخفاء الكُرات فى مباراة القمة    طلب إحاطة في البرلمان لإجبار أصحاب المخابز على خفض أسعار "الخبز السياحي"    «ستاندرد أند بورز»: خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل مع نظرة مستقبلية سلبية    تقارير أمريكية تكشف موعد اجتياح رفح الفلسطينية    أصعب أيام الصيف.. 7 نصائح للتعامل مع الحرارة الشديدة    حظك اليوم برج العذراء الجمعة 19-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    سوزان نجم الدين تتصدر تريند إكس بعد ظهورها مع «مساء dmc»    خالد حسين محمود: مسلسل الحشاشين كان يحمل هدفين الأول تنويري والآخر معرفي    فاروق جويدة يحذر من «فوضى الفتاوى» وينتقد توزيع الجنة والنار: ليست اختصاص البشر    مسؤول أمريكي: إسرائيل شنت ضربات جوية داخل إيران | فيديو    "ليست أول فرصة يهدرها في حياته".. كلوب يعلق على الانتقادات ضد صلاح    هدي الإتربي: أحمد السقا وشه حلو على كل اللى بيشتغل معاه    ملف رياضة مصراوي.. ليفربول يودع الدوري الأوروبي.. أزمة شوبير وأحمد سليمان.. وإصابة محمد شكري    هدف قاتل يحقق رقما تاريخيا جديدا في سجل باير ليفركوزن    مواعيد أهم مباريات اليوم الجمعة 19- 4- 2024 في جميع البطولات    وعد وهنوفي بيه، الحكومة تحدد موعد إنهاء تخفيف أحمال الكهرباء (فيديو)    الجامعة العربية تطالب مجلس الأمن بالاعتراف بالدولة الفلسطينية باعتبار ذلك سبيلاً للسلام    3 ليال .. تحويلات مرورية بشارع التسعين الجنوبي بالقاهرة الجديدة    الهلال الأحمر الفلسطيني: نقل إصابة ثانية من مخيم نور شمس جراء اعتداء قوات الاحتلال    محمود التهامي يحيي الليلة الختامية لمولد أبو الإخلاص الزرقاني بالإسكندرية (فيديو وصور)    أسعار العملات الأجنبية اليوم الجمعة.. آخر تحديث لسعر الدولار عند هذا الرقم    عز بعد الانخفاض الجديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 19 إبريل بالمصانع والأسواق    صدمة .. إصابة أحد صفقات الأهلي في الميركاتو الصيفي    شاهد.. نجوم الفن في افتتاح الدورة الثالثة ل مهرجان هوليود للفيلم العربي    منهم شم النسيم وعيد العمال.. 13 يوم إجازة مدفوعة الأجر في مايو 2024 للموظفين (تفاصيل)    انهيار منزل من طابقين بالطوب اللبن بقنا    متحدث الحكومة: دعم إضافي للصناعات ذات المكون المحلي.. ونستهدف زيادة الصادرات 17% سنويا    محمود عاشور يفتح النار على رئيس لجنة الحكام.. ويكشف كواليس إيقافه    «لا يصلح ولابد من رحيله».. رضا عبدالعال يفتح النار على نجم الأهلي    تعديل ترتيب الأب.. محامية بالنقض تكشف مقترحات تعديلات قانون الرؤية الجديد    #شاطئ_غزة يتصدر على (اكس) .. ومغردون: فرحة فلسطينية بدير البلح وحسرة صهيونية في "زيكيم"    البابا تواضروس خلال إطلاق وثيقة «مخاطر زواج الأقارب»: 10 آلاف مرض يسببه زواج الأقارب    والد شاب يعاني من ضمور عضلات يناشد وزير الصحة علاج نجله (فيديو)    انطلاق برنامج لقاء الجمعة للأطفال بالمساجد الكبرى الجمعة    الإفتاء تحسم الجدل بشأن الاحتفال ب شم النسيم    وزير الخارجية الأسبق يكشف عن نقاط مهمة لحل القضية الفلسطينية    بسبب معاكسة شقيقته.. المشدد 10 سنوات لمتهم شرع في قتل آخر بالمرج    جريمة ثاني أيام العيد.. حكاية مقتل بائع كبدة بسبب 10 جنيهات في السلام    إصابة 4 أشخاص فى انقلاب سيارة على الطريق الإقليمى بالمنوفية    أحمد الطاهري يروي كواليس لقاءه مع عبد الله كمال في مؤسسة روز اليوسف    سكرتير المنيا يشارك في مراسم تجليس الأنبا توماس أسقفا لدير البهنسا ببني مزار    دعاء السفر كتابة: اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ    دعاء للمريض في ساعة استجابة يوم الجمعة.. من أفضل الأوقات    النشرة الدينية.. هل يجوز تفويت صلاة الجمعة بسبب التعب؟.. وما هي أدعية شهر شوال المستحبة؟    الصين: العضوية الكاملة لفلسطين بالأمم المتحدة أكثر إلحاحًا في الوقت الحالي    طريقة عمل الدجاج سويت اند ساور    طريقة عمل الكب كيك بالريد فيلفت، حلوى لذيذة لأطفالك بأقل التكاليف    دعاء الضيق: بوابة الصبر والأمل في أوقات الاختناق    نبيل فهمي يكشف كيف تتعامل مصر مع دول الجوار    شعبة الخضر والفاكهة: إتاحة المنتجات بالأسواق ساهمت في تخفيض الأسعار    بسبب أزمة نفسية.. فتاة تنهي حياتها بالحبة السامة بأوسيم    أخبار 24 ساعة.. مساعد وزير التموين: الفترة القادمة ستشهد استقرارا فى الأسعار    فحص 1332 مواطنا في قافلة طبية بقرية أبو سعادة الكبرى بدمياط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صورة الشعب بين الشاعر والرئيس:
نشر في أخبار الأدب يوم 13 - 02 - 2016


تحرير وتنوير
"أخاف علي الفصحي من عامية بيرم" مقولة حفظها لنا الأدب عن شوقي تعليقًا علي افتنان الناس بلغة بيرم الشعرية، لكن أحدًا لا يقول إن شوقي نفسه كتب بالعامية إلا قليل ومنهم أحمد مجاهد في مقاله "عامية شوقي" المنشور بصحيفة الشروق القاهرية يوم الإثنين الموافق 12 من أكتوبر 2009، ومن بديع ما كتب شوقي: "نيل نجاشي حليوة أسمر| عجب للونه دهب ومرمر| أرغوله في إيده يسبح لسيده| حياة بلادنا يارب زيده" ولم يفطن أحد إلي أن أحمد رامي كتب الأغنية بالفصحي والعامية وغنت له أم كلثوم كلتيهما لكن الناس حفظت عاميته أكثر.. لا يعني هذا انتصارًا للعامية وإنما يعني أننا نجافي المنطق حين نعتبر العامية ليست وسيلة تواصل معتبرة، وأن الشعر المكتوب بها نصوص دون المستوي، ولا يصح أن تدرس في الأكاديميات.
قلب مصر في عاميتها، وتاريخها فيها، وبهجتها الدافقة التي يحملها لفظ واحد إن تأملناه قليلا، وأسرارها الكامنة التي يمررها الأجداد للآباء وللأبناء، ولعله من الإنصاف قولنا: تحمل هذه اللغة ذ وليس اللهجة ذ مستويات لا يتأتي للفصحي أن تحملها بإيجاز لأنها لغة التواصل وحاملة الأفكار وناقلتها، فيما يأتي الانحياز لمفردات معيار فصاحتها أنها لا تستخدم في العامية، وترك كلمات من صلب الفصحي (خيبة ذ دلق - سطح البيت ذ هُس" إلي كلمات تسكن بطن الأضابير وليست النائحة الثكلي كالمستأجرة، وما أظننا ظلمنا العامية قدر ظلمنا للفصحي حين أقمنا حاجزًا لاهبًا بينها، ولعل العودة إلي 1971وتحديدًا إلي كتاب: "معجم الألفاظ العامية ذات الحقيقة والأصول العربية" للدكتور عبدالمنعم سيد عبدالعال: "من أهم المشكلات التربوية التي تصادفنا أن يعيش أبناؤنا بين لغتين إحداهما خاصة بالمدرسة وأن نقول إن كلا منهما تختلف عن الأخري مع أن هذا الاختلاف لا وجود له أصلا في إحداها وإنما هو وهم نسجه الزمن بسبب قصور الإدراك وزاد في أثره تقصير المشتغلين بأمر اللغة العربية ووقوفهم عند حد القول بعامية لفظ وفصاحة آخر... لقد آن الوقت الذي نجعل فيه حدا للمتحدثين عن عزلة اللغة العربية وقصورها وضرورة رد الحياة إليها وأهمية مسايرتها لحاجات الأمم التي ورثتها"
هذه تجربة يجب أن تحارب كما حورب أبوتمام بعمود الشعر، و المتنبي أحمد بن الحسين بالكفر تارة وبالتنبؤ تارة، وكما حورب عبدالصبور أو "سي عبده" كما قال عنه العقاد.. وهذه تجربة قدر لها النصر كما بقي أبوتمام وكما تفرد المتنبي وكما قال العقاد نفسه عن الشاب الذي يقبل محاورته، قال: هذا الولد صلاح عبدالصبور، لأنه يقرأ.
لكن المرء منا محض قناعة وعليه كي يوجد أن يدافع عن قناعته، ومن هنا تبدو هذه المقالة محاولة للدفاع عن قناعتي بأنني مصري، وبأن هذا الكتاب ذ علي قيمته العلمية والفنية ذ هو سد ثُغرة في حصن المصريين من خلال قراءة تاريخها ذ ضمن أعمالها التي تعني في المقام الأول بالنقد الثقافي ومنه هذه القراءة ذ لكنها لا تكتفي بتناول حقب ثلاث شائكة وإنما تحمل حجرًا أثقل من حجر سيزيف وهو الارتقاء بالعامية المصرية وجعلها شكلا ومحتوي مادة دراسة، وهي التي يشعر شعراؤها كثيرًا بأنهم أقل درجة من كتاب الفصحي، هذا غير شعور كثير قراء، أما ناهشو أكباد برومثيوس؛ النقاد خصوصًا من فهموا الفصحي واعتبروها منطقة تميزهم فأولئك لا يكفون عن تجاهل العامية وكتابها.
يقدم سيد ضيف الله في كتابه "صورة الشعب بين الشاعر والرئيس" المطبوع في الكتب خان، بعد أن سحبه مؤلفه لإيقانه بأن سلسلة كتابات نقدية (هيئة الكتاب) لن تطبعه ذ مع أنه رسالة دكتوراه (أشعار فؤاد حداد من منظور النقد الثقافي) حاصلة علي امتياز مع مرتبة الشرف الأولي! - لأن أعداء برومثيوس هناك، وقد صدر الكتاب في 334 صفحة من الحجم المتوسط، وستة فصول تسبقها مقدمة بديعة لفريال غزول، وخاتمة مفجرة للأسئلة ومحفزة للباحثين بأن يكملوا الدرب.. يكملون ماذا يا سيد؟ ولقاء ما بدأت عدم طباعة كتابك رغم أن رئيس الهيئة هو من طلبه منه.. وأنك لم تعين في أي مسابقة تقدمت لها علمًا بانطباق الشروط عليك أكثر من غيرك.. وما زلت تنتظر أن ينصفك القضاة المتعبون من الحقيقة فيما يغرس اعداء برومثيوس مخالبهم في صدرك بتلذذ يليق بدراكولا.
انحياز علم ومنطق وقيمة
"بحث جريء ودقيق ورائد" هكذا تطلعنا فريال غزول علي خبيئتها| نتيجتها منذ أول سطر في المقدمة؛ وكأنها تفعل ما كان يفعل زكي نجيب محمود حين كان يطلع قارئه علي خلاصة فكرته في البداية حتي يكمل معه من يحب الإكمال، أما القارئ الملول فله أن يأخذ الخلاصة ويمضي.. لكن غزول هنا لا تفلت القارئ؛ فالأكاديمية المتوازنة كمرآة مستوية.. أطلقت جملة من أحكام القيمة؛ لذا فقد شرعت في ذكر الأدلة التي قادتها إلي هذه الأحكام، ثم في الربط بين الأدلة ودلالاتها فالبحث جريء
لتحاوره مع شاعر يمتاز بتعدده الإنساني يتجاوز الأنماط السائدة من الهويات، تنصهر فيه روافد مختلفة؛ أيديولوجية ووطنية تتحدي التنميط الأحادي، وهو مهمش نقديًّا بما يجعل الباحث أمام مجاهدتين؛ التعدد والخفاء.. وما لم تقله غزول: والنصال التي ستتعاقب فوق النصال هجومًا علي باحثٍ قرر أن يضع العامية المصرية ومحتواها في مكانها الصحيح في مواجهة من يتسيدون الأكاديميات ومنافذ النشر الحكومية، مدعين الدفاع عن الفصحي.. ولا تعارض علي الحقيقة؛ ويمكن الرجوع لأبسط أوليات علوم اللغة لنجد جليا ذ كجلاء تخرص مومياوات النقد التي رفضت التحنط ففاحت روائحها ذ أن جدل العلاقة بين العامية والفصحي يرقي اللغتين، وأن انقطاع العلاقة يدخل الفصحي في كهف الأضابير، ويسقط العامية في فخ اللغات الاجنبية السائدة، ويدفع الناطقين بها إلي اختراع ألفاظ وتراكيب يندي لها الجبين.
والبحث دقيق..
لأنه قراءة متمعنة وفاحصة للغة فؤاد حداد بظلالها ومجازاتها.. تستبطن قراءة الباحث مواقف في أدق تفاصيلها وتشرح مكنوناته وتفسر تحولاته... إنها قراءة تسعي إلي استكشاف هواجس الشاعر في مراحل مختلفة من حياته وأساليب التعبير عن قناعاته.. عن تطلعاته وانكساراته.
وهو رائد لأنه
لأنه وفق غزول يعتمد علي نهج نقدي جديد؛ النقد الثقافي، وهو نهج لا منهج لأنه يعتمد علي علوم معرفية متعددة تتداخل فيما بينها لتضيء النص، فالنقد الثقافي إذن ساحة تتسع لتشمل توجهات نقدية وفكرية.. أما كاتب المقال فيري أن ريادة الكتاب أيضا تأتي من التصدي لدراسة شاعر عامية وجعله مادة للبحث العلمي.
الشعب بين صوتين
وكما عكف إدوارد سعيد في قراءة وثائق الحكومة الفرنسية في الجزائر وقابلها بقراءة قصص قصيرة لألبير كامو، ورواية جوزيف كونراد قلب الظلام علي الأغلب لجوزيف كونراد كيف يتقابلان وكيف يدعم أحدهما
الآخر فعل ذلك سيد ضيف الله مركزًا علي أربعة مفاهيم من النقد الثقافي هي: التمثيل، والموقع الثقافي والخطاب الاستعاري والسنة الأدبية، ويقوم بتقديمها في مقدمته للكتاب من ص 16 : 22 مبينا علة اختيار النقد الثقافي نهجًا، وبادئا مقدمته بأربعة الأسئلة التي يسعي للإجابة عنها.. والتي كونت فصول الكتاب أطروحة الكتاب سابقًا ذ فإجابة عن السؤال الأول جاء الفصل الأول بعنوان تمثيل الشعب باعتباره الآخر، وجاء الفصل الثاني بناء الهوية في النظام الأدبي فجاء إجابة عن السؤال الثاني، أما الفصل الثالث النقد الثقافي وإعادة بناء الهويات فقد جاء إجابة عن السؤال الثالث.. فيما جاءت الفصول من الرابع إلي السادس لتضاهي بين تمثيل الشعب عند الشاعر (فؤاد حداد) من جهة وعند جمال عبد الناصر والسادات والمخلوع من جهة أخري.
يعتمد الكتاب علي بنية من العلامات كما يعتمد علي منهجية علمية واضحة؛ فالعنوان يضع الشعب أولاً ومركزًا ينبثق منه الشاعر والرئيس، وإن سألنا لماذا وضع الشعب أولا فهذا سيقودنا إلي قراءة الكتاب| النص الذي يتبني ذ من وجهة نظري وقد تكون خاطئة ذ أن الشاعر هو الأقرب لتمثيل الشعب من الرئيس الذي يبدو خلال الفصول التطبيقية متهما للشعب بمسلوب الكرامة وبالابن الذي يميل إلي العقوق وبالعبء الشديد، فيما ينافح الشاعر عن هذا الشعب مبينا أنه حر صلب واعٍ ناضجٍ منتج.
أنتج فؤاد حداد (1927 ذ 1985) ثمانية وثلاثين ديوانًا كتب ثلثها في الخمس سنوات الأخيرة من حياته، وقد اتخذ الشاعر من زمن كتابة النصوص المكتوبة أو الذي توصل له من خلال عائلة الشاعر، معيارا للتقسيم وقام بتقسيم النصوص بناء علي المراحل الثلاث لحكم الرؤساء الثلاثة؛ الزعيم جمال عبدالناصر، وبطل حرب أكتوبر أنور السادات والمخلوع حسني مبارك.
وتبدو عناية الناقد جلية في تتبع الفروق بين محتوي النصوص بعضها وبعض بناء علي الأحداث السياسية؛ فما بين ما قبل الثورة وانكسارات الشعب المصري، وما بين قيام الثورة باعتبارها بداية عهد جديد وما بين الاعتقالات السياسية والتضييق علي الشعب، وما بين الهزيمة ومحاولة بث الأمل وما بين رحيل عبدالناصر ينطلق صوت فؤاد حداد أمة الشعراء بصوته محاولا أن يعبر عن الشعب:
أنا مسجون وبلادي في ثورة| مسجون وسلاح الثورة محتاج لأيادي
علي طول الحدود واقف| هنا وقفة صلاح الدين| وأنا بملايين عرب زاحف| وأنا باسم الشرف والدين| وأنا باسم السلام حالف| في كل رصاصة أغنية.
شهد التاريخ أن أعداء الوطن قتلوا| الأنبياء واليتامي والعرب عدلوا| ولا حد قبل العرب بين افة الأجناس.
يا قلب ناصر| قوم للجهاد والفرض| ولاجتماع الملوك| ويتامي يستعجلوك..| مكتوب أسم الوطن| في كل طير مذبوح.
وبحسب الباحث: "يمكن القول إن فؤاد حداد بدأ تمثيله الاستعاري للشعب بشعب الغلابة في أحرار وراء القضبان لكن حداد لم يستطع ردم الفجوة بينه وبين شعب الغلابة إلا بالانتساب الفكري حين خاض تجربة الاعتقال الثاني التي حفزته إلي جانب عوامل أخري لمراجعة وعيه مراجعة نقدية مما أثر إلي حد بعيد في خطابه الشعري بدءًا من ديوانه "يضرب علي الوجيعة ويلاقي ع الطبطاب" والذي برز فيه انتقال حداد من الانتساب إلي الغلابة إلي الانتماء إليهم نفسيا نتيجة شعوره بالإذلال والضعف وفقدان الحيلة، وهو انتماء للغلابة أعمق من مجرد الانتماء الطبقي ذاته... وفي الهزيمة داوي حداد شعبه بالأمل.. لكن وفاة ناصر تعيد حداد إلي حضن التصور الاستعاري لناصر عن الشعب.. بل لتصور حداد نفسه للشعب في ديوانه الأول: "أحرار وراء القضبان" وهو أنه شعب الغلابة والجياع واليتامي.
يبدو وعي حداد ناضجًا ورؤيته الناقدة أكثر حصافة من نصوصه في عهد عبدالناصر؛ فلا رجل بإهاب أبطال الأساطير، ولا فارس يتلبسه حلم، ثمة وجيعة مُمضة، وما أقسي الوجع بعد حلم وما أعظمه معلمًا، منذ البداية يصرح السادات بأن الشعب كان عالة علي الريس السابق وأنه لا بد من التخفيف من مسألة العروبة وأنه الأب الحامي وفي المقابل يقف حداد منافحًا عن هذا الشعب المكافح العربي الراشد.. وتأتي الحرب المجيدة لتوحد حداد خلف السادات لكن ما إن تتوقف حتي يفترق الرجلان؛ وشتان بين المهلهل الذي فقد أخاه ونذر نفسه لإعادته حيًا، وبين السادات في سلام الخديعة وكفي.
في عيني الشوق وفي وداني| يا أهل الله يا أوطاني| ماليش غيركم وطن تاني| ولا صاحب ولا مطرح.
"آدي أيام العجب والموت" هكذا استقبل حداد الرئيس المخلوع الذي ارتكز في خطاباته علي: "ما عرفشي احنا بطوننا وسعت ولا إيه بقي" "الشعب المصري بطنه واسعة" "شعبنا كمان أصله انفعالي اوي" "احنا مش ملاحقين.. ومواردنا كمان محدودة" فيما يأتي صوت حداد واضحًا وضوح صرخة تقتل سجانها ألف مرة، وتحمله عارها أبدا: " إن قوما بنوا لمثلي السجونا| عندما يسجدون لا يسجدونا| مصر ليلي أسمتني المجنونا"
ويبدو أن فارقًا كبيرًا بين وعي الشاعر ولغته واستعاراته وبين وهم المخلوع ولغته واستعاراته؛ بما يسمح للشاعر بتفكيك مقولات المخلوع ودحضها سخرية تارة وإنتاجًا لتمثيلات استعارية مائزة تارة، ووضع للمخلوع في قفص الإدانة وقضاته حقيقيون غير قلقين، يطلق حكمهم واحدًا: "ازرع كل الأرض مقاومة| غير الدم محدش صادق| من أيام الوطن اللاجئ| إلي يوم الوطن المنصور.
المغامر والمغامرة
أصاب الباحث في اختياره لفؤاد حداد الذي استطاع وفق غالي شكري في كتابه شعرنا الحديث إلي أين: "لم يستعد شعر العامية المصرية أنفاسه التي تمزقت أوصالها سواء في إذاعة المدينة أو علي ربابة القرية والحي الشعبي إلا مع أشعار فؤاد حداد وصلاح جاهين. تمكن فؤاد حداد من أن يخلص شعر العامية المصرية من كليشيهات النشيد القومي والأغنية المذاعة. كما خلصه من ابتذال الهواة للتراث الشعبي في أساطيره وحكاياته وحواديته وخرافاته. فلم تعنه قط الشكليات الوزنية المتزمتة التي تتعصب لها أبحر الخليل، ولم يعنه قط الموضوع كهيكل عظمي محدد سلفا. وإنما استطاع فؤاد حداد أن ينتهي بشعر المصرية إلي ما يمكن تسميته بالمضمون الفني الذي يعالج التجربة المصرية في محورها الشعبي علي أبعد مدي" إضافة إلي أن حداد عاصر مراحل مصر الأربعة الكبري: ما قبل الثورة وعبدالناصر والسادات والمخلوع، وكان نصه حاضرًا منافحًا عن الشعب في كل فترة.
وأصاب في أنه لم ينزع في نقده لجوانب الفن الشكلية وإنما جعل التداخل بين الفني والقيمي متوازيين لا إهمال لأحدهما، وأظنه أتعب نفسه وأتعب من يتلوه في التعمق في دراسة الظرف الاجتماعي والسياسي والأدبي، إضافة إلي مزجه بين ثقافات متعددة منها العربية والإنجليزية والفرنسية، كما أن اختياره درب النقد الثقافي وهو الدرب الوعر لتنوع أدواته وكثرة متطلباته مغامرة تستحق التحية لما فيها من مخاطرة.
يشوب الطبعة بعض أخطاء كتابية منها وضع الراء بدل الباء [ص 226 السطر الخامس النصر هو نصر (للشعب) مرده وليس النصر هو نصر (للشعر) مرده] ومنها إسقاط حرف التاء [ص 253 السطر الأول (استنادًا) وليس (إسنادًا)] وبعض أخطاء نحوية منها: [ص 261 استعمال [ملفت] وأظنه لغة غير صحيح لأنه من الثلاثي لفت والعرب لا تعرفه متعديا بالهمزة واستعملها الباحث صحيحة ص 267) ومنها [ ص 316 استعماله: في ذات الوقت والصواب في الوقت ذاته] وهي أخطاء أذكرها مرغمًا لقول المتنبي:
وَلم أرَ في عُيُوبِ النّاسِ شَيْئاً ... كَنَقصِ القادِرِينَ علي التّمَامِ
ولست أدري أيأتي الوقت الذي نهتم فيها بشعرائنا المصريين علي حد سواء ومعيارنا القيمة الفنية، أم ستبقي حسابات ما تعرقل هذا.. لكن ما أدريه هو أن أظل محاولاً الانتصار للهوية المصرية التي يمثلها هذا الكتاب من وجوه عدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.